يبدو أن الأحزاب الإسلامية التي دفعتها موجة الربيع العربي إلى صدارة المشهد السياسي بعدما فازت في أغلب الاستحقاقات الانتخابية بنصيب وافر من الثقة الشعبية، أصبحت تعيش فترة العسر السياسي والتكالب الإعلامي ضدها ! يبدو أن الأحزاب الإسلامية التي دفعتها موجة الربيع العربي إلى صدارة المشهد السياسي بعدما فازت في أغلب الاستحقاقات الانتخابية بنصيب وافر من الثقة الشعبية، أصبحت تعيش فترة العسر السياسي والتكالب الإعلامي ضدها ! وإذا كانت هذه الأحزاب الإسلامية قد تقاسمت ثمار الربيع الديمقراطي مع بقية القوى السياسية الثورية في التخلص من قمع الأنظمة الديكتاتورية المنهارة، إلا أنها تتجرع بمفردها لسعات خريف الغضب الشعبي بعد تراجع الآمال في تحقيق حلم الرخاء الإقتصادي السريع والاستفادة من عائدات الثروات المنهوبة من طرف حكام الأنظمة السابقة والمقدرة بمليارات الدولارات ولم يتم استرجاعها إلى اليوم. وسواء أتعلق الأمر بحركة ''النهضة'' في تونس التي تحوز الأغلبية في تشكيلة الحكومة الإئتلافية، أو بحزب ''الحرية والعدالة'' الذراع السياسي لحركة الإخوان المسلمين في مصر، الذي ينتمي إليه الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، فإن جميع الأطراف بما فيها في بعض الأحيان شركاؤها أو حلفاؤها في المشروع السياسي العام تحملها مسؤولية تردي الأوضاع وتعلق لائحة سلبيات التسيير على ظهرها ! وفي تونس توصل رئيس الحكومة المكلف بالكاد إلى تشكيل حكومة إئتلافية وتقديمها قبل ساعات فقط من انتهاء الآجال الدستورية إلى رئيس الجمهورية للمصادقة عليها قبل عرضها على المجلس التأسيسي لنيل الثقة. فقد أمضى السيد علي لعريض 15 يوما في مشاورات ماراطونية ومفاوضات مع قوى سياسية تنافست في رفع سقف الابتزازات والمساومات لتحقيق أكبر ما يمكن من المكاسب السياسية العاجلة على حساب حركة ''النهضة'' التي قطعت أشواطا بعيدة في تقديم التنازلات واسترضاء بقية الأطراف للوصول إلى ائتلاف حكومي منفتح على أكبر قدر من القوى والفاعليات السياسية في تونس، ولكن الأمر آل في النهاية إلى العودة إلى نقطة البداية والاكتفاء بأطراف الترويكا التي شكلت أضلاع حكومة رئيس الحكومة المستقيل السيد حمادي الجبالي مطعمة ببعض الشخصيات المستقلة ولم تجد حركة ''النهضة'' نفعا تقديمها لذلك التنازل المؤلم في نظر أنصارها ومناضليها المتمثل في التخلي عن عدد من الحقائب الوزارية السيادية استجابة لشروط المعارضة قبل البدء في المشاورات السياسية لتشكيل أوسع ائتلاف حكومي يخرج تونس من حالة الاستقطاب الخطير بين الاسلاميين والعلمانيين ذلك الاستقطاب الذي ازداد تأزما بعد اغتيال المناضل السياسي شكري بلعيد في 6 فيفري .2013 وقد بدا لبعض الملاحظين أن حالة التماطل والمراوغة السياسية والإقدام والإحجام التي ميزت تعامل بعض القوى السياسية مع مسعى السيد علي لعريض إنما كانت مجرد مناورة لإفشال عملية تشكيل الحكومة وإتاحة الفرصة لرئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي لتكليف شخصية سياسية أخرى قد لا تكون بالضرورة منتمية لحركة النهضة وتفقد النهضة بذلك منصب رئيس الحكومة بعد فقدها لمناصب الوزارات السيادية ! ومن أجل بناء التوافق الوطني وإنجاح مرحلة التحول الديمقراطي سبق لحركة النهضة أن قدمت تنازلا اعتبره البعض معادلا لتخلي النهضة عن تراثها النضالي وإفراغا لحزبها من محتواه الفكري والإيديولوجي وذلك بموافقتها على التخلي عن مطلب إدراج الشريعة الإسلامية كمصدر للقوانين في الدستور الحالي، فضلا عن صرف حركة النهضة النظر عن التعاملات الربوية ومظاهر الخلاعة وخدش الحياء في القطاع السياسي والمتاجرة بالخمور وكأن شيئا لم يتغير بعد وصول حركة النهضة إلى السلطة رغم أنها تتهم بمحاولة ''أسلمة'' المجتمع التونسي كما يتردد ذلك في خطابات المعارضة ووسائل الإعلام، وفي هذا يقول الرئيس الدكتور المنصف المرزوقي في حوار له مع جريدة جزائرية نشر قبل أسبوع ''.. جزء من العتب موجود على الصحافة الفرنسية وخاصة المرتبطة بالأساس بجزء من المعارضة التونسية التي تنقل صورة مغلوطة، هؤلاء يصورون أن تونس محكومة بنظام إسلامي، إن النهضة فعلا هي القوة الأكثر تمثيلا في البرلمان وتقود الحكومة لكنها لا تحكم وحدها،رئيس الجمهورية ''علماني''، ورئيس المجلس التأسيسي ''علماني'' هذا لا ينتبهون إليه، ويقدمون تونس على أنها على طرف الأسلمة وهذا غير صحيح ويمكن لمن يتجول في تونس أن يتأكد من ذلك''. ولعل مظاهر من لعنة السلطة على حركة ''النهضة'' أن رئيسها وزعيمها التاريخي الشيخ راشد الغنوشي الذي كان يمثل رمزا إسلاميا في التصدي للطغيان والذوذ عن حق الشعب التونسي في الحرية والكرامة وأصالته العربية الإسلامية، تعرض بعد وصول حزبه إلى السلطة إلى الرشق بالحجارة بعد زيارته لمدينة تالة في 3 مارس 2013 من طرف شبان غاضبين على أداء الحكومة، رغم أن الشيخ راشد الغنوشي الذي كان يحمل على أكتاف الجماهير بعد عودته إلى تونس عقب سقوط نظام زين العابدين بن علي، كان في زيارة إلى مدينة تالة لحضور مراسيم دفن رفات أحد أبطال تونس ومدينة تالة وهو الشيخ أحمد الرحموني الذي أعدمه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بتهمة محاولة الانقلاب ضد النظام! أما في مصر فإن موجة تشويه وتسفيه تصريحات الرئيس محمد مرسي وحركة الإخوان المسلمين ما فتئت تتصاعد بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة وتكاد عمليات إهانة الرئيس ومعارضة قراراته والتحامل على حركة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية تتحول إلى نشاط سياسي يومي وبرنامج إعلامي مشترك لفضائيات ووسائل إعلام وتجمعات ومظاهرات الفلول وجماعات المال الفاسد، بل إن رموز نظام حسني مبارك وأثرياء عهده من أمثال الجنرال الهارب إلى الإمارات العربية المتحدة والمرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية أحمد شفيق والملياردير المتهرب من الضرائب والهارب إلى المنفى الاختياري الذهبي بلندن رجل الأعمال القبطي نجيب ساوريس يعتبران أن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة محتلة - يجب تحرير مصر منها - ولكل من أحمد شفيق ونجيب ساوريس امتدادات واتباع ومريدين وزبائن في جبهة الإنقاذ الوطني وفي وسائل الإعلام المصرية، ذلك الإعلام الذي يصنعه المعلق علاء صادق بأنه ''اجتمع على قلب واحد للدفاع عن كل من يخالف القانون ويتهرب من الضرائب أو يسرق فلوس الشعب أو يمول البلطجة والتخريب''. وإذا كانت المظاهرات والاعتصامات والمسيرات تعتبر في الأنظمة الديمقراطية من وسائل التعبير السلمي عن المعارضة والغضب الشعبي وعن المطالبة بالحقوق المشروعة لمختلف الفئات الاجتماعية، فإنها تكاد تتحول في بعض الأحيان من طرف معارضي حكومة الرئيس مرسي إلى ''لعب عيال'' حتى أن عمال شركة ''أوراسكوم'' قاموا بتنظيم مظاهرة للاحتجاج على مطالبة الحكومة اصحاب الشركة من عائلة ساوريس بدفع ضرائب متأخرة وأموال مستحقة للخزينة المصرية. وقال المتظاهرون الذين تحركوا بإيعاز من طرف أرباب أعمالهم بأن مطالبة مالكي شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة تدفع أصحاب رؤوس الأموال للهرب من مصر ! وفي جو الفوضى والتشاحن السياسي يتطوع عدد من السياسيين المعارضين بدافع الكراهية أو الحقد على التيار الإسلامي للإدلاء بقدر هائل من السخافات السياسية والافتراءات الأخلاقية إلى حد الإدعاء بأن المشاركة في الانتخابات البرلمانية هو جريمة في حق الوطن وأن حكم الإخوان هو أكثر قسوة من نظام ما قبل الثورة وأصبح زعيم جبهة الانقاذ الدكتور محمد البرادعي يطالب الجيش بالتدخل في الحياة السياسية بعد أن كان يصرح بأن إخراج الجيش من الحياة السياسية هو شرط أساسي لتحقيق الديمقراطية! ورفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية بحجة أن المجلس العسكري سيظل ممسكا بزمام القرار حتى بعد انتخاب رئيس مدني! حقا إن مشاركة الإسلاميين في قيادة المرحلة الانتقالية أو مرحلة التحول الديمقراطي هي مغامرة خطيرة وامتحان عسير جعلهم يرضون بالضيم ويصبرون على العنف السياسي والإعلامي المسلط عليهم خشية أن يتهموا في حالة الرد بأنهم يمارسون العنف وهي تهمة يمكن أن تمر دون تمحيص من طرف قوى دولية مازالت ترى في وصول الإسلاميين إلى السلطة حالة شاذة ومن الأفضل أن تصبح استثنائية وعابرة !