والوضع في مصر يزداد تعقيدا، ويزداد حمله مع الأيام على كف عفريت مجهول الهوية يائس الهدف مطموس المعالم، وغير الطبيعي فيه ليس ما يحدث بين الجيش المصري وإخوان مصر، إنما الاحتقان الخانق بين سلفية مصر وإخوانها المستمر في شق رسالة الاسلام الواحد السمحة خدمة لأغراض سياسية خارج الديار المصرية. دواعي تتجدد ودوافع تتكرر وكوابيس قضت على أحلام ومخططات وتدابير ثمانين حولا في ظرف قياسي لم يزد عن السنة الواحدة، توضيحا لهذا وإبرازا لذاك، عدت إلى الامام الشاب كمال المتنزه عن هذا وذاك اسأله التجلي في الفرق بين ما هو دين وعقل وبين ما هو هوى وقتل فأجاب: عطفا على ما سبق فإن الجماعات أو الحركات الاسلامية مما يجب ان تتنبه إليه وهو ان الخطاب الإسلامي السياسي ليس هو كلام الله ولا الشريعة محصورة في ذلك، وإنما هو اجتهادات داخل الزمان والمكان، ومن ثم فهو أيضا متعدد وكثير، وتاريخ المسلمين هو تعبير عن هذه الكثرة والتعددية، فالإسلام عقيدة وتراث، والمسلمون موزعون على كل التشكيلات الثقافية والحضارية، ويجمعهم ذو بعد واحد، يعبر عن أسمى درجات التوحيد لكن التوحيد لا يعني الواحدية ومعناه أن الواحد هو الله وحده، وما عدا ذلك فكثير. ولربما أننا ما نقوله وننطلق منه، هو الاسلام الفكري أوالحضاري أو الثقافي، الذي لا يعد الاستيلاء على نظام الحكم هو الهدف المرجو وهذا المستوى من الخطاب يتسم بالشمول ونرجع إلى واقعنا ونسقط كلامنا على أرضنا، وهو أنه عندما عزل الرئيس المصري الإخواني وتشكلت الحكومة، أول دولة اعترفت بمشروعية هذا التغيير أو الانقلاب العسكري أو الشعبي حسب ما تراه هي المملكة العربية السعودية، وكان حزب النور السلفي من مؤيدي ذلك، فإذا ما جئنا لنبحث عن أسباب العداء بين المملكة العربية السعودية، وحركة الإخوان، هل نجد لذلك أسباب تاريخية أو سياسية، أو بحثا عن هيمنة فكرية في لباس إسلامي دعوي به يمكن من النفوذ، نحاول لذلك إجابة إن شاء الله، وإذا ما تكلمنا عن المملكة العربية السعودية فثمة ارتباط معلن بين ما هو سياسي وديني ممثل فيما يعرف بالدعوة الوهابية، فمن تمرد وخرج عن سلطة مؤسسي المملكة العربية وهو الخروج عن الحلافة الاسلامية الموجودة آنذاك في الدولة العثمانية تهدف حركة الإخوان إلى وجوده، وهي إقامة الخلافة الاسلامية، كما أن المملكة العربية السعودية، تريد أن تكون هي من يسمى برافع الراية الاسلامية في العالم العربي والاسلامي، ولو شكلا وبما أنها في أرض مهبط الوحي والنبوة الخاتمة، وملوكها خدام الحرمين الشريفين فيما سمي بعد ذلك، ابتداء من الملك فهد ابن عبد العزيز لها الأولوية في ذلك، وأن الدعوة السلفية أوالوهابية بهذا المصطلح الذي لا يحبذونه وخاصة السياسيون، وهي حنبلية المذهب والفقه لا تتفق مع الاخوان منهجا وفكرا، وتنتقص من اجتهاد كل من خالفها، وربما يرمى بالبدعة والضلالة وبالخروج عن الكتاب والسنة. وأن مؤسس حركة الاخوان المسلمين حسن البنا، كما ذكر بعض الكتاب قد درس تجربة عبد العزيز آل سعود، وكيف أقام دولة، وهذه الدراسة لم تكن مجرد دراسة تاريخية، ولا بحثا عن الدخول تحت العباءة الفكرية او السياسية للملكة العربية السعودية، وإذا ما تحقق الحلم وقامت الخلافة فمن يكون تحت العباءة، وكانت هناك اتصالات بين آل سعود وحسن البنا، والذي طلب فيه حسن البنا إنشاء فرع لجماعة الاخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز، حين رفض الطلب قائلا ز كلنا إخوان وكلنا مسلمونس ومع هذا كانت بعض المجاملات السياسية الدبلوماسية، بين آل سعود وحسن البنا، إلى أن جاءت ثورة اليمن ,1948 كانت بداية ظهور التوتر في العلاقة بين السعودية والإخوان، يقول فهمي أبو غدير، قال لي حسن البنا الا تعلم ان المملكة العربية السعودية لم تسمح لي بالحج هذا العام، إلا بعد أن تعهدت بعدم الخطابة والكلام في السياسة، قلت بلى ز فكيف تسمح بالدعاية للإخوان. ومع هذا أن المملكة العربية السعودية استقطبت حركة الاخوان في عهد عبد الناصر، لمواجهة المد الناصري، وتبنت السعودية دعم التضامن الاسلامي في وجه المد النصري، وكان أقوى خصوم عبد الناصر في الداخل حينها جماعة الاخوان، وكان هذا الاستقطاب على مبدأ عدو عدوي صديقي، ولربما هذا ما تقوم به دولة قطر مع الاخوان هذه الأيام. وكيف لا تتحسس السعودية من الاخوان وأن الفكر الإخواني فكر حزبي سياسي بغطاء ديني، وهذا لا يلتقي مع السياسة السعودية ولا مع المؤسسة الدينية التي تحرم العمل الحزبي والتظاهر. وبذلك ترى السعودية، أن الاخوان يريدون استقطابها سياسيا ودينيا، ولم لا خاصة وأن الاخوان المسلمون رفعوا نفس الشعار الذي رفعه عبد العزيز، وأطلق حسن البنا على جماعته إسم الاخوان، كما كان يسمى جيش عبد العزيز الذي استولى به على الحكم زجيش الاخوانس والسَيْفَين شعارا لهم، ودعوتهم تريد أن تستوعب كل الدعوات والحركات، فهم دعوة سلفية صوفية سياسية إلخ. كما أن السلفية الوهابية تتهم الاخوان بأن التطرف والفكر التكفيري خرج من عباءتهم، والذي يمثله فكر السيد قطب ومصطفى شكري مؤسس الجماعة الاسلامية فيما تسمى بعد ذلك بجماعة الهجرة والتكفير، وترى ان هذه الجماعة لا تهتم إلا بالسياسة والحصول على المناصب، وعلى ذلك تُربي أتباعها، ويكاد أن ينطبق المثل الشيوعي زالغاية تبرر الوسيلةس وأنها تحولت من دعوة دينية إلى دعوة دنيوية. وترى دول الخليج وخصوصا الكويت والسعودية أن الاخوان ينكرون الجميل ولا يؤتمن جانبهم، ويعضون اليد التي تمد إليهم وهاهو تصريح نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السابق لصحيفة السياسة الكويتية قال فيه: زجماعة الاخوان المسلمين أصل بلاء كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من جماعة الاخوان، فهم الذين صنعوا هذه التيارات، وأشاعوا هذه الأفكارس ويكمل الأمير نايف كلامه تعليقا على الغزو العراقي للكويت: زجاءنا عبد الرحمن خليفة والغنوشي والزنداني فسألناهم، هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا أتينا للاستماع وأخذ الآراء، ويضيف بعد وصول الوفد الإسلامي إلى العراق فاجأنا ببيان يؤيد الغزوس وهكذا إذا عرف السبب بطل العجب واستدراكا لما سبق، يقول عمر التلمساني المرشد الثالث للجماعة في كتابه زقال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصرس ، ....وقد علم العالم كله أن المرحوم الملك عبد العزيز بن سعود عندما لمس قوة الاخوان وسريان دعوتهم في قلوب المسلمين قاطبة، عندما احس بهذا الخطر الزاحف على الملكية المتسلطة المستغلة حذر الملك فاروق من خطورة دعوة حسن البنا، وانتهى هذا التحذير بعد ذلك باغتيال الامام حسن البنا... ولربما أن الخطر هو ما يعتقده بعض أبناء هذه الحركة، أنهم هم جماعة الاخوان المسلمين، وليس فقط جماعة من المسلمين لما يترتب على هذا الاعتقاد نتائج ترتبط بها صيانة دماء وأموال، فالذين يحسبون أنفسهم جماعة المسلمين، يرون مخالفة المرشد، ضربا من مخالفة الله ورسوله، وطريقا ممهدة إلى النار وبئس القرار، وقد حذر الشيخ الغزالي رحمه الله من خطورة هذا الاعتقاد. ولربما يتساءل المتتبع، لماذا نتطرق إلى الحركة الصوفية وهي منتشرة في العالم كله ودورها فيما ذكرنا أولا: أن الصوفية ليس لهم جناح سياسي، بخلاف ما عليه حركة الاخوان أو الحركة السلفية الوهابية. ثانيا: إن التصوف علم مستقل بذاته، ومدرسة لها منهجها وتفكيرها، ويبقى التصوف كعلم ومدرسة علمية لها كيانها الذاتي، ولو لم يكن لها أتباع. وفي الجملة نقول، إن الفكر القبلي أو الطائفي أو المذهبي أو المبني على الولاء والبراء في المعاملة ليس بهذا تبنى الدول القوية ولا بذلك جاء الاسلام، قال الله تعالى مخاطبا نَبيه: زوما أرسلناك إلا رحمة للعالمينس.