لسنوات طويلة اعتاد الشاعر والكاتب المسرحي الأمريكي، أميري بركة (ليروي جونز) أن يثير الجدل والغضب والمعارك كلما تكلم، بالنظر لحدة مواقفه السياسية الرافضة للسائد. الشاعر الذي لم يكل يوما عن النضال بالكلمة والموقف، خاض آخر معاركه بالأمس ليرحل عن 79 عاما بعد صراع مع المرض قضى الشهر الأخير منه في مركز طبي بأمريكا. كانت قصيدته (من فجر أمريكا؟) التي كتبها عقب أحداث 11 سبتمبر هي التي فجرت موجة من النقد ضده، خصوصا من الجهات الصهيونية والأمريكية التي اتهمها دون تسمية مباشرة بوقوفها وراء التفجيرات، واتهم الراحل بمعاداة السامية، وأكثر من ذلك التهريج والغوغائية، لكن الكثير من النقاد اعتبروه في المقابل عبقريا ومالكوم إكس الأدب. كتب بركة قصائده على إيقاع البلوز، وهو نوع موسيقى صوتي وآلي يتحدر من أغاني للزنوج بالولايات المتحدة وبه يتغنّى المغنون بحزنهم وأساهم، أما أعماله المسرحية والنقدية فقد تحولت لقوة محرضة ومستفزة للثقافة الأمريكية. وربما لم يكن هناك شاعر من جيل الستينيات والسبعينيات براديكالية أميري بركة، أو إفريت ليرويْ جونز، كما كان يدعى قبل أن يلتقي مالكوم إكس (الداعية الإسلامي والمدافع عن حقوق الإنسان) الذي منحه اسمه الجديد (إمام أميري بركة) قبل أن يتخلى الأخير عن لقب إمام ويبقي على (أميري بركة) عندما اعتنق الفكر الماركسي لاحقا. كان أميري بركة من أوائل الشعراء بأمريكا الذين طرحوا القضايا السياسية وناضلوا من أجلها بأعمالهم الأدبية. فهو لم يكن يؤمن بمقولة (الفن من أجل الفن) وكان ضد (الوحدة) بين البيض والسود. وقد قال عنه الكاتب المسرحي الحائز على جائزة بوليتزر (أغسطس ويلسون) (مع أنني لم أكتب أعمالا مسرحية سياسية فإنني تعلمت من أميري بركة أن كل فن هو سياسي). كان الراحل ملهما للشعراء والكتاب المسرحيين والموسيقيين من جيله. انغماسه في القوافي واللغة العامية للشوارع جاءت بتأثر من فنون الراب والهيب هوب والشعر العربي الإسلامي. تزعم بركة حركة (الفنون السوداء) وهي حليف لحركة (القوة السوداء) التي نادت في الستينيات من القرن المنصرم بوجوب مشاركة الفنانين السود بالقضايا الاجتماعية، وكان يعتقد بوجوب تدريس فن وتاريخ السود وبأن على الأعمال الأدبية والفنية أن تحدث ثورة. في مؤلفه الشهير (فن أسود) كتب بركة (نريد قصائد قاتلة) كاحتجاج على الطريقة التي يعامل بها السود عام 1965، وهو ذات العام الذي نشأت فيه حركة الفنون السوداء. من ضمن الأحداث المهمة التي غيرت مسيرة حياة الشاعر بركة الثورة الكوبية، واغتيال مالكوم إكس عام 1965، فقد طلق على إثره زوجته البيضاء ذات الأصل اليهودي وتزوج من شاعرة من أصل أفريقي كان اسمها سيلفيا روبنسون قبل أن تصبح أمينة بركة، وهي من أشد الداعمين له بمسيرته السياسية والأدبية. اعتنق بركة الإسلام، إلا أنه تبنى الفكر الماركسي عام 1974. كتب عام 1990 مقالا أوضح فيه أن جميع أحكامه كانت انعكاسا صادقا لما يشعر ويفكر به، لما يعلم ولما يفهم (لكن المعتقدات تتغير والعمل يؤكد ذلك). ولذلك فقد تتبعه مكتب التحقيقات الفيدرالية الذي اعتبره شخصا ذا أفكار جذابة، وعرفه بأنه (الشخص الذي من الممكن أن يكون قائد الحركة الأفريقية الجديدة بالولايات المتحدة). ولد الراحل يوم 7 أكتوبر 1934، في نيوجرسي. تنوعت كتاباته بالمسرح والشعر والرواية وكتابة المقالات التي كانت بمجملها تدافع عن الحقوق المدنية للسود كما بمسرحيات (العبيد) و(التويليت) و(الهولندي)، ورواية (نظام جحيم دانتي). وقد عمل مدرسا بعدد من الجامعات منها جامعة نيويورك في بوفالو.