يعترف رئيس المجلس الشعبي الوطني، الدكتور محمد العربي ولد خليفة، بأنه ليس من الوارد أن يعمل على توجيه أعمال هذه الهيئة التشريعية أو التأثير فيها من منطق حزبي ضيّق، رغم تأكيده بأن يدين للثورة والأفلان، مثلما يلتزم بالحرص على إثراء التوافق بين الأغلبية والمعارضة. ويعود في هذا الحوار الحصري الذي خصّ به »صوت الأحرار« إلى الكثير من القضايا ذات الصلة بالتطورات على الساحة السياسية الوطنية على غرار تعديل الدستور ومشروع قانون تجريم الاستعمار، مدافعا في سياقها عن شرعية الغرفة السفلى للبرلمان الذي نفى أن يكون يعمل ب »إملاءات فوقية
كنتم تطمحون إلى رئاسة المجلس الشعبي الوطني، حينما تم اختياركم على رأس قائمة حزب جبهة التحرير الوطني في العاصمة خلال التشريعيات الأخيرة؟
من الصعب أن يتحدث الشخص عن نفسه، ويكون في آن واحد ملاحِظا وملاحَظا في مجتمع فيه الآلاف من النخب والكفاءات، لقد عرف حزب جبهة التحرير الوطني سليل الحركة الوطنية والثورة التحريرية طيلة المرحلة السابقة وضعيات عديدة أثرت بدرجات مختلفة على مساره وهو تنظيم سياسي يتمتع بذخيرة كبيرة من المناضلين الأوفياء من ذوي الخبرة والتجربة والمواقف المشهودة خلال نصف القرن الماضي، وبينهم من التآلف والاختلاف ? غالبا حول المقاربات وليس حول المبادئ - ما لا يخلو منه أي حزب في العالم الحديث والمعاصر.
علاقتي بجبهة التحرير الوطني تعود إلى مطلع الشباب و م تنقطع أبدا، وأنا من بين من يدينون للثورة وجبهة التحرير الوطني بكل شيء، وعلى الرغم من أن الطموح أمر طبيعي لدى الجميع، فإن استحضار عظمة الشهداء والقادة المستنيرين في تاريخنا القريب والبعيد يفرض التواضع وافتراض وجود الأفضل وخاصة بين الكثير من النساء والرجال الذين خدموا بلادنا وبقي بعضهم خلف الستار، ولذلك فإنني أجيب على سؤالك بالآية الكريمة: »فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى «. تسرّبت معلومات بأن وضع الثقة في شخصكم جاء بتوصية مباشرة من رئيس الجمهورية ومراعاة كذلك لما يسمى ب »التوازنات الجهوية« باعتباركم تنحدرون من منطقة القبائل. ما مدى صحة ذلك؟
ليس في كل ما يُتداول في مقاهي الكلام ونواصي الشوارع الفرعية في حاجة إلى نفي أو إثبات، ونعرف أن قياسات الرأي العام على أهميتها لها تأثير محدود على اتخاذ القرار حتى في الديمقراطيات الكلاسيكية، وما يسمى »التوازنات الجهوية« تفسير جزئي والتخلص التدريجي من التوزيع الجغرافي سيؤدي إلى دولة المواطنة، ومعايير الكفاءة والاستحقاق والتقليل من أولوية الجهة وتعلمون أن الانتماء إلى طائفة أو إثنية - في بلد لم يعرف التوزيع الطائفي والأثني الذي سعى الاحتلال إلى غرسه - كان تأثيره قليلا في سنوات المقاومة الوطنية، وأمرا ثانويا جدا أثناء الثورة، غير أن الذي يحب قريته أو الحي الذي نشأ فيه في المدينة هو الذي يحب ويعتز بوطنه، وليس من الشوفينية القول بأن أي جزائري هو أقرب إلى مواطنه الجزائري من أي شخص آخر، وعلى الرغم من الفروق فيما يعرف بالخصوصيات الثقافية فإن للمشتركات قاعدة ثقافية تاريخية روحية جامعة، تظهر فعاليتها أثناءالمحن والتحديات الكبر ى
بعد توليكم هذه المسؤولية، ما هي الرهانات التي تنتظر المجلس باعتباره مؤسسة تشريعية؟ وما هي التحديات التي تنتظر الدكتور ولد خليفة من موقعه ثالث رجل في الدولة؟
الجزائر مجتمعا و دولة بكل مؤسساتها تنتظرها رهانات تتطلب تعميق الحوار بين كل الفصائل السياسية و للمثقفين و المبدعين ومنظمات المجتمع المدني دور هام في التمييز بين المشاكل المفتعلة للإشهار والتشهير.. وبين القضايا الحقيقية في بلد يستعيد دولته بعد كفاح كبّده خسائر فادحة في بنياته الفوقية والتحتية وقضى خلال عقد واحد من الاحتلال على الكثير من نخبه من أهل الفكر والذكر، وبعد التحرير عرف بناء الدولة والمجتمع وتحديد الأولويات عن طريق ما يعرف في العلوم التجريبية بالمحاولة والخطأ، ونحن لا نقارن بين بلادنا و بلدان الجوار إذا قلنا بأن الجزائر سنة 1962 لم تجد أي مؤسسات وطنية ولو شكلية، فضلا عن السموم التي خلفتها الكولونيالية بهدف التعجيز وفرض التبعية القهرية لما كان يسمى الميتروبول.
البرلمان واحد من الهيئات التي تسهر على تجسيد التغيرات التي بادر بها رئيس الجمهورية وإيصالها إلى غايتها أولا في داخلها، وثانيا لدى الرأي العام الوطني وصورتها في الخارج، بدون أن تتظاهر بإرضاء أحد أو إغضاب أحد، فنحن نرى أن الوطنية جذع مشترك لفروع كثيرة يحمل كل منها لونه ومذاقه الخاص..« ومن الناحية المبدئية فإن الوطنية ليست مجرد ألفاظ وغزليات، إنها أساسا اجتهاد في خدمة صالح الدولة والمجتمع وهي امتحان للمسؤول في أي موقع كان، وبالتالي فهي في البداية قسمة عادلة بين كل المواطنين وامتحان المسؤولية هو الذي يحدد نصيب كل واحد فيها. .
تواجهون حاليا الكثير من التحدّيات بما فيها محاولات التشكيك في مصداقية شرعية الغرفة الأولى للبرلمان، كيف ستتعاملون مع هذا الأمر خاصة وأن المجلس مقبل على ملفات بالغة الأهمية؟
إننا نبدأ العهدة السابعة وأصعب الأمور بداياتها، ولعله من المفارقة أن يعترف بل ينوه الملاحظون الدوليون بشفافية الانتخابات ومصداقيتها وقد شاهدوا مجرياتها من بدايتها إلى نهايتها، وفي كل أنحاء القطر، ولم يشتك أي منهم من التضييق وقد التقيت شخصيا ب 11 منهم في مختلف أحياء العاصمة وقد عبروا جميعا عن رضاهم بما وجدوه من حرية في التنقل والاتصال بالناس والتعرف على تقييمهم للفعل الانتخابي .
وأما المفارقة فتتمثّل في بعض التعليقات المشككة وحتى الرافضة لحكم الصندوق، ولهذه التنظيمات السياسية دوافعها الخاصة، ولعلّ من بين تلك الدوافع ما حدث في المنطقة سنة 2011 وبداية هذه السنة، وكذلك الفوز الكبير الذي حقّقه حزب جبهة التحرير أقدم التنظيمات السياسية وأوسعها تجربة وانتشارا في نواحي القطر بالإضافة إلى ذخيرته الحيّة من المناضلين و الكفاءات، وهو ملجأ ومصدر للطمأنينة والأمن و الاستقرار في نظر العاديين من الناس، وفي مبادئه النوفمبرية وفلسفته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما يقنع الأغلبية من الجزائريين، وحزب جبهة التحرير الوطني أشبه بمرصد لكل التحولات التي عرفتها الجزائر في نصف القرن الماضي ولا يوجد أي تنظيم سياسي في بلادنا وخارجها شهد التغيير الدوري في قيادته مهما كانت طبيعة ذلك التغيير مثل الجبهة، ولاشك أن تجربتها أثناء الثورة وهي أساسا توحيدية وليست أحادية، وما يتميز به من مرونة في التكيف مع مستجدات الواقع ووفاء للمبادئ الكبرى للثورة وإمكانية تغليب حوار الأفكار بين كل أجنحته على الأسماء والألقاب والمواقع، كل ذلك يؤهله لأن يكون حزب المستقبل للجزائر الحديثة دولة ومجتمعا، مهما كان الإلحاح على تكرار الأوصاف القديمة التي تنسب إليه
رغم أن نسبة المشاركة في التشريعيات الأخيرة ارتفعت مقارنة بما كانت عليه في 2007 إلا أن هناك أزيد من 12 مليون جزائري رفضوا التعبير عن أصواتهم. أليس لهذا العامل تأثير على مشروعية المجلس بالتركيبة الحالية؟
لا أدري كيف تحسب النسب والإحصاءات هل فيهم الرضع ومن لم يبلغوا سنّ الانتخابات، إذا قيل بأن 80 بالمائة أو 90 بالمائة شاركوا في الانتخاب سارع البعض إلى كيل تهم التضخيم، وإذا قدمت النسب الحقيقية، حسب آخرون من لم ينتخبوا فقط، ومن المعروف أن الانتخاب حق و ليس واجبا، وقد قامت وسائل الاتصال والإعلام بالترغيب والتحسيس، وللأحزاب دور كبير في درجة المشاركة، وليس الإدارة التي وفرت أكثر من المطلوب لتسهيل المشاركة في انتخابات 10 ماي 2012، و أذكر أن عددا من الصحف أقامت الدنيا ولم تقعدها لأن موظفا في إحدى البلديات طلب قبل عدة سنوات بطاقة الانتخابات لاستخراج إحدى وثائق الحالة المدنية .
أنتم على رأس هيئة يفترض دستوريا أنها تتولى مهام التشريع و رقابة الجهاز التنفيذي، لكن التجربة أظهرت عكس ذلك رغم بعض الإنجازات لا سيما وأن الحديث جرى أن من سبقوكم كانوا يسيرون ب »أوامر فوقية«. هل أنتم على استعداد للعمل بإملاءات؟
مهام المجلس الشعبي الوطني محددة دستوريا والدولة مجموعة مؤسسات، والتشاور والتنسيق بينها أمر مطلوب كما هو الحال في كل الديمقراطيات الحديثة، أما الأوامر الفوقية فهي مصطلح غامض يستعمله البعض كلما حدث أمر لا يرضيهم، والهدف البحث عن متهم، وشخصيا لا أعلق على الماضي القريب والبعيد بدون أن تكون هناك معطيات موثوقة وبعيدة عن قالوا ويقولون، ويمكن لأي مواطن مهما كان موقعه على الخريطة السياسة وتنظيمات المجتمع المدني أن يعبّر عن رأيه في أداء مؤسسات الدولة وما ينتظره من البرلمان، ولست من الذين يدعون الكمال، لكن الاقتراب من الأداء الجيد وما ينتظره رأينا العام بوجه خاص، هو هدفنا الأسمى بمنأى عن التجريح و العدمية وما يُسميه الفيلسوف المرحوم محمد لحبابي »الكلامولوجيا«.
لعل أهم رهان ينتظر البرلمان بغرفتيه هو التعديل الدستور، أي إضافة ينتظر أن يقدّمها المجلس الشعبي الوطني حتى يكون قوة اقتراح، علما بأنه كان يطلق عليه تسمية »غرفة التسجيل«؟
بالنظر إلى التشكيلة الحلية للمجلس فإن المداولة والمناظرة المفتوحة للجميع تجعله مخبرا كبيرا للديمقراطية ومجمعا تتعدد فيه الآراء لتلتقي في خلاصات توافقية لخدمة مصلحة الوطن، وتعديل الدستور هو من الملفات الأساسية التي تحظى باهتمام السيدات والسادة النواب باعتباره القانون الأساسي والعمود الفقري لبنيان الدولة الوطنية الديمقراطية بمرجعياتها الدائمة في بيان أول نوفمبر المؤسس وما تتطلبه التحولات التي شهدها مجتمعنا في نصف القرن الماضي وما يحدث في العالم من حولنا.
بدأ الحديث عن عدم جدوى انتظار أي مكسب في التعديل الدستوري المقبل بحكم أن الأفلان، الذي تنتمون إليه، وكذا الأرندي سيفرضان نفس التصوّر الذي من المتوقع أن يقترحه رئيس الجمهورية قبل نهاية العام الحالي. كيف تبدّدون هذه المخاوف؟
اليقين يبدأ منهجيا بالشك، وليس كما يقول المناطقة بالمصادرة على المطلوب أو ما يسميه علماء المنطق الرياضي ب »الطوطولوجيات«، وفي السياسة التي هي المرادف لفعل الممكن والاجتهاد في جعله الأفضل بين ممكنات عديدة، ولأصحاب الرأي في مجتمعنا أن يتوقعوا العديد من السيناريوهات كل حسب تحليله وما عنده من معطيات سابقة أو راهنة .
إن الأغلبية المتكونة من حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي لا تغلق سلفا أي باب للإثراء والحوار، فليس هناك غلق كما يقال لقواعد اللعبة الديمقراطية ورهاناتها الحالية والمستقبلية، وحسب علمي لم يتصرف أي من قيادات الحزبين بمنطق الإقصاء والغالب والمغلوب، ومن المعروف أن في كل برلمانات العالم هناك أغلبية وأقلية قد تكون يوما ? ما ? أغلبية، ولا ننسى أن رئيس الجمهورية قد فتح الباب واسعا قبل الانتخابات الأخيرة، وتمكن العشرات من أهل الفكر والذكر والخبرة في شؤون الدولة والمجتمع لإعطاء رأيهم وتقديم اقتراحاتهم ويوجد اليوم ملف كبير لخلاصات المشاورات.
سوف يعزز الدستور المعدل البنية المؤسسية لبلادنا ويحقق خطوات كبيرة في ترسيخ دولة الحق والقانون القوية بشعبها والديمقراطية التي يصنعها شعبها وفق تجربته التاريخية ووعيه بمتطلبات المرحلة التي يجتازها عالم القرن الواحد والعشرين في عقوده الأولى .
تركيبة المجلس لم تتغير وبقي الأفلان حزب الأغلبية البرلمانية، والكثير يتحدث عن تحمّل كتلة جبهة التحرير الوطني مسؤولية »تحزيب« قوانين الإصلاح التي مرّت من هذا المبنى. هل تعتقدون فعلا بأن تلك الإصلاحات فشلت بالصيغة التي اعتمدت بها مثلما ترى المعارضة؟
حزب جبهة التحرير هو أساسا قوة اقتراح ومحرك يتحرك ويحرّك، وهو لا يفرض شيئا ومقارباته مصدرها مناضلوه من الخلية إلى كل مستويات القيادة، والحكم على الإصلاحات مسبقا بالفشل و هي تنبت وتنمو في الميدان هو أقرب إلى ما قاله الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أنّ عين السخط تبدي المساوي
وأما موقف المعارضة فهو طبيعي، بل ماذا تكون المعارضة إذا لم تعترض؟!، الجزائر ودعت منذ انتصار الثورة أغنية )بني وي وي( والمايسترو المشؤوم »نيجلان«، وأكثر من ذلك فإن الاتفاق والاختلاف في قضايا هامة والتأييد والاعتراض هو ظاهرة صحية ووقائية من الأخطاء في التقدير والتسيير في مجتمع سياسي ومدني يزداد تعقيدا في العمق وعلى السطح، ويبدو لي أن الذين عرفوا الجزائر قبل عقد أو عقدين قد يجدون صعوبة في معرفة ظاهرها وخباياها سنة 2012، وعلى علماء الاجتماع والسياسة والعمران على سبيل المثال أن يقوموا بحفريات وملاحقة التغير الذي تشهده الطبقة السياسية وفصائل النخبة في علاقاتها مع الداخل أي جمهور المواطنين ومع المحيط الدولي وبوجه خاص مع مطلب الحداثة ومفاهيمها وأوجه اكتسابها بعقولنا وسواعدنا، وليس بالاستيراد والببغائية، فالمجتمع الجزائري لن ينسلخ عن قيمه الروحية وتراثه الثقافي والتحدي الحقيقي هو كيف نصنع حداثتنا من داخل ذلك الصرح العظيم .
شهدت الجلسة الأولى للمجلس الشعبي الوطني احتجاج نواب المجموعة البرلمانية لما يسمى ب »تكتل الجزائر الخضراء« مما شكّل جوّا أشبه بالفوضى. ألستم متخوفين من إمكانية تكرار مثل هذا السيناريو وكيف ستتعاملون معه إن حصل ذلك؟ أولا تكتل الجزائر الخضراء تحالف لم يعترض عليه أحد، ولذلك فإن كلمة »ما يسمى« في غير مكانها، وثانيا إن الاختلاف في الرأي والموقف لا يقطع خيط الوطنية المتين الذي يجمعنا تحت مختلف العناوين والتسميات، فنحن جميعا تحت قبة واحدة، ونحن نقرأ حسن النية في كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، ومنها التكتل. نعرف أن بين العقل والفعل حالات من الانفعال، يزيد أو ينقص حسب تقدير كل طرف لما هو حقه من وجهة نظره، وقد يحدث ذلك داخل الحزب الواحد وأيضا داخل نفس العائلة السياسية كما هو الشأن في الأسرة بين الإخوة تحت سقف واحد . وأصدقك القول بأنني لم أنزعج لما سميته أنت الفوضى فهو يدخل في باب حرية التعبير والتمرين على الديمقراطية التشاركية للوصول إلى توافق حول القضايا الكبرى، وقد كان رأيي وما يزال: أنه لا وطنية في بلادنا بلا إسلام، ولا إسلام بلا وطنية، وإنكار ذلك التلازم التاريخي إما أن يفرغ الوطنية من وقودها القوي في القلوب، وإما أن ينزع من الإسلام لونه ومذاقه لدى الجزائريين، فقد كان درعهم الحصين وليس مجرد موروث عن الأجداد وأداءات وطقوس ميكانيكية . لقد أكدت في جلسة تنصيب المجلس أنني لا أرى في القاعة أعداء، بل شركاء في بناء تقاليد ديمقراطية مبنية على الاحترام والتعاون بلا إفراط ولا تفريط في النظام وما سنّه القانون.
هناك أحزاب تتحدث عن تزوير التشريعات قررت تشكيل »برلمان شعبي« مواز. إلى أي مدى يمكن لمثل هذه الخطوة التأثير والتشويش على عمل الهيئة التشريعية التي تتولون تسيير شؤونها؟ كثيرا ما يرجع الاتهام بالتزوير عندنا وعند غيرنا من بلاد العالم الثالث إلى العجز عن تحليل الأسباب والعوامل التي أدت إلى ضعف النتائج التي حصل عليها هذا التنظيم السياسي أو ذاك، كما أنه من السهل إلصاق ذلك الضعف بآخرين من خارج التنظيم، وهذه آلية دفاعية معروفة تساعد على المحافظة على من هم داخل البيت وتؤجل النظر في نقائصه، وقد تقلل من اللوم الذي يوجه إلى بعض قياداته . أما حكاية البرلمان الشعبي أو الموازي، فهي تصعيد انفعالي، فالجزائر دولة واحدة موحدة، ولها مؤسسات لا تقبل الثنائيات الكارتونية، ولا شك أن الأغلبية والأقلية معا لن تقبلا الانشطارات التي ينتظرها العدو بفارغ الصبر ولا ترضي الوطنيين شعبا ونخبا، وقد يأتي يوم يطلب فيه دعاة ذلك الشعار نسيان ما أعلنوه في ساعة غضب، ويقولون: نستغفر الله وسامحنا يا وطن .
المجموعة البرلمانية لتكتل »الجزائر الخضراء« ومعها حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية قررت مقاطعة هياكل المجلس بعد أن وصفته ب »فاقد الشرعية«، و هذا ما يعني غياب المعارضة داخلها. إلى أي حدّ يمكن لهذا الخيار التأثير على مصداقية ما ستخرجون به من قرارات مستقبلا و على رأسها الدستور؟ إن خيار هذه القوى السياسية بعدم المشاركة في هياكل المجلس لا يعني غياب المعارضة، لأن هياكل المجلس ليست المكان الوحيد الذي تُعبّر فيه المعارضة عادة عن رأيها، فهناك الإعلام والجلسات العامة التي تتيح للنواب فرادى أو من خلال المجموعات البرلمانية التعبير عن آرائهم، ومن ثمّة فلا تأثير لهذا الغياب على الطابع التعددي للمجلس الذي يتشكل شأنه شأن كل المجالس في العالم من أغلبية وأقلية يحتكم كلاهما لقوانين الجمهورية والقانون الداخلي المنظم لعمل المجلس. لقد كنّا نرغب في مشاركة هذه الأحزاب في الهياكل، من منطلق الحرص على جمع كل القوى في هذه المرحلة التي تقتضي تحصين الجبهة الداخلية وإشراك الجميع في تسير هذه الهيئة التي تعبر عن الإرادة الشعبية، ولعلّ هذا الانشغال كفيل بتفسير التأخر النسبي في إقامة هياكل هذه الهيئة السّيادية. وعلى أي حال يبقى الباب مفتوحا ومنبر المجلس لا يقصي أحدا إلا من أقصى نفسه، ونحن نحترم اختيار كل طرف وهذا ما أكدناه في سلسلة طويلة من اللقاءات مع رؤساء كل المجموعات بلا استثناء .
يبقى في حكم المؤكد أن الأغلبية ستلقى معارضة شرسة داخل المجلس، وكونكم تنتسبون إلى حزب الأغلبية، هل ستميل كفة القرار عندكم لصالح حزبكم أم أنكم ستتعاملون بموضوعية وديمقراطية حتى وإن أضر ذلك بمصلحة الحزب؟ أنا لا أهوّل ولا أقلل من مواقف وخطاب المعارضة، فلا فائدة من أن تقتصر على سماع صوتك وصداه فقط، كما أن انتمائي الحزبي معلوم منذ أمد بعيد والجبهة مع التجمع يشكلان الأغلبية الحقيقية أي الفاعلة، وليس العددية فقط، كما أن كل المشاريع التي تقترح أو تقدم تخضع للمداولة والمناقشة ومن المعروف أن رئيس المجلس هو الذي يسهر على إدارة الجلسات بما فيها من اتفاق أو اختلاف والاحتكام في كل مسألة إلى التصويت وليس للإملاءات والميول الذاتية وهذا هو جوهر الديمقراطية التعددية . إن ذلك سيزيد، لا محالة من مصداقية المجلس، وأكثر من هذا، فإنّني سأعمل على أن يكون صوت المعارضة مسموعا كلما تعلق الأمر بالرفع من قدرات المجلس على الاقتراح وتحسين أدائه. لقد صوتت الأغلبية لمرشح الجبهة وامتنع البعض ولم يعترض أحد، وبالتالي فإن المتحدث معك يتعامل مع المجلس بكل مكوناته وليس من الوارد أن أعمل على توجيه أعمال المجلس من منطق حزبي ضيق، لكن من منطق إثراء أسس التوافق وإبعاد ما يؤجج التصادم قدر المستطاع. وستبقى الكلمة الفصل في الأخير للنواب من خلال حقهم في إبداء الرأي والتصويت .
واجه المجلس في السابق الكثير من الاتهامات بتعطيل مشاريع قوانين وتشكيل لجان تحقيق، مثل لجنة التحقيق في الفساد وغيرها. هل أنتم على استعداد لإعادة فتح هذه الملفات إن قرّر النواب الحاليون طرحها مجدّدا؟ ينبغي أن نبتعد عن طريقة تحميل السابق وحده مسؤولية النقص والتقصير ونعمل على ترسيخ الاستمرارية التاريخية في مؤسساتنا، فلكل وضعية سياقها التاريخي. إن البرلمان هيئة تشريعية وليس مجرّد مصنع لسن القوانين، بل هو مؤسسة تبادر بسنّ القوانين حسب الحاجة. وقد تكون الحاجة معبّرا عنها من الجهاز التنفيذي وتأتي في صيغة مشاريع قوانين أو من الهيئة التشريعية نفسها في شكل اقتراح قوانين. كما يحدث أن يكون اقتراح قانون ضروريا أو متعارضا مع قوانين قائمة. وبمعنى آخر فليس كل اقتراح قانون يكون بالضّرورة مقبولا، فهناك تكامل بين مؤسسات الدولة ولكل منها مجال يحكمه الدستور وقوانين الجمهورية، ولا أرى أن هناك مناطق محرمة أو ملفات محجوزة إذا كان فتحها أمام نواب الشعب يصحح خطأ أو يحفظ مصلحة المواطنين .
ما هو موقفكم كرئيس للمجلس الشعبي الوطني من تحرّكات بعض النواب لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول ما يقولون إنه تزوير في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة؟ لقد أجبت على هذا السؤال فيما سبق ومن المفارقة أن يطلب البعض لجنة تحقيق برلمانية من برلمان يتهمونه بالتزوير وللتحقيق في التزوير أم أن التزوير حسب المقاس وحسب الحاجة كيف يحقق فرد أو مجموعة تحمل صفة العضوية في البرلمان وفي نفس الوقت يقول إن نتائجه مزوّرة؟ أين يبدأ وأين ينتهي التزوير؟.
مشروع تجريم الاستعمار من أكثر النصوص التي أثارت الجدل والنقاش في العهدة التشريعية السابقة إلى درجة اتهم فيها الأفلان بإجهاضه رغم أن نوابه هم من كانوا أصحاب المبادرة. أيمكن أن ننتظر في هذا الإطار إعادة فتح هذا المشروع خاصة وأن الجزائر نظمت احتفاليات ضخمة بخمسينية الاستقلال ؟الكولونيالية جريمة كبرى كبّدت في شكلها الاستيطاني بلادنا خسائر فادحة لا تقدر بثمن، إن تدمير الدولة الجزائرية ومحو كل مؤسساتها هو من أكثر النكبات إيلاما وتقتيل الشعب ونخبه وتشريد من بقي منهم على قيد الحياة وتخريب و تحقير عقيدته وثقافته وتجهيل الأغلبية الساحقة من الجزائريين بدون أن يعلن الجزائريون الحرب على فرنسا أو يهدّدون أمنها هو أقرب إلى وصمة لا تزول وذنب لا يغتفر و إذا كان شعبنا لا يحقد على الفرنسيين كجنس أو دين فإنه لن ينسى ما حاق بالآباء والأجداد من ظلم وضحايا بالملايين، لم يكن آخرهم شهداء الثورة الأبرار فحسب، بل ضحايا الألغام وآثار التجارب النووية التي ما تزال تحصد أرواح مواطنينا الأبرياء. إن الاحتفاء بخمسينية النصر هو مصدر فخر واعتزاز للجزائريين مهما كان موقعهم على الخريطة السياسية . من حق جبهة التحرير التي قادت الكفاح الوطني أن تجرّم الكولونيالية احتراما لتضحيات شعبنا وتذكيرا للأجيال بمعانات الآباء والأجداد وبالنصر المستحق باعتراف عدو الأمس . إن تجريم الكولونيالية يعني أولا محاكمتها في المنابر الدولية، ومنها الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان - أي إنسان وليس فقط الأبيض الموجود وراء المتوسط والمحيط الأطلسي-، وتعني ثانيا أن نقلل من التبعية، لقد أجابت اليابان على القنبلة التي ضربت هيروشيما وناكازاكي بتطورها السريع الذي جعلها تنافس عدو الأمس وتتفوق عليه في كثير من المجالات التكنولوجية، كما أجابت الصين على إلحاقها بالمركز الأورو-أمريكي بانتصارها على التخلف والتأهل عن قريب لتكون القوة العظمى خلال عقود قليلة. ولكي نسمي الأشياء بأسمائها هناك من ينادي بالتجريم وساعته وقلبه وعقله هناك وراء المتوسط، وهناك من يخطئون في الخصم الحقيقي وهدفهم إحراج الجبهة والدولة والبحث عن البطولات في الساحة الداخلية وهذا ما يسمى السياسوية في أضعف صورها الميكيافلية، هناك من جهة ما يقارب المليون من الجزائريين في فرنسا يمكن أن يفعلوا الكثير في هذا الاتجاه من داخل المؤسسات الفرنسية نفسها كما فعل اللوبي اليهودي بنجاح كبير، وهناك من جهة ثانية شبكة العلاقات مع فرنسا خلال الخمسين سنة الأخيرة التي جعلت من فرنسا وجهة تشد إليها الرحال على مدى أيام السنة لأسباب مختلفة، وهناك من جهة أخرى ثالثة تأثير اللسان والثقافة الفرنسية في شرائح من النخبة، وحتى عامة الناس، وكذلك مساندة العديد من الفرنسيين لكفاح التحرير الوطني ومنهم من ضحى بحياته مقابل ذلك الموقف. إذا كان تجريم الكولونيالية مطلبا مشروعا، فإنه من المستعجل قبل وبعد ذلك تحرير بلادنا في الأمد المنظور من أثقال التخلف والتبعية وتفعيل ثوابت القوة الوطنية على المستوى الداخلي وعلى المستوى الجهوي بحكم موقع بلادنا الجيوسياسي وتجربتها التاريخية باعتبارها معقلا للحرية والأحرار لا تخاف في الدفاع عن حقوقها المشروعة والوقوف إلى جانب المظلومين والمحرومين أينما كانوا وخاصة في جوارها .القريب
اشتكى أحد نواب جبهة القوى الاشتراكية من ما وصفوه ب »جور« النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني في حق الأحزاب التي لا تملك الأغلبية، هل تؤيدون موقفه؟ وما هو موقفكم من المطالبة باستعجال تعديل النظام الداخلي لهذه الهيئة؟ مراجعة القانون الداخلي للمجلس مسألة مطروحة. وهناك حاجة لتحيين هذا النظام وهو مرتبط بالقانون العضوي وبعدد من بنود الدستور، وتعرفون أن للبرلمان غرفتين وبالتالي فإنه من الواجب التشاور والتنسيق مع مجلس الأمة.
هل تراعون في تعديل النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني مراجعة أجور النواب وربطها بمسألة الانضباط والحضور للجلسات و أشغال اللجان؟ تعلمون أن النواب وإطارات المجلس لا تشملهم قوانين الوظيف العمومي، ومسألة أجور النواب وما يتبعها من تعويضات تعود إلى 1997 وهي موزعة حسب المهام والأعباء المطلوبة من النائب الذي يعمل في اللجان والجلسات العلنية ويفترض أن تكون له مداومة وحضور بين الجلسات في دائرته الانتخابية ويرى الكثيرون أن أجور النواب ليست علامة على الثروة السهلة فهناك مجالات أخرى في الأعمال الحرّة تحقق الثروة وقد تكون أيضا مستحقة . وعلى أي حال ستطرح هذ