لندن – عبد الحميد عبيدي حلت ذكرى هجمات 11 سبتمبر لتكون مناسبة للهيئات المختصة المعنية في بريطانيا لتقدير حجم خطر الشبكات الإرهبية على الأمن البريطاني. وفي مطلع نفس الأسبوع أدانت العدالة ثلاثة بريطانيين مسلمين بالتخطيط سنة 2006 لعملية تتفجيرات لعدّة طائرات عابرة للأطلسي، ممّا دعى قناة التلفزة الأولى لتخصيص حصّتها الدينية ليوم أوّل أمس للجواب على سؤال: هل يُشجّع الإسلام على الإرهاب؟ وانتهى الأسبوع أيضا بمظاهرات قادتها حركة سياسية عنصريّة شعارها: "أوقفوا أسلمة أوروبا". ثلاث محطات لكلّ منها مغزاها. وحسب صحيفة الغارديان، فقد قيّم الخبراء ومصالح الإستخبارات قدرات الشبكات الإرهابية، عبر مجنّدين غربيين تمّ القبض عليهم مؤخرا، مستخلصين من شهاداتهم جملة من الدلائل على ضعف شبكة الإرهاب وتدنّي قدراتها في العدّة والعتاد. غير أنهم يؤكّدون أن بريطانيا مازالت تحت التهديد الإرهابي، حيث لايزال اسمها مستهدفا ضمن الخطاب الدعائي لهذه الشبكات كما أن بضعة عشرات من الشبان البريطانيين يواصلون ترحالهم الدوري لباكستان آملين في مغامرة جهادية، حسب مصادر أمنية، وأكثر من ذلك، أن الصومال بدأت تحتل دور باكستان رويدا رويدا. وفى هذا الإطار، وزعت الغارديان تقييمها على ثلاثة محاور: القيادة المركزيّة للقاعدة، الشبكات المنتمية لها وإيديولوجية التطرّف. أمّا رأس القاعدة فيبقى مركز انشغال الساسة هنا. ويرى خبراء الأمن أنّ الإرادة في التصميم على الهجوم لاتزال قائمة لدى الرؤوس المدبّرة للقاعدة، ولكنّ قدرات تلك القادة على تنفيذ أو التكليف بتنفيذ هجمات مذهلة، بالصفّة التي ما فتئوا يحلمون بها دوما، أصبحت ضعيفة. كما يُجمع المحلّلون على أنّ القاعدة الآن تعيش تحت ضغط كبير في معاقلها بباكستانوأفغانستان وفي انحسار متواصل في العراق. وتعود الأسباب الرئيسية في ذلك إلى فعالية الإستخبارات، من جهة، وإلى قساوة الهجمات بالطائرات التي قضت على فئة كبيرة من القيادات المتوسّطة، بالإضافة لما خلّفته من عشرات الضحايا من الأبرياء، من جهة ثانية، ولكون شبكة اتصالات القاعدة الإلكترونيّة أصبحت عرضة للتهديد، أخيرا وليس آخرا. ولكنّ هذا الضعف في المركز لا يُنسي أحدا امتلاك الشبكات الإرهابية إمكانيّة القيام بمغامرات قاتلة كالتي عرفتها الجزائر مؤخّرا، أو تتعرّض لها مناطق أخري، خاصّة في الشرقين الأوسط والأقصى. هذه الشبكات المنتمية للقاعدة، تبقى، رغم ذلك، ضعيفة وقليلة السّند لكونها أصبحت مرفوضة لدى الجماهير ولتلقّيها ضربات قويّة من طرف مصالح الأمن، يضاف إلى ذلك أنّ معارضة القاعدة لحماس وحزب الله اللذين يواجهان إسرائيل قد قلّل الكثير من وهج جاذبيتها. ويُشكّل الآن الصومال والصوماليون، الذين استقرّ عشرات الآلاف منهم في بريطانيا وتورّط عدد منهم في عمليات إرهابيّة على أرضها محلّ قلق كبير باعتبارهم المصدر الأكثر ترجيحا في أن يكونوا منبع الخطر على أمن بريطانيا، وقد خصّصت الأندابندنت ليوم أول أمس تقريرا مفصّلا لهذا الشأن جلب له اهتماما واسعا بين الصحفيين والمحلّلين. ويأتي بعد ذلك تخوّف أوروبا من القاعدة في المغرب الإسلامي التي يعتقدون أنّه في إمكانها بلوغ أوروبا عبر المتوسّط بواسطة أوروبيين مسلمين من أصل مغاربي. ولكنّهم يلاحظون أن منحى هذه الجماعات للإنتماء إلى القاعدة هو في حدّ ذاته دليل على فشل مشروعها على مستوى الوطن الواحد، فاضطرّت لربط فلولها المحليّة بالجهاد الأمميّ حتّى تتمكّن من تعزيز صفوفها بمجنّدين من عدّة بلدان. وهكذا، يرى جوناتان إيفانس الرئيس السابق ل: آم آي 5، أن الصومال مؤهلة لتكون الأرض الآمنة للقاعدة كما كانت أفغانستان شتة 2001. ويقول محلّلون أن نشطاء المنتسبين للقاعدة في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي قد يتّجهون لإنتشار عبر شمال نيجيريا، وهذا ما قد يكون له آثار قد تمتد لتطال بريطانيا نفسها. أمّا إيديوجيّة القاعدة، فعلى الرّغم من كونها تعاني من رفض متزايد عبر العالم الإسلامي إلا أنّها مازالت تُشكّل خطرا حقيقيّا في بريطانيا. وبالفعل، فقد كان أهمّ ما شغل بال البريطانيين، فيما يتعلّق بالمورّطين في التحظير لعمليات تفجير طائرات في اتجاه للولايات المتحدّة من مطارت بريطانيّة، هو أنّ الشبّان المسلمون ثلاثتهم بريطانيين تلقّنوا قناعاتهم المتطرّفة على يد الدّاعية عمر بكري في مسجد ب: والثامستو شمالي لندن، وفيه تتمركز أكبر ساكنة من أصول جزائريّة، على خلاف الفكرة السائدة عن إزلنغتن التي حقّا يتمركز فيها التجّار من أصل جزائريّ. كما أن المتورّطين في ما يعرف بعمليّة الأسمدة لسنة 2004، وفي عمليات السابع والواحد والعشرين من جويلية 2005 كلّهم لم يكن لهم أيّ علاقة مباشرة بالقاعدة، بل انخرطوا في التطرّف داخل بريطانيا. وللتذكير فإنّ المحاكمة المذكورة تتعلّق بمحاولة تنفيذ سلسلة من التّفجيرات سنة 2007، يكون مسرحها طائرات أثناء تحليقها باستعمال متفجّرات سائلة مخبّأة بعبوّات بلاستيكية يسهل تمريرها دون اكتشاف أمرها من طرف شرطة الحدود ومصالح الأمن ثمّ يتمّ خلطها أثناء التحليق. وقد تلا اعتقالهم إلى إلغاء مئات الرّحلات وإجبار آلاف الركاب على تغيير مواعيد سفرهم تحسّبا لتعرّض تلك الرّحلات لهجمات إرهابيّة. أمّا فيما يتعلّق بالتظاهرات العنصريّة، فقد كانت مصالح الأمن منذ أشهر قد حذّرت من أنّ اليمين المتطرّف ينوي القيام بهجومات إرهابية مثيرة في محاولة لإشعال فتيل التوتّرات العرقية. " وكنّا في مقال سابقل (أنظر عدد الثلاثاء الأسبق) قد أشرنا إلي سعي الأحزاب العنصريّة لاستغلال فلول المشاغبين في الملاعب لزجّهم في صفوف المحتحجّين معهم ضد ما سمّوة "التطرّف الإسلامي" وهدفهم تعزيز صفوفهم بأصوات لا يملكونها وانتزاع شرعيّة لمقولاتهم الممقوتة. والحقيقة أن مبادرتهم جاءت مباشرة كرد فعل على احتجاجات مجموعة متطرّفة، نصّبت نفسها ممثّلة للمسلمين، على جنود بريطانيين أثناء قيامهم باستعرض شعبي بعد عودتهم من العراق، وهذا ما جنّد كثيرا من المواطنين البريطانين، غير العنصريين. وبالفعل، تكرّرت مظاهرات هذه العناصر المتعصّبة خلال أسبوعين متتاليين، كانت أخرها يوم الجمعة الفائت أمام مسجد بالعاصمة لندن، داعين ل: "إيقاف أسلمة أوروبّا". وقد تمكّنوا، كما تنبّأت بذلك مصالح الشرطة، من استفزاز الشبّان المسلمين الذين انحرفوا لرشق رجال الشرطة بالحجارة. ومن جهتها، ترى الباحثة آنا تورلاي، التي أعدّت تقرير شبكة الحكومة المحليّة الجديدة، أنّ: "التطرّف الإسلامي يبقى خطرا جدّيا لأمننا، إلا أنّه ليس الخطر الوحيد الذي يُهدّد استقرار وأمن الجماعات المحليّة. وقد أولت الدوائر الرّسميّة ومراكز البحث البريطانيّة اهتماما خاصا لرصد نزعة الشبّان المسلمين للبحث عن الهويّة في كنف الدّين. وقد جمعوا خلاصة بحوثهم في دراسة تقول أن أسباب تفضيلهم اللجوء للدّين، كمرجع أوّل لهويّة، إمّا أن تكون أسبابا إنسانيّة لما قد يعانيه هؤلاء الشبّان من دونيّة واحتقار سواء للمسلمين أوالإسلام أو ما قد يحسّوه من تهميش أو ما يتعرّضون له من عنصريّة، أو تكون أسبابا اجتماعيّة سواء في إطار سعيهم لمحاورة آبائهم ضد ما قد يحاولوا فرضه عليهم من قيود مردّها تقاليد موروثة عن مجتمع تقليديّ، أولمواجهة ما يرفضونه من قيم سائدة في المجتمع المضيف. وهناك أيضا الحاجة السياسيّة، حيث قد يسعى المسلمون للتجنّد حول عقيدتهم للدفاع عن حقوقهم المدنيّة أو لعب دور سياسي في المجتمع. وتشير الدراسة إلى بحث ألماني استخلص أنّ وضعيّة البحث عن الهويّة تضع صاحبها في موقع التهيّإ لتقبّل كلّ الأفكار، وهنا قد يكون اختيار التطرّف واحدا منها، إمّا اختيارا شخصيّا أو تحت تأثير طرف آخر أو بفعل عوامل المحيط. وفي هذه الأحوال فإنّ المتطرّف يرغب في أن يتسلّح بالخطاب الدينيّ لتكريس الإنعزال ولمقاومة التفاعل الإيجابي مع المحيط. وإذ قد ينقاد الفرد بنفسه للتطرّف إلا أنه النزعة للتطرّف غالبا ما تحصل نتيجة تأثير أفراد آخرين يحملون الفكر المتطرّف ويزاولون تلقينه للشبان في لحظة تهيُّئهم تلك لتشكيل هويّتهم، خاصّة إذا تمكّن "الدّاعية" من محاصرة الشاب اجتماعيّا. وفي خضمّ ذلك، تضيف الدراسة، بدأت نشأة ما يسمّى ب: "الإسلام البريطاني- الأروربيّ" كردّ قويّ على "الإسلام المتطرّف" على يد الجيل الثاني من أبناء المسلمين الذين نشأوا في بيئة جديدة ولم يجدوا ردودا على ما يشغل بالهم في وقت لم يكن الجيل الأول قادرا على الإنصات لهم وتقديم الأجوبة على تساؤلاتهم. وتتميّز هذه المحاولة بكونها منفتحة لتقبّل الآراء الجديدة، وتسعى للإندماج الإجتماعي والسياسي، وذات ديناميّة قويّة للتأقلم مع مقتضيات الواقع. وقد أكّدت دراسة ستراتهام (2003) نشرها في كتاب مشترك أن المسلمين القادمين لبريطانيا يباشرون الإندماج السياسي والإجتماعي، أيّ الإقتراب من مؤسسات المجتمع المدنيّ ومؤسسات الدولة وممارسة حقوق المواطنة، بمجرّد أن تتمّ تلبية احتياجاتهم الأساسية، حسب تصنيف ماسلو الشهير لحاجات الإنسان. وفي هذا الإطار، فإنّ ما يُميّز المدرسة البريطانيّة عن جارتها الفرنسيّة التي روّجها الفرنسيان أوليفار روي وجيل كيبيل - واسعة القبول، مع الأسف، لدى نخب الشمال الإفريقي- الذيْن يريان في مسلمي أروبا من مثل طارق رمضان، مجرّد لاعب حصان طروادة. وتنتقد الباحثة كلوزان في كتابها المعنون ب :"التحدّي الإسلاميّ في أوروبا" (2005) اعتماد هذين الباحثين على مراجع خليجيّة لإطلاق أحكامهما على ما يجري في أوروبا. وحسب رأيها، فأنّ هناك فعلا إسلام أوروبي بدأ ينشأ مبنيا على أساس قواعد معرفيّة إيمانية جديدة ووفق تفسيرات وتأويلات متجدّدة. وحجّتها القويّة في ذلك: "أن المهمّ في السياسة هو النظر لِتَبِعات الفِعْل وليس لدوافعه." مشيرة إلى أنّ مَثَل الحركات الشيوعية في أوروبا خلال السبعينات يؤكّد أنّ فعل المساهمة في الحياة الديمقراطية كان له دوما أثر في تغيير الحركات الراديكليّة.ّ وتُحوصل الدراسة نتائجها في أنّ الطريق للتطرّف يمرّ، أوّلا، عبر الحاجة لتشكيل هويّة خلال لحظة أزمة، أيّ عندما تعجز المنظومات الفكريّة السائدة عن الإجابة على تساؤلات الشبّان، أوعندما يكون الشاب ضحيّة التهميش أو الإحتقار أو العنصرية حيث يكون وقتها في قمة الإستعداد لتقبّل التغيير. وإذ يتّجة الفرد المسلم لتأسيس هويّة له، مثلا، في إطار المجتمع البريطاني فإنّ ميله للتّطرّف هو دليل على عجز الزعامات والمؤسسات الإسلاميّة عن الإجابة على تساؤلات الجيل الصاعد، وإذ يكون المبادرون بسدّ هذا الفراغ أولئك الذين يدّعون التفقّة في الدّين فتلك عادة ما تكون الطريق نحو التطرّف. وفي هذا الإطار، فإن المقترحات التي يدور حولها برنامج الحكومة في بريطانيا للحيلولة دون انتصار خطاب التطرّف على الشبّان تهدف لتلبية حاجات الشبّان عبر مختلف مراحل مسعاهم لتشكيل هويّتهم، وهي أساسا: أولا، توفير الخدمات الإجتماعية لهم في كنف المساوات والعدل، ثانيا، محاربة خطابات التهميش والإستصغار خاصّة لدى الساسة والصحافيين، ثالثا، تمكين المؤسسات الإسلامية والقيادات الدينية والأئمة من ترقية معارفهم لتحسّس انشغالات الشبّان والتجاوب معها وتقديم الجواب الشافي لها، رابعا، ضمان تكوين ديني كامل وصحيح قادر على دحض الخطاب المتطرّف، خامسا، تعزيز نشأة خطاب للدّين الإسلامي مؤائم للإنتماء إلى المجتمع البريطاني ومقتضياته. ومن أهمّ الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة لمحاربة أسباب العنف الناجم عن التطرّف هو برنامج أقرّته سنة 2006 اسمه: "استراتيجية الوقاية". ويهدف جزء منه إلى منح أموال للسلطات المحليّة التي لديها أكثر من 5 في المئة من المسلمين، والبالغة 94 بلديّة، عن طريق تقديم مِنح للجمعيات الإسلامية بغية تشجيع الجماعات المعتدلة وتحدّي الإيديولوجيات المنحرفة وحماية الشبّان من التغرير بهم في اتجاه التطرّف. ولكنّ إد حسين، أحد مؤسّسَيْ معهد للبحوث في بريطانيا "قيام" الذى يعتبر نفسه أول هيئة يؤسّسها مسلمون تهدف لتحدّى التطرّف وترقية التعدّد وتحثّ على التغيير، ينتقد استراتيجيّة الدولة هذه على ضوء ما كشفت عنه "جمعية تحالف المدافعين عن دافعي الظرائب" من أنّ برنامج الحكومة :"استراتيجية الوقاية" لم يكن ذا مردوديّة، حيث أنّ العديد من الجمعيات الإسلاميّة تتلقّى مساعدات مالية لمجرّد كونها ليست متطرّفة وليس لكونها تقوم بنشاط ما لمحاربة التطرّف أو حتّى لكونها تقول شيئا ما ضدّ التطرّف. ويضيف حسين بأنّ بعض أعضاء هذه الجمعيات المستفيدة يؤيّدون الإيديولوجيات الإسلامية المتزمّتة، وهذا، كما يقول: خطأ فادح، ولكنّه يقرّ بأن استرايجيّة الحكومة هذه هي الطريق السليم لربح معركة الأفكار، وإن احتاج لإصلاح، ويدافع بقوّة على استمرارها، وهذا ما يتفق معه فيه مختلف المهتمّين والمعنيين . ومن جهتها، تري آنا تورلي محرّرة تقرير وحدة البحث: "شبكة الحكومة المحليّة الجديدة"، في مقال نشرته بالتايمز يوم الأربعاء الماضي، أنّ هذا البرنامج يجب أن يشمل مختلف أشكال التطرّف - بما في ذلك اليمين المتطرّف – أيّ ألاّ يكتفي فقط بمحاربة التطرّف الإسلامي. وقد دعت الباحثة تورلي إلى أن يكون لرجال السياسة من الشجاعة لمواجهة الأسئلة والإنتقادات وبناء جسور التواصل، لأنّ: "قضايا مثل السياسة الخارجية والسكن والهجرة وفرص العمل تستثير مشاعر الأسى على المستوى المحلّي وتشكّل تحدّيا كبيرا للعديد من الأفراد ولهويّة الجماعات المحليّة." ومن جهته، يعتقد الباحث أندرو سيلك من جامعة إيست لندن أنّ أسباب التطرّف مازالت قائمة، مشيرا إلى ما يجري في العراق وأفغانستان. وتبقى وسائل الإعلام، كما تقول ماندفيل (2005)، منبعا رئيسا للجيل الثاني والثالث من المسلمين في بريطانيا لتشكيل هويّتهم بصفتهم مسلمين بريطانيين. غير أنّ نقص الجدّية في التطرّق لظاهرة التطرّف من طرف الصحف والصحفيين أو التحيّز ضد المسلمين أو التحامل على الإسلام تؤدّي إلى التشكيك في أهليّتها للعب ذلك الدّور، فيلجأ الشاب للبحث عن مصادر أخرى تجيب على انشغالاته. وهنا قد لا يجد من أو ما يلجإ إليه سوى خطب التطرّف التي تُصبح مقولاتها، بفعل ذلك التصرّف غير المسؤول من بعض الصحف، أكثر مصداقية وتصديقا. وهذا ما حدث، مثلا، أثناء الحصّة الدينيّة ليوم أوّل أمس صباحا ضمن البرنامج الأسبوعي الدينيّ لقناة البي بي سي الأولى حيث كان السؤال المطروح: "هل الإسلام يُشجّع على الإرهاب؟"، وهو سؤال في حدّ ذاته أثار الإستفزاز. وكان أبسط الحلول أن يكون السؤال: "هل الدين يُشجّع على الإرهاب؟ّ". وقد بيّن مسار الحصّة أن الطريق أمام صحافة مسؤولة في محاربة التطرّف مازالت تقف في طريقة بعض من النمطية والأفكار الجاهزة عن الإسلام والمسلمين. ويزيد الأمر تعقيدا أنّ الأصوات التي تُعطى لها الكلمة لمواجهة الحجّة بالحجّة يغلب عليها معادات الإسلام، وهو نفس الخطإ الكبير الذي وقعت فيه الصّحافة البريطانيّة نفسها خلال التسعينات عندما كانت تُقدّم أبو قتادة، ومن كان على ماثلته، باعتبارهم صوت الإسلام وممثّلوه، وهاهو العالم يدفع فاتورة مثل تلك الآخطاء بعد أن دفع البررة من أبناء الجزائر ثمنا باهضا لفتاويه الشيطانيّة. ولكنّ تلك الحصّة قد كشفت أيضا أنّ صوت المسلمين المتنوّرين بدأ يسمو بحججه.