تعتبر ظاهرة التزوير في الجزائر مشكلة كبيرة نظرا للانتشار الكبير الذي تعرفه وشيوع الاعتماد على الوثائق المزيفة على اختلاف أنماطها بين مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية وأضحى بمثابة الهروب من بعض الشروط والتي تفرضها المعاملات والإجراءات الإدارية بالرغم من إدراك معظم مقتنيها لعدم مشروعيتها ولكن ملامح الظاهرة يوما بعد يوم تزداد في التجسد والتوسع في الوسط الاجتماعي لهذا حاولت جريدة آخر ساعة من خلال هذا التحقيق تسليط الضوء على ظاهرة التزوير في الجزائر عن طريق الكشف عن تفاصيلها من خلال الاقتراب من أفراد شبكات التزوير المنتشرة بمدينة عنابة واستظهار الطرق والأدوات المعتمدة في إنجاز مهامهم هذا إلى جانب محاورة بعض الأشخاص الذين لجأوا إلى وثائق مزورة كبديل عن الأصلية . التزوير نشاط استيراد وتصدير دون علم الجهات الرسمية ورغم العقوبات المسلطة على جنحة التزوير إلا أن الأشخاص الذين ينشطون في هذا المجال يجدون سلاسة في تسويق خدماتهم والوصول إلى زبائنهم بالرغم من أن أغلب تعاملاتهم تتم بطريقة سرية إلا أن خدماتهم معروفة والوثائق التي يقومون بتزويرها تعدت حدود الوطن إلى ما وراء البحار لأن الوثائق لم تعد تقتصر على الشهادات التي تستخدم في الإجراءات الإدارية داخل حدود الوطن بل أضحت جزءا من ملفات الهجرة بداية بالفيزا المزورة مرورا بالكشوف التي تحوي نقاطا مضخمة وصولا إلى الشهادات الوهمية التي لا أساس لها من الوجود بحيث يعتمد عليها الشباب في إثراء ملف الهجرة وضمان مناصب عمل أو دراسة بمؤسسات بدول أجنبية فأصبح الاعتماد عليها في مثل هذه الحالات ضروريا . حيث بين لنا كريم أنه قام باللجوء إلى وثائق مزورة لتحقيق حلمه في الدراسة بالخارج فكلفة اقتناء الفيزا بهذه الطريقة أكثر من 10 ملايين سنتيم ورغم ما شكلته العملية من خطورة لكنه عبر عنها أنها حلم يستحق المجازفة بحيث نجح في عبور الحدود بهذه الطريقة إضافة إلى الالتحاق بإحدى الجامعات في دولة أوروبية بعد اللجوء إلى تضخيم كشف نقاطه لأنه على حد تعبيره كان ضروريا للحصول على موافقة الالتحاق بها لأن نقاطه الأصلية كانت ضعيفة ومن جهة أخرى فإن تصدير الوثائق المزورة من الجزائر إلى دول الخارج ليست الحالة الوحيدة لعملية التزوير لأنها إضافة إلى ذلك تتم أيضا بطريقة عكسية لأن الشبكات المختصة . في هذا المجال تقوم أيضا بتزوير شهادات من جامعات أجنبية مقابل مبالغ تتراوح بين 7 و10 ملايين سنتيم تحدد حسب المستوى الجامعي المرغوب للحصول عليه في الشهادة إضافة إلى اسم الجامعة لأنه حسب أحد الناشطين بهذا المجال يلعب دورا كبيرا لأنه يحدد قيمة الشهادة في حد ذاتها نظرا لأن بعض الجامعات عالمية وذات مستويات علمية عالية في الوقت الذي أكد فيه هذا الأخير أن هذه الشهادات تمنح صاحبها الفرصة الالتحاق بمناصب عمل في مستويات عالية . إضافة إلى الترقيات التي يمكنه الحصول عليها من خلالها وهذا ما يفسر المبلغ الكبير المحدد للحصول عليها لولا أنه لا يعبر عن القيمة الحقيقية التي تقدمها لمقتنيها وفي نفس السياق يضيف نفس المتحدث أن هذا النوع أصبح في السنوات الأخيرة مطلوبا بنسبة كبيرة نظرا للأسباب السابق ذكرها خصوصا من طرف أبناء العائلات الميسورة الحال الذين يعودون من الخارج بعد مدة دون تمكنهم من الحصول على الشهادات نظرا لصعوبة مزاولة الدراسة بها. وفي سياق آخر بين لنا أحد أفراد شبكة مختصة في تزوير الوثائق تنشط على مستوى ولاية عنابة أن جميع الوثائق يمكن تزويرها بداية من وثائق الحالة المدنية كشهادة الميلاد والإقامة والتي يمكن للشخص الحصول عليهما بمبلغ زهيد يتراوح بين 100 إلى 300 دج وخصوصا شهادات الإقامة التي تدخل ضمن الشروط التي تدخل في اختبارات التوظيف عبر مناطق معينة وبالتالي فهي أكثر طلبا . كما بين لنا أنهم يقومون بتزوير الشهادات المدرسية وكشوف النقاط بمبالغ تتراوح بين 300 و500دج في حين أن شهادات الكفاءة المهنية والشهادات الجامعية ما بين 1500إلى 3000 دج ويحدد السعر حسب المستوى المطلوب ونوع الشهادة في حد ذاتها . إضافة إلى نوعية الختم الموجود عليها بحيث يعتبر الدائري الأكثر صعوبة بالتالي وثائقه أغلى في الوقت الذي نفى فيه هذا الأخير عمل الشبكة التي ينشط بها في تزوير الوثائق الثبوتية لأنه حسب تصريحه أكثر خطورة من الوثائق العادية السابق ذكرها وذلك في استخدامها ومرورها عبر إجراءات إدارية بصورة دائمة و كثيرة ما يزيد من نسبة اكتشافها من طرف السلطات لذلك فإنهم يتجنبون العمل بها بالرغم من أن الطلب عليها كثير لاسيما فيما يخص بطاقة الخدمة الوطنية ورخصة السياقة إضافة إلى البطاقات الرمادية ولكن هذا النوع من الوثائق يشكل خطورة كبيرة ويهدد نشاط شبكتهم . جامعيون وبطالون يحترفون التزوير قادتنا عملية البحث عن شبكات التزوير بمدينة عنابة إلى الأشخاص الذين ينشطون بهذا المجال والذين غالبا ما انتموا إلى فئة الشباب على اختلاف مستوياتهم جامعيين ثانويين ذوي مستويات علمية وشهادات عالية أم بطالون اجتمعوا وراء سمة واحدة وهي إتقان عالي للإعلام الآلي والبرامج الحديثة المستخدمة في هذا المجال لتسهل عليهم عملية التحكم في جودة الوثيقة المزورة وتقليص نسب الخطأ أو ترك ثغرات تمكن فيما بعد اكتشافهم فقد بين لنا أحد الشباب الناشطين ضمن إحدى هذه الشبكات أنه يعمل في هذا المجال منذ حوالي عامين مع 4 شباب آخرين يشكلون مجموعة متكاملة بحيث يختص كل واحد منهم في مجال وثائق معينة لأن ذلك حسب تصريحه يسمح بإعطاء الوثيقة نوعية عالية نظرا للخبرة التي يكتسبها كل فرد في تخصصه بوثيقة معينة في الوقت الذي بين لنا أن البطالة هي التي قادته إلى مهنة التزوير لسد الفراغ المالي الذي كان يعيش به لكن فيما بعد أصبحت هذه المهنة بمثابة دخل ثابت ومضمون لا يمكنه الاستغناء عنه في حين أن زملاءه لكل نشاطه المهني الخاص في مجال معين وهذا ما يسهل عليهم عملية تسويق خدماتهم والاتصال بزبائنهم من خلال اندماجهم الاجتماعي في المحيط لاسيما وأن الفئة المستهدفة من التزوير هي غالبا الشباب وبالتالي فإن عملية التعامل عادة ما تكون سهلة باعتبارهم من نفس الشريحة . منازل ومكاتب وهمية للتغطية على شبكات التزوير أثناء رحلتنا للبحث عن شبكات التزوير اتجهنا إلى أحد المكاتب المختصة في هذا المجال والتي تنشط ظاهريا كفضاء الأنترنات يقدم خدمات للإعلام الآلي المكتبي والاتصال بالشبكة العنكبوتية بالتالي كان المكان يحوي على الأجهزة الخاصة بهذا المجال التي كانت حقيقة تستخدم في التزوير بحيث تنوعت الأجهزة المتواجدة بين طابعات متطورة وأجهزة سكانير حديثة تستخدم لأغراض التزوير لاسيما وأن المكان كان يسوده حركة عادية من الزبائن بحكم طبيعة نشاطه السطحي أما الحالة الثاني التي حدثنا عنها كريم هو مكتب محاماة بوسط عنابة اتجه إليه للحصول على كشف نقاط مزور بحيث بين لنا أنه تحصل على كشف نقاط فارغ يقوم شخصيا بملء الخانات الموجودة به بالنقاط التي يرغب فيها أما بالنسبة للمحامي فتقتصر مهمته على وضع الختم المطلوب على الوثيقة ذلك لأن الكشوف الأصلية عادة ما تكون باللغة العربية في حين أن ملفات الهجرة تتطلب وثائق بلغات أجنبية بالتالي فعملية الترجمة تتم أصلا على مستوى مكتب محاماة في حين اختلفت الحالية الثالثة عن سابقتيها بحيث اختار هذا الشخص إنشاء نشاطه بمنزله لأن العملية لم تستلزم منه أكثر من جهاز كمبيوتر وبعض مستلزماته لأنه في الأصل ينشط بصورة فردية مزورون يكشفون كيف يستغلون الإعلام الآلي والتصوير في التزوير أثناء بحثنا في تفاصيل عالم التزوير حاولنا اكتشاف بعض التقنيات المستخدمة في تزوير الوثائق فوجدنا أنها تختلف حسب اختلاف طبيعة الوثيقة المراد تزويرها بحيث لا تتطلب الوثائق العادية كالشهادات المدرسية وشهادة الميلاد والإقامة إضافة على كشوف النقاط سوى عملية تصوير الوثيقة بواسطة جهاز سكانير يمكن المستخدم من الحصول على نسخة منها على جهاز الكمبيوتر حيث يقوم بمحي المعلومات الواجب تغييرها ثم طبعها بواسطة طابعة إلكترونية وملء الفراغات بصورة عادية في حين أن الوثائق التي تشكل صعوبة هي الشهادات الجامعية ومثيلاتها اللواتي يتطلبن إتقانا عاليا لبرامج الإعلام الآلي المعدة لمعالجة الصور بحيث تمر النسخة المصورة للشهادة على مراحل معينة من التكبير الخاص بالصور الذي يمنح وضوحا وتقسيما عبر مربعات البيكسال تسمح للمزور برؤية واضحة للخانات الواجب التخلص منها دون المساس بالمجال المراد الاحتفاظ به كالأختام التي توضع عادة فوق الاسم أو تاريخ صدور الوثيقة بحيث يقوم المزور بعناية بنزع المربعات غير المرغوبة تم ملء الفراغات الموجودة بها وهذا ما يجعل من العملية تكتسب جودة عالية من ناحية المطابقة يصعب التعرف عليها لغير المتمرس في هذا المجال وإلى جانب ذلك أضاف لنا أحد الناشطين بهذا المجال أنهم يلجأون إلى تقنيات التغليف المعتمدة مع البطاقات بحيث توضع الوثيقة المزورة داخل كيس بلاستيكي في مكان دافئ ورطب لعدة أيام ثم يتم التخلص من الغلاف الذي يعطي الوثيقة طابع الزمن بحيث تبدو وكأنها مر عليها وقت معين ما يزيد من صعوبة اكتشافها من طرف الجهات المعنية ومن جهة أخرى أضاف لنا نفس المتحدث أن نوعية الورق المستخدم في الوثائق الأصلية المراد تزويرها يؤخذ بعين الاعتبار أثناء اختيار ورق الطباعة تجنبا لأي التباس قد يشوب الوثيقة بعد الانتهاء منها. لا بديل عن التزوير من خلال هذا الجزء من التحقيق قمنا بتسليط الضوء على الأسباب الحقيقية والواقعية التي تجعل الناس يلجأون إلى الوثائق المزورة بدلا من الأصلية من خلال استعراض بعض التجارب الواقعية لأشخاص اعتمدوا على وثائق مزورة في مراحل معينة من مسيرتهم سواء كانت مهنية أو دراسية أو أخرى. فكان محمد أول المتحدثين بالنسبة لسرده تفاصيل قصته مع الوثائق المزورة بحيث بين لنا كيف أنه اعتمد على شهادة ميلاد مزورة اضطرته الإجراءات الإدارية إلى اقتنائها بسبب شرط تحديد العمر في التوظيف بحيث وجد نفسه مجبرا للتقليص من سنوات حياته لكي يلتحق بهذا المنصب في الوقت الذي كان فيها الهدف واحد قامت آسيا بالحصول على شهادة مدرسية مزورة لعدم استيفائها المستوى الدراسي المطلوب في شروط الالتحاق باختبارات التوظيف ولجأت إلى نفس الطريقة بعدها لتحقيق الترقية بحيث اقتنت شهادة في التكوين المهني بطريقة غير قانونية وقامت على أساسها بالحصول على منصب أعلى بإحدى المؤسسات العمومية أما بالنسبة لراضية فالهدف من تضخيم كشف نقاطها كان فقط للحصول على موافقة من إحدى الجامعات بالخارج لمواصلة دراستها الجامعية هناك لأنه على حد تعبيرها كان مستحيلا الحصول عليها مع الكشف الأصلي لنقاط سنواتها الجامعية وهذا ما اعتبرته حالة اضطرارية وهو نفس التفسير الذي قدمه رمزي لاعتماده شهادة إقامة مزورة في ملف ترشحه لاجتياز اختبار توظيف في منطقة غير التي يقطن بها بحيث عبر عن ذلك أن الإجراءات الإدارية تفرض ذلك في حين اختلفت أسباب الساسي عن سابقيه بحيث اخبرنا انه قام بشراء 4 شهادات مزورة على مراحل متفرقة الغرض منها إثراء سيرته الذاتية والحصول على مناصب عمل عالية المستوى خصوصا وأنه لا يقوم بعرض نسخ عن هذه الشهادات بل يكتفي بتقديم سيرة ذاتية مفصلة كما يضيف في نفس السياق أن المصالح الإدارية بالجزائر لا يمكنها اكتشاف أي تزوير في مثل هذا النوع من الملفات وذلك لغياب الرقابة الخاصة بهذا المجال خصوصا فيما يتعلق بالموظفين القدامى الذين لا تخضع ملفاتهم إلى إجراءات رقابية دورية بل يستفيدون من نظام المنح والترقيات على أساس الخبرة دون الرجوع إلى التحقيق في ملفاتهم الإدارية. غياب الرقابة والتفتيش الخاصة بالتأكد من متابعة نشاط المزورين والتأكد من صحة الملفات جعل من ظاهرة التزوير بالجزائر تعدت حدود المألوف وأصبح الشك في الوثائق الرسمية ومحاولة التأكد من صحتها محصلة لما وصلت إليه حاليا.