● تعزف تونس سمفونيتها الثانية من الثورة، حيث مر لحد الآن حولان كاملان من بداية الحراك السياسي. وبهذه المناسبة، احتفلت تونس بذكرى مرور عامين على نجاح الثورة التي أطاحت بالرئيس بن علي، في مجال متقلب بسبب الاضطرابات الاجتماعية، وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية. فهل حققت الثورة التونسية أهدافها؟ وماذا فعل المرزوقي حيال تحسن الأوضاع من خلال تكوين طبقة سياسية متينة؟ وكيف ينظر العالم إلى أداء حركة النهضة التونسية؟ وهل الاختلاف في التوجهات السياسية لأطراف الائتلاف الحاكم يعرقل سير العملية السياسية؟ وهل الانقسام في المجتمع التونسي بين متعصبين وليبراليين يؤدي إلى تفاقم الوضع؟ الظاهر أن البطالة زادت في تونس، وكذلك الصراعات السياسية والمحسوبية والفساد ضخم من هشاشة الوضع الاقتصادي، وأصبحت البلاد تدور في حلقة مفرغة من دون أي تقدم. ولقد جاء على لسان رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي، وهو الحزب الحاكم في البلاد: نحن لا نريد أن تتحول الثورة إلى فوضى، ولا نريد أن تكون تونس مثل الصومال. موضحا أن العنف لا يشرف الثورة بل يهددها. لنكن أكثر موضوعية، عندما نركز تفكيرنا على الأحداث التي حصلت في تونس، سنجد أن بعضها كنا نتوقعه فعلاً، وحصل على حسب توقعتنا، لكن توقعنا هذا يقع في نطاق سيطرتنا الكاملة وتحكمنا التام، إن التأثير الوحيد الذي نملكه هو التأثير على أنفسنا، إننا لا نهدر جهداً في أشياء خارج حدود سيطرتنا، ولهذا أصبح من الضروري معرفة التوقعات المحتملة، وبالتالي، هل يعتبر الرابع عشر من جانفي قبل عامين على فرار الرئيس زين العابدين بن علي وانتصار ثورة الياسمين، هو بداية أجواء تونس التي تعبر عن مشاعر اليأس والإحباط السائدة؟ وإذا وجهنا أذاننا إلى الزاوية الأخرى، وسمعنا أصحاب قرار هرم السلطة، الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، يصرح أن بلاده التزمت طريق الديمقراطية والتوافق بين الإسلاميين والحداثيين، وأن سمفونية الثورة حققت أمرا مهما وهو النضج العقلي، حيث أصبح التونسيون اليوم مواطنين ولم يعودوا يخافون السلطة، وأصبح هناك انتعاش سياسي حيث بات التونسيون يتمتعون بحرية التعبير وحرية التظاهر. وبإشارته إلى وجود فريقين، المحافظون، والحداثيون، حذر من مخاطر المواجهة بين هذين الفريقين مدافعا عن الائتلاف الذي يشارك فيه داخل الحكومة مع الإسلاميين، مضيفا على ذلك ضرورة توجه الفريقين ويكون إزاء حرب أهلية باردة أو ساخنة، أو أن نتخذ موقفا مغايرا حيث لا بد من أن نجعل من تونس المتعددة هذه واقعا موحدا ولا بد من دفع الناس إلى التحاور. تونس على لسان مسيريها، في طريقها للوصول إلى توافق فريد في العالم العربي، رغم الاتهامات المعارضة نحو الإسلاميين بالعمل على أسلمة البلاد عبر الحد من حرية التعبير ومن حقوق المرأة بشكل خاص. وبالرغم من اعتبار منظمة العفو الدولية أن مسودة الدستور التونسي الجديد تنطوي على نقاط بالغة الالتباس في مجال حقوق الإنسان، وأن هذه المنظمة لا تزال قلقة إزاء واقع المسودة التي صيغت بطريقة مبهمة ولعدم تحديد ضمانات بشأن بعض الحقوق. إلا أن تونس سوف تعزف سمفونيتها الثانية حسب التوقعات المتضاربة بين التحديات والعراقيل، وبين النجاح في هذا المسعى.