كتاب: »بندقية من جبل أخمر خدّو.. مواقف وذكريات من حياة المجاهد بصّوفي علي، المدعو: »المخلص« الذي ألفه الأستاذ لمباركية نوّار هو كتاب لخصت صورة غلافه الأول المركبة محتواه تلخيصا بارعا ومعبّرا. وفيها يرى المجاهد بصّوفي علي واقفا منتصب القامة في ثبات أمام مدخل زاوية أجداده في تيبرماسين وقفة رجل وسيم المظهر بشاشه الأوراسي الذي لفه على رأسه في عدة دورات، ويقظ الاستعداد وبارز الإرادة. ولا أخال طلعته إلا طلعة مقاوم شرس في صلابة تضاهي صلابة صخور جبال الأوراس الصم. عندما تقرأ فحوى صفحة واحدة من هذا الكتاب، فإنها تشدك قي جاذبية لقراءة البقية المتناثرة بين صفحاته. وعلى امتداد رحلة القراءة الممتعة، فإنك لن تغادر الجزائر، وبالضبط الأوراس. وتظل في رحابهما إلى أن تأتي على نهاية القراءة. الكتاب مغلّف بغلاف مصقول، وعنوانه مكتوب باللون الأحمر كإشارة إلى دماء الرجال الأشاوس التي سالت رقراقة على أديمه ممن تصدوا في عنفوان للمحتل الغاصب واللئيم، وقارعوه الند للند بالرصاص والصخر والحجر وركم الطين وأعراف الشجر. ورسموا ملحمة إنهاء الوجود الاستعماري في أرض الجزائر. إنه، بحق، كتاب شيق، ومشوّق بلغته العذبة والخصبة والمؤثرة جدا، والمتناسية والمنسجمة مع طبيعة الموضوع. ومضمونه طافح بالشجاعة والشهامة والصلابة في المواقف التي كدست الاعترافات التي قيلت من قبل بعض قادة الثورة الأوراسيين في حق المجاهد المخلص علي بصّوفي، والتي منها كلمة المجاهد القائد علي سوايعي التي نصّت على ما يلي: »والله.. والله، لو تكتب لي الحياة بعد نيل الاستقلال، لكلفتك بمسؤولية تزيد عن طاقتك، ولن تقدر عليها تكريما لروحك الجهادية التي سمت عن كل صنوف التمييز الحقير والعصبية العشائرية المذمومة«. من دواعي الروعة أن يتمكن الأستاذ لمباركية نوّار بقلمه النقي، وإحساسه الرقيق، من تأكيد، مرة أخرى، مقولة التاريخ يعيد نفسه. وقد أعيد، هذه المرة، في شخص »الشهيدة عائدة« أخت المجاهد علي بصّوفي وأولادها بالأوراس. وحق لها أن تدعى: »خنساء جبل أحمر خدو« عقلا وروحا وضميرا كما دعاها الكاتب نفسه الذي ارتأى أن يقدم تعريفا بخنساء العرب خنساء القادسية - ليتسنى للقارئ عقد مقارنة بين المرأتين. تجري أحداث ذكريات المجاهد علي بصّوفي في داخل التراب الوطني وفي خارجه على الحدود الشرقية. وأشد ما يلفت انتباه القارئ، هو ذلك الحصار المضروب والحواجز السلكية المنصوبة في طريق المجاهدين المقاتلين، وتعدد نقاط المراقبة التي لا تغفو فيا الأعين، وفداحة جرائم الاستعمار التي كان يرتكبها ويمارسها بوحشية متخذا أجساد السكان الآمنين مسرحا لعملياته فهناك الذبح والحرق والاغتصاب والقتل بلا رحمة ولا شفقة. مرة أخرى، تشعر مع عناوين فصول كتاب الأستاذ لمباركية نوّار مثل: رمضان حسوني.. وجه جهادي صادق، وفي معترك الحياة، وينابيع حسي الوطن، والفجر الصادق، وفي صحبة المجاهد الحاج لخضر، ويوم انسكب دمع المجاهد على سوايعي على خديه... تشعر بوقع ساقط على النفس يزلزال كيان الإنسان من شدة الأسى والألم. ولكنه شعور ينفجر، أيضا، سيولا جارية بعسل الوطنية العقيد والإيمان القوي والراسخ بتحقيق النصر الذي تعقبه الفرحة. وهذا ما يزيدنا، ويزيد الأجيال المتلاحقة إيمانا بقداسة تلك التضحيات رغم التباين في العدد والعدة. إنه سلاح كيمياء حب الوطن الذي لا ينضب ولا تجف ينابيعه، والذي سرى في عروق جيل الرفض وسكن قلوبهم. أنصح، إن كنت صاحب حق في النصح، بأن توجه نسخ هذا الكتاب للناشئة الجزائرية على الفور بالمتوسطات والثانويات والجامعات لقراءته والاغتراف من معينه. وأنا متأكد من أنه سيسهم في إصلاح الخلل الذي اعترانا في السنوات القريبة التي مرت بنا، والتي ملأها الهوس والميوعة الفكرية وانعدام الوعي. تتضمن خاتمة الكتاب مصنفا للصوّر سايرت مراحل حياة المجاهد علي بصّوفي في مرحلة الجهادين الأصغر والأكبر مع صوّر لبعض اللوازم التي لازمته في مسيرته الجهادية. وضم، كذلك، صوّرا لمجاهدين من رجال الأوراس الذين لهم صلة بموضوع الكتاب، مثل الشهيد رمضان حسوني. إنه كتاب ناجح ومفيد معنى ومبنى. ويعود نجاحه، بدرجة أولى، لتحكم كاتبه في ناصية اللغة التي يحسن تطويعها وتذوقها. وما أمتع أن تكتب صفحات التاريخ بقلم أديب كقلم الأستاذ لمباركية نوّار.