أمين الزاوي روائي غني عن التعريف يكتب الرواية باللغتين العربية والفرنسية وفي روايته نشعر أننا نبحر في عوالم هي مزيج من الشرق والغرب، هي هجانة ثقافية تعكس خصوصية الجغرافيا بالمعني البيئي والثقافي، يؤسس لهوية روائية مفتوحة، حيث يعتدي على الجنس الروائي كما هو مقترح بالدخول في تشعبات وحقول جديدة، وفي كل رواية يكتبها أمين الزاوي يختلط الماضي بالحاضر، وترتسم صورة مغايرة عن تلك التي في أذهاننا فهو لا يفتأ يكسر أفق التوقع، كما يصدم بشكل مستمر روحنا الثابتة في صنمية مثالية ومتعالية عن الواقع، أصدر مؤخرا روايتين واحدة بالفرنسية غرفة العذراء المدنسة بفرنسا والثانية /شارع إبليس/ بالعربية وكتاب عن المثقف في النص السردي المغاربي هنا حوار مع هذا الكاتب المجد والمجتهد· أصدرت رواية بالعربية وأخرى بالفرنسية في وقت واحد ؟ هناك من يعتبر ذلك ظاهرة جديدة في الكتابة ان يكتب كاتب بلغتين؟ لم أخطط لذلك، الكتابة لدي مزاج، سقوط حر في حالة غرام و متعة فائضة حتى و إن كانت هذه النصوص تحمل كثيرا من الألم و الجروح و كثيرا كثيرا من المقاومة، مقاومة الرداءة يا بشير، الرداءة التي استشرت في السلوك وفي اللغة /العربية أو الفرنسية/ لا يهم ، وفي الصداقة وفي الوفاء· إنني أعتبر نفسي بهذه الازدواجية اللغوية التي أكتب بها الروايات، أعتبر نفسي واحدا من الديناصورات التي تقاوم الانقراض، مقاومة لأجل الطيران بجناحين قويين، بلغتين· حين أكتب باللغتين العربية والفرنسية، من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، أرى نفسي متقمصا حالة إبداعية عاشها أديبنا الكبير وأستاذنا جميعا جبران خليل جبران، الذي ظل يكتب بلغة عربية راقية وبلغة إنجليزية راقية أيضا، لقد أثارت لغة جبران العالمين العربي والانجلوفوني وأنا في هذه الحال من الممارسة الإبداعية داخل لظى لغتين أطمح إلى مواصلة ما حققه جبران خليل جبران قبل قرابة قرن من الزمن· روايتي /غرفة العذراء المدنسة/ التي صدرت في باريس عن دار فايار الشهيرة و صدرت أيضا عن دار برزخ في الجزائر، هذه الرواية لم يكن لتوقيت صدورها أية علاقة مع توقيت تاريخ صدور روايتي /شارع إبليس/ (بالعربية) عن منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت ومنشورات الاختلاف الجزائر، فأنت تعرف أن روايتي بالفرنسية /غرفة العذراء المدنسة/ كان تاريخ صدورها معروفا قبل سنة وذلك تقليد ثقافي لدى دور النشر الفرنسية المحترمة، أما صدور الكتب العربية، و للأسف، لا يزال يخضع للصدفة وربما للأسماء أو للمناسبات كمعارض الكتب وغيرها من الأشياء العابرة للثقافة· لا نملك تقاليد المواعيد في النشر· ولكن مع ذلك فصدور الروايتين في وقت واحد سمح لي بالخروج بجملة من الملاحظات: 1- أدركت و تأكدت بأن القارئ الجزائري للرواية بالفرنسية لا يزال له الحضور الكبير، بل أعتقد أنه في تصاعد مستمر· ولعل ما حققته رواية /غرفة العذراء المدنسة/ من مبيعات كبيرة وفي ظرف قياسي يؤكد ذلك، والشيء نفسه عرفته مبيعات روايتي السابقة/وليمة الأكاذيب/ التي أمضى ناشرها الجزائري برزخ عقدا جديدا مع الناشر الفرنسي لطبعة جديدة بعد نفاذ الطبعة الأولى· 2- تأكد لي أيضا أن سلسلة النشر الأدبي بالفرنسية في الجزائر متفوقة من حيث التقاليد و التواجد عن مثيلتها بالعربية· 3- الإعلام الثقافي و الأدبي باللغة الفرنسية سواء التلفزيوني أو الإذاعي أو المكتوب يقدم النصوص الروائية ويقدم الروائيين بالفرنسية أفضل بكثير مما يقدم في اللغة العربية· هناك احترافية ومهنية تتأكد في حقل الكتاب الأدبي الجزائري بالفرنسية· 4- القارئ الجزائري باللغة الفرنسية للرواية أكثر انفتاحا وتفتحا من القارئ للرواية باللغة العربية، و كنت قد صرحت بذلك سابقا وقد أثار هذا التصريح غضب البعض من ألأصدقاء والأعدقاء من الكتاب ولكني أصر على هذا الرأي ولكني كمثقف ومبدع أعمل و أجتهد مع غيري من أجل تغييره· القارئ بالعربية قارئ خارجي ومتهيج وبأحكام مسبقة تارة عن الأديب وتارة أخرى عن النص· لا أريد هنا أن أعمم و لكن الاستثناء يؤكد القاعدة· 5- أشعر بأن هناك تقلص وغياب، في الجزائر، لقارئ الرواية بالعربية، و أتصور أن أكبر اسم روائي جزائري لا يبيع 200 نسخة (مائتي نسخة) في السنة، و بعضهم يمارس إهداء رواياته للصحفيين والجامعيين و المواطنين أكثر ألف مرة مما يبيع، وقد لاحظت أن القارئ بالعربية ينتظر الكتاب كهدية ولا يذهب إلى المكتبة لشرائه· وهذا سلوك مثير للغرابة وغير حضاري على الإطلاق· الكتابة عندي باللغتين هي توازن نفسي، هي فضاء مزدوج للحرية، هي ممارسة الطيران بجناحين متوازيين، هي لعبة فيها كثير من المتعة الذاتية و فيها كثير من الاكتشاف· فأنا أطل على الفرنسية من خلال ثقافتي وذاكرتي بالعربية دون عقدة ذنب فأنا سليل ابن رشد و الجاحظ و النفري و غيرهم وأطل وأسبح في الفرنسية من خلال ثقافتي بالفرنسية وهذه اللعبة فيها كثير من المفاجآت وكثير من التناغم والتنافر· أصدرت دراسة عن المثقف بالمغرب العربي كصورة روائية هل مازال المثقف موجودا اليوم؟ هذه دراسة تتبعت فيها صورة المثقف من خلال الرواية المغاربية المكتوبة بالعربية وبالفرنسية، لأني أعتقد أن الرواية كفيلة، حين تكون صادقة و مبدعة، و قادرة على تقديم صورة عميقة عن المثقف الذي يكون في أغلب الأحيان صورة للروائي نفسه· سؤالك إشكالي: هل ما يزال المثقف موجودا؟ شخصيا أعتقد بوجوده في الحياة الاجتماعية ولكن دوره قد تغير، فجيل المثقف الخمسيني قد انتهى على مستوى الإبداع الحياتي والسياسي والنصي· كما أن معادلات الحياة وأطراف الصراعات فيها تغيرت وبذلك ضاعت البوصلة من هذا الجيل ولعل المواقف السياسية والأنتهازيات التي يمارسها بعض رموز الثقافة والإبداع عندنا يؤكد هذه المقولة: نهاية جيل الخمسين وموته السياسي والإبداعي وهو الذي كان يمارس النقد طوال حياته السياسية أو الكتابية· أشعر بأن الأحزاب السياسية تخاف من المثقف النقدي لذا تبدو هذه الأحزاب بدون مثقفين، وطالما أن الأحزاب السياسية دون مثقف فإنها تعيد إنتاج نفسها وتخلق موتها بيدها· من مهمات المثقف، المهمة الأساسية هي النقد، وإذا ما أردنا أن نتقدم علينا أن ندمج خطاب المثقف داخل آليات التقدم والقراءة· لا يمكن لأمة أن تتقدم دون الاستماع إلى صوت المثقف النقدي· وعلى الأحزاب السياسية والمؤسسات أن تعمل من أجل المحافظة على الحاسة النقدية للمثقف· لكن وللأسف فالمؤسسات والأحزاب حين تقبل بمثقف داخل صفوفها فإنها تريد بدلا من الاستفادة من نقده تعمل على تدجينه كي يتحول إلى تزويق سياسي موسمي· كتابي / عن المثقف المغاربي/ هو قراءة في الممارسة وفي الفهوم لدى المثقف المغاربي، كتاب عن ذاك /النبي/ الذي لم ينزل عليه وحي بل هو الذي يوحي إلى نفسه و يؤمن بوحيه ثم يكفر به و هذه هي خاصية المثقف· المثقف الحقيقي لا يتصالح مع الإيمان بل هو في حالة مستمرة من الشك المستمر في حالة من التساؤل و السؤال الوجودي المستدام· وكتابي عن المثقف المغاربي هو قراءتي الخاصة لتاريخ المثقفين وعلاقتهم بالماضي والواقع و السلطات والمرأة واللغة و الآخر، و قد حاولت قدر الإمكان تبيان الاختلاف الكامن في رؤية العالم والذات لدى المثقف المغاربي تبعا لمرجعياته: المرجعيات الفركفونية و المثقف ذي المرجعيات المشرقية· يقال إن الجزائر لا تعرف حركة روائية ولكن تجارب فردية تبرز من حين لآخر لا غير؟ أنا أيضا أعتقد ذلك، وهذا راجع إلى أن بعض الروائيين الجزائريين متمشرقين أكثر من المشارقة في سلوكاتهم وحتى في لغتهم، فهم على مستوى الهاجس وعلى مستوى الداخل يمارسون الحياة بسيكولوجية مشرقية وبذلك يظهرون قليلي الارتباط بسيكولوجية المجتمع الذي من المفروض أنهم يكتبون عنه أو له أو منه· لذلك فالرواية الجزائرية تقوم على حالة من المحاولة والخطأ الفردية· وهي في ذلك لا تراكم نصوصها· كما أن الجامعة التي من المفروض أن تكون حاضنة النصوص والعاملة على توصيلها إلى أجيال القراء والمتعلمين، هذه الجامعة تعيش حالة من البؤس الثقافي الفظيع· شخصيا كنت أعتقد أن الجيل الجديد من الروائيين الذي ظهر في الثمانينات سيعطي دفعا جديدا للثقافة الروائية في الجزائرية، و حين أقول الثقافة الروائية فأعني بذلك تحويل الرواية إلى حالة اجتماعية أي تقوم عليها أسئلة المشروع الثقافي و السياسي و اللغوي و الجمالي، و لكن خاب ظني في هذا الجيل، و هو أيضا يعيش حالة من الضياع ومن الفراغ الثقافي الأدبي و يعيد إنتاج حالات فردية: بشير مفتي، سمير قسيمي، جلاوجي، سارة حيدر و غيرهم· لكن بالمقابل فالرواية الجزائرية باللغة الفرنسية، مع أن التعليم معرب من المدرسة الابتدائية و حتى الجامعة، تعرف نوعا من التكتل و التراكم في النصوص و التجارب وهو ما يجعل منها مرشحة كي تتحول إلى ظاهرة ثقافية· أتساءل حين أقرأ نصا روائيا بالفرنسية لروائية لشابة عمرها أقل من العشرين، درست بالعربية و في المدرسة الجزائرية وربما لم تغادر البلد و لو مرة في حياتها، هذا الوضع يطرح علينا كمثقفين سؤالا كبيرا واشكاليا ومحيرا: علينا إعادة قراءة الحقل الأدبي بمرجعياته· أين الخلل في مشهدنا الثقافي حيث نملك الإمكانيات ولكن أكثر المشاهد الثقافية تخلفا في العالم العربي؟ يا صديقي المال وحده لا يكفي، بل قد يكون في مرات كثيرة وبالا وكارثة على الثقافة والإبداع· صحيح إن الدولة الجزائرية أعطت للثقافة كلما يتطلب، و لكن بالمقابل لم تعط الثقافة الجزائر ما تنتظره منها· إن ما تقدمه الدولة الجزائرية من مال للثقافة يبين حرص الإرادة السياسية العليا على دفع الثقافة إلى الأمام وجعلها اسمنت التنمية المستدامة، ولكن تسيير الشأن الثقافي كما هو تسيير شؤون كثير من القطاعات الأخرى تحتاج وتتطلب حسن التدبير، وحسن التدبير لا يكون إلا بوضع خارطة طريق حقيقية للثقافة يشارك في رسم فلسفتها و أبعادها المثقفون و ممارسو العمل الثقافي· أعتقد انه حان الوقت للخروج بالثقافة من مرحلة التنشيطوية إلى مرحلة المشاريع المفتوحة على المستقبل· فلا ثقافة دون حلم، ولا يمكن تحقيق مشروع ثقافي بالمال وحده دون حلم مليء بروح التغيير والتطلع إلى الأفضل وحسن التدبير· واقعنا الثقافي مغلق وغير مفتوح على باب المقارنة بين ما ينجز في العالم العربي أو بلدان البحر الأبيض المتوسط و ما ننجزه نحن، إننا نرى أنفسنا في مرآة ذاتنا و لكنها للأسف مرآة مشققه و كاذبة لا تعطينا الصورة الحقيقية عن واقعنا· أعتقد أن على المثقفين الجزائريين و بعد عشر سنوات سمان، 2000-2010 أن يقوموا بعملية تقييم حقيقية لهذه الفترة بشكل حر ومستقل ودون السقوط في تصفية الحسابات الشخصية أو المؤسساتية· أنا أتصور أن إقامة ملتقى حر لجميع المثقفين وبشكل مستمر من خلال حوارات مفتوحة في وسائل الإعلام وفي المؤسسات الثقافية والجامعية بعيدا عن أي ضغط أو ضغينة و بكل شفافية هو السبيل الأمثل للخروج من النفق والانطلاق في مرحلة ثقافية جديدة و أعتقد أن مبادرة من هذا القبيل كفيلة بإنقاذ الثقافة و أيضا ستساعد ذوي القرار الثقافي على المراجعة و تصحيح مسار أو تأكيد مسار· نعود للرواية كيف تختار عناوينك الروائية والتي تبدو دائما للقارئ مستفزة او جريئة أو تدور بخاصة عن الطابو الجنسي او الديني او السياسي؟ الكتب تبدأ من عناوينها· وأنا شخصيا منشغل كثيرا بمسألة العناوين· وقد يحضرني العنوان في بداية الكتابة، مرات كثيرة العنوان هو الجملة الأولى، هو الرحم الذي يتشكل فيه و يكبر و يتطور النص· أقول أن لا أدب بدون جرأة و نحن نحتاج إلى صناعة قارئ و هذه الصناعة عليها أن تتأسس على الجرأة، و لكن على الروائي أن تكون جرأته مؤسسة داخل ثقافة و قراءة و فلسفة و من أجل مشروع ثقافي و جمالي· على الروائي الجزائري اليوم ألا يفكر فقط في كتابة نص جميل، فهذا تحصيل حاصل، ولكن عليه أن يفكر في صناعة قارئ جميل وشجاع وعنيد ومطالب· وأنا واحد من الروائيين الذين يقلقهم و يشغلهم حال القارئ بالعربية، لأن هذا القارئ لم يدخل بعد لعبة التخييل والهدم و البناء والتحرر من سياقات ثقافية عاف عليها الزمن الإبداعي· فالعناوين التي هي بوابة النصوص تشكل عملية تحريض لهذا القارئ· ماذا تقرأ هذه الأيام؟ أقرأ رواية /سيفاراد/ لإليات أبيكاسيس (بالفرنسية) و أعيد قراءة /العلاقات الخطيرة/ للاكلو مع مقدمة أندري مالرو وبالعربية أقرأ كتاب حسن النجمي /الشاعر و التجربة/· ماذا تكتب؟ أنهيت مجموعة قصصية باللغة الفرنسية ستصدر قريبا عن ناشري فايار في باريس، و هي مجموعة من القصص كنت قد كتبت بعضها في فترات متباعدة و في ظروف خاصة جدا· و أشتغل على نصين روائيين في الوقت نفسه واحد بالعربية مستوحى من حادثة /الشقراوات الفرنسيات اللواتي أعلن إسلامهن/ في ناحية مستغانم وما تبع ذلك من هوس الجزائريين حولهن رغبة في الزواج أو الهروب أو النفاق الديني···· و ما إلى ذلك· رواية ساخرة· أما النص الروائي بالفرنسية فهو بعنوان / اليهودي الأخير في تمنطيط/ و هي رواية شبه تاريخية عن المغيلي والتطرف والتنوع الثقافي للجزائر·