أثارت تعليمة الوزير الأول أحمد أويحيي حول الاستثمارات الأجنبية جدلا واسعا وسط المتعاملين الاقتصاديين، حيث قررت الحكومة إجبار الشركات الأجنبية على فتح 30 بالمائة على الأقل من رأسمالها لصالح شركاء جزائريين دون التنازل عن مبدأ 50+1 بالنسبة للشركات العمومية التي تنوي الدولة خوصصتها، وأمام هذه التطورات سعت بعض الأطراف إلى الترويج لتراجع الاستثمارات الأجنبية بالجزائر وربطت انسحاب شركة إعمار بهذه التعليمة، من جهته دافع أويحيي بكل قوة عن هذا الخيار الذي قال إنه سيحمي الاقتصاد الوطني من كل الخروقات ويمكن المتعاملين المحليين من الاستفادة من خبرات الأجانب، فهل تنجح تعليمة أوحيي في النهاية ووفق الشروط التي تم الإعلان عنها في جلب هؤلاء المستمرين الأجانب؟ قطعت الجزائر أشواطا كبيرا في إصلاحاتها الاقتصادية التي بدأتها وأصبح الأداء الاقتصادي مشجع لجلب الاستثمارات الأجنبية وخاصة بعد الوصول إلى النتائج المرغوب فيها مثل استعادة قوة ميزان المدفوعات، استقرار سعر الصرف، التحكم في التوسيع النقدي، والتحكم في المديونية والحد من تزايدها وتخفيض كلفة خدمتها، بالإضافة إلى تحرير التجارة الخارجية، وكذا تحرير الأسعار واعتماد اقتصاد السوق. وبالفعل أدخلت الجزائر إصلاحات وتعديلات مختلفة على تشريعاتها وأنظمتها الإدارية المتعلقة بالاستثمار، فأصدرت قانونا خاصا يتضمن الكثير من الحوافز والضمانات، كما أعادت النظر في أنظمتها الجبائية والجمركية وفي تشريعاتها الاجتماعية المتعلقة باليد العاملة. وأهم ما جاء في هذا القانون حرية الاستثمار، حرية وضمان الاستثمار بدون الأخذ بعين الاعتبار هل المستثمر أجنبي أم جزائري وأعفت حرية تحويل الأرباح ورؤوس الأموال ومن أجل كل هذا أبرمت الجزائر اتفاقيات منها، الاتفاقية المتعلقة بالاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الدولي، اتفاقية المركز الدولي لتسوية النزاعات بين المستثمرين والدول المضيفة، وكذا اتفاقية الوكالة المتعددة الأطراف لضمان الاستثمارات، بالإضافة إلى الاتفاقية العربية المغربية لضمان الاستثمارات. إن طبيعة التشريعات الاقتصادية الجديدة في الجزائر والنتائج التي حققتها عمليات التصحيحات الهيكلية إلى غاية السنوات الأخيرة وصدور قانون الاستثمار في أكتوبر 1993 وكذلك قانون 1995 وأخيرا قانون 2001 يتضمن عدة مزايا جمركية وتبسيط الإجراء الإداري الذي يضاف إليه توسيع مجال النشاط المتضمن لمبادرات الاستثمار دليل على أن هناك تغييرا واهتماما بالاستثمار الأجنبي، فالجزائر تسعى إلى حث الشركات الأجانب على اهتمام أكثر بفرص الاستثمار التي تمنحها لمتعاملين الاقتصاديين من كل الدول. وبالرغم من الامتيازات والضمانات الواسعة التي قانون الاستثمار الجزائري إلا أن حجم الاستثمارات الأجنبية المسجلة في البلاد لم يكن يتناسب بأي حال مع المستوى الطموحات، كما أن المؤشرات الخاصة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة كانت بعيدة جدا عن ما كان متوقعا. رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في خطابه الذي أدلى به سنة 2008 انتقد بشدة ما أسماه باستثمارات »القازوز« التي سعى من خلالها عديد المتعاملين الاقتصاديين الأجانب على تحقيق أرباح جد معتبرة دون أي مقابل، بمعنى أن تلك الاستثمارات كانت استهلاكية ومربحة لأصحابها فقط، حيث أن المتعاملين الجزائريين لم يستفيدوا من أي خبرة أو تقنيات جديدة لتطوير الاقتصاد الوطني. بدوره الوزير الأول خطاب الرئيس كان بمثابة وقفة للتدبر وإعادة النظر في الشراكة الاقتصادية وفي الخوصصة وفي كل المشاريع والورشات التي فتحتها الجزائر للمستثمرين الأجانب، ومن ثم جاءت تعليمة الوزير أحمد أويحيي التي تجبر الشركات الأجنبية على فتح 30 بالمائة على الأقل من رأسمالها لصالح أشخاص طبيعيين من جنسية جزائرية أو أشخاص معنويين يكون كل شركائهم أو مساهميهم ذوي جنسية جزائرية. هذه التعليمة تلقت انتقادات واسعة من قبل عديد المتعاملين وعلى رأسهم المستثمرين الأجانب، ومن ثم جاء انسحاب شركة إعمار التي ربطها الكثير بقضية فتح رأس المال، فيما يجري الحديث عن انسحاب شركات أجنبية أخرى من الجزائر، وهو الأمر الذي يتناقض كلية مع واقع الاستثمارات، في وقت تبدي فيه عديد الشركات الأجنبية رغبتها للاستثمار في الجزائر. وأمام هذا المد والجزر لا يزال المرسوم التنفيذي الذي وقعه أحمد أويحيي يطرح عديد التساؤلات حول مستقبل الاستثمارات الأجنبية في الجزائر خاصة بعد أن تراجعت الحكومة عن تطبيق القانون المتعلق بإجبار شركات الاستيراد الأجنبية على إشراك متعامل وطني في رأسمالها بنسبة لا تقل عن 30 بالمائة بأثر رجعي، وأكدت أن الإجراءات ستمس الشركات التي سيتم إنشاؤها بعد 26 جويلية، تاريخ دخول قانون المالية التكميلي حيز التنفيذ. بغض النظر عن إيجابيات أو سلبيات هذا القرار، فالجميع يعلم أن التعليمة لا تجبر المستثمر الأجنبي على فتح رأسمال الشركة الأم التي يملكها وإنما يتعلق الأمر بفتح رأسمال الشركة التي ستقام بالجزائر، والهدف من هذا الإجراء هو إشراك الجزائريين في تسيير هذه الشركة بما يسمح للمتعامل المحلي الإطلاع على مختلف الخبرات والتكنولوجيا المستعملة. ومن الطبيعي أن تتخذ الجزائر إجراءات لحماية اقتصادها الوطني وحماية ثرواتها الطبيعية، من خلال إجبار المستثمرين الأجانب على إعادة استثمار جزء من أرباحهم بالجزائر والعمل وفق حق الشفعة الذي يعطي الأولوية في بيع المؤسسة أو الشركة لمتعامل جزائري، كما أن احتفاظ الدولة بنسبة 50+1 أمر معقول في إطار ممارسة السيادة الوطنية. التراجع عن تطبيق الأثر الرجعي لتعليمة أويحيي يطرح تساؤلات كثيرة عن الضغوطات الممارسة من قبل المتعاملين الاقتصاديين الأجانب المتواجدين في الجزائر والذين لديهم مصالح كبيرة يسعون لحمايتها بشتى الوسائل، كما أن القوانين الجديدة ستخلق نوع من التحايل من طرف الشركات الأجنبية التي ستبحث عن شركاء محليين سلبيين لا يتدخلون في شؤون التسيير. ومن هذا المنطلق تبقى المعادلة الاقتصادية جد صعبة في وقت تسعى فيه الدولة الجزائرية على أن تستقطب أكبر عدد ممكن من المستثمرين الأجانب ووفق شروط تضمن لها حق التدخل كضابط بما يوفر الحماية اللازمة للاقتصاد الوطني ويحافظ على الثروات الطبيعية للبلاد، ويقابل ذلك طمع هذه الشركات التي ترى في الجزائر سوقا عذراء وورشة كبيرة غير مستغلة يمكن تحقيق أرباح معتبرة من ورائها، المهم هو أن تكون هناك مراقبة مستمرة وعمل متواصل من أجل تحقيق هذه المعادلة الصعبة في ظل أزمة اقتصادية ومالية عالمية حادة تفرض على كل طرف في المعادلة أن يتخذ بأسباب الحيطة والحذر.