حينما يصاب الشيوخ بتصلب الشرايين وتوقف الجلطة تيار الدم الساري في الشرايين التاجية نتقبل الأمر بالتسليم وإن سكننا الشجن فللزمن أحكام وللعمر تبعات علينا قبولها شئنا أم أبينا، أما ما نلقاه بدهشة حقيقية تبلغ حد الصدمة فهو تلك الظاهرة التي انتشرت في العالم كله ولنا منها نصيب وافر: أن ينعى الخبر شابا فى ربيع عمره وقد سقط إثر نوبة قلبية مفاجئة داهمته دون أية مقدمات. تصلب الشرايين عملية بالغة التعقيد تبدأ من تيار الدم ومكوناته فيترسب بعض من المواد الدهنية اللينة داخل الشرايين فى بقع يحتمل إصابتها بالالتهاب لسبب أو لآخر. التهاب بطانة الشريان يتسبب فى إفراز مواد كيماوية تحفز تلك المواد الدهنية على الاقتراب والالتصاق بتلك المواضع الملتهبة. تتسلل ذرات الكوليستيرول منخفض الكثافة لتترسب في بطانة الشرايين كبلورات متناهية الصغر والدقة لكنها بمرور الوقت تتراكم لتصبح شرائط من الدهون المترسبة يمكن رصدها. عوامل مختلفة متعددة تساهم في تلك العملية بالسلب والإيجاب الأمر الذى قد يزيدها تعقيدا فتتزايد الترسيبات وتساهم مواد أخرى في تحولها في نهاية الأمر لجلطة تسد الشريان التاجي. كرات الدم المتحللة وبعض من ذرات الكالسيوم وغيرها تشارك في بناء تلك الخثرة التي ينتهي بها الأمر للانفجار محدثة تلك الجلطة التي قد تحدث في أي من الشرايين الثلاثة الرئيسية التي تغذي عضلة القلب وربما طالت شريانين أو الثلاثة في آن واحد أو أوقات متعاقبة. تتحالف عوامل كثيرة تتراكم تأثيراتها على الشرايين لتساهم بصورة أكبر وأسرع في اكتمال صورة تصلب الشرايين التى تنتهي إلى حدوث الجلطة وانحسار الدم عن المنطقة المحيطة بها الأمر الذي يؤدي إلى موت الخلايا وتحولها إلى ألياف لا تستجيب كما كانت من قبل لانقباض وانبساط عضلة القلب: الوظيفة الحيوية التي ينهض بها القلب في ضخ الدم للجسم كله. ارتفاع ضغط الدم المزمن ومرض السكر والتدخين عوامل مهمة وإن كانت غير مباشرة على عملية تصلب الشرايين تؤثر بالإيجاب لصالح اكتمال الصورة المرضية للشرايين. نسبة الكوليستيرول عالى الكثافة (الجيد) لقرينه (الردىء) منخفض الكثافة تلعب دورا مهما في درء الخطر. الذرات الأكبر حجما من الكوليستيرول الجيد تجذب الذرات صغيرة الحجم لتلتصق بها في طريقها في تيار الدم إلى الكبد الأمر الذي قد يمنع أو يؤجل ترسبها على بطانة الشرايين. إذا ترك الأمر على ما هو عليه فإن الترسيبات تزيد مع الوقت بصورة تختلف في تفاصيلها من إنسان لآخر وفقا لما يتم في شرايينه من تطورات إذا استمر ترسب الكوليستيرول الرديء في طبقات لينة خفيفة فإن الجسم يدفع بكرات الدم البيضاء (macrophages) لتلتهم تلك الذرات التي تبدو كعدو لكن الأمر في تلك اللحظة يبدأ فى التعقيد إذ تتضخم خلايا بطانة الشريان ومعها الترسبات لتسد مجرى الشريان سدا جزئيا تبدأ معه آلام الذبحة الصدرية. تنفجر تلك الترسبات وتتكسر الأمر الذى يتطور إلى جلطة كاملة تسد الشريان تماما فى ذلك الموقع. o هل تصلب الشرايين وراء جلطة القلب الشاب؟ دراسة علمية استمرت لسبع سنوات في الولاياتالمتحدةالأمريكية اشترك فيها خمسة عشر مركزا طبيا وعددا ضخما من الباحثين في تخصصات مختلفة لدراسة طبيعة تصلب الشرايين لدى الشباب. أطلق على الدراسة اسم (المحددات المرضية البيولوجية لتصلب الشرايين لدى الشباب) خضع للدراسة خلال سبع سنوات متصلة 2876 شخص تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والرابعة والثلاثين كلهم من ضحايا حوادث الطرق أو جرائم القتل أو الانتحار.. ثم تشريح جثثهم مباشرة بعد الوفاة. راجع الباحثون سجلات تاريخهم المرضي العائلي والشخصي وعاداتهم (وفقا لما تحدث به أقاربهم) الغذائية والنفسية. حللوا دماءهم لتقدير نسب الكوليستيرول ووجود مادة التويسيانيت (مؤشر كيميائي للتدخين) شكل الرجال 75 بالمائة من مجموع الحالات التي تم فحصها خلال الأعوام السبعة. o فاقت النتائج كل التوقعات وجاءت بحقائق مذهلة أمكن رصد الشرائط الدهنية الدالة على بدء عمليات تصلب الشرايين في شرايين شباب لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من أعمارهم وبدت أكثر وضوحا فيمن تجاوزوا العشرين. رصدت علامات واضحة لأمراض الشرايين التاجية لدى 2 بالمائة من الذكور الشبان حديثي السن، 8 بالمائة من تجاوزوا العشرين. وكما كان متوقعا فقد ثبت بما لا يقبل الشك أن النسبة أكبر فيمن تعاظمت لديهم نسبة الكوليستيرول الرديء عن الجيد ومن كانوا بدناء أو شمل تاريخهم المرضي ارتفاعات ضغط الدم أو إصابة بمرض السكر والمدخنين. رغم وجود عوامل خطر مرضية أخرى تشير إلى أسباب جلطة القلب الشاب فإن عوامل الخطر لا تختلف كثيرا عن تلك التي يمكن رصدها عند البالغين وكبار السن. ارتفاع مستوى الكوليستيرول الرديء، ارتفاع ضغط الدم، الإصابة بمرض السكر، الإصابة بحالة ما قبل ارتفاع ضغط الدم والسكر والمعروفة باسم متلازمة التمثيل الغذائي، التدخين إلى جانب تاريخ المرض العائلي، هي عوامل الخطر أيضا على شرايين القلب الشاب. وقد يمكن بالفعل أن ندرك خطورة تلك العوامل إذا ما رجعنا لإحدى أهم الدراسات العلمية الموسعة التي امتدت لخمسة عشر عاما كاملة تم فيها متابعة خمسة آلاف شاب تتراوح أعمارهم عند البداية بين الثامنة عشرة والثلاثين عاما بغرض تقييم ورصد أحوال شرايين القلب التاجية وتصويرها لمتابعة ما يحدث فيها من تغيرات. سجلت نتائج تلك الدراسة حقائق مهمة تشير بكل وضوح إلى خطورة تلك العوامل على القلب الشاب. تدخين 10 سجائر فى اليوم يزيد من احتمال الإصابة بأمراض شرايين القلب بنسبة 50 بالمائة. زيادة الكوليستيرول الرديء بنسبة 30 بالمائة ميلغرام/ ديسي لتر يزيد نسبة احتمال الخطر 50 بالمائة. ارتفاع الضغط 10 مليمترات زئبقية (الانقباض) عن العادي يرفع احتمالات الخطر بنسبة 30 بالمائة. زيادة السكر 15 مليغراما/ ديسى لتر ترفع نسبة الخطر بقدر 20 بالمائة. o عوامل مرضية أخرى تشكل أسبابا لجلطة القلب الشاب هناك بالفعل أسباب أخرى مرضية تختار القلب الشاب لتظهر مبكرة فى سنوات العمر وإن جاز بالطبع أن تتأخر فى تفعيل نتائجها لتصيب من هم أكبر سنا. عيوب خلقية تصيب الشرايين التاجية يولد بها الطفل ومع نمو عضلاته وازدياد احتياج الجسم لدورة دموية نشطة يظهر القصور. اضطرابات في عملية تخثر الدم وسيولته نتيجة أمراض الدم. تقلصات والتهابات فى الشرايين التاجية نتيجة أمراض بعينها. قد تحدث الجلطة أيضا كإحدى المضاعفات لعلاج الأورام بالأشعة. إدمان المخدرات خاصة الكوكايين وتعاطي الأمفيتامينات. كلها أسباب قد تسبب جلطة الشريان التاجي لدى الشباب. أما السبب الأخير الذي قد يجمع كل الأعمار فهو تكوين الجلطة في أي عضو من الجسم وانتقالها عبر الدم إلى الشريان التاجي. يظل تصلب الشرايين هو السبب الأكثر احتمالا كمقدمة لجلطة قلب الشباب المفاجئة رغم وجود بعض من الأسباب الأخرى التي قد تعلن عن نفسها بصورة أكثر وضوحا.