عن صحيفة القدس العربي حالة الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي لا يعرف أحد منذ عام إن كان حيّاً أم ميتاً، صورة تفصح عن أحوال العراق كلّها، فهذا البلد ينام على بحر من النفط الذي يباع بمئات المليارات لكنّه لا يفيق على عيش مستقر وحياة واطمئنان لمواطنيه بل يعاني موتاً يومياً بالمفخخات والحروب بين الأحزاب والمافيات والطوائف ويتربع بوقار مهيب بين أكثر دول العالم فساداً. يتجه العراق نحو انتخابات نيابية جديدة فيما يتحرّك جيشه لمحاصرة مدن الرمادي والفلوجة واقتحامها، ويعلن أحد مسؤوليه الأمنيين أن عشرة آلاف متطوّع جاهزون للقتال مع الجيش العراقي لتحرير مدن الأنبار من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، في وصفة لحرب طائفية شاملة بين الشيعة والسنة. يلقى الموضوع الأخير حماساً شديداً من الولاياتالمتحدةالأمريكية، فواشنطن التي لا ترى في العالم الإسلامي غير ضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل وخطر (القاعدة) سرّعت تسليم عتادها العسكري إلى العراق من صواريخ هلفاير وطائرات استطلاع دون طيار من طراز ايغل ورافين، واتصل نائب رئيسها برئيس وزراء العراق نوري المالكي معبّرا عن (تأييده لجهود العراق في محاربة القاعدة)، وتقوم سفارتها في بغداد بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية. مظلة التغطية الدولية للتحرك العسكري العراقي ضمّت أيضاً روسيا وإيران وفرنسا التي عبّرت حكوماتها عن تأييدها لقتال (الإرهابيين)، لكن السؤال المسكوت عنه هو: أيّ إرهابيين؟ يتغابى العالم عمّا يحصل في العراق لكن العراقيين يعرفون أبعاد اللعبة السياسية التي يقوم بها نوري المالكي، فقد ردّ عليها 44 نائباً أعلنوا استقالاتهم من البرلمان، كما رد عليها سياسيون عديدون مثل إياد علاوي وصالح المطلك وأحمد العلواني، النائب وأحد قادة الاعتصام في الأنبار (والذي عوقب باعتقاله)، وكذلك وجهاء العشائر وشيوخ الجوامع، إضافة إلى بعض زعماء الشيعة مثل مقتدى الصدر الذي ناشد الجيش العراقي عدم قتال (أي جهة بدافع الطائفية فذاك يمس بسمعتكم ويذهب بقوتكم) على حد قوله. توظّف آلة نوري المالكي الإعلامية قضية محاربة (القاعدة) لتبرير هجومها على المحافظات العراقية التي تطالب بحقوق مشروعة وعادلة وتكافح بطرق النضال السلمي والمدنيّ، فحكومة المالكي، مثل شقيقاتها العربيّات، تضيق أشدّ الضيق بالنضال السلمي والمدنيّ وتحاول بكل الوسائل تحويله إلى عمل عنفيّ يبرّر تنكيلها وقمعها لمواطنيها لتكمل سيرورتها الطبيعية التي تعتاش على الفساد والاستبداد والعمالة للخارج. تراكبت لعبة نوري المالكي مع التحرّكات الإقليمية والدولية لحلّ الأزمة السورية والتي فرضت طرد تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) (داعش) من سوريا، وتجميعها لضربها في العراق، لكنّ الرغبات الإقليمية والدولية تتجاهل عامدة دور المالكي نفسه في خلق أسباب نموّ هذا التنظيم لاستخدامه في تأجيج النزعات الطائفية في العراق، وهو الترياق الذي تعيش عليه حكومة المالكي وبطانته الفاسدة. يتجاهل العالم دور المالكي والطبقة المستفيدة في العطب الكبير الذي حلّ بكينونة العراق ومعناه ودوره في العالم العربي، والذي لم يكن ممكناً أن يحصل لولا زواج المصلحة الذي قام بين أمريكا وإيران، والذي تقصّد عملياً ضرب جهاز المناعة لدى الشعب العراقيّ بتعريضه اليومي للقتل والذبح والتشنيع والتمييز الطائفي. (داعش) هي ردّ فعل وحشيّ ولاعقلانيّ على هذا الاتفاق الأمريكي الإيراني على كسر ظهر العراق وتدميره، وإفراغه من عقله العلميّ وروحه العربيّة، ولكن (داعش) هي أيضاً صورة الوحش في المرآة، ومن هنا نفهم كيف أن خطّة المالكي وبطانته لا تستقيم من دون استمرار التفخيخ والقتل والتفجير والطائفية، والاستنتاج الوحيد من ذلك أن الطريق أمام الشعب العراقي للتخلّص من الصورة هي التخلّص من الوحش نفسه. يقود المالكي جيشه و(متطوّعيه) المزعومين (الذي هو رمز مشفّر لتأجيج إحباط الشيعة وتوجيهه ضد إخوانهم من السنّة) نحو مذبحة وقودها السنّة والشيعة معاً، وهي، كما الإبادة الجماعية الجارية على يد الأسد في سوريا، تحظى الآن بمباركة قطبي العالم: روسياوأمريكا بينما تتفّرج إسرائيل وإيران بسعادة على تهشّم حواضر العرب.