تجلت مظاهر الفقر والحرمان بولاية تبسة في الأعداد الهائلة للمتسولين المنتشرين عبر الأرصفة و الطرقات و مداخل بيوت الله . و في العائلات المعوزة التي لم تجد ملاذا لسد الرمق و القضاء على وحش الجوع والاحتياج بالمقارنة ما تعرفه الأسواق من ارتفعات مذهلة للأسعار في جميع المواد دون استثناء. حيث تشير بعض الإحصائيات الرسمية إلى أن الولاية سجلت أكثر من 30 ألف عائلة معوزة على مستوى 28 بلدية، من بينها حوالي 13 ألف عائلة بعاصمة الولاية وحدها، ويأتي هذا كوجه نقيض لما تعيشه بعض العائلات الأخرى من بذخ و رفاهية. ولم يعد هذا الوضع حكرا على المعوزين، بل امتد هاجسه إلى الموظف البسيط الذي يقارب أجره الصافي الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون و الذي لم يعد اليوم يستطيع التصدي لتكاليف الحياة بالمدخول الزهيد الذي يتحصل عليه. ويعاني هذا العام الكثيرون من ثلاثية قاتلة تمثلت في ضعف القدرة الشرائية، ودخول مدرسي ملكف، و الارتفاع المطرد للاستهلاك خلال شهر رمضان المعظم، وهذا ما سيزيد الطين بله و تأزما للوضع الاجتماعي للعائلات التبسية خاصة منها محدودة الدخل، و هذا إذا أضفنا أن تكاليف أخرى قد تؤرق من جانبها ميزانية البيت على غرار فاتورات استهلاك الكهرباء والغاز والماء التي تتهاطل في مثل هذه المناسبات المتزامنة مع الدخول الاجتماعي، مما يعقد الظروف المعيشية للمواطن. إلا أنه ورغم صعوبة الظرف، لم تتخل العائلات التبسية بمختلف طبقاتها عن واجب تحمّل تكاليف الحياة؛ فالمتجول في عاصمة المدينة يلاحظ جليا أن الأمر يتعلق بمظهرين متناقضين؛ فعائلات معوزة وحتى من طبقات متوسطة كانت بالأمس القريب تعد ميسورة الحال، تجد من أسواق الرثاثة وملابس ما يعرف بالشيفون ملجأ وملاذا للفرار من جحيم الأسعار الملتهبة في محلات وسط المدينة للمنتوجات المحلية والأجنبية و أخرى تتخذ من التسول مهنة لكسب رزقها فيما تلجأ الكثير من العائلات إلى الدفع بأطفالهم إلى امتهان حرفة البيع لأي شيء قد يجدون فيه دريهمات تسد رمق أفراد الأسرة والتكفل بالتكاليف المتعددة و المتنوعة، فيما تجد الآلاف من العائلات سوق الشيفون والأسواق الموازية وبائعي الأرصفة (النصابة) بالتعبير المحلي ملاذا مفضلا للإقبال واقتناء ما يحتاجونه من متطلبات الحياة من ألبسة رغم ما تشكله من أخطار صحية ومواد غذائية المستوردة عن طريق التهريب كالطماطم و الزيت والمصبرات وغيرها ومنهم من يقتات على الفضلات التي يتم رميها من طرف التجار وأصحاب المحلات التجارية على النقيض من ذلك، نجد محلات وسط المدينة والتي تبيع الملابس والأحذية المستوردة من إيطاليا وفرنسا و تركيا وسوريا قد جعلت من أزقة تبسة العتيقة سقفا واحدا من كثرة استعمال الأعمدة الحديدية. ونجد هناك الأسعار جنونية أدنى أسعار الأحذية تصل إلى 3000 دينار، أما أسعار الملابس فقد لا يكفي مرتب الشهر بكامله لشراء ملابس لأربعة أطفال بحد أقصى. ولقد أصبحت الحركة في هذه السوق قليلة إذا ما قورنت بنشاط سوق الشيفون أو مواقع تمركز باعة الملابس الصينية· ويتأكد الجميع بعد جولة بسيطة بوسط المدينة، أن أسعار الملابس الأوروبية فيها ليست في متناول الجميع، وعلى الرغم من ظروف نقل السلع التونسية وعرضها فإنها تبقى غير صحية ولا تخضع للرقابة الدقيقة قبل الاستهلاك، وقد أصبحت تباع هذه المقتنيات في محلات المسرح الروماني أو جسر باب الزياتين أمام أعين الرقابة الرسمية التي غضت الطرف وهو ما يهدد صحة وجيب المواطن.من جهة أخرى، تبقى المنتوجات التونسية الغذائية من العجائن والطماطم المصبرة والهريسة وغيرها ملجأ المواطنين البسطاء بتبسة، نظرا لانخفاض السعر· فزيت المائدة التونسي ”الفراك” لا يتجاوز ثمن الخمسة لترات منه 315 دج، بينما قفز زيت الصوجا الجزائري إلى 580 دج لدى محلات البيع بالتجزئة. علي عبد المالك.