اشتغل الجزائريون بالحركة البذيئة التي صدرت عن وزير الدفاع الفرنسي السابق وعضو مجلس الشيوخ الحالي جيرارد لونغي، وتبارى كثير منا للدفاع عن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي يتعرض لمؤامرة من قبل اليمين الفرنسي بهدف إفشال زيارته إلى الجزائر الشهر القادم. هذه القراءة البائسة تعكس حالة التخبط التي تعاني منها النخب الجزائرية في التعامل مع ملف الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في حق الجزائريين، وإذا كان الرسميون الفرنسيون، من أعضاء حكومة جون مارك أيرو يتبرأون من بذاءة لونغي ومواقف اليمين المتطرف فإنهم لا يبدون أي استعداد للتنازل بخصوص مطلب الاعتراف بالجرائم الاستعمارية والاعتذار عنها والعودة إلى تصريحات الوزير الفرنسي لقدماء المحاربين تبين الموقف الرسمي الفرنسي الرافض لأي شكل من أشكال الاعتراف والاعتذار. النخبة السياسية الفرنسية تكاد تجمع على رفض الاعتراف والاعتذار، لكن الأهم من هذا، هو أن الأكثرية في النخب المثقفة تلتحق بهذا الإجماع، ولعل مساندة كثير من الصحافيين للونغي من حيث المبدأ يعكس هذا التوجه السائد في فرنسا نحو تمجيد الاستعمار واعتباره رسالة حضارية، حتى أن صحافيا معروفا طالب الجزائريين بإعادة كل الأموال التي جنوها من بيع النفط الذي اكتشفته فرنسا، والتنازل عن كل ما بني من مدارس ومستشفيات وبنى تحتية خلال فترة الاستعمار مقابل الاعتذار عن الجرائم الاستعمارية. هذه الصورة تبين لنا أن المسألة تتجاوز بكثير الرئيس الفرنسي والحكومة الاشتراكية الحالية، وهي بكل تأكيد ليست مجرد جدل سياسي بين يمين ويسار، بل هي قضية مجتمع بنخبه السياسية والمثقفة التي تعتبر أن تجريد فرنسا من إرثها الاستعماري يعني حرمانها من مصدر الفخر الوطني الوحيد الذي تملكه، أما زيارة هولاند فليست في حاجة إلى من يتآمر عليها لإفشالها لأنها، مثل زيارات الرؤساء الفرنسيين السابقين، لن تتعدى طابعها السياسي والبروتكولي.