بعيدا عن الإطار الرسمي للمدارس يلجأ العديد من مربي الأجيال في مختلف أطوار التدريس إلى الدروس الخصوصية بحجة إلحاق التلميذ إلى المستوى المطلوب. وبين رفض الوزارة الوصية وتجاهل بعض المعلمين والأساتذة للأمر، يجد الأولياء أنفسهم في كل الأحوال مجبرين على دفع مبالغ خيالية لإنقاذ أبنائهم. بالرغم من المرسوم الصادر عن وزارة التربية الوطنية والقاضي بمنع ممارسة الدروس الخصوصية فإن بعض الأساتذة والمعلمين لا زالوا يتجاهلون تماما الحملة التحسيسية التي يقوم بها وزير قطاع التربية عبد اللطيف بابا أحمد، ويواصلون تقديم الدروس الخصوصية بصفة عادية والتي اعتبرتها الوزارة بالتجارة غير المرخصة وسمتها «البزنسة» خاصة وأنها أصبحت تمس بمصداقية المؤسسات التربوية في الجزائر وصورة مربي الأجيال. فقد تحولت قضية الدروس الخصوصية الى معركة حقيقية في قطاع التربية باعتبار أن الوزارة تحاربها بشدة من جهة، والمجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني يبيحها من جهة ثانية ويدافع عنها بشراسة لأسباب عديدة منها ما هو مادي ومنها ما يتعلق بمصلحة التلاميذ ومستقبلهم العلمي. ولعل المثير في كل هذا هو الاقبال الجنوني للتلاميذ على الدروس الخصوصية بشراهة كبيرة في مختلف بلديات وقرى مدينة عنابة. وقابل هذا التعلق بالدروس خارج أسوار وجدران المدارس ارتفاعا جنونيا وخياليا في الأسعار التي اصبحت تثقل كاهل الجيوب المتوسطة والفقيرة من الأولياء. كما ساهم تبني جهاز التدريس لهذا التوجه الى خلق اعتماد كلي من طرف التلاميذ وأجيال المستقبل على الدروس الخصوصية بدل الدروس التدعيمية التي تساعد بدورها على رفع مستوى التحصيل الدراسي المعرفي بل ظهور سلوكيات اتكالية شوهت صورة المدرسة وجعلت منها «عنصرا مقصرا» لا يضمن الانتقال الفعال للمعرفة والعلوم. آخر ساعة قامت بجولة استطلاعية بمدينة عنابة لتكشف من خلالها أهم أسباب تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية وظروف تقديمها وأهم العوامل التي جعلت وزارة التربية تقف ضد هذه الموضة الباهظة الثمن. أماكن غير لائقة لتقديم الدروس الخصوصية يلقي بعض المعلمين الذين تجاوزوا تحذيرات الوزارة دروسهم الخصوصية في أماكن مختلفة بعضها انساني عادي كغرف المنازل وبعضها كارثي. فبمجرد تجولنا بين الأماكن المعنية وسؤالنا لبعض التلاميذ عن اشكالية الدروس الخصوصية اكتشفنا ان عدة أماكن غير لائقة اصبحت ملاذ الأساتذة ومكان «حشر» التلاميذ كالأكواخ وبعض الأماكن المهجورة والعمارات التي لم يكتمل انجازها. كما وجدنا حتى من يستعمل غرفة في قاعة للحفلات فيما يلجأ آخرون الى أكواخ قصديرية خاصة بفرق الكشافة الاسلامية ويحشرون فيها العشرات من التلاميذ وسط غياب الشروط المريحة للدراسة والظروف التربوية من تهوية وطاولات وكراسي وتدفئة. مدرسون لا علاقة لهم بقطاع التربية أصبحت ظاهرة الدروس الخصوصية وسيلة لكسب المال أكثر من أنها وسيلة لدعم التلميذ خاصة حينما تحول اهتمام بعض المربين من الأساتذة والمعلمين الى كيفية الحصول على الأموال من جيوب أولياء التلاميذ. اذ يشترط بعض ممن دعسوا على أخلاقيات مهنة التدريس مبالغ مالية معينة من التلميذ مقابل تزويده بموضوع الامتحان او ما شابهه ويطالبون التلاميذ بقبول منطق الدروس الخصوصية كوسيلة وحيدة لإنقاذهم بحصولهم على مواضيع مشابهة لمواضيع الامتحانات. كما أصبح التلميذ يعتمد على أستاذ الدروس الخصوصية في انجاز الوظائف والواجبات المدرسية المكلف بها من طرف معلمين آخرين ولا يستعين بقدراته الشخصية ومجهوداته على حلها ليتعلم منطق الاتكالية على طبق من ذهب. لكن الاشكال الأكبر هو استغلال بعض الطفيليين للوضع حين حولوا الدروس الخصوصية الى مصدر رزق حتى لمن لا يسمح مستواهم بتأطير التلاميذ أو من يملكون مستوى لا بأس به لكنهم لم يظفروا بعد بمنصب في قطاع التربية والتعليم فتجدهم يزاولون هذا العمل كوسيلة لجلب المال وأبرزهم ماكثات بالبيت يقدمن دروسهن بطريقة طبيعية لتلاميذ الطور الابتدائي والمتوسط . معلمون يجنون أكثر من عشر ملايين من الدروس الخصوصية بات ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية يقلق العائلات كثيرا ويفرح بعض المربين أكثر نظرا للمبالغ الهائلة التي يحصل عليها هؤلاء والتي تتجاوز العشر ملايين شهريا وأكثر بكثير. أما أرباب الأسر فيخصصون مبالغ تقدر بحوالي 15000 دج للتلميذ الواحد شهريا لأن هناك من الأساتذة من يحدد سقف 1600 دج للمادة خاصة في مادة العلوم، ومادة التكنولوجيا، الرياضيات، واللغات الأجنبية بالنسبة للتلاميذ المقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا فيما يطلب معلمون أزيد من 2000دج شهريا في بعض الأماكن كالزعفرانية والحجار والصفصاف، ويدرسون افواجا عديدة من مختلف الأطوار وعدة مرات في الأسبوع. ومن المرتقب أن تصل هذه الأثمان الى ضعف ما هي عليه خاصة خلال العطل واقتراب موعد الامتحانات، فيما تبقى حيرة الأسر المعوزة مستمرة عن كيفية جلب هذه المصاريف وارضاء أبنائهم الذين اقتنعوا بفكرة أن النجاح لمن يشاركون في هذه الدروس والرسوب لمن لا يدفع... تتعدد الأسباب والضحية واحدة.. هم التلاميذ وصف بعض الأساتذة الذين تحدثنا اليهم ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية بالقضية المعقدة التي أصبحت تطاردهم، بحيث أرجعوا سبب انتشارها الى كثرة نسبة التلاميذ المقبلين عليها والى عدم فهم التلميذ الدرس كفاية داخل المؤسسات التربوية نظرا للضجة الكبيرة التي يحدثها هؤلاء والذين يتجاوز عددهم الأربعين متمدرسا داخل القسم الواحد في العديد من الأوقات، الى جانب عدم اعطاء التلميذ الدرس قيمته المستحقة. في المقابل صب معظم التلاميذ والأولياء الذي التقيناهم جام غضبهم على الأستاذ وحده مرجعين السبب اما لعدم تمكن الأستاذ من ايصال الفكرة للتلميذ او البخل عليه لجره الى هاوية الدروس الخصوصية. يبدو أن تعليمات وزير التربية الوطنية عبد اللطيف بابا أحمد اصطدمت بعرض الحائط ولم يتم تجسيدها ميدانيا في ظل الانتشار الجنوني لظاهرة الدروس الخصوصية وتواصلها بشكل عادي، بحيث أصبح مرسوم الوزارة الذي يحاربها شبه مستحيل وهذا ما بات يمس بمصداقية المؤسسات التعليمية. كما صارت هذه الدروس تشكل خطرا على الأجيال القادمة نظرا للانعكاسات السلبية التي تحملها في طياتها بحيث أصبح التلميذ شبه معاق ذهنيا لا يبذل ولا أي جهد فكري، فكل شيء يجده جاهزا ما عطل ملكة التفكير لديه وقتل روح البحث في نفسه وكل هذا كان احد اهم اسباب تدني المستوى التعليمي للتلميذ الجزائري بل ومستوى جيل بأكمله. تحقيق: وليد.س