على بعد مسافة 69 كلم من مطار عين أمناس إلى المنشأة البترولية تيفنتورين ميز المكان صمت لم يخترقه سوى هدير محركات عربات الجيش، الذي أطبق إجراءات أمنية مشددة، حيث أحاطت قوات الجيش الوطني الشعبي وعناصر الدرك الوطني التي كانت مرابطة على طول الطريق تحسبا لأي اختراق إرهابي جديد في صورة تعكس حرص الجزائر على تأمين المنشأة الغازية بعد مرور منتصف شهر من الاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له منشأة تيفنتورين الغازية من طرف »كتيبة الموقعون بالدم« التي يقودها مختار بلمختار، قررت وزارة الاتصال بالتنسيق مع شركة سوناطراك فتح موقع الغاز الواقع بمدينة عين أمناس أمام وفد يضم نحو 150 صحفي من مختلف الجنسيات، لزيارة الموقع. مكّنت الزيارة الميدانية للصحفيين، الجزائريين والأجانب، ل»قاعدة الحياة« التابعة للشركة النفطية »بريتيش بيتروليوم«، بمنطقة تيقنتورين من الاطّلاع على حجم الضرر الذي خلّفه الاعتداء الإرهابي، والذي روى تفاصيله المدير العام للمنشأة الغازية، لطفي بن عدودة، باعتباره احد ضحاياه الذين لم يتعرف الإرهابيون على هويته إلاّ بعد مرور يوم على الهجوم الذي شنه إرهابيون متعددو الجنسيات، مصرية وتونسية ومالية وأخرى قال إنه لم يستطع أن يتعرف عليها، خاصة وأن الجميع انخدع للوهلة الأولى بشكلهم في زي عسكري. بألم كبير حاول بن عدودة الرجوع إلى تفاصيل الاعتداء الذي انطلقت حيثياته في ساعات مبكرة من صباح ال16 جانفي حيث بادرت المجموعة الإرهابية في صباح ذلك اليوم إلى الهجوم على حافلة كانت تنقل موظفين أجانب إلى مطار عين أمناس، غير أن قوات الحراسة الجزائرية تصدت للهجوم، الذي خلف قتيلا من جنسية بريطانية وعددا من الجرحى. الدقة والاحترافية مكنت من تفادي كارثة تفجير الحقل الغازي وتابع المسؤول سرده لأحداث الاعتداء بكل أسى على ما حدث لزملائه العمال الذين رحلوا بدون عودة »بعد فشل الخاطفين في السيطرة على الحافلة، انقسموا إلى فريقين دخل الأول إلى قاعدة الحياة، حيث يقطن العمال، في حين توجه الفريق الثاني إلى المحطة الغازية، بهدف تلغيم المكان بالاعتماد على مختصين في زرع المتفجرات، إلا أن العمال هناك -يضيف- تفطنوا إلى هدف الإرهابيين بتفجير المكان فسارعوا إلى توقيف الوحدات ومن ثم إلى حرق كامل الغاز الذي تفادى العمال بتصرفهم ذلك، من تفادي كارثة حقيقية. وأضاف كذلك أن الخاطفين حاولوا في المرحلة الأخيرة تفجير مركب الغاز، بوضع متفجرات على أنبوب لضخ الغاز، الأمر الذي أدى إلى اندلاع حريق، تمكنت مصالح الحماية المدنية من السيطرة عليه. كما أشار المسؤول الأول عن الحقل الغازي إلى أن وحدتي القوات الخاصة للجيش الجزائري نفذتا عملية تحرير الرهائن والقضاء على الخاطفين بكثير من الاحترافية والدقة، مكنت من تجنب تفجير المركب وقتل مزيد من الضحايا. وكان رئيس الحكومة عبد المالك سلال قد أعلن أن 37 أجنبيا وجزائري واحد، قتلوا في الاعتداء على موقع الغاز في قاعة تيقنتورين في عين أمناس، في حين ما زال خمسة من الأجانب في عداد المفقودين. وأصاف أن المجموعة التي نفذت هجومها في عين أمناس تتكون من 32 إرهابيا من بينهم ثلاثة جزائريين، وثمان جنسيات منها مصرية وتونسية ومالية ونيجيرية وكندية وموريتانية، يقودها الإرهابي محمد الأمين بن شنب بمساعدة أبو بكر المصري، وتعمل تحت إمارة مختار بن مختار، جاءت من منطقة أقلهوك في شمال مالي قرب الحدود الجزائرية، إلى أنها مرت عبر الحدود المالي والنيجيرية مع الجزائر، قبل الدخول إلى عين أميناس. الشركات الأجنبية لن تستأنف العمل بعين أمناس قبل ثلاثة أشهر أعلن لطفي بن عدودة المدير العام للشركة التي تتولى استغلال مصنع تيفنتورين للغاز قرب منشأة بعين أمناس، أن الشركات الأجنبية لن تستأنف العمل بالموقع قبل ثلاثة أشهر، في حين سيعاود المصنع فتح أبوابه في أقل من شهر من طرف عمال جزائريون، مشيرا من جهة أخرى أنه سيتم ضخ 35 بالمائة من الغاز المكثف في الأنابيب في أقرب الآجال. وقال المدير العام لجمعية »سوناطراك وبريتيش بتروليوم-ستاتويل« في ردّه على أسئلة الصحافيين، بأن المنشأة البترولية بتيفنتورين لن تشتغل كليا قبل 3 أشهر، وأضاف أن المنشأة التي تتكوّن من 3 وحدات، اثنتان تعرّضتا للضرر، فيما بقيت واحدة يتم تصليحها حاليا لتدخل حيز الإنتاج في القريب العاجل، مضيفا أن 35 بالمائة من مجموع الإنتاج المقدر ب24 مليون متر مكعب من الغاز يوميا منه الغاز المكثف ستضخ قريبا في الأنابيب من خلال الاتفاق مع الشركة النرويجية »ستاتويل« والبريطانية »بريتيش بيتروليوم« على الاستعانة بكمّيات من الإنتاج في حقول أخرى، في حين يمثّل إنتاج مصنع تيقنتورين 12 بالمائة من الإنتاج الوطني، أي ما يعادل 50 ألف برميل من السوائل منها النفط والمكثفات. وأوضح أن إحدى وحدات إنتاج الغاز التي أصيبت خلال الاعتداء تخضع حاليا لعملية تفتيش ومراقبة بغرض إعادة تشغيلها في ظرف وشيك لاسيما وأنها تعرضت لأضرار طفيفة مؤكدا أن إعادة التشغيل الجزئي سيحققه كليا عمال جزائريون. وأضاف أن فريقا مكونا من 120 عاملا جزائريا يقوم حاليا بعمليات تفقد على مستوى هذه الوحدة لتقييم الخسائر والتحقق من أنه لا يوجد أثر عيارات أو متفجرا، واوضح أنه لحد الآن لم يتم بعد تقييم الخسائر المالية مشيرا إلى أن إنتاج الغاز أوقف منذ أول يوم من الاعتداء، بعد تفطن أحد العمال لأهداف الإرهابيين الخبيثة والمتمثلة في تفجير الموقع.