تحت عنوان «الديكتاتور الغامض.. ماذا يريد رجل مصر القوى«، تحدثت مجلة »نيوزويك«، الأمريكية، عن الفريق أول عبدالفتاح السيسى، النائب الأول لرئيس الوزراء، وزير الدفاع، قائلة إنه بلاشك أصبح لدى مصر »رجل قوى« جديد، بعد تدخل الجيش لعزل الرئيس السابق، محمد مرسى، الشهر الماضي، في أعقاب احتجاجات فى جميع أنحاء البلاد. وأضافت المجلة، في تقرير مطول، ظهر على غلاف عددها الأخير، كتبه مراسلها فى القاهرة، مايك جيجليو، ومدير مكتبها فى باريس، كريستوفر ديكى، أن صور السيسي، القائد الفعلي للبلاد، بحسب تعبيرها، باتت في كل مكان في شوارع القاهرة، أكثر من هدايا أبو الهول التذكارية. وأوضحت أنه بعد أكثر من شهر من توليه السلطة، يظل السيسي شخصية »مبهمة«، تماماً مثل نظارته الشمسية، مشيرة إلى أنه رغم مقارنته بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فإن قلة من الناس تعرف معلومات عن أسرته أو خلفيته، حيث أنه نادر الحديث مع الصحفيين، كما أن أصدقاءه المقربين وحلفاءه يترددون في التحدث عنه، مشيرة إلى أن »فهم السيسي أصبح أمرا بالغ الأهمية لمعرفة إلى أين تتوجه مصر«. وقالت المجلة إن السيسي تربى فى حي الجمالية في القاهرة، وسط أسرة »متدينة«، كذا الغالبية العظمى من المصريين، مشيرة إلى أن والده كان يمتلك »بازاراً فى خان الخليلي«، ونقلت المجلة عن أحد أقربائه، وهو المسؤول عن إدارة البازار الآن، يدعى حسين، قوله إنه »لا يحتاج إلى الحديث عن السيسي، فعندما يتحدث عن والده كأنه يتحدث عن أولاده، فهم نسخة منه«. وأضاف حسين أن والد »السيسي كان يحب القراءة فى التاريخ والقانون، والاستماع إلى أغاني أم كلثوم الوطنية، كما كان يعرف كبار رجال الدين الذين كانوا زبائنه فى البازار، وكذلك أصدقاؤه«، مشيراً إلى »أنه كان محافظاً ولكنه لم يكن متطرفاً«، وتابع: »السيسي لديه 3 إخوة و5 أخوات، وكلهم جامعيون«. ومضى يقول: »عبد الفتاح مثل والده تماماً، فقد كان والده جيداً للغاية فى إلهام كل من حوله.. عندما ينظر إلى عينيك يعرف ما تريد أن تقوله، وكان يعرف كيفية إرسال الرسائل لمحدثه، حيث كان يعرف كيفية الحديث مع الطبيب، ومع العامل، وقد أخذ أولاده هذه الصفة منه«. واستطرد: »كان والد السيسي يحب التجارة فأصبح ابنه حسن تاجراً، وكذلك كان يحب القانون فأصبح أحمد قاضياً، كما كان دقيقا ومنظما مثل الجنرالات وهكذا أصبح ابنه عبد الفتاح، ولكنه ورغم حبه إطلاق النكات، فإن ابنه عبد الفتاح نادراً ما يمزح، فيمكنه الجلوس لفترة طويلة، ولا يتحدث سوى بعبارة واحدة فقط أو اثنتين، فهو مستمع جيد«. وأشار أحد أقربائه، يدعى تامر، وهو أحد العاملين فى البازار، إلى أن»أسرة السيسي كانت تطلق عليه الجنرال منذ صغره«. وقالت المجلة إنه »خلافاً لرجل مصر القوى السابق، حسنى مبارك، الذي كانت أسرته وزوجته معروفين لدى المصريين، فإن السيسي لديه خصوصية شديدة«، فوفقاً لشقيقه الأكبر، أحمد السيسي، الذي وافق على الحديث للمجلة على مضض، فإن »السيسي لديه 3 أبناء وابنة واحدة، وزوجته ترتدي الحجاب التقليدي، ولا تعمل، تماماً مثل شقيقاته الخمس، حيث إن نساءنا لا يعملن ولكنهن يبقين فى المنزل لتربية الأطفال«. وأشارت المجلة إلى أن رجال أسرة السيسي يسعون لمهن طموحة، ناقلة عن أخيه أحمد قوله: »نحن نأتي من عائلة تقود ولا تُقاد«. وأضافت المجلة أن السيسي لم يشهد كل الحروب الكبرى فى مصر، فقد ولد عام ,1954 موضحة أن الفترة التي خدم فيها فى الجيش أصبحت فيها المؤسسة العسكرية تستقطب المجندين من جميع أنحاء المجتمع المصري، وبهذا المعنى باتت المؤسسة الأقرب إلى الاحترام فى دولة تعانى من المحسوبية والفساد. وتابعت: »في عهد مبارك ازدهر المجمع الصناعي العسكرى المصري كما لم يحدث من قبل، وحقق كبار الضباط، أمثال المشير محمد حسين طنطاوي، وعدد آخر من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ثروات كبيرة، ولكن، وعلى سبيل المقارنة، فإن السيسي نظيف نسبياً«، بحسب تعبير المجلة. وأشارت إلى أنه تم اختيار السيسي للدراسة فى الكلية الحربية فى الجيش الأمريكي عام ,2006 خلال لحظة مشحونة في الشرق الأوسط، بالنسبة للأمريكيين وكذلك للعرب، وقد وجد السيسي فى الكلية المرموقة والتاريخية نفسه فى مواجهة مع ضباط أمريكيين قادمين من العراق، حينما كان يروج الرئيس الأمريكي، حينها، جورج بوش ل»أجندة الحرية« في الشرق الأوسط، بينما كان ينفق حوالي 5,2 مليار دولار كل أسبوع على الحرب فى العراق، وتقريبا نصف المبلغ كمساعدات سنوية لمصر، حيث كان يتم تزوير الانتخابات لإعادة مبارك إلى السلطة. وفقا لشريفة زهور، أحد أساتذة السيسي في الكلية الحربية الأمريكية، »فإن السيسي كان على استعداد للنقاش مع الضباط الأمريكيين، بشكل غير عدواني، فقد كان يغضب ولكنه يمتلك الكثير من ضبط النفس«، مشيرة إلى أنه »كان يعرف الكثير عن التراث المصري والإسلامي، ويفتخر به«. ورأت المجلة أنه ليس أمراً مفاجئاً الآن أن يُظهر هذا »الجنرال الفخور« عدم احتياجه للولايات المتحدة، فمنذ الإطاحة بمرسى وجد السيسي العائلات المالكة في دول الخليج أكثر سخاء من واشنطن، وفي رأيه فإن مصر حصلت على قليل من الدعم من الولاياتالمتحدة عندما »تحول مرسى لرئيس مستبد، وخرب الإخوان الإرادة الشعبية« كما قال في مقابلة مع »واشنطن بوست«، وهو ما رأته المجلة »رسالة واضحة إلى البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية، وربما إلى أصدقائه القدامى في الجيش الأمريكي، مفادها أن مصر تقود ولا تُقاد«. وقالت المجلة إنه بعد إقالة طنطاوي، وجد المصريون وجهاً أصغر وأقل شهرة فى موقعه، وهو السيسي، مؤكدة أنه وفقا لعدد من المصادر المطلعة فإن طنطاوي هو من اختار السيسي خلفا له. وأضافت: »في الوقت الذي انتقلت فيه البلاد نحو انتخابات عام ,2012 أصبح من الواضح بشكل متزايد أن جماعة الإخوان المسلمين هي من ستفوز بالرئاسة، وحينها أدرك رجال الأعمال وضباط الجيش أنهم مضطرون للجوء إلى التفاوض مع أعدائهم السابقين حول كيفية تأثير انتصار الإخوان على الجيش، مشيرة إلى أن مرسى كان ممثل الإخوان فى تلك المحادثات، فيما تكلم السيسي نيابة عن الضباط«. ومضت تقول: »وبعد انتخاب مرسي انتقل الرئيس الجديد بسرعة لتغيير ديناصورات الجيش، فتعجب الناس من عدم مقاومة القيادة العليا لقراراته، دون أن يدركوا أنه كان تغيير فى الأجيال أو ثورة داخل المؤسسة العسكرية نفسها، بقيادة السيسي، الذي عينه مرسى وزيراً للدفاع، معتقداً على ما يبدو أنه لا هو ولا غيره من الجنرالات سينقلبون عليه طالما أنه يحترم امتيازاتهم الاقتصادية«. ومضت تقول »إنه أيا كانت أهدافه الأصلية، فإن السيسي بدأ نهاية العام الماضي يناور للوصول لمنصب أكثر طموحاً بكثير، وذلك فى الوقت الذي بدأ فيه مرسى الحصول على سلطات ديكتاتورية، وإقصاء معارضيه، ما أدى إلى اندلاع أعمال شغب دموية، وتصاعد البلاد نحو الفوضى«. واستطردت المجلة، »حينما طُلب من قوات الأمن الدفاع عن النظام الذي لا يحظى بشعبية على نحو متزايد، بدأ السيسي التصرف فى العلن كلاعب مستقل عن حكومة مرسى، ودعا إلى اجتماع لإجراء محادثات مع جماعات المعارضة، وبدأ ضباط المخابرات العسكرية فى التواصل سراً عبر وسطاء مع أولئك الذين أرادوا إرغام مرسى على ترك منصبه«، وفقاً لمصادر للمجلة. وأوضحت المجلة أنه »فى مايو اجتمعت النخب من الحرس القديم، بمن فى ذلك المثقفون والصحفيون، مع السيسي، في مناسبة عسكرية وشجعوه على التدخل، لكنه قال لهم لا تتعجلوا، ومع اقتراب موعد المظاهرات المخطط لها في 30 جوان تم تشجيع الناشطين من قبل الوسطاء المتحدثين باسم الجيش لبناء ضغط في الشارع، وفقاً لأحد قادة الاحتجاجات، ولجنرال متقاعد عمل كوسيط بين المؤسسة العسكرية والمعارضة، ولكن في الخلفية، انتظر السيسي اللحظة المناسبة، بصمت، وأعطى مرسي والإخوان الحبل الذي شنقوا به أنفسهم، ثم أخيراً خرج إلى النور ليكشف ما كان يبنيه بعناية«.