تفيد عديد من المصادر المقربة من دوائر مكافحة الفساد أن مصالح الأمن والاستعلامات تلقت تعليمات وأوامر صارمة بضرورة التعامل مع كافة قضايا الفساد والرشاوى بكل حزم ومهنية ، وشددت هذه التعليمات على أن لا يستدعى أو يتهم أي شخص إلا بعد استكمال كافة التحريات وبدقة لكي يكون الملف القضائي قوي ويقدم الجناة الحقيقيين إلى المحاكمة ، وتأتي هذه التوجيهات للاستفادة من تجارب التحقيق في قضايا الفساد السابقة أو ما يعرف بحملات الأيدي النظيفة والتي دفع الثمن فيها كثير من الأبرياء. يعكس مسار التحقيق في فضائح العمولات والرشاوي أو ما سمّي قضية سوناطراك 2 احترافية عالية لدى مصالح الأمن والاستعلامات التي كانت حريصة على توخي الحذر في التحرّي حول الفضيحة التي فجّرها أولا الإعلام الإيطالي بعد تحرّي نيابة ميلانو بشأن العمولات والرشاوي التي قدّمها مسؤولون في شركتي »سايبام« و»إيني« مقابل الحصول على مشاريع وصفقات في الجزائر. وقد أفادت بعض المصادر المطلعة على سير التحقيقات في قضية سوناطراك 2 و ما تبعها من قضايا مرتبطة بها أن السلطات العليا في البلاد تريد أن تصل إلى نتائج جدية وملموسة فيما يخص إدارة هذه الملفات وذلك حتى تتمكن من استرجاع ثقة العدالة الجزائرية أولا وأيضا إخراج المجمع البترولي العملاق سوناطراك من النفق المظلم الذي أوقعه فيه بعض المسيرين على خلفية الضربات المتتالية التي تلقتها الشركة منذ فضيحة سوناطراك 1 والتي أطاحت بالمدير العام الأسبق محمد مزيان وصولا إلى سوناطراك 2 ثم قضية سونلغاز ، بالإضافة إلى عشرات قضايا الفساد الأخرى وفي عدة قطاعات. وأهم ركيزة يعمل عليها المحققون والقضاة على حد سواء هو أولا التحفظ في نشر أي معلومات حول مجريات التحقيق مهما كانت ضغوط وسائل الإعلام ومن ورائها الرأي العام وهو الأمر الذي تجلى في بيان النائب العام لمجلس قضاء العاصمة بلقاسم زغماتي الذي أكد أن التحقيق في قضية سوناطراك سيعرف وتيرة متسارعة وسيستدعى للتحقيق كل من ثبت تورطه في هذه الفضيحة ، لكنه أكد في المقابل أن النظام القضائي في الجزائر لا يسمح بتسريب أي معلومات حول تحقيق قضائي على خلاف بعض الدول الأخرى ومن بينها إيطاليا. وتشير بعض المصادر أن تعليمات مشددة تلقتها مصالح الأمن والاستعلامات بضرورة التعامل بمنتهى الحرفية والحذر في كل القضايا التي بين أيديهم ، مع الحرص على عدم تقديم استدعاء إلى أي جهة أو شخص إلا بعد استيفاء كافة المعطيات والحيثيات المرتبطة به وذلك حفاظا على جدية وقوة الملف القضائي الذي يوضع بين أيدي المحكمة. ويرى بعض المتابعين أن هذا الحرص والدقة الذي تبديه السلطات العليا في التعامل مع قضايا الفساد يعود إلى حرص القاضي الأول في البلاد الرئيس بوتفليقة أن ينتهي ملف سوناطراك2 بشكل يتم فيه إعادة بناء جسور الثقة بين العدالة الجزائرية والرأي العام وأيضا حتى لا يدفع الثمن مسيرين ومسؤولين ذنبهم الوحيد هو التواجد في مناصب المسؤولية لمصالح وشركات حساسة. وفي سياق موصول تشير بعض المصادر حسنة الإطلاع مثلما نقله موقع »كل شيء عن الجزائر« أن مديرية الاستعلامات العامة وصلت إلى قناعة بخصوص عدم فعالية إجراء تعيين عقيد في كل وزارة أو مؤسسة عمومية للكشف عن التجاوزات وقالت إنها ستلجأ مستقبلا إلى تعيين أعوان سرييّن مهمتهم التحري حول طريقة تسيير هذه المؤسسات ورصد أي خرق للقانون أو تجاوزات يقع فيها المسؤولون والمسيّرون لتفادي سيناريو فضائح الفساد المتكرّرة التي اهتزّ لها أكثر من قطاع حيوي على غرار قطاع المحروقات ومشروع الطريق السيار شرق غرب.