لم يكن يحلم أعظم كتاب السينما في العالم بأن تكون هذه هي الطريقة المثالية للتخلص من المشير طنطاوي وزير الدفاع المصري، والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة، فجميع المحللين وحتى كتاب السيناريو الذين يحلقون في عالم الخيال، أكدوا أن التخلص من الحكم العسكري في مصر سيستغرق وقتا لا يقل عن أربع سنوات، اختصرها محمد مرسي في أيام معدودة، والصدفة وحدها والقدر لعبا دورا كبيرا في الإطاحة بأبناء المخلوع مبارك في المؤسسة العسكرية، الخبر تم إعلانه بعد صلاة العصر أول أمس، وهو توقيت مثالي لأنه يضمن عدم خروج مظاهرات أو احتجاجات مضادة قبل موعد الإفطار. المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري يضم 18 قيادة، لكن أكثرهم أهمية وما يطلق عليهم داخل أروقة الجيش بالخمسة الكبار، وهم وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد القوات الجوية وقائد الدفاع الجوي وقائد القوات البحرية، والخمسة الكبار هم من كانوا يديرون شؤون مصر خلال الفترة الانتقالية، ولم ينجح أحد في اختراقهم، رغم أن أكثرهم خلافا معهم كان الفريق مهاب مميش قائد القوات البحرية الذي قدم استقالته أكثر من مرة وتم رفضها، فقد كان يرفض ''مميش'' طريقة تعامل المجلس الأعلى مع الفترة الانتقالية، ويريد منهم أن يكونوا أكثر حزما في التعامل مع مدنية أو علمانية الدولة، فقد كان يريد تفعيل القوانين التي تمنع إنشاء حزب سياسي على أساس ديني، لكن اقتراحاته لم تلق قبولا، فقد كان يخشى المجلس الدخول في صدام مباشر مع تيارات الإسلام السياسي. البداية كانت بالدعوة إلى ثورة جديدة الإطاحة بالخمسة الكبار ليس له سوى معنى واحد هو أن دولة محمد مرسي أصبحت مكتملة الأركان، وأصبح يمتلك القرار السياسي، ولن تستطيع أي قوى من النظام القديم الوقوف أمامه الآن. الحكاية بدأت حينما دعت بعض قوى النظام السابق على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع المصري لعمل ثورة جديدة يوم 24 من الشهر الجاري، وتسربت معلومات وقتها أن ميلشيات بلطجية حبيب العادلي وزير الداخلية السابق ستشارك في حرق جميع مقار جماعة الإخوان المسلمين على مستوى مصر، بالإضافة إلى تعاطف قوى أمنية من وزارة الداخلية مع هذه الدعوات، وتبني بعض ضباط الشرطة لهذه الدعوات بأنفسهم، حيث كان يجري الإعداد لسيناريو جمعة غضب مثلما حدث أثناء الأيام الأولى للثورة. أجهزة الإعلام التي تدعم المجلس العسكري في مواجهة الإخوان المسلمون، تبنت الدعوات وأعلنت الحرب على ''مرسي''، وهذا ما استفز الرئيس وجعله يتخذ حزمة من القرارات الإصلاحية الأولى باستبعاد رئيس المخابرات وتغيير قائد الحرس الجمهوري وقائد شرطة رئاسة الجمهورية والإطاحة بمحافظ شمال سيناء الذي ينتمي للمؤسسة العسكرية، واتهمت أجهزة إعلام المجلس العسكري الرئيس بأنه السبب في حادث سيناء الإرهابي، وبدأت شعبيته تنخفض في الشارع. مع هذا الهجوم الإعلامي، شعر الرئيس ببداية المؤامرة حينما كان من المقرر أن يحضر جنازة الشهداء، وفي المقابل أعد له المجلس العسكري مجموعة من البلطجية لضربه بالأحذية في وسط الجنازة، ولما وصلته المعلومة رفض الذهاب للجنازة وعاد مرة أخرى للقصر الجمهوري. الغريب أن قائد الشرطة العسكرية وقائد الحرس الجمهوري أصرا على وجود الرئيس في الجنازة حتى يقع في الفخ، لكن من وقع في الفخ هو رئيس الوزراء هشام قنديل الذي طالته الأحذية في المسجد، ونجا ''مرسي'' منه، وقرر الإطاحة بكل من كان يدفعه لحضور الجنازة دون تأمين مناسب. اللواء السيسي والعصار يفشلان الانقلاب بعد قرارات مرسي الإصلاحية الأولى، قرر المشير طنطاوي والفريق سامي عنان الإطاحة به خلال مظاهرات 24 أوت، وتم الإعداد لهذا بالفعل، وطلب المشير من رئيس المخابرات الحربية اللواء عبد الفتاح السيسي واللواء العصار مساعد وزير الدفاع، المشاركة في الخطة، إلا أن المفاجأة أن الاثنين قررا إبلاغ الرئيس بما حدث، فاللواء عبد الفتاح السيسي الذي أصبح الآن وزيرا للدفاع المصري هو رئيس لأحد أهم وأقوى أجهزة الجيش المصري وهو المخابرات الحربية، يبلغ من العمر 58 عاما، ومعروف عنه تدينه وغضبه الشديد على النظام السابق، فقد قال قبل ذلك في لقاء خاص مع بعض الإعلاميين إن حبيب العادلي وزير الداخلية السابق كان يتنصت على هواتف ضباط الجيش الكبار، ويكتب عنهم تقارير للمخلوع مبارك، وهذا ما اعتبره اللواء السيسي إهانة للمؤسسة العسكرية، فضباط الجيش يعتبرون الشرطة مدنية ويعتبرونها أقل منهم، ولا يجوز أن يراقبهم من هم أقل، وترددت بعض الشائعات غير الموثقة أن اللواء عبد الفتاح السيسي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنها شائعات ضعيفة لأنه ضابط بالمخابرات الحربية، والمؤسسة العسكرية هي المؤسسة الوحيدة في مصر التي لم تنجح جماعة الإخوان في اختراقها فترة مبارك، لكن يبدو أن تدينه تسبب في إطلاق هذه الشائعات. أما اللواء العصار فهو مساعد وزير الدفاع لشؤون التسليح، ويتولى بنفسه المعونة العسكرية الأمريكية، والمسؤول الأول عن صفقات السلاح المصرية، ويتمتع بعلاقات أكثر من طيبة من الأمريكيين، وإبلاغه لمرسي بمؤامرة طنطاوي وعنان ليس بعيدا عن علاقاته الدولية. ولما علم مرسي بالمؤامرة استدعى على الفور المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وواجههما بما حدث فأنكرا، ثم واجهمها باللواء عبد الفتاح السيسي واللواء العصار، وتم التحفظ على المشير والفريق في الاستراحة الخاصة بهما في حراسة المخابرات الحربية. وبقيت لدى مرسي أزمة واحدة وهي إيجاد بديل قوي ومحبوب في الجيش لسامي عنان، وجاء الاقتراح باللواء صبحي صدقي قائد الجيش الثالث الميداني، والجيش الثالث يعتبر أقوى الجيوش المصرية لأن فيه القوة الأساسية للمجندين، وتتمركز قواته في مدن قناة السويس باعتباره خط الدفاع الأول عن مصر إذا هاجمتها إسرائيل، تكليف صبحي صدقي برئاسة الأركان قضى تماما على الفريق سامي عنان، لأنه على الأرض صبحي صدقي هو الذي يمتلك القوة، يبلغ من العمر 57 عاما، فهو بهذه الطريقة مع اللواء السيسي وصغر سنهما وبعد ترقيتهما لرتبة فريق، من الطبيعي أن يخرج طنطاوي وسامي عنان من الخدمة فلا يجوز أن يرأسهم من هم أصغر منهم سنا، كما سيتم الإطاحة بكل القيادات كبيرة السن من الجيش بطبيعة الحال. مشكلة قادة الطيران والبحرية والدفاع الجوي تبقى لديهم مشكلة وهي الثلاثة الكبار أو قادة الطيران والبحرية والدفاع الجوي، فعرض عليهم أن يتم ترقيتهم في وظائف أعلى وتحقق عائدا ماديا أكبر بكثير مما كانوا يتقاضونه، لكنهم في المقابل سيفقدون قوتهم العسكرية، وقبلوا العرض وتوزعت عليهم وزارات الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع ورئاسة مجلس إدارة قناة السويس في شكل أقرب للصفقة، وبهذا أصبح الجيش تحت سيطرة مرسي. ردود فعل متباينة حول قرار مرسي تباينت ردود الفعل على مستوى القوى السياسية بين مؤيد ومعارض، فالليبراليون مرحبون بالقرارات ويريدون في المقابل ضمانات حتى لا يستأثر مرسي بالسلطة وحده، والقوى الثورية تعيش في حالة سعادة غامرة بعدما قتل الكثير من الشباب على أيدي المجلس العسكري، وقوى الفلول تدعو بقوة لعمل ثورة جديدة يوم 24 من الشهر الجاري، وسارعت بعمل مظاهرات أمام القصر الجمهوري للاعتراض على القرارات، والإخوان المسلمون حشدوا أنصارهم لتأييد القرار أمام القصر الجمهوري وفي ميدان التحرير، والمصريون البسطاء انشغلوا بما هو أهم وهو شراء ملابس العيد. من جهة أخرى، كذب المجلس العسكري أن يكون وزير الدفاع السابق المشير طنطاوي وقائد الأركان عنان ما نقلته قناة الحرة من أنهما قيد الإقامة الجبرية، وأكد المجلس بأنهما يعيشان حياتهما بشكل طبيعي. وأكد المجلس العسكرى فى بيانه الذى نشره في حسابه على تويتر تحت عنوان ''مصر التى فى القلب'' أن المجلس العسكري قد تحمل أمانة الحفاظ على مصر، وأنهم يوما لم يكونوا طامعي سلطة أو منصب، واليوم وبعد أن سلمت مصر إلى سلطة شرعية، آن الأوان للفارس أن يستريح بعد عناء الرحلة ومشقتها، وأن جيل نصر أكتوبر قد سلم الراية لجيل جديد.. مشيرا إلى أن كل من شكك في المجلس العسكري أن يراجع نفسه.