أزمة نصوص واقتباس أم أزمة جمهور؟ يعيش المسرح الجزائري هذه الأيام على وقع الذكرى الخمسينية للاستقلال شأنه شأن الكثير من الفنون الأخرى التي تسعى لأن تحتفي بطريقتها بهذه الذكرى المباركة، وإذ يحتفي بالمناسبة فهو يحتفي أيضا بمرور أكثر من 50 سنة على نشأته، والتي مرت بمراحل وتجارب مختلفة، مضيئة، مزدهرة أحيانا ومتعثرة أحيانا أخرى، ورغم بعض المتاعب والمصاعب التي اصطدم بها خلال سنوات الاحتلال أو بعد الإستقلال، إلا أنه استطاع أن يصنع في وقت من الأوقات تميزه وجودته بفضل قامات فنية كبيرة كمصطفى كاتب، كاتب ياسين، عبد الرحمن كاكي، عبد القادر علولة، وعزالدين مجوبي، واستطاع المسرح الجزائري أن يفتك أهم الجوائز المسرحية في أكبر المهرجانات العربية على مدى سنوات. وأن ينال إعجاب أهل الفن والمسرح والثقافة والجمهور العريض في كل مكان تمت فيه عروضه المسرحية المتنوعة. وبهذا الشأن قال وقتها مصطفى كاتب: (لقد شاركنا في مهرجانات عربية ودولية وقدم المسرح آنذاك أعمالاً رائعة لفتت أنظار العديد من الجهات ولعل شهادة «شي جيفارا»، أحسن دليل على ما نقول إذ صرح بعد مشاهدته لعرض مسرحي بقاعة الأطلس بمناسبة فاتح نوفمبر 1962 قائلاً: «قيل لي بأنه لا يوجد مسرح في الجزائر ولكني رأيت المسرح الثوري بعيني في أرض الجزائر»). المسرح الجزائري وفي أشد الأوقات مأساوية ودموية لعب دورا مهما وبارزا وأدى ما كان يجب تأديته فنيا وجماليا وفكريا وإعلاميا وبأبسط الإمكانات المتاحة والمتوافرة وقتها. لكن ترى كيف هو حال المسرح في الجزائر بعد مرور 50 سنة من الاستقلال، ولماذا يشتكي أهله وناسه والمتلقي أيضا من مآله الحالي، هل هناك أزمة حقا يعاني منها المسرح الجزائري، وهل هي أزمة نصوص واقتباسات، أم أزمة إنتاج وإخراج، أم هي بالأساس أزمة في المتلقي/الجمهور الذي اعتاد حسب قول البعض على المسرح السهل، والعروض التهريجية التي تغرقه في الضحك أكثر مما تغرقه في التأمل والأسئلة والانتباه إلى الحالات والقضايا المراد طرحها أو معالجتها. هل حقا المسرح الجزائري الذي سجل حضوره الذهبي خلال سنوات ماضية في المحافل والمهرجانات العربية المسرحية، ونال جوائز وتتويجات كثيرة، تراجع الآن وبأشواط كثيرة، وقبع في أزمته، وما هي أسبابها الحقيقية يا ترى، وهل سيقبع فيها لوقت طويل. عن حال المسرح الجزائري وأزمته وقلة اقتباساته من النص الأدبي الجزائري ولجوء المشتغلين في حقله للإقتباس من الآداب والمسارح العالمية، يتحدث بعض الكُتاب والمسرحيين والمختصين والمهتمين في ندوة كراس الثقافة لعدد اليوم. استطلاع/ نوّارة لحرش بن ساعد قلولي/ كاتب وناقد أزمة تنازع مخيالين ثقافيين مخيال الكاتب المسرحي ومخيال المخرج في الواقع من غير الممكن الحديث عن حراك مسرحي طالما أن ما هو سائد فقط هو المسرح المناسباتي المرتبط بمناسبات معينة ومواعيد موسمية تتغير عناوينها حسب الأمزجة والأهواء السياسية المتحولة من النقيض إلى النقيض تأخذ أحيانا طابع المهرجانية التي هي بالأساس إنجاز إداري وسياسي أكثر منه إنجاز ثقافي أو مسرحي، أو بعبارة أخرى هذه المهرجانية لا تشعرك أبدا بوجود حركة مسرحية نشطة ودائمة الحضور في يوميات المواطن الجزائري. وبحركة ارتدادية بسيطة إلى الماضي القريب نجد أن المسرح الجزائري في أعز أطواره على أيام كاتب ياسين ومصطفى كاتب وعزالدين مجوبي وعلولة وغيرهم كانت تنبثق عن حراكه المتنوع رغم مناخ الأحادية السياسية التي كانت تميز تلك المرحلة تيارات وتوجهات فنية كمسرح الحلقة مثلا الذي كرس له جهده فنان مميز هو عبد القادر علولة عبر أعماله المتنوعة "الأجواد- القوال- اللثام- الخبزة". وذالك بمزجه بين الأنماط التراثية القديمة و"الشكل البريختي" -نسبة إلى المسرحي الشهير بريخت- وحتى ما هو موجود الآن من استثناءات جزئية لبعض التجارب المسرحية التي استطاعت أن تقدم أعمالا مسرحية مقبولة فنيا وتقنيا، فهي إما عروض معادة ومكررة بقليل من التعديلات الطفيفة أو أنها أعمال جديدة ولكنها لازالت تتخذ الإقتباس من الآداب العالمية مادة لها ضاربة عرض الحائط بالنص المسرحي المكتوب بأقلام جزائرية الذي يبدوا أنها لازالت تتجاهل وجوده في ظل وجود أسماء إبداعية على غرار إحميدة عياشي ويبرير إسماعيل ومحمد الزاوي وحسن تليلاني وعبد القادر برغوث وآخرين وهي أسماء بإمكانها أن تقدم الكثير للمسرح الجزائري وأن الحديث الممل عن وجود أزمة نص مسرحي أعتقد أنه ضرب من الوهم أو هو ناجم عن عدم الإلمام بتحولات المشهد الإبداعي الجزائري على مستوياته المتعددة، وأن الأزمة الحقيقية فيما أرى تكمن فقط في تنازع مخيالين ثقافيين تجاه الكتابة المسرحية، المخيال الأول هو مخيال الكاتب المسرحي الذي يكتب نصا مسرحيا بوصفه نصا إبداعيا دون أن يضع بعين الإعتبار الممكنات التقنية والفنية لتحول نصه المسرحي إلى عرض وفرجة مسرحية، أي دون أن يؤثثه بالعناصر القابلة لتحوله إلى فضاء الركح المسرحي وبالتالي يبقى من حق المتلقي طرح السؤال التالي: هل كتب هذا النص المسرحي من أجل القراءة وفقط، أم من أجل القراءة والعرض معا؟، ومخيال آخر هو مخيال المخرج المسرحي الذي عادة ما يفتقر إلى الثقافة الأدبية معتمدا فقط على تكوينه الأجنبي "الفرنسية" على وجه الخصوص - طبعا أنا هنا لا أعمم، أتحدث عن ظاهرة موجودة بالفعل- وحسه الإخراجي، فيلجأ حين يعجز عن التواصل مع النص المسرحي المكتوب باللغة العربية على وجه الخصوص أو على أقل تقدير بما أصبح يسمى "اللغة الثالثة" وهي لغة تجمع بين لغة "الحكي الشعبي" العامية والفصحى إلى الإقتباس من الآداب العالمية أو إعادة إنتاج أعمال مسرحية قديمة في ثوب جديد، مع محاولة إسقاط خيوط العرض المسرحي على ما أستجد من أحداث ووقائع. هذه هي الأزمة الحقيقية في منظوري الشخصي، أزمة تنازع مخيالين، مخيال الكاتب المسرحي ومخيال المخرج، وما عدا ذالك فهي مجرد أسئلة مفتعلة. محمد الزاوي/ كاتب مسرحي مقيم في باريس المسرح صمد كأداة مقاومة أيام الإرهاب، واليوم يعاني من أزمة بنيوية عامة لا يمكن أن يتطور المسرح لوحده بمعزل عن باقي الفنون التي لم تنتعش في بلادنا لأسباب عديدة، بحيث أن المسرح لا ينتعش في مجتمع وصل إلى الانسداد السياسي، رغم أن أعمالا مسرحية كثيرة تم وضعها على خشبات المسارح الجزائرية وقامت بها فرق مسرحية مختلفة، لكن يمكن القول بأن الكثير من العوامل ساهمت في أن يصل المسرح مثل بقية التعابير الفنية إلى ما وصلت إليه اليوم. ما هي مكانة المسرح في المدارس؟، هل تم وضع مدارس متخصصة لتنمية مواهب الشباب؟. المسرح والموسيقى، الفنون التشكيلية أو الكِتاب ما هي مكانتهما في الجزائر؟. لقد صمد المسرح كأداة مقاومة في أيام الإرهاب ورغم التهديد الذي لاقاه رجال المسرح فإن أغلبهم بقوا أوفياء لهذا الفن الجميل، وكانوا يذهبون إلى مسارحهم. المرحلة الدموية التي عاشتها الجزائر في التسعينيات أثرت بالسلب على العملية الإبداعية المسرحية، وخاصة المسرح الطلائعي. فقد تم استهداف رائد كبير في المسرح الجزائري وهو عبد القادر علولة، الرجل الكبير الذي كان يمد الجسر بين المسرح المحترف والمسرح الهاوي. والحديث عن الراحل عبد القادر علولة يجرني للحديث عن هذا الرجل الذي كانت إسهاماته كبيرة في تنمية المسرح الهاوي في الجزائر، وأذكر حادثة قصيرة وجميلة، ففي سن 17 تعرفت على سي علولة في مهرجان مسرح الهواة بمستغانم، الذي كان خشبة للعرض المسرحي والنقاش الذي كان يستمر في قاعة إفريقيا إلى غاية الصبح، والناس طوابير للمشاركة في النقاش حول المسرحيات، وكان حينها الرجل مرفقا بجهاز تسجيل، وكان ينظم حلقات لمعرفة رؤية الشباب وجس نبضهم، وكنت أنا في بدايتي المسرحية، بحيث أنني أسست فرقة مسرحية في مدينة المدية إسمها "المستقبل"، وكنت أكتب مسرحية أتناول في قصتها الصراع بين الإخوة في البيت، وقد تفضل عبد القادر بإعطائي عنوانه الشخصي فكاتبته، وحدث أن أجابني بعدة صفحات مكتوبة باليد. يومها كنت في صراع كبير مع أخي الذي كان يتبنى الأفكار الإسلاموية وأنا كنت أتبنى الأفكار الماركسية. لقد وقفت منبهرا بالإجابة الطويلة للكاتب المسرحي عبد القادر علولة الذي خصني بأكثر من عشرين صفحة مكتوبة بقلم من مداد أزرق. وحينها تساءلت: كيف أن الرجل أعطى من وقته لمراسلة شاب لا يعرفه أي أحد في هذا العالم. لقد كان عبد القادر علولة سندا للشباب، والتزام علولة لا يمكن أن نجده اليوم. لقد كنا في السبعينات شبابا نبحث عن المعنى، ورغم أننا كنا نردد أحيانا شعارات لا نهضم معناها كثيرا، أو أننا تعاطفنا مع حركات سياسية إلا أن هدفنا وحلمنا هو تغيير المجتمع، وكنا بأبسط الأشياء نصنع ديكورا وأضواء ونلتقي بجمهورنا في القرى والمدن، نذهب إليه ونخلق خشبة من العدم، لم نقرأ مسرحا في المدارس أو الجامعات، وكنا نكتب. كان الفرد يذوب في الجماعة، ونلجأ من حب الجماعة إلى الكذب، يكتب أحدنا في الفرقة المسرحية، ولكن نفضل أن نقول: من تأليف جماعي، ولم يكن يُملى علينا ما نقوله على الخشبة أو كنا نعمل بحسب أجندات السياسيين والمسئولين والمناسبات، بل كانت أعمالنا عفوية رغم أننا كنا متأثرين ببعض الخطابات السياسية التي لم تكن فتاكة. الآن المسرح في أزمة، وهي أزمة بنيوية عامة، ولا يمكن فصل المسرح أو التعامل معه كشيء منفصل عن باقي الفنون الأخرى. كيف هو وضع الفنون الأخرى؟. التراجيديا التي عرفها المجتمع الجزائري أعتقد أنها أثرت كثيرا، لكنها في نفس الوقت جعلت رجال المسرح يضعون مسافات مع خطابهم المسرحي ويبحثون عن صيغة جديدة، ومنها البحث في المسرح العالمي عبر الإقتباس، وخاصة في المسرح العبثي. في السابق لم تكن الفرق المسرحية تقتبس مسرحيات لبيكيت أو يونسكو، وكان ينظر للفرقة التي تقوم بوضع مسرحيات لهؤلاء بفرقة ذات نزعة يمينية أو برجوازية، لأن المسرحيات التي أقتبست من الأدب الأجنبي هي مسرحيات فيها حوار وحبكة مسرحية وشخصيات،،،الخ. بينما أن أقتبس من الأدب الجزائري فهذا ليس بالأمر الهين، رغم أنه جرى إقتباس روايات الراحل الطاهر وطار "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، و"القصر والحوات" من قِبل مسرح قسنطينةوالجزائر العاصمة وعنابة. المشكلة التي تطرح اليوم: هل هناك كُتاب مسرح في الجزائر؟، لأن المسرح أيضا لغة. بأي لغة نخاطب الجمهور، والمسرح المألوف عندنا الذي يستطيع الجمهور مشاهدته هو المسرح المكتوب بالدارجة وهذه الأقلام قليلة جدا. ثم أن دور الطبع الجزائرية لا تطبع للمسرح المكتوب بالدارجة، ربما من باب التحقير، لأنها لهجة عامية. هل فكرنا في المستقبل؟. كيف يمكن أن نحافظ عل هذا الإرث الثقافي من حيث نقل تجربة الكتابة والإبداع للأجيال الجديدة. هناك مهرجانات مسرحية تنظم من بعض الولايات ومن وزارة الثقافة وهذا طبعا أمر إيجابي ولكن يجب تثمينه بمبادرات أخرى تضع جسرا بين الأجيال القديمة والأجيال الجديدة. عبد القادر برغوث/ روائي وكاتب مسرحي الحاجة ملحة إلى أمثال مجوبي وعلولة وياسين نشهد في السنوات الأخيرة حِراكا محسوسا في المسرح ونشاطا ملفتا، مقارنة مع العقد أو العقدين السابقين الذي عانينا فيه ظروفا أمنية وسياسية، والتي لا تخفى على أحد، حيث هُمش المسرح كما همشت الكثير من الأشياء المهمة، أما مرجع هذا الحراك المحسوس هو صرف الحكومة بسخاء على المهرجانات (المحترفة وغير المحترفة) وذلك لشعورها وشعور المثقفين بالفراغ الكبير والحاجة الملحة للمسرح، ولكن لاحظنا أن هذا الانتعاش جاء في جوقة غير منسجمة، مصاحبا صخبا وفوضى مربكة ومناسباتية في كثير من الأحيان، حيث لا نكاد نرى فيها بصمة أو ملمح يشبهنا، شعرنا أنه هناك هجين ما يتكون يوما بعد يوم ولهذا فنحن في حاجة ملحة لمخرجين وممثلين كبار على شاكلة عز الدين مجوبي وعبد القادر علولة وكاتب ياسين الذين تركوا بصمتهم ومثلوا مسرحنا أحسن تمثيل في المحافل العربية والدولية، نحن في حاجة لممثلين ومخرجين وفنيين ملمين بأهم اتجاهات المسرح العالمي و واعين بالبعد لتراثنا وتاريخنا وخصوصياتنا حتى يستطيع أن يضيف شيئا جديدا، كما أننا في حاجة لسياسة ترويجية لحث الجمهور على الاهتمام به، بل الأكثر من ذلك نحن في حاجة إلى مشروع متكامل تشترك في المؤسسات المختصة وجميع المهتمين والكُتاب والمثقفين بالمسرح لنستطيع النهوض بهذا القطاع، كما أحب أن أضيف على المسرح أن ينفتح على الفنون والآداب، فمن المآخذ عندنا أننا نرى ممثلون جيدون وإخراج ممتاز وسينوغرافيا ممتازة ونصوص هزيلة ورديئة أو مستهلكة لا تعبر عنا، لهذا نحن في حاجة إلى نصوص ونصوص جزائرية بالتحديد لتُمثل، لأن النص المسرحي الرديء لا ينتج إلا مسرحية رديئة مهما اجتهدنا في تحسينه. والآن بعد مرور 50 سنة على الاستقلال، مرت فيها التجربة المسرحية الجزائرية بصعود ونزول عدة مرات علينا أن نتعامل مع المسرح بأكثر جدية، وأن نراهن على نوعية الأعمال المقدمة وأن نجعل الأعمال المسرحية هي التي تُمول نفسها بنفسها بدون التنازل عن شرط النوعية، أنا متفائل جدا بالمستقبل وأعتقد أنه سيحمل لنا مفاجآت سارة بهذا الخصوص. إسماعيل يبرير/ شاعر وروائي وكاتب مسرحي توجد قطيعة بين الركح والمتلقي الجزائري أعتقد أن ما يشكوه المسرح هو مرض داخل المسرح، فالتقاء بعض ممن يحسب أنهم أعلام في المسرح الجزائري كفيل بأن يكشف لك أنك أمام أناس محدودين ولا يملكون رؤية لما يقومون به، أمر آخر المسرحيون الجزائريون في الغالب يترصدون بعضهم، أنا شهدت مرة أحدهم يدعو إلى الانتفاض على أمحمد بن قطاف في ندوة بإحدى الجامعات، في المساء نفسه وجدته بين بعض المحسوبين على بن قطاف يمجده، هذا نموذج قُدم ليكون عضوا في لجنة تحكيم، بينما يُعاني مبدعون حقيقيون من إعراض الضوء عنهم، ويشغل آخرون بتوافه الأمور حتى لا يقدموا شيئا. بالنسبة لأزمة النص الكاذبة، أعتقد أن النص لم ولن يكون أزمة، النص رؤية مبكرة للمسرحية، المخرج والسينوغراف والكوريغراف ومجموعة كبيرة من الممثلين والتقنيين مطالبة بتقديم البقية، إذن فالنص خارج مجاله الذهني هو النواة للمسرحية ولا يمكن أن يكون المسرحية كاملة على الركح، فما يقترحه الكاتب قد يرفضه المخرج وقد يناقضه في تصوره للعرض، هنا في الجزائر يمكن أن يقتبس البعض لمؤلف من مدغشقر لا تعرف أمه أنه يكتب مسرحا، لكنهم لن يطلبوا نص إسماعيل يبرير المتوج في الشارقة ولا نصوصه الأخرى. ولا داعي للحديث عن كاكي وعلولة وغيرهم، هؤلاء كانوا بصدد تقديم مسرح جزائري، أما الآن فالمسرحيون يريدون فقط أن يجدوا مسرحا، وتلك مفارقة نعيشها بألم. هناك أيضا أزمة تلقي. عندما تحضرين عملا مسرحيا فعليك أن تتأكدي أن العشرين شخصا الحاضرين نصفهم حلوا بالخطأ، فتوقعي ضحكا أو تعليقا أو أي حركة شاذة، توجد قطيعة حقيقية بين الركح والمتلقي الجزائري. هارون الكيلاني/ ممثل ومؤلف ومخرج مسرحي الكسل أصاب أهله وهم لا يبذلون مجهودا للإبداع لا أحب أن يُحصر تألق المسرح في السبعينيات والثماننيات حتى لا نحجب مجهود الذين يعملون بجد في هذا الحقل الآن. يمكن لهذا الجيل أن يصنع ما لم تصنعه أجيال مضت. الجيل الماضي كان يغامر في صنع الحدث وخوض التجارب، كان هناك نوع من التجاذب والتواطؤ الطيب والعاقل، أما أجيال اليوم فهناك نوع من الكسل الذي أصاب أهل المسرح، فالدولة تضخ الكثير من الأموال والواقفين على المسرح لهم رغبة الإنتاج، إلا أن بعض المخرجين والسينوغرافيين يرمون هذه الأموال من النوافذ. إنهم لا يبذلون مجهودا للإبداع. نفس الشيء لبعض كتابنا إن لم أقل أغلبهم، فهم يكتفون بالرواية أو القصة أو الشعر في حين الكُتاب الغربيين يبدعون في كل أشكال الأدب والفلسفة والفن. المسرح أو "التياتر" الجزائري مازال يحصد الجوائز و لكن الإعلام لا يشتغل، ومن جهة أخرى هناك من عمال الثقافة من لا علاقة لهم بالثقافة لذا تبقى الجوائز حبيسة أدراجهم اللعينة. أما الإقتباس فهو مهم في العملية المسرحية. مثلا عن الاقتباس من الأعمال المحلية فهذه نافذة طيبة تدعونا لمشاهدة أنفسنا من زاوية مختلفة، وإن كان من خارج الدائرة فهو انفتاح طيب ولكن انفتاح بالقوة التي نمتلكها في تراثنا وطقوسنا الشعبية الدينية والدنيوية. والاقتباس من خارج البيئة سيدفع بنا إلى اكتشاف عوالم أخرى توغلنا في أدغال "التياتر"، ولكن الاقتباس بوعي.