أمين اختار عنابة لأن شوقه إليها كبير كما قال ولأنها قطعة من قصص حبه للمدن الجزائرية، جاء احتفاء بطبعات جديدة لروايته «غرفة العذراء المدنسة» التي عرفت نفاذا لتعاود الدار المشرفة على توزيعها للمرة الثانية في أقل من سنة ونصف طبعها من جديد التقينا على هامش ندوة أقامها بالمركز الثقافي الفرنسي بدعوة من هذا الأخير أين باع بالتوقيع رواياته لقراءه فكان هذا الحوار الشيق الذي فتح فيه الروائي والدكتور أمين الزاوي قلبه لآخر ساعة: آخر ساعة: مرحبا بك في عنابة سررنا بلقائك ^أمين: شكرا لميس وأنا كذلك سعيد بلقائكم. ما رأيك فيما يحدث في الشوارع الجزائرية من احتجاجات وغضب؟ ^ما يحدث في الشوارع الجزائرية ترجمة صريحة للواقع الذي تعيشه بلادنا جراء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والنفسية المزرية، وخروج آلاف الشباب إلى الشوارع بلا شعارات أو لافتات يوحي باليتم والغربة لأنهم أحسوا أن لا أحد يمثلهم أو يدافع عن حقوقهم ومطالبهم ولا أظن أن الأزمة متعلقة بالجوع والفقر فقط بقدر ما هي متعلقة بإحساسهم العميق بالإهانة والظلم والحقرة وعليه يجب على السلطة أن توازي بين خطابها المنفوخ والواقع الجزائري المغشوش واعتبر ما يحدث إشارة تنبئ بإمكانية حدوث كوارث نحن في غنى عنها هناك حدث اعتبره منعرجا في حياتك وهو خروجك من المكتبة الوطنية .. بعد كل الذي حدث وزوبعة الإعلام الثقافي الجزائري والعربي أين هو أمين الزاوي؟. ^أريد أن أنوه بأن خروجي من المكتبة كان بعد أن أعطيت لها كل ما أستطيع، وقدمت ذلك بحب كبير كانت تجربة ثقافية عميقة، استدعيت فيها أسماء جزائرية وعربية وعالمية كبيرة لم تدخل يوما الجزائر منن قبل والفضل لا يعود لشخصي فقط ولكن لمنهجية التعاون التي طبقناها مع فريق المكتبة ولست نادما بل بالعكس سعيد لما حققته من تجارب ناجحة لا أحتفظ بها في ذاكرتي لوحدي بل ثمة من تعلق في روحه كل تلك اللحظات الجميلة المملوءة بفرص اللقاء والفرح والتعارف واليوم وجدت الكثير من الوقت للحركة للكتابة ولأسرتي كذلك بعد أن أخذت مني المكتبة %80 من الوقت، الآن عدت إلى الجامعة والإشراف على رسائل الطلبة، أنا الآن عضو مجلس أمناء الصندوق العربي للثقافة والعلوم ببيروت وأترأس لجنة الأدب والمسرح، أصبح لدي وقت لحمل تقل أبنائي لينا وهزار مع زوجتي عدت لأسمع نصوص وأشعار ربيعة، فالكاتب عندما يغادر الإدارة يجد الفضاء البديل الآن أنا أسافر باستمرار كنت قبل أسبوع في بروكسل وفرنسا قدمت محاضرتين هامتين، والوقت بالنسبة للكاتب ثمين جدا. في نظرك هل تناول الإعلام الثقافي قضيتك بشكل جاد؟ ^بعد مضي عام ونصف تقريبا من مغادرتي المكتبة الوطنية يمكنني أن أجزم أن الإعلام هو الجهة الوحيدة التي كانت منصفة إلى حد بعيد جادة وتناولت المسألة بحكمة فمن خلال قراءتي لمختلف ما كتب وما قيل استنتجت أن الإعلام استخدم اليقظة أثناء تناوله وطرح أسئلة بعيدة عن المنصب أو علاقتي بالوزيرة أسئلة قلقة هادفة تهم المثقف العربي والمؤسسات الثقافية التي ينتمي إليها خاصة المكتبات وفي هذا الصدد دعيني اسأل هل ما أنجزناه في مستوى ما أخذناه ؟ ! اقترحت ذات مرة لوزارة الثقافة السيدة خليدة تومي مشروع ألف مكتبة ومكتبة إيمانا مني بأن المكتبات رمز من الدولة يجب أن تكون لها حرمة الذي لا يعشق الكتاب لا يمكن أن يدافع عنه والذي لا يحترم الفضاء الذي يحتضن الكتاب لا يمكن أن يكون عاشقا حقيقيا. والحال سواء بالنسبة لكل الفضاءات الثقافية . على ذكر الفضاءات سبقتني في سياق حديثك عن الفضاءات الثقافية، قاعات السينما في الجزائر تنحى هي الأخرى إلى العزلة والهجران ألا ترى معي أنها هي الأخرى بحاجة لمشروع تجديد دقيق ومعصرن ؟ ! بالفعل قاعات السينما اليوم اصبحت فضاءات عجوز يائسة عن استقطاب عشاق ومحبين والسبب يرجع لهيكلتها الكولينيالية التي خضعت لبنائها إبان الإستعمار الفرنسي حيث صيغت هندسيا وجغرافيا على مذاق النخبة وأقصد الكولينيالين، اليوم على السلطة أن تنتهج سياسة جددة تضع نصب عينيها الجغرافيا البشرية المتغيرة والمتبلورة مع السياق الزمني وبالتالي يجب النظر في التوزيع الجغرافي للسينما، ونفس الشيء بالنسبة للمسرح فالسياسة لا تتحدث عن الإستعمار البشري. هناك حراك ثقافي باتجاه الرواية النسوية كقارئ كيف تنظر إلى هذا الإتجاه المدعم من طرف وزارة الثقافة بكثافة النشر واللقاءات الأدبية والمهرجانات النسوية؟ السلطة محقة في تثمين هذا الحراك وتسليط الضوء على آثاره الأدبية سواء كانت نصوص شعرية أو قصصية أو روائية أو أعمالا مسرحية ويجب الاعتراف بمجهودات فخامة رئيس الجمهورية بدعمه للحركة الثقافية النسوية خاصة ونلمس ذلك من خلال المسابقات التي تحمل اسم فخامته واللقاءات التي يرعاها ولكن دعيني أشير إلى نقاط أخرى مفادها إنزواء كل هذه المجهودات إلى الوحدة والغربة كاتباتنا مغتربات في وطنهن يحلقن في عالم خاص لا قراء لهم .. كتبهم لا تسوق بشكل واسع في بلدانهم، لا يلاقون الإحترام المفروض كان في جعبتنا أسماء كثيرة وجيدة اين هي الآن اجزم أن مجتمعنا الأبوسي أحالها على التقاعد فإحتضنها الشتات ولفحها رماد القهر والتسكيت، وأثناء طريقها إلى محاولة الإلتحاق بالركب زرعت في طريقها حواجز وحواجز. ثمة أسماء قد تعزي كل هذا النكل، ربيعة جلطي زوجتك، زينب الأعوج، أحلام مستغانمي، فضيلة الفاروق وأخريات ... أين تصففهن؟ ولكن تصوري لو لم تجهض كل تلك الأسماء التي عرفناها في العشريات الأربع مثلا من القرن المنصرم ماذا كان يمكن أن يصنعن؟ لن أتكلم عن الشاعرة ربيعة جلطي كثيرا لأنها زوجتي سأكتفي بالإشارة لروايتها الجديدة «الذروة» صدقيني بالصدفة وجدتها تباع بإسهاب في بيروت والشارقة ودبي وسوريا ولبنان وتفاجأت كيف يتناول القارئ خارج الجزائر إنتاج كاتباتنا.. هم يصدمون بالتفرد في الأسلوب والروعة في اللغة والأفكار، ونفس ما يحدث لزينب الأعوج التي فجأتنا بنصوص قصصية وشعرية بليغة ولكن للأسف في الجزائر يحدث العكس لا يوجد تقليد إسمه القراءة فلو مشت واحدة من هؤلاء في شوارعنا الجزائرية لما عرفها أحد؟ !. وأحلام مستغانمي؟ ^آه أحلام ظاهرة نادرة طفت فوق السطح مثل سفينة نجت من الغرق بصعوبة، أحلام كاتبة ذكية استطاعت أن تخلق قارئ عربي موهوب من سجون إسرائيل إلى سجن ماسة في المغرب. أحلام تفوقت بامتياز على راهن، المزاج العربي سكنت فيه كما يسكن الحمام فوق القراميد ليتمتع بحرية التحليق في السماء، هذه المرأة ذكية جدا وأتوقع نجاحات أخرى لها، فهي تجيد الإشهار لأعمالها تجيد تشويق القارئ لنصوصها، بعد كتابة ثلاثية ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير هي عملية إبداعية صعبة الولادة تشهر الآن لكتابها الجديد «الأسود يليق بك» ولكنها تعاود التراجع فلا تضبط له موعدا محددا لأنها تتمتع بالخوف الإبداعي الجميل وهو ما تفتقده كاتبات أخريات تحرقهن الأضواء بمجرد الظهور. هناك كاتبات عربيات ارتكزن للظهور إلى الواجهة على الثالوث المقدس قاعدته الدين وضلعيه السياسة والدين، ثم سقطن إلى الهامش هل تنزل الشهرة أحيانا إلى الأرض كي تدغدغ الأقدام التي تحملها؟. من حق أي كاتب أن يكون مشهورا... من حقه الحلم بالتفرد والمحبة والإهتمام، ولكن هذا الجيل أمثال الصديقة الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق والتي اعتبرها كاتبة موهوبة انطلاقا من روايتها « مزاج مراهقة» نجحت على المستوى السوسيولوجي ودقت ناقوس الخطر، كشفت عن المستور وزحلقت قناع القبيلة إلى الذوبان غير انها على المستوى الأدبي إنزاحت قليلا عما هو مطلوب وأقصد الوصول إلى القارئ بالشكل الصحيح وهو ما حصل مع سلوى النعيمي في رواية «برهان العسل» إذ نجد في هذا النص جرأة كبيرة لكشف المستور وتعرية الشهوة... ولكن ما حدث مع فضيلة انساق لسلوى كذلك ولكن يمكهن العودة من جديد لصدمنا بروايات أخرى فلا شك أن النص المبدع يصل إلى القارئ حتى بعد سنوات. والرواية المكتوبة بأصابع الرجال هل لديها حيز قراءاتي ونقدي في مساحة وقت أمين الزاوي؟ ^بالطبع وأجد فيها ما هو جيد فأنا بصدد تكملة رواية للكاتب مفتي بشير عنوانها دمية لنار سبق وأن قرأت له أيضا خرائط لشهوة الليل اكتشفت في بشير مفتي صياغة جديدة حتى للعادي وأحببت نصوصه كما أنني معجب برواية « سيد الخراب» لكمال قرور وهلابيل لسمير القاسمي ... وهذا الجيل أراهن على صنعه لنص منفرد سيميز الرواية الجزائرية من غيرها، فهو جيل يساهم في انقاذها . ورواياتك ؟ ^رواياتي مليئة بالمتخيل العالق بالواقع أصيره هالة من الأحداث وأخلق منه قصصا وأشخاصا تحكي عن الواقع الذي نعيشه والذي فاق المتخيل في أحداثه، تصور وأنت صحفية أن ما يكتب في الجرائد اليومية من الجرائم، والتحرش الجنسي وعصابات السطو أصبح يصدم أكثر مما يثير الغرابة لأن الرموز التي نعيش منذ ولدنا على إحترامها باتت تشكل كابوسا من النار فإمام المسجد يغتصب أولاد، وينفرد بالنساء في زاوية بيت الله والمفتي يصدر فتاوى لا علاقة لها بالدين والأبناء يتخلون عن آبائهم بالقتل والدفن التقطيع في حاويات البلاستيك... من هذا الواقع المحموم بالفجائع يكتب أمين الزاوي. أي الروايات الأكثر قربا من هذا العالم الكابوسي أو المتوحش إن صح التعبير؟ ^رواية «يصحو الحرير» المكتوبة باللغة العربية فهي قطعة من مجتمع الثمانينات والحياة الإجتماعية وبالفرنسية رواية «حارة النساء» التي تروي تفاصيل واقع المرأة، اضطهادها ومقاومتها اعتبر هذه الرواية نشيد لقوة المرأة الجزائرية، وهو ما جعلها تترجم إلى 14 لغة من بينها الصينية والسويدية. أمين من صنع منك كاتبا قريبا هكذا للمجتمع والناس ...؟ ^الحب الذي عشته مع والدي..أبي علمني الحب وبالتالي التواصل واللقاء كان يقول لي تعلم لغات أخرى فاللغة العربية هي ملك لك، الأسرة تلعب دورا كبيرا في تشكيل وشحن موهبة الطفل أنا ابن مسيردا بضواحي تلمسان من والدين تحابا حتى لحظات فراقهما الأخيرة أبي توفي وأمي إلى جواره تكابد لحظاته التوديعية الأخيرة... في عيون امي قرأت الوفاء للغياب... وتمسكت به لذلك أنا أحب الغائبين تماما كما محبتي للحاضرين. شاع منذ مدة اضطراب بينك وبين الروائي واسيني الأعرج وقبلها بينك وبين رشيد بوجدرة إلى أي مدى قد تؤثر هذه الأقاويل في تمسكك بمن تحب وهل فعلا هناك نزاع حول أبوة الرواية بعد رحيل الشيخ الطاهر وطار؟ صدقيني لا خصام بيني وبين واسيني أو رشيد بوجدرة ما يروج هو مادة إعلامية دسمة يتناقلها الإعلام وهذا شيء طبيعي لا أستطيع إيقاف الإعلام هو يكتب وأنا أحب (مبتسما) ، واسيني صديقي ولبوجدرة أكن احتراما كبيرا، وهذا هو المطلوب حتى لو وقع نزاع الأخلاق الكتابة ترسم مشوار التسامح الجديد وربيعة؟ أه ... تلك المرأة صديقة دربي لا يمكن أن أتغاضى عن دورها في تحريك دفع مشواري الثقافي وفضلها علي كبير هي من تقف إلى جانبي وتساعدني على ضبط أموري، ربيعة ترعاني مثل الطفل، لربيعة قوة الدفاع عن الحرية فمثلما تدافع عن حريتها من خلال ممارستها لحياتها الإنسانية والأدبية بحرية هي أيضا تدافع عن حريتي... بمقومات الحياة أو لها الحب والموسيقى والنظام والنظافة. إذن الحب هو من جعلكما تواصلان البقاء معا أكثر من عشرون سنة ؟ بالفعل الحب شرط أساسي للتواصل مع الآخرين ففي الحياة الزوجية ليس تشابه الاختصاصات والأنشطة والهويات هو من يدفع العلاقة إلى الديمومة ولكن المستوى الإنساني الذي يرقى به الحب لتجد إلى جوارك شخصا إضافة لكل مقومات التشابه يحافظ عليك لأنك جزء منه أو كله. في حوار سابق من ثمانينات القرن المنصرم للشاعرة ربيعة على مجلة كويتية إجابة جميلة عن سؤال مفاده أن عيونها جميلة، فردت بإجابة مفتونة صارت أكثر جمالا لما رأيت أمين لأول مرة ... أليس اعترافا مجنونا أن تصرح بعد سنوات من العشرة الزوجية بهذا الشعور متأثرا) كما لو قالتها للتو، ربيعة منذ البداية أسطورية.. ومتميزة منذ كنا في الجامعة أحسست أنها مختلفة شكلا ومضمونا، ملأت حياتي بالموسيقى والحب والإعجاب وأنا شاب ولا زالت تفعل حتى بعد مرور كل هذا العمر من العشرة . أمين سنودعك استمتعنا معك هل من كلمة لقراء آخر ساعة؟ شكرا لك لميس، شكرا لهذا الفضاء الجميل الذي منحته لي بصدق فتحت قلبي لكم . واستطعت اقتلاع تصريحات حصرية، أتمنى النجاح والتفوق لهذه الجريدة التي تحمل على عاتقها مهمة الإعلان الجواري وأنا أطلع عليها باستمرار على النت أتمنى أن تحاط بالحب والرعاية الدائمة. لميس سلوى