تحولت الأزمة في شمال مالي، خاصة بعد سيطرة الحركات الجهادية بشكل تام على المنطقة وإخلاء الحركة الوطنية لتحرير أزواد أخر معاقلها، إلى هاجس حقيقي يقلق دول المنطقة ويستنفر حتى القوى الكبرى التي يسعى بعضها إلى تبرير التدخل العسكري المباشر. لا تزال الساحة السياسية الوطنية شحيحة من حيث الأحداث، فالجمود أصبح سيد الموقف بعدما هجرت القيادات الحزبية جميع المنابر تقريبا، وباستثناء تحركات محتشمة داخل حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يعيش منذ الانتخابات التشريعية للعاشر ماي المنصرم حرب داحس والغبراء بين القيادة الحالية للحزب وعدد من القياديين السابقين الذين ينتقدون توجهات الأفافاس وخياراته السياسية، فإن باقي التشكيلات الأخرى تعيش حالة من السبات رغم أن المستقبل يعد بالكثير خاصة عند بعض التشكيلات السياسية التي لا تزال تعاني من الآثار الكارثية لهزيمتها في الاستحقاق التشريعي الأخير، على غرار حركة مجتمع السلم التي أطل عليها وزير الأشغال العمومية السابق ونائب الحركة عن العاصمة عمار غول بمشروع حزب سياسي جديد قد يجهز على ما تبقى من حركة الشيخ نحناح. وبدا جليا من جهة أخرى أن الاهتمام بالحكومة الجديدة قد تراجع والسبب يعود ربما إلى يأس المتتبعين الذين أخطأوا في كل رهاناتهم، وذهبت جميع تكهناتهم أدراج الرياح، فالرئيس بوتفليقة لم يعلن عن الحكومة الجديدة قبل الاحتفالات بخمسينية الاستقلال، وبعد مرور أسبوع عن هذه الاحتفالات لا تزال هذه الحكومة في حكم المجهول، وأصبح من العسير على أي كان من المحللين بناء تكهنات جديدة. لقد فضلت الكثير من القيادات السياسية والحزبية الركون إلى الراحة شأنها شأن باقي الجزائريين الذين استعجلوا التوجه إلى الشواطئ قبيل حلول شهر رمضان، وقد تميزت صائفة هذه السنة بثلاثة ظواهر رئيسية، فهناك من جهة التهافت غير المسبوق على الاستمتاع ما أمكن من الشواطئ قبيل حلول شهر رمضان الذي سيطل علينا هذا العام في عز الصيف وفي أوج مراحل الحر، وهذا الأمر تسبب في حالة من الزحمة التي أصبحت تشكل هاجسا مشتركا بين المواطنين ومصالح الأمن، فالمخطط الأزرق الذي يجري تنفيذه ككل سنة يواجه صعوبات جمة جراء السيول البشرية التي تتدفق على الشواطئ بشكل يومي، وتزيد أعدادها أضعافا مضاعفة في نهاية الأسبوع، ويترتب عن ذلك الكثير من المشاكل وعلى رأسها حوادث المرور المميتة التي زاد عددها منذ بداية صائفة هذا العام بحسب أرقام الدرك والشرطة والحماية المدنية. الظاهرة الثانية تتمثل في موجات الحر التي ضربت جميع مناطق البلاد بما في ذلك المناطق الساحلية، وقد تجاوز مستوى الحر في أحيان كثيرة الأربعين درجة، مما زاد في إقبال المواطنين بكثرة على الشواطئ في وفيات كثيرة، كما أرغمت المواطنين في مناطق مختلفة من الوطن على الخروج إلى الشارع للاحتجاج بعد الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والذي تبرره سونلغاز بتزايد استهلاك الطاقة، وهي مبررات لا يقبلها المواطنون بالنظر إلى العواقب الوخيمة التي تخلفها على حياتهم اليومية. أما الظاهرة الثالثة التي تكاثرت في فصل صيف هذا العام فتتمثل في وقوع المواطنين فريسة لمافيا جديدة تشكلت وأحكمت سيطرتها على جل الشواطئ، فالدخول إلى البحر أصبح مكلفا، وبعدما كان الأمر يقتصر فقط على ركن السيارات، أصبحت »عصابات الهراوات« تفرض رسوما على كل مرتادي الشواطئ فتغلق جميع المنافذ ومن لا يدفع قد يتعرض إلى الاعتداء الجسدي. وفي الوقت الذي يجد فيه بعض الجزائريين الوقت للتوجه إلى الشواطئ والاستمتاع بزرقة البحر، هناك العديد من المواطنين الذين لم تثنهم الحرارة من الخروج إلى الشارع لإرغام الحكومة على تلبية مطالبهم، ورغم توفير ملايير جندتها الدولة لتلبية مطالب الحرس البلدي، زحف هؤلاء بالآلاف على العاصمة، ولم تقتصر ظاهرة الاحتجاج على الحرس البلدي بل شملت قطاعات مختلفة ومست عدة شرائح اجتماعية، مما ينذر بدخول اجتماعي ساخن، قد تعجز الحكومة على احتوائه، ولن تقدر نقابة سيدي السعيد على إطفاء حريقه، ولا أحد يدري أي حكومة ستواجه الدخول الاجتماعي المقبل، حكومة أويحيى الحالية التي بدت عاجزة عن التصدي للمشاكل الاجتماعية في ظل وجود قطاعات تسير بالنيابة، أم حكومة جديدة، إذ قد تستمر الحكومة الحالية إلى غاية انتهاء الشهر الفضيل بعد تقييم أداء كل قطاع كما جرت العادة في رمضان من كل سنة، فالأكيد أن التغيير سيكون لا محالة مباشرة بعد رمضان حتى يتسنى للحكومة الجديدة التحضير للدخول الاجتماعي. وتواصل الجدل الأسبوع المنصرم بنفس الحدة حول الوضع المتعفن في شمال مالي، خاصة بعدما أحكمت الحركات الجهادية سيطرتها على المنطقة وقيامها بطرد حركة تحرير أزواد من أخر معاقلها، وهو ما يعني بأن شمال مالي أضحى خاضعا بشكل كلي للتنظيمات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة، وفضلا عن الخطر الذي تمثله هذه الحركات على سكان شمال مالي حيث شرعت منذ فترة في تحطيم كل معالم الحضارة الإسلامية وهدم الرموز الثقافية لتومبوكتو التي شكلت على مر الأزمة منارة إسلامية ساهمت بشكل كبير في انتشار الإسلام في كامل القارة السمراء، تحولت هذه الحركات إلى مبرر للتدخل الأجنبي الذي ترافع لأجله بعض الدول على غرار فرنسا. وقد يشكل إطلاق سراح 3 دبلوماسيين جزائريين من ضمن السبعة الذين تحتجزهم حركة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا بداية نهاية لمأساة الدبلوماسيين الذين اختطفتهم الحركة المقربة من القاعدة من غاو بشمال مالي في بداية أفريل الماضي، ويعتقد الكثير من المتتبعين بأن إطلاق سراح باقي الدبلوماسيين أصبح وشيكا بفضل الدور الذي تلعبه شخصيات نافذة من أعيان قبائل ترقية وعربية بشمال مالي. التدخل الأجنبي في شمال مالي تحول إلى هاجس مشترك بين كل دول المنطقة، وهو ما أشارت إليه توصيات اللقاء الأخير لوزراء خارجية دول المغرب العربي الذي احتضنته الجزائر، التي تقود معركة دبلوماسية شرسة لإقناع شركائها في المنطقة وإقناع القوى الدولية بضرورة منح المزيد من الوقت للمفاوضات من أجل حل الأزمة في شمال مالي سلميا، وهو ما ركزت عليه أيضا مداخلة الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الذي صرح خلال أشغال الاجتماع الدوري لمجلس رؤساء أركان البلدان الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة )الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر( المنعقد بنواكشوط بأن الأزمة التي تمر بها مالي نتجت عنها تداعيات سلبية على الحالة الأمنية بالمنطقة، وأضاف أن هذه الأزمة »تتطلب حلها في أحسن الآجال حتى يتسنى لأصدقائنا الماليين استرجاع الاستقرار السياسي. وبالتوازي مع ذلك تواصل النقاش حول ملف الذاكرة بين الجزائر وباريس على خلفية التظاهرات المتواصلة تخليدا لخمسينية الاستقلال، وتشير التصريحات التي أطلقها وزير المجاهدين محمد الشريف عباس والتي قال فيها بأن »مطلب تجريم الاستعمار يبقى قائما حتى وإن تطلب ذلك انتظار بضع سنوات لإقناع الطرف الفرنسي«، إلى أن المعركة ستكون طويلة، فانتخاب فرنسوا هولاند رئيسا لفرنسا لا يعني، عكس ما يعتقد البعض، بأن المشكل قد حل، حتى وإن أبدى تفهما لمطلب الجزائريين بضرورة اعتراف فرنسا بماضيها الاستعماري في الجزائر.