جلس إليّ في مقهى طونطوفيل المقابل لساحة بورسعيد (الذي لم يعد سعيدا) بالدشرة المسماة مجازا العاصمة والمصنّفة المدينة الأكثر وسخا في العالم أي في المرتبة ما قبل الأخيرة. لوّح بيده التي تحمل جريدة مفرنسة ورماها على الطاولة وقال بصوت جهوري: - حكومة حقّارة..مقدرتش على الحمار عاقبت البردعة..! لم أفهم مما قال الكثير وقلت له بهدوء المطافيء كما يسميني به كلما ثار على واقع المعيشة في الجزائر: - واش بيك..حقرك أويحيى؟ تمالك نفسه بعض الشيء وقال: - كيف يمنعو قروض الاستهلاك..علاه هوما ولا باقي المسؤولين يشريو السيارات بالكريدي؟ حاولتُ أن أستفزّه بلؤم السؤال: - وعلاه هوما يحتاجو سيارات أصلا..البركة في ريع الدولة وحتى القرض يخذوه من الخزينة بنسبة 1 بالمائة؟ حاول أن يستجمع قدرته الأكاديمية ويوظفها في الكلام بعدما خانته في الواقع ولم تشفع له ليحظى بحياة كريمة وقال: - أنا أستغرب، كيف نعاقب المستهلكين وليس المستوردين فنحمّلهم مسؤولية ارتفاع فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة؟ أليس كريها مثل هذا الإجراء الجديد في قانون المالية التكميلي الذي يمسّ الحلقة الأضعف فيحرم الأسر من اقتناء سيارات لمجرد أنهم زوالية؟ أليس هذا إخلال بالمساواة والمواطنة؟ لماذا لا تمنع سلع الخردة المستوردة من زبالة الأسواق الآسيوية وحتى منها التي لا يمكن الاستغناء عنها تماما، ناهيك عن غياب الشفافية في التعاملات التجارية والمالية؟ لماذا يحرص المشرّع دائما على خدمة مصالح بارونات المال والاستيراد ويضغط فقط على المواطنين البسطاء؟ نظرتُ إلى صاحبي الأكاديمي وحاولتُ أن أخفّف عنه لكنه قال: - صدقني، سندخل جميعا إلى زنقة الهبال حيث لا يشفع لك علمك ولا ما درست لتفهم ها يحدث، فما يسمى الاقتصاد الوطني هو بحق خارج أي تصنيف أو معايير حتى تطبّق عليه آليات التشخيص والتحليل العلميين..النتيجة يا صاحبي محسومة مسبقا والأيام ستكشف في غياب المؤسسات والرقابة والنقد إلى أي مدى ابتعدت الجزائر عن العدالة الاجتماعية وميراثها الثوري..! أشفقتُ على صديقي الآكاديمي وتذكّرت أنه كان لهذا البلد ذات يوم قوى اجتماعية وفكرية وسياسية لطالما انحازت للأغلبية الساحقة من الشعب وهم الغلابى والفقراء..وأيقنتُ أنه لم يعد للزوالية من يذكرهم..وخشيتُ فعلا من الآتي..! اقتلوا فينا حتى أحلامنا الصغيرة..فشعب لا يحلم شعب ميت كما قال جون كينيدي!