بات من شبه المؤكّد أن الانتخابات الرئاسية المقرّرة في شهر أفريل القادم ستكون خالية من رائحة (الإسلام السياسي) وفق تعبير العلمانيين والليبراليين وقطاع واسع من الإعلاميين بعد أن قرّر الإسلاميون، أو من تبقّى منهم، مقاطعة الاستحقاق الرئاسي الأكثر إثارة في تاريخ الجزائر، حيث جاء قرار النهضة بالغياب الطوعي عن انتخابات 17 أفريل ليضع مسمارا آخر في نعش تجربة الأحزاب الإسلامية مع الرئاسيات. إذا كان بعض المتعاطفين مع الأحزاب الإسلامية مازالوا يعلّقون بعض الآمال على شيخ جبهة العدالة والتنمية عبد اللّه جاب اللّه الذي قال إنه سيكشف عن قراره النّهائي يوم الجمعة القادم، فإن الكثير من المعطيات السياسية المتاحة حاليا تفيد بأن الانتخابات الرئاسية المقرّرة بعد شهرين ستشهد غيابا واضحا ومحسوسا للأحزاب والشخصيات الإسلامية التي تاهت بين خيار المقاطعة وحقيقة تراجع شعبيتها وضعف صفوفها، ويبدو أننا مقبلون على رئاسيات بلا إسلاميين، وهو أمر منطقي بعد أن وجدت العديد من التشكيلات السياسية المصنّفة في خانة الأحزاب الإسلامية نفسها (مجبرة) على مقاطعة الاستحقاق الرئاسي إمّا لعدم ثقتها مثلما تقول في جدوى المشاركة أو خشية ضياع ما تبقّى من شعبيتها نتيجة (الفتنة) التي سبّبها (سحر الكرسي) في صفوفها. ويرى كثيرون أن (سحر الكرسي) الذي يكون قد سبّب فتنة داخل حركة مجتمع السلم نتيجة رغبة الرجلين البارزين فيها مقري وسلطاني في الترشّح هو الدافع الحقيقي وراء قرار (حمس) بعدم المشاركة في رئاسيات 2014. وكان متتبّعون يعلقون آمالا واسعة على حركة الرّاحل نحناح ل (إنقاذ مشاركة) الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية بعد أن أطلق رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية عبد اللّه جاب اللّه الشخصية الإسلامية البارزة إشارات قوية في اتجاه اعتماد خيار وقرار المقاطعة، بينما أخلط قرار (حمس) أوراق ما بقي من تحالف ما يسمّى بالجزائر الخضراء، وهو تحالف يبدو بعيدا جدّا عن التأثير في الرئاسيات من قريب أو بعيد. للإشارة، فقد قال رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري إن قرار مقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة الذي اتّخذه مجلس الشورى للحركة مؤخّرا (غير قابل للتراجع). وأوضح السيّد مقري خلال تنشيطه لندوة صحفية أن هذا القرار قد (اتّخذ بالإجماع من طرف أعضاء مجلس الشورى بعد دراسة معمّقة لسبر آراء القواعد النضالية بشأن الانتخابات الرئاسية القادمة)، مشيرا إلى أن (الوعاء الانتخابي للحركة سيلتزم بقرارات المؤسسات). وبعد أن نفى وجود أيّ خلاف داخل المجلس الشوري بشأن قرار المقاطعة أوضح نفس المسؤول أن (قواعد وهياكل الحركة تثمّن هذا القرار، وهي منسجمة ولا تعاني من أيّ شرخ كان). وأرجع السيّد مقري سبب اتّخاذ قرار مقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة إلى (استفراد السلطة بهذه الانتخابات وعدم الاستجابة لمطالب المعارضة الداعية إلى توفير شروط النزاهة والشفافية وفق المقاييس المتعارف عليها دوليا). وبخصوص الخطوات التي تعتزم الحركة القيام بها في المرحلة القادمة قال ذات المسؤول إن الحركة ستعمل من خلال فتح قنوات الحوار والتشاور مع أحزاب من المعارضة وشخصيات ل (بلورة خطوات عملية وتحديد رؤية مشتركة بشأن قرار المقاطعة)، مشيرا في نفس الوقت إلى رفض جبهة القوى الاشتراكية تبادل الرأي مع حركته بشأن الرئاسيات القادمة. وردّا عن سؤال حول إذ ما كان قرار المقاطعة مرتبطا بإمكانية ترشّح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية القادمة قال المتحدّث إن (قرار المقاطعة ليس له أيّ علاقة بمسألة ترشّح الرئيس بوتفليقة لهذا الاستحقاق). كانت حركة مجتمع السلم سبّاقة للإعلان عن مقاطعتها للانتخابات الرئاسية المقرّرة يوم 17 أفريل المقبل. وأكّد قرار صادر عن اجتماع مجلس الشوري للحركة نشر في موقعها الرّسمي أن المجلس (قرّر مقاطعة الانتخابات الرئاسية 2014)، داعيا (المناضلين والشعب الجزائري بكلّ فعالياته إلى تثمين قرار الحركة والالتفاف حول ما يصلح البلد ويحقّق الانسجام المجتمعي). وأرجعت الحركة قرارها إلى (عدم وجود فرصة حقيقية للإصلاح السياسي من خلال الانتخابات الرئاسية 2014)، وكذا (استفراد السلطة القائمة بالانتخابات الرئاسية وتجاهل مطالب الطبقة السياسية الداعية إلى إرساء شروط النزاهة والشفافية وفق المعايير المتعارف عليها دوليا)، بالإضافة إلى ما وصفته ب (التجاوز المتعمّد لإرادة الشعب في الاختيار الحرّ لمن يمثّله ويحكمه). وسجّلت الحركة (استمرار هشاشة الاقتصاد الوطني أمام تقلّبات الأسواق العالمية)، ممّا أدّى كما جاء في البيان (إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن وانعكاس ذلك على حياته رغم الزيادات في الأجور).