قام رئيس الجمهورية أمس بتنحية عبد المجيد تبون من على رأس الوزارة الأولى وتعيين مكانه أحمد أويحيى وذلك قرابة الثلاثة أشهر فقط من تسلمه لحقيبتها وهو القرار الذي توقعه البعض بالنظر إلى التطورات التي شهدتها الساحة السياسية في الفترة الأخيرة . وليد هري وذلك بعد وقوف رئاسة الجمهورية في صف رجال الأعمال على حساب وزير السكن السابق الذي أعلن بعد تعيينه في منصبه الجديد الحرب على رجال الأعمال الذين يتاجرون بالسياسة، وهو ربما الأمر الذي كتب به تبون نهايته وسقط مباشرة إلى القاع بمجرد وصوله إلى القمة، فبعد أن بدأ البعض يرشحه لرئاسة الدولة سنة 2019 نظرا لوقوفه في وجه رجل الأعمال علي حداد المقرب من قصر المرادية وذلك من خلال «إهانته» ومنعه حضور حفل تسليم الشهادات للطلبة المتخرجين من المدرسة العليا للضمان الاجتماعي، انقلب السحر على الساحر، بعد أن استنجد رئيس منتدى المؤسسات بالسعيد بوتفليقة مستشار وشقيق الرئيس من أجل نصرته، فتحرك هذا الأخير واستغل حضوره جنازة رضا مالك من أجل رد الإهانة للوزير الأول، حيث ظهر وهو في قمة التناغم مع حداد الذي ركب في نفس السيارة التي رحل فيها السعيد من مقبرة «العالية» بالعاصمة. الاجتماع التحضيري للثلاثية أظهر انتقال تبون إلى وضع الدفاع وبعد أن اتخذ تبون وضعية الهجوم منذ توليه تسيير أمور الوزارة الأولى وذلك من خلال «تحرشه» ببقية رجال الأعمال الذين استفادوا من عدة امتيازات في عهد عبد المالك سلال الوزير الأول السابق، حيث ألغى قرارات الاستفادة التي حصلوا عليها من أجل وضع أيديهم على الأراضي، لكن هذا الأمر سرعان ما انقلب نتيجة التذمر الكبير من قبل أصحاب المال الذين قاموا بهجوم معاكس لم يستطع تبون مجابهته ما جعله يتحول إلى وضع الدفاع، باعتبار أن شقيق الرئيس يقف مع رجال المال، وقد ظهر هذا الأمر جليا خلال الاجتماع التحضيري لقمة الثلاثية (الحكومة – اتحاد العمال – الباترونا) الذي جرى مطلع شهر أوت أين ظهر الوزير الأول في موقف ضعيف وذلك بعد أن أثنى على عبد المجيد سيدي السعيد الأمين العام للمركزية النقابية الذي وقف إلى جانب حداد في «محنته»، كما حاول التخفيف من احتقان هذا الأخير، لكن يبدو أن محاولته هذه جاءت متأخرة وأن رجل الأعمال القوي وجه الضربة القاضية لتبون. لقاءه بالوزير الأول الفرنسي كتب نهايته ويبدو أن تبون لم يكن على دراية بخطورة الموقف الذي يتواجد فيه ولم يكن يتوقع أن يتم تنحيته بعد حوالي ثلاثة أشهر فقط، ما جعله يذهب في عطلة مرتاح البال اعتقادا منه بأنه سيعود بعدها لترتيب الأمور، لكن وفي طريقه نحو الوجهة التي اختارها لقضاء العطلة توقف تبون في باريس أين استغل الوزير الأول الفرنسي الفرصة من أجل ترتيب لقاء غير رسمي معه وهو اللقاء الذي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث تم تسريب هذا اللقاء، ما دفع الوزارة الأولى لإصدار بيان تجاهله التلفزيون العمومي في نشرته الرئيسية في إشارة واضحة على أن أيام الوزير الأول أصبحت معدودة، وأن موعد نهاياتها مرتبط بانتهاء عطلته وذلك تفاديا لإهانته من خلال إقالته أثناء تواجده في العطلة. تبون: «سأبقى وفيا للرئيس» وفي أول تصريح له بعد تنحيته من على رأس الوزارة الأولى وتعيين مكانه أحمد أويحيى، أكد عبد المجيد تبون بأنه سيبقى وفيا للرئيس بوتفليقة مهما حصل، حيث قال الوزير الأول السابق في تصريح مقتضب لموقع «تي أس أ»: «ولائي للرئيس سيبقى كاملا»، وهي الكلمات التي غادر بها وزير السكن السابق مقر الوزارة الأولى، لكن هذا لا يمكن أن يخفي الحرقة الكبيرة التي لديه من الشيء الذي حصل له، خصوصا وأن بعض وسائل الإعلام المقربة من السلطة عملت خلال الأيام الماضية على تشويه سمعته تمهيدا لإقالته.