يعتبر التسول في الجزائر، من المواضيع التي شكلت مادة إعلامية خصبة خلال الفترات السابقة، حيث تناوله الكثيرون، محاولين دراسته وكشف الكثير من جوانبه وخفاياه، خاصة وانه لم يعد مجرد وسيلة رزق لبعض الذين لم يجدوا ما يسدون به رمقهم فاتجهوا الى مد ايديهم طلبا لبعض الدنانير التي قد تنفع في إعداد عشاء أبنائهم ليلة واحدة على الاقل. ولا يكف المتسولون عن ابتداع العشرات من الحيل والطرق التي قد يقف لها الإنسان مستغربا، وعاجزا حتى عن مجرد الكلام، ولا يمكن وصف ما يقوم به هؤلاء ان كان يدور في اطار الوقاحة والتبجح، ومحاولة اجبار الآخرين على التصدق عليهم بكل الطرق والوسائل الممكنة، والغريب ان بعضهم صار لا يكتفي مطلقا ببضعة دنانير يدسها احدهم في يده، بل قد يفضحه ويسمعه وابلا من السب والشتم على مرأى ومسمع الآخرين، ما يجعله في موقف محرج للغاية، او قد يتطور الامر الى حدوث اشتباك بالالسنة وحتى بالايدي ما بين المتسولين والمتصدقين عليهم في موقف يبعث على الدهشة والذهول فعلا. من ناحية اخرى فان هنالك متسولين يزهدون في الدنانير ايا كانت قيمتها، ويفضلون الصدقة العينية افضل من المادية، ولذلك فانهم لا يتحرجون من طلب بعض المواد الغذائية مثلا، وياليتها تكون موادا ضرورية لاكلهم وعيشهم كالخبز والحيلب، بل ان بعضهم لا يتردد في طلب الكماليات التي قد لا يتمكن حتى الفرد العادي من اقتنائها لنفسه واسرته. وهذا بالضبط ما قامت به احدى المتوسلات بواحد بمن الاسواق الشعبية في العاصمة التي كانت تمسك بيديها علبة تونة من النوعية الرفيعة، يصل ثمنها الى 55 دج، ملحة على المارة ان يقتنوا لها واحدة مثلها، وان كان الامر قد اثار سخرية وضحك البعض وتعليقاتهم الهازئة ايضا، فان اخرين لم يتمالكوا انفسهم من الدهشة، هذا فيما تقوم متسولات عديدة ممن يلجأن الى وسيلة استعمال الاطفال والرضع لاستدرار عطف المواطنين الى طلب الحليب الخاص بالاطفال والذي يجدب ان يكون مستوردا ولا يقل ثمنه عن 300 دج، وهو ما لا يتاح في كثير من الاحيان حتى لبعض الرضع من ابناء الطبقات المتوسطة والبسيطة الذين تضطر امهاتهم الى استبدال الحليب المخصص لهم باكياس الحليب العادي. ولعل ما وقع على مستوى سوق القبة ابعث على الدهشة والذهول، حيث لم تتردد احدى المتوسلات في طلب اساور للزينة، من احد باعة هذه المستلزمات والمواد التجميلية، ولم يتمالك البائع دهشته حيث سألها ان كانت متاكدة من انها تريد تلك الأساور بالذات عوضا عن كيس حليب او خبزتين تأخذهما معها تتغذى عليهما،؟ فاجابته بكل حزم ان نعم، وانه ان اردا ان يتصدق عليها بهم فليفعل والا فليكف عن التعليق. ولعل مثل هؤلاء المتسولين المزيفين، يساهمون في ابتعاد الناس اكثر فاكثر عن التصدق وعن البحث عن المحتاج الحقيقي، الذي تأباه نفسه ان يمد يده الى الغير مهما استبد به جوعه، ما يتطلب المزيد من الحيطة والحذر من طرف المواطنين الذين عليهم ان يدركوا تماما اين يضعون صدقاتهم.