كان ممثل جبهة الإنقاذ، التي يطلق عليها البعض في مصر جبهة الأنقاض، يتحدث على قناة الجزيرة، التي فتحت المجال له لمواجهة أنصار الشرعية .وعادة، يبدأ الانقلابيون بهجوم على القناة متهمين إياها بالتحيز السافر للإخوان المسلمين، حتى بعد أن ثبت أن هؤلاء جزء من الرافضين للانقلاب، وبعد أن انضمت للشارع الغاضب مجموعة أحرار اليسارية التي قتل ستة من أعضائها، وترفض العسكر والإخوان والفلول في وقت واحد، مما يعني أن جهدا من قبل أنصار الشرعية يجب أن يبذل نحوهم كان الباشا يتصرف مساء الخميس كاسطوانة مسجلة، ويؤكد بأن الجمعة ستشهد نهاية الإخوان المسلمين في مصر، حيث لن يستجيب أحد لدعوة أنصار الشرعية، وأعطاني الشعور بأن القوات المسلحة تقف وراءه وتتابع أداءه، وتنتظر منه، لترضى عنه، أن يسب الجزيرة وأن يُفحم محاوره ويلقمه أحجارا، من منطلق أن قواعد الإخوان عاجزة عن الحركة بعد أن اعتقلت جل قياداتها بتهمة التحريض على قتل متظاهرين، وهو ما سمح للمذيع بابتسامة ساخرة من حكومة تعتقل المتهم بالتحريض ولا تعتقل من قام فعلا بالقتل. وتدين وزيرة الإعلام المصرية من يتحدثون على شاشة الجزيرة من خصوم الانقلاب، الذين يُدعوْن على قدم المساواة مع أنصار الانقلاب، وهو حياد لا يعرفه الإعلام المصري، الذي يضع على شاشة فضائياته بالإنغليزية عبارة (Egypt fighting terrorism). وتعلن الوزيرة اكتشافها الخطير بأن الجزيرة /مباشر تعمل بدون ترخيص، فتدعو، علنا، إلى منعها من ممارسة العمل الإعلامي، بعد أن اعتقل بعض مندوبيها وأحدُ مصوريها الذي أصابه قناصٌ في ذراعه، كما اعتقل أربعة من محرري القناة الإنجليزية. وكُلفت وسائل الإعلام المصرية، التي خلا لها الجو، بالدعوة الملحة لإفشال تظاهرات الثلاثين من أغسطس الاحتجاجية، ونشر صديقي حسن الشاذلي، صحفي القناة الثقافية، بيانا على الفيس بوك قال فيه : رجاء من كل المصريين، مسلمين ومسيحيين، عدم النزول إلى الشوارع يوم الجمعة 30 / 8, من بعد صلاة الجمعة، وفرض حظر تجوال اختياري، وترك الشوارع خالية للجيش والشرطة للتعامل مع أي أحد تسول له نفسه إحداث أي شيئ يضر بمصرنا الغالية، وتفويت الفرصة عليهم وإحباط مخططاتهم القذرة القذرة. وبدا البيان، الذي أتخيل من وراءه، تحذيرا بأن كل من في الشوارع سيعتبر إرهابيا، وسيتعامل معه الجيش والشرطة على هذا الأساس. ويتساءل كاتب خفيف الظل، تعليقا على صورة جنود محتشدين في أحد ميادين القاهرة : أمال مين على الحدود ؟ (مع إسرائيل طبعا) كانت حركة القطارات في مصر قد أوقفت تماما منذ أيام، وأغلق عدد من المساجد الكبرى، بما فيها مسجد الفتح في رمسيس والنور في العباسية، ومارست قوات الأمن المصرية حملة اعتقالات لم يسبق لها مثيل في التاريخ المصري، فانتزعت فتيات في عمر الزهور من منازلهن ليلا بتهم سخيفة تتناقض مع أعمارهن، وشملت الاعتقالات عددا من رموز ثورة 25 يناير ,2011 التي أعطت مصر بريقا وتألقا، بعد سنوات طويلة من وضعية المحاق. وتزايد هياج الإعلام المصري ضد من لم يتحمس للانقلاب ومن تناقضوا معه، بمن فيهم الرياضيين أبو تريكة وعلاء صادق. وأصدرت وزارة الداخلية بلاغا همايونيا يؤكد أن قواتها سوف تستعمل ضد المتظاهرين، المعتدين، الذخيرة الحية، وكأن الذخيرة التي استعملت في رابعة والنهضة ورمسيس وأبو زعبل وغيرها كانت ذخيرة ... ميتة. وأغلقت المعابر إلى الميادين الكبرى والساحات الرئيسية، وراحت المصادر المصرية تصر على أن الرافضين قلة، لكنها لم تمتلك شجاعة تسليط الأضواء عليهم لتأكيد تفاهة حجمهم، وليقتنع الناس بتقرير الداخلية عن تضاءل تأثير الإخوان في الشارع. والواقع أن فهم كل الخلفيات يتطلب العودة لتعبير الفريق، وهو يطلب من المصريين تفويضه، وأمره، بالتصدي للعنف والإرهاب المحتمل، أكرر...المحتمل. وهذا يعني أنه، في اللحظة التي ألقى فيها وزير الدفاع بيانه الشهير، لم يكن هناك إرهاب في مصر، خصوصا في الأرض التي أسماها المولى عز وجل بالوادي المقدس، وطلب من موسى أن يخلع نعليه، وأقسم بطور سنين. وتعني المقولة استنتاجا أن ما شهدته سيناء، بما في ذلك اغتيال 16 مجندا مصريا ساعة الإفطار في رمضان الأسبق، لم يكن إرهابا، وبالتالي فإن صاحب القرار، فيما بدا، كان يعرف أن ما سيقوم به سوف يشعل ردود فعل غاضبة تعطيه الفرصة لاعتبارها إرهابا، وتمكنه من الإجهاز على أكبر قوة شعبية منظمة على الساحة المصرية، حاولت إعطاء السلطة العسكرية حجمها الحقيقي طبقا للدستور عندما أقال الرئيس مرسي 70 جنرالا في يوم واحد. وكانت دعوة الفريق منسجمة مع ما تريده معارضة تفتقد أي عمق جماهيري حقيقي، وتمثل سياسيا في القاهرة نوعا من تجمعات التشي تشي، كما تمثل في الوطن العربي ظاهرة صوتية فقدت تأثيرها منذ عقود، لكنها ضمنت تحالف القيادة العسكرية، محدودة الخبرة الماكيافيلية، لتأكل الشوك بفمها، ولتتخلص من العدو الحقيقي لليسار الزائف، أي الإخوان المسلمين. لكن الإخوان المسلمين كانوا، هذه المرة، أكثر ذكاء، فلم يلجئوا إلى أي رد فعل جماعي عنيف، وهنا أصيب النظام الانقلابي بالارتباك، لأن مخططه كان استفزاز وضعية الإرهاب....الذي كان محتملا كما قال الفريق. كان التخطيط قد انطلق من أن جماعة الإخوان ارتكبت، في مرحلة معينة من تاريخ مصر، جرائم لا يمكن الدفاع عنها، بدأت في الأربعينيات باغتيال المستشار الخازندار ثم اغتيال رئيس الوزراء النقراشي ، ثم في الخمسينيات بمحاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر، بعد حملة ظالمة استهدفته إثر توقيع اتفاقية الجلاء عن مصر مع البريطاني أنتوني ناتنغ. وافتقد الإخوان شجاعة الاعتراف بأخطاء الجيل الأول من الجماعة، برغم أنه تم الاعتذار عنها في عمليات المراجعة التي نظمت مع الجماعات الإسلامية وبمشاركة فقهاء أزهريين. وكان من الغباء تشبثهم بعدائهم الأحمق لعبد الناصر، الذي اتهمه عصام العريان بأنه هو الذي طرد اليهود من مصر، في حين أن الهجرة اليهودية إلى إسرائيل بدأت في الأربعينيات، وقبل أن يكون لعبد الناصر في مصر شأن كبير. وكان المفروض، لو كانوا يعقلون، أن يتبنوا عبد الناصر متناسين أخطاءه ضدهم، انطلاقا من أنه ارتبط بهم في فترة معينة من تاريخ حياته، بدلا من تركه احتكارا لليسار الزائف لكي يستغل اسمه كتجارة لمن لا يملك رأسمال أو بضاعة تشترى وتباع. وكان هذا دليلا عن ضحالة الفكر الإستراتيجي عند بعض قيادات الإخوان، وهو ما تأكد بالمواقف العدائية السخيفة ضد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح. وهنا تبرز خصال الشعب المصري الرائع. فقد بدا أنه لا يصدق الأكاذيب الساذجة التي ينشطها إعلام معروف الولاء مدفوع الثمن مسموم التوجه، وصل إلى حد اتهام أوباما بأنه إخوانجي، ولم تقنع الجماهير خطب الفريق، ذات المونتاج الساذج والمضحك، وربما ذكرتها النظارات الغامقة بالعقيد القذافي، ولم تقتنع بمحاولات تشبيه الفريق بعبد الناصر، وقال البعض: أين الثرى من الثريا. وتزايد نفور الناس من النظام الجديد نتيجة أخطاء لا تبرر، كمساواة رئيس الوزراء بين الجيش المصري في رابعة والجيش الأمريكي في الفيتنام، وممارسة وزير الخارجية للكذب المفضوح، ناهيك عن فجور فضائيات العار. وبرغم كل التهديدات، اندفعت جموع إلى الشارع في جمعة الحسم لتكذب جماعة الأنقاض، ولجأت إلى تاكتيك جديد يتمثل في التوسيع الأفقي للتظاهرات السلمية عبر التراب المصري كله، ثم الابتعاد عن الميادين الكبرى والشوارع الرئيسية، مركزين التحرك على الشوارع الجانبية التي يتجاوب فيها معهم مواطنوها البسطاء، ويعرف فيها كل جار جاره، ولتفادي تسرب بلطجية النظام إلى ناصيات الطرق وأسطح المنازل. ويقول مؤنس زهيري، وهو ابن كامل زهيري : القوام الأعظم لمتظاهري جماعة الإخوان في كل المناطق التي أراها علي شاشة التليفزيون هم شباب في العشرينيات و الثلاثينيات من العمر علي أقصي تقدير. وكلام زهيري مخيف، لأنه يعني بكل بساطة أن هناك جيلا جديدا يفرض نفسه تدريجيا على الساحة، سيصل، بفعل القمع الأعمى، إلى الاستنتاج بأن قياداته لم تحسن التصرف باتباع السلمية، وقد يرى سبيلا آخر لتحقيق مطالبه بعيدا عن صناديق الاقتراع، وهذه كارثة كبرى على المدى البعيد، استكمالا لما يمكن أن يعرفه المدى المتوسط من خلل اقتصادي، قد يصبح انهيارا شاملا إذا ما وصلت الأمور إلى عصيان مدني، قد يصبح ثورة عارمة إذا حدث للقيادات المعتقلة مكروه نتيجة لسوء المعاملة. ويخيفني أمر آخر، هو الشرخ الإسلامي المسيحي، الذي سوف يحتاج وقتا طويلا ليستعيد الالتحام الذي عرفته ثورة 1919 وثورة .2011