أسئلة عديدة تطرحها موضوعات مهرجان الفيلم العربي، الذي انطلقت عروضه في مقر الهيئة الملكية الأردنية للأفلام أول أمس، والتي تشارك فيها أعمالا اختيرت من بين أحدث إنجازات العامين الفائتين، وهي الفترة التي شهدت وقائع ما اصطلح على تسميته «الربيع العربي«. تطرح الأفلام المشاركة في المهرجان جملة من العلاقات الإنسانية القائمة بين أفراد الأسرة الواحدة، والمشرعة على تلاوين الحالة اليومية في أشكال من التعابير البصرية. حيث تتفاوت المعالجات الدرامية والجمالية لأفلام المهرجان الخمسة مثلما تلقي ظلالا على الراهن السياسي، متحررة من ظاهرة التبسيط والوقوع في فخاخ تقريرية الأنماط والقوالب الجاهزة التي اتسمت بها أغلبية نتاجات السينما العربية السائدة. ومن بين الأعمال المعروضة فيلم » التائب« للمخرج الجزائري مرزاق علواش في دواخل إنسانية، لدى اصطحاب عائلة جزائرية لواحد من التائبين، في رحلة بحث عن مصير ابنتهم التي جرى خطفها إبان الأحداث الأليمة التي عصفت بالجزائر في حقبة التسعينات من القرن الفائت يعاين الفيلم مصير ذلك التائب الذي عاد إلى الانغماس في الحياة العامة عقب صدور قانون المصالحة، على خلفية السنوات الصعبة التي عاشتها الجزائر . يكشف الفيلم عن كثير من أشكال التفكير الدائرة في المجتمع الجزائري حول مسألة التسامح تجاه من شاركوا في أعمال إجرامية بحق أناس بسطاء وعاديين وذلك بغية البحث عن شعاع أمل للأجيال الجديدة ويقدم علواش احد ابرز رواد السينما الجزائريةالجديدة روايته للأحداث عبر حوارات ورسم متقن لشخصيات في خطوط درامية من دون القفز عن جماليات الصورة في توظيف سردي متين لحكايته وتفعيل امتدادها الفكري والبصري متسلحا بثقافة سينمائية تراعي جمالية الاختبار البصري دون أن يكون ذلك على حساب ما يفيض به موضوعه الساخن من رؤى وطروحات لأسئلته الصعبة. وأثار الفيلم الكويتي كذبك »تورا بورا« للمخرج وليد العوضي الحائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة للأفلام الروائية الطويلة في مهرجان الخليج السينمائي العام الجاري، الجدل والإعجاب في تعليقات النقاد، الذين أشاروا إلى قوة موضوعه وإبهار انتاجه وتنويعه في اختيار ممثليه، فهناك الفلسطيني قيس ناشف في أحد أدواره الرئيسة التي قادته لنيل شهادة تقدير لأفضل ممثل في مهرجان الخليج السينمائي، والكويتي سعد الفرج والمغربي ياسين حجام والعربي السياسي. يحكي الفيلم عن معاناة أسرة كويتية في البحث عن ابنها الشاب الذي قرر الانضمام إلى جماعات دينية تقاتل بين باكستان وأفغانستان، ومن خلال رحلة الأسرة يعرض الفيلم لكثير من أجواء الحرب التي تدور بين أطراف متنازعة، صورها الفيلم أشبه بحرب أهلية طاحونة تفتك بالناس البسطاء دون أن يجهد في تحليل وقائع المشكلة وتداعياتها على المنطقة، بل اثر تقديمها في إطار اسري محدود، رغم انه كان بمقدوره التعاطي بجدية في التوجه لواحدة من أهم المشكلات التي يواجهها العالم. لا يختلف الفيلم في مواصفاته الجمالية والدرامية عن مستوى تلك الأفلام الشهيرة في تصديها إلى هذه القضية، كما انه يعيد بارقة أمل في انبعاث سينما كويتية تذكر بإبداعات خالد الصديق »بس يا بحر« و»عرس الزين«. ويقدم الفيلم المصري »كف القمر« للمخرج خالد يوسف ومن كتابة ناصر عبد الرحمن، موضوعا من صلب الحياة اليومية لعائلة مصرية، مليئا بالإشارات والدلالات البليغة التي تدور حول القيم والمفاهيم الإنسانية، دون إغفال ملامح سياسية سرت على ارض الواقع. ويحفر الفيلم التسجيلي »مرسيدس« للمخرج اللبناني هادي زكاك الذي نال عنه جائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقّاد السينما في مهرجان دبي السينمائي الدولي العام الفائت، وجائزة مهرجان الجزيرة الدولي الثامن للأفلام التسجيلية العام الحالي، في مكونات النسيج الاجتماعي اللبناني، وفي سيرة تاريخية قريبة لبلد مثل لبنان. يتتبع الفيلم أحداث تعود إلى حقبة الخمسينات من القرن الفائت، وهي الفترة التي شهدت ظهور أول سيارة مرسيدس ألمانية في لبنان، وصولا إلى الوقت الحالي، ومن خلالها يقدم سردية مبتكرة لكثير من أحوال وظواهر ودلالات دارت في مخيلة المخرج ولدى أذواق شرائح من المجتمع اللبناني الذين جهدوا على اقتناء نماذج من موديلات هذا النوع من السيارات، حيث وسمت المشهد اليومي بلبنان برمته.