في حادث آخر هذا الأسبوع، تم حرق مسجد ثاني بضواحي مدينة ليون الفرنسية ، ويجسد هذا الصنيع تنامي العداء للمسلمين في الغرب عموما و فرنسا خصوصا، حيث أقدم متطرف أو متطرفون عنصريون، ليلة الخميس- صباح الجمعة، على إحراق مبنى مسجد "عمر" في بلدة برون ضواحي مدينة ليون ، بجنوب-غرب فرنسا إذ أشارت الصحافة المحلية الفرنسية في ليون إلى تسجيل أضرار جسيمة للمبنى، حيث دمرت النيران الطابق الأرضي للمسجد بأكمله. وقد تدخل رجال الإطفاء في ظرف ساعتين للسيطرة على النيران التي لم تسفر عن سقوط ضحايا ولله الحمد، لأن المسجد كان مغلقا جراء الإجراءات الصحية من وباء كورونا، الأمر الذي ساعد منذ أشهر لجنة المسجد على غلق المسجد فور صلاة العشاء، ومنع اية صلاة ليلية من قيام و غيرها.. معلوم أن المساجد و الشؤون الدينية عموما تابعة لوزارة الداخلية، وكتب حينها وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد موسى دارمانان (من أصول جزائرية)، في تغريدة له على تويتر عن الحادث أن "حرية العبادة قيمة أساسية في بلادنا (فرنسا). وقد تم فتح تحقيق من شأنه تسليط الضوء على ملابسات هذا الحريق"، و قد أوفد عمدة ( والي) المنطقة للوقوف عن كثب قصد تحري حقيقة الأسباب والدوافع، واللقاء بممثلي الجالية المسلمة في الجهة. وكان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، قد أدان، من جهته ب "أشد عبارات الاستنكار"، الحريق ذي الطبيعة "الإجرامية" الذي أتى على مرافق مسجد "عمر" في بلدة برون، ضواحي ليون، والذي يعد من أقدم مساجد المنطقة، إن لم يكن أقدمها. وأشار المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي يعد المحاور الأول للسلطات الفرنسية في ما يتعلق بشؤون الدين الإسلامي، إلى أن الحريق الذي نتج عن مصدرين للنيران، بما في ذلك صندوق للبريد، ناجم عن"عمل إجرامي"، وجب معاقبة فاعليه. من جهته استنكر مرصد الإسلاموفوبيا – التابع لدار الإفتاء المصرية- بشدة الاستهداف المتعمد للمقدسات الإسلامية وأماكن العبادة في فرنسا. وأوضح المرصد أن معدلات الإسلاموفوبيا تتزايد في فرنسا من عام لآخر؛ فقد شهد عام 2019، زيادة قدرها 54% مقارنة بالعام السابق له 2018؛ نتيجة لتضاعف نشاط التيارات اليمينية المتطرفة واستغلالها الأحداث وتطويعها لخدمة أجنداتهم في المساعدة على الانتشار الجغرافي لخريطة الإسلاموفوبيا، بتغذية الكراهية ضد المسلمين واستهداف مقدساتهم وأماكن عبادتهم، والربط بين الإسلام والإرهاب من خلال الأسماء المطلقة على المنظمات الإرهابية. وأشار المرصد إلى أن فرنسا تأوي أكبر جالية إسلامية في أوروبا؛ إذ يمثل المسلمون فيها حوالي 6 إلى 7 ملايين نسمة أغلبها مغاربية الأصل، وأن هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها التي يتم فيها الاعتداء على المساجد والمراكز الإسلامية، ففي يوليو الماضي تم الاعتداء على واجهة مسجد "أجين"، بوضع علامات شعارات نازية وعبارات نابية على واجهة مدخل المسجد. و لم ينجو من هذه العنصرية حتى موتى المسلمين، حيث لوحظ أيضا أنه منذ عام 2008، تزايد النشاط المعادي للمسلمين، حيث قام مخربون عنصريون بتدنيس 148 قبرًا للمسلمين بمقبرة عسكرية في شمال فرنسا، وتعليق رءوس الخنازير على أحد القبور، كما تناقلت ذلك وسائل الاعلام المحلية الفرنسية و مواقع المراصد الاسلامية. من جهتها قامت الجالية الإسلامية في فرنسا باستنكار أعمال العنف ضد المسلمين وأماكن عبادتهم، وحذرت من انتشار الاعتداءات التي تؤثر على عبادتهم وعلى نسيج المجتمع الفرنسي، وذلك بتنظيم تجمع سلمي حاشد يوم السبت الماضي، للتعبير عن رفض أعمال الكراهية والعنف ضد المسلمين وأماكن عبادتهم، و قد تناول الكلمة ممثلون عن الديانات المسيحية و اليهودية و رابطة حقوق الانسان بجهة الرون ألب، و كذا عميد المسجد الكبير بمدينة ليون الجزائري كمال قبطان. من جهته شكر الشيخ عبد الحق إمام مسجد عمر، كافة من ساندوهم في محنتهم من السلطات المحلية والجيران، و كذا رواد المسجد، مذكرا الجميع بالتجنيد والإسراع في مساعدة الجالية في بناء مسجد جديد، لأن الهيكل الحالي قديم وقد وافقت مصالح التهيئة العمرانية للبلدية منذ أزيد من سنة على ذلك، قبل أن تلتهم النيران جزء كبير منه هذا الأسبوع. كما حذر المتدخلون في الختام من خطورة تزايد سعار الإسلاموفوبيا في أوروبا، وتأثير ذلك على النسيج المجتمعي، وتهديده لقيم التعايش والحرية الدينية واحترام الآخر، وخلق حالة من الاستنفار والاستفزاز لدى المسلمين، كما طالبت هيئات إسلامية فرنسية و أوروبية الجهات المسئولة بتشديد الرقابة والحماية على أماكن العبادة المضطهدة، والعمل على التخلص من التمييز ضد الأقليات الدينية والأجنبية، وبذل قصارى الجهد في تتبع الجناة، وفرض عقوبات شديدة لتحجيم الاعتداءات على المساجد، داعين المجتمع الفرنسي و الأوروبي إلى التعاون والتلاحم فيما بينهم، ونبذ التيارات المتطرفة الداعية للعنف، وعدم السماح لهم بنشر العنف والتطرف داخل المجتمع الواحد، قصد التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، الذي كان في إمكانهم استخلاص دروس الاخوة و الوحدة من وباء كورونا ، الذي ألف بين القلوب ووحد الصفوف.. على تعبير أحد الخطباء.. و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل. م ح