إنّ الحديث عن المثقّفين المنسيين والمهمّّّشين في ولاية وهران، مليئ بالشّجون والحسرة، وجوه ظلّت تصنع المشهد الثقافي لسنوات طويلة خاصة في العشرية السوداء، واجهت التحديات والتهديدات ولم تتوقّف عن العطاء ضاعفت جهودها، في حين اختفت الكثير من الوجوه، ولكن بعد استرجاع السلم والأمن أصبح ليس لها محلا من التظاهرات والمهرجانات التي عرفتها الباهية منذ أكثر من عشرة أعوام، ليظل السؤال الأكبر: هل هذا هو جزاء سينمار؟ كيف ومتى؟ في هذا الاستطلاع اتصلت "الشعب" بالبعض منهم محاولة لمعرفة أسرار الغياب والتغييب. الروائي رامي الحاج.. الإقصاء متواصل في غياب مشروع ثقافي يعتبر من الأسماء المعروفة ليس فقط محليا بل وطنيا، شاعر، روائي، باحث في التاريخ، صحفي، مدير نشر يوميات سابقا، حاليا مسؤول النشر في واحدة من الجرائد الوطنية، يكتب بالعربية والفرنسية، رئيس النادي الأدبي سنة 1999 ورئيس المكتب الجهوي لرابطة إبداع الثقافة الوطنية سنة 1994، يقول في الموضوع إن الحديد لن يعطي عطرا، والشوك لا ينبت زهرا، هذه حتمية مادام الرجل السياسي يواصل تعنتّه في اعتبار المثقف عدوّه رقم واحد ، ومادامت الثقافة في خدمة السياسية، ومادامت المهرجانات والتظاهرات مجرد تقارير إدارية يصادق عليها وتستنزف أموالا لا عدّ لها، ولو تم استغلالها لوجهتها إلى بناء دور للشباب والمراكز الثقافية والمكتبات وتجهيزها لكانت، الأمور أفضل. واكد رامي الحاج ل«الشعب" أن الوضعية ستظّل على حالها مادمنا نفتقد للمشروع الثقافي البديل، وهذا المشروع حسب التوضيحات لا يحضّره أو يصنعه السياسيون في الصالونات أو الإداريون في المكاتب المكيفة، بل المثقفون باختلاف مشاربهم من خلال اللقاءات التشاورية والجلسات والحوار ولقاح الآراء، ولكن "فاقد الشيء لا يعطيه". واعتبر ما حدث ويحدث في حق المثقفين الحقيقيين من تهميش وإقصاء ليس بالأمر الغريب، وهذا هو "جزاء ملائكة الأدب"، و في الختام تساءل كيف لمديرية الثقافة أن تتعامل مع نفس الوجوه والأسماء ولا يهم ماذا يقدّمون؟ ، ولما لم تفكّر يوما في التواصل مع المثقفين والفنانين المهمّشين؟. الفنان عبد الله حسين.. هذه ضريبة الفنان والمثقف الملتزم الفنان والمسرحي عبد الله حسين، خريج مدرسة أنغام ومواهب سنة 1994، مؤسس فرقة أحمد وهبي ببلدية مسرغين سنة 1998، مطرب في فن الوهراني الأصيل وممثل مسرحي، شارك في العديد من العروض : مريومة، الكرسي والحاكم، كما شارك في مختلف المهرجانات الموسيقية والمسرحية، لكنه ومنذ سنوات يعاني التهميش والإقصاء بكل أوجهه، ويقول في ذلك: لم نعد نفهم ما يحصل، ولماذا هذا الإقصاء المضروب على الكثير من الوجوه الفنية والأدبية في وهران، ليس هناك تواصل حقيقي، حسبه، بين الأوصياء والفنانين ومعظم الأبواب موصدة، وتساءل لماذا؟، كنّا الأوائل في العشرية السوداء نلبّي دعوة المسؤولين على الثقافة، وتنقّلنا حينها إلى عدّة ولايات وإلى غاية تمنراست مثّلنا ولاية وهران في وقت هرب فيه الكثيرون واختفوا، واليوم أصبحنا في آخر الطابور لا يسمح لنا ركزا، لماذا؟ يتساءل مرّة أخرى عن ضريبة الفنان والمثقف الملتزم الذي لا يريد سوى تقديم فن أصيل متميّز، متجدّد وهادف. الشاعر فؤاد قادي .. نعيش في الظل ونموت في صمت فؤاد قادي من شعراء وهران الذين أبلوا البلاء الحسن في المشهد الثقافي بعاصمة غرب البلاد خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي، عرف بالشاعر الملتزم، كان عضوا نشيطا في النادي الأدبي ثم جمعية تعابير الثقافية، وبعد ذلك أسس جمعية "الكلمة" ونظّم العديد من المهرجانات، شارك فيها الكثير من الأسماء الأدبية أمثال: أبو بكر زمال، علال سنقوقة، رامي الحاج، بشير مفتي، ميلود خيزار، غنية سيد عثمان، فاطمة بن شعلال، غنية مجاري، وآخرون لكنّه منذ سنوات لم يعد يسمح له صوتا. قال قادي ل«الشعب" عندما كنا ننشط في قصر الثقافة، كنا شلّة من المبدعين همهم الوحيد إثراء المشهد الثقافي في وهران، ومن باب الأمانة التاريخية، فتح لنا الدكتور أمين الزاوي سنة 1991 أبواب قصر الثقافة بوهران، وأسّسنا النادي الأدبي تم جمعية تعابير، وكان حينها الراحل نور الدين مالكي، يساعدنا ويدعّمنا في تواصل مستمر مع المثقفين والمبدعين، لكن منذ رحيله رحمه الله تغيّرت الأوضاع، وأصبح معظم مثقفي وهران الحقيقيّين غرباء، مهمّشين يعيشون في الظل ويموتون في صمت، فذنبنا الوحيد، حسب المسرحي عبد الله حسين، أننا مثقفو الكلمة بمفهومها النبيل، وليس لقضاء المآرب وصناعة ثقافة الواجهة. وقال عن الفنان والشاعر، حدادين محمد "رحم الله، أنّه صنع أفراح الأمسيات الأدبية في قصر الثقافة والفنون خلال العشرية السوداء، يتقن العزف على آلة العود ويكتب الشعر باللغة الفرنسية. وفي شأن الراحل بختي بن عودة، أكد فؤاد قادري ل«الشعب" إنّه فريد الأطرش الجزائري، لكنه مثل الكثير الذين صنعوا مساحة للإبداع والفرح دخل في طي النسيان، ولا أحد يسأل عنه. وأضاف والحسرة بادية على ملامحه، رحم الله زمانا كانت وهران عاصمة للثقافة والفنون دون مناسبات رسمية ولأعوام متتالية، كان ذلك في سنوات التسعينيات، كنّا نواجه الرعب والخوف بالتحدّي وتنشيط الأمسيات الثقافية ليس في وهران فقط بل حتى في الولايات المجاورة والبلديات النائية، ونؤمن بفكرتنا بأننا نؤسّس تقاليد ثقافية حقيقية ونشبّع المبدعين، بإمكانياتنا المادية الخاصة، ولم نطالب يوما بالمقابل المادي، ولكن حين هدأت الأوضاع وجاء أوصياء آخرون على شؤون الثقافة في وهران، تم تهميشنا وإقصاؤنا، لكننا، حسبه، غير نادمين لأننا كنا خادمي الثقافة قلبا وقالبا..." الشيخ بو عبد الله سعدون.. لستُ طرف نزاع في معركة الأدب قال الشاعر وقد أعياه الترحال ل "الشعب" :« إن الأدب كان مأدبة ثمّ أدبا وأصبح – مندبة -، أما الجزائر كمريم العذراء ولدت عظيمة فمتى نعرف حق قدرها؟ أما الجرائد فمنها من تصلي على صفحاتها طوائف المؤمنين والعلماء، خلاف بعض الجرائد التي تمسح الأفواه وتلملم فيها أشتات السردين والتوابل."... ودون أن يتوغّل في الحديث، أجاب قائلا أنا لستُ طرف نزاع في معركة الأدب بل رجل عقد وإصلاح، وأشار إلى حلة من الأسماء كأمثلة يرى فيها الجودة والقيمة، نذكر منهم حسب ما جاء على لسانه :« قصائد الشاعر عثمان لوصيف لحكمته البالغة، مصطفى دحية لنبوءته المتفردة، ابن عزوز عقيل لشعره الهادف، مأمون حمداوي لصوته الحنون، عارون أحمد لقراءته المتميزة، عبد الله الهامل لقصائده الإيحائية، الشيخ أمحمد بلعورة السوقري لتجربته الرشيدة، نور الدين عوالي لجنونه الهادئ، عبد الرحمان بلزرق لصعلكته المحمودة، ميلود عبد القادر لفلسفته العميقة، ابن عمر غمشي لثقافته الواسعة، ابن يمينة كريم لمستواه الرفيع، رامي الحاج لطربه الرومانسي، فؤاد قادي لتمرده الخجول، زهرة برياح لتميزها الأنثوي، زهرة بلعاليا شاعرة الساحل، سلوى لميس عذراء سيبوس، مي غول زرقاء المهدية، وأنبياء الشعر الآخرين يبقون في الذاكرة، وآخرين،حسبه، لم أذكر أسماءهم حتى تثبت نبوءاتهم.