هل حقا لا توبة للزانية وهل إذا تاب الله عليها سيحاسبها يوم الدين على ما فعلت قبل توبتها وهل عند دفنها سيُفتضح أمرها؟ هل عليها أن تُعلم أحدا ليقام عليها الحد؟ وهل ستر الله عليها يعني محبته لها أم كرهه لها؟ وما حكم الدين في كل محاولات الزنى السابقة بعد توبتها هل تحول سيئتها إلى حسنات؟ الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: إن ما يتردد في النفس أن لا أمل في التوبة وأن الله لن يغفر وأن الله سيفضح... كل هذا من مداخل الشيطان لأجل أن يقنط الإنسان من رحمة الله فيهلك، فحذار حذار من التفكير في ذلك، والاسترسال مع الشيطان فيه. أن رحمة الله عز وجل وسعت كل شيء، وإحسانه على خلقه كبير، ومن ذلك أنه سبحانه فتح الباب للتائبين، وقبل ندم النادمين، ولم يقنطهم من رحمته. واسمع لهذا الحديث فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وان ربك – أخطأ من شدة الفرح – متفق عليه. وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رجلا قتل مائة رجل ولم يعمل خيراً قط لكنه ندم وتاب فقبل الله توبته، فالمؤمن لا يقطع الأمل من الله. واسمع لربك وهو يخاطبك يقول الله عز وجل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء). التوبة الصادقة المشتملة على شروطها، من الإقلاع عن هذه الجريمة إقلاعاً تاماً، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليها مطلقا. ومن فعل ذلك فقد تاب إلى الله تعالى، ومن تاب تاب الله عليه، وقبله، وبدَّل سيئاته حسنات. كما قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة104. وقال سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَل: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) وَنَزَلَتْ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) متفق عليه. فمن وقع في الزنا فليبادر بالتوبة إلى تعالى، وليستتر بستره، فلا يفضح نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمَ فليستتر بستر الله عز وجل) رواه البيهقي. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) صحيح مسلم. افرح أخي أن لك رباً غفوراً رحيماً حليماً, يقبل توبة العبد بعد الإسراف في المعاصي, فيتوب عليه ولا يبالي, بل ويبدل سيئاته حسنات. أليس هو الذي نادى عباده قائلا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53). وقال العفوُّ الغفور في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم). وقال تعالى في سورة الشورى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى:25). وقال أيضا: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:110). ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ( يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) فلا يخيب من أمل في الله، ولا يطرد من لزم باب الله. حين تقع في المعصية وتلم بها فبادر بالتوبة وسارع إليها, وإياك والتسويف والتأجيل فالأعمار بيد الله عز وجل, وما يدريك لو دعيت للرحيل وودعت الدنيا وقدمت على مولاك مذنبا عاصيا. فإذا تكرر الذنب من العبد فليكرر التوبة, وقد ثبت أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أحدنا يذنب, قال يكتب عليه, قال ثم يستغفر منه ويتوب, قال: يغفر له ويتاب عليه, قال: يكتب عليه, قال: ثم يستغفر ويتوب منه, قال: يغفر له ويتاب عليه. قال فيعود فيذنب. قال: "يكتب عليه ولا يمل الله حتى تملوا". وقيل للحسن: ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود, ثم يستغفر ثم يعود, فقال: ود الشيطان لو ضفر منكم بهذه, فلا تملوا من الاستغفار. ويعد العلماء تأخير التوبة ذنبا آخر ينبغي أن يتوب منه فبادري أختي المذنبة بالتوبة قبل أن يوافيك الأجل.