طبّي يؤكّد أهمية التكوين    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    استئناف نشاط محطة الحامة    السيد بلمهدي يبرز بتيميمون امتداد الإشعاع العلمي لعلماء الجزائر في العمق الإفريقي والعالم    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    مجلس الأمن: الجزائر تعرب عن "قلقها العميق" إزاء التدمير المتعمد لخطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    قرار محكمة العدل الأوروبية رسالة قوية بأن كفاح الشعب الصحراوي يحظى بدعم القانون الدولي    إيطاليا: اختتام أشغال اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    لبنان: الأطفال في جنوب البلاد لا يتمتعون بأي حماية بسبب العدوان الصهيوني    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7 بإيطاليا: مراد يلتقي بنظيره الليبي    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7: السيد مراد يتحادث مع نظيره الايطالي    مجمع سونطراك يؤكد استئناف نشاط محطة تحلية مياه البحر بالحامة بشكل كامل    ضبط قرابة 94 كلغ من الكيف المعالج بتلمسان والنعامة قادمة من المغرب    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    زيارة المبعوث الأممي لمخيمات اللاجئين: الشعب الصحراوي مصمم على مواصلة الكفاح    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم قصر الباي    الأعضاء العشرة المنتخبون في مجلس الأمن يصدرون بيانا مشتركا بشأن الوضع في الشرق الأوسط    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    السيد بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للمشاركة في أشغال اللجنة الأممية الرابعة    أدوية السرطان المنتجة محليا ستغطي 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية نهاية سنة 2024    تبّون يُنصّب لجنة مراجعة قانوني البلدية والولاية    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    يوم إعلامي حول تحسيس المرأة الماكثة في البيت بأهمية التكوين لإنشاء مؤسسات مصغرة    السيد حماد يؤكد أهمية إجراء تقييم لنشاطات مراكز العطل والترفيه للشباب لسنة 2024    ليلة الرعب تقلب موازين الحرب    لماذا يخشى المغرب تنظيم الاستفتاء؟    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للشريط المرسوم    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    افتتاح صالون التجارة والخدمات الالكترونية    ديدوش يعطي إشارة انطلاق رحلة مسار الهضاب    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    شرفة يبرز دور المعارض الترويجية في تصدير المنتجات الفلاحية للخارج    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: سينمائيون عرب وأوروبيون في لجان التحكيم    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هل الشعر ديوان العرب..؟!    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب:الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    تدشين المعهد العالي للسينما بالقليعة    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    قوجيل: السرد المسؤول لتاريخ الجزائر يشكل "مرجعية للأجيال الحالية والمقبلة"    إعادة التشغيل الجزئي لمحطة تحلية مياه البحر بالحامة بعد تعرضها لحادث    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    حرب باردة بين برشلونة وأراوخو    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    الحياء من رفع اليدين بالدعاء أمام الناس    عقوبة انتشار المعاصي    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حان الوقت للإنسحاب من أفغانستان؟
نشر في صوت الأحرار يوم 09 - 11 - 2009

إثنان من الخبراء في الشؤون الدوليّة وقضايا الإرهاب لدى مجلّة الأوبسرفر الأسبوعيّة دعيا لفتح حوار للجواب على السؤال التالي: هل يجب سحب قواتنا من أفغانستان؟ في حين خصّصت صحيفة الأنديباندنت صفحتها الأولى من ملحقها الأسبوعي لافتتاحيّة بعنوان: حان الوقت لمغادرة أفغانستان، وهو نفس ما كتبته الصاندي تايمز. ذلك السؤال وهذا الإقرار ليس من البسيط طرحهما في بريطانيا لأنّ ذلك يعني، وأبناء الشعب يموتون في ساحة الحرب، أنّ الخوف من الإتّهام بنقد الجيش والتقليل من شأن تضحياته لم يعد حائلا دون سبرعميق لرأي شريحة متزايدة من الرأي العام ترفض استمرار وجود القوات البريطانيّة في أفغانستان.
في افتتاحيتها قالت الأنديباندنت: "أنّ الوقت قد حان لنقول أنّ الحرب غير دقيقة في مراميها، وليس من الممكن تحقيق نَصْر فيها، وأنّ لها عواقب عكسيّة". وقال، جون مالين، رئيس تحريرها بأنّ الجريدة قد قرّرت أنّه: "بلغ السّيل الزُّبي" على ضوء نتائج الإنتخابات الفاشلة في أفغانستان. وهي المهزلة التي جرت في آوت الماضي وضيّعت فيها الحكومة القائمة فرصة لإضفاء الشرعيّة على وجودها.
وقد عرفت شوارع لندن في نهاية أكتوبر الماضي، ولأوّل مرة منذ اندلاع الحرب في أفغانستان سنة 2001، مضاهرة لمناهضتها، شارك فيها جنود وأسر ضحايا الحرب، تمّ تقدير المشاركين فيها بحوالي 5000 متظاهر.
كما أنّ حالة الرأي العام هذا الأسبوع تميّزت بتفاعله مع آخر الأخبار عن ضحايا الحرب في أفغانستان حيث شهدت نهاية الأسبوع مقتل خمسة جنود بريطانيين ممّا رفع عدد ضحايا المملكة المتّحدة في أفغانستان إلى 230 من بينهم 94 خلال سنة 2009. أي أنّ الثمن البشري للأزمة الأفغانية أصبح محلّ تساؤل متزايد، إضافة إلى تزايد انشغال الجنود المصابين في الحرب، وأسر الضحايا، بالآثار الإقتصاديّة والنّفسيّة للحرب عليهم.
وقد خصّص الشّعب البريطانيّ أوّل أمس ضحاياه في الحروب السّابقة والحالية بدقيقة صمت ومسيرات شعبيّة وعسكريّة، وأقيمت قداسات عزاء بالكنائس والمعسكرات. وقد أكّد الرّعيل الملكيّ البريطانيّ أنّه يقدّرعدد المشاركين من البريطانيين في هذا الإحياء ب 90 في المئة، على الإقلّ.
وقد تعدّدت أيضا انتقادات قيادات عسكريّة سابقة تتعلّق بمدى إيفاء غوردن براون بالتزاماته تجاه الحرب في أفغانستان وتقديم السّند اللازم للقوات البريطانيّة في الميدان. فقد أطلق اللورد غوثري ، قائد القوات الأسبق ما بين سنة 1997 و2001، هجوما عنيفا ضد سياسة الحكومة في أفغانستان، مطالبا بمزيد من الطائرات لتجنّب مزيد من الضحايا بين الجنود. كما انتقد تردّد لندن في إرسال القوات التي وعدت بزيادتها، وشجب ربط ذلك بحجم مساهمة دول الناتو الأخرى.
أمّا اللورد بويس، قائد القوات ما بين 2001 و2003، فقال أنّ الحكومة: "مازالت لم تُدرك بعْدُ أنّنا في حالة حرب" وقال: "أنّه من المستبعد أن توفّر ما يكفي من الأموال لبلوغ ما ترغب في تحقيقة بصورة فعليّة ومشرّفة." وذكر أنّ حصّة الدّفاع من الدّخل الوطنيّ قد انخفظت.
هذه الإنتقادات جاءت بعد ساعات فقط من الخطاب الذي ألقاه غوردن براون أمام المعهد الملكيّ للدّراسات الاسترتيجيّة لشرح سياسة حكومته المتعلّقة بالشّأن الأفغانيّ. حيث أكّد أنّ الإنسحاب من أفغانستان لن يتمّ قبل النّجاح في تحيقيق الهدف المبتغى. وقال أنّه من الخطإ القول بأنّ القوات العسكريّة لم تحصل على السند الذي تحتاجه، مذكّرا بأنّ حزب العمّال قد صرف مليار جنيه استرلينيّ لمجنزرات جديدة منذ 2006. وكرّر وعده بأنّه مصمّم على أن يوفّر كلّ ما يحتاجه الجنود في الميدان لحمايتهم من خطر القنابل المزروعة على الطرقات. ومن جهته ذكّر وزير الدفاع أنّ عدد القوات قد ارتفع بسرعة وبشكل ملموس، منذ بداية هذا العام، من 8100 إلى 9000 جندي، بالإضافة إلى وعد الحكومة بإرسال 500 جندي آخر إن توفّرت بعض الشروط.
ويبقى الهدف من الحرب بين أهمّ المسائل محلّ الخلاف. حيث عندما غزت القوات البريطانيّة أفغانستان سنة 2001 تحت قيادة الولايات المتّحدة، كان الهدف هو الإطاحة بطالبان. وسرعان ما تحقّق هذا الهدف لتحلّ محلّه أهداف جديدة. وهذا ما دفع رئيس لجنة البرلمان للشؤون الخارجيّة ليقول، في أوت الماضي، أنّ القوات البريطانيّة انتقلت لتحقيق أهداف أخرى: "فمن محاربة الإرهاب إلى محاربة المتمرّدين إلى محاربة شبكات المخدّرات إلى حماية حقوق الإنسان إلى بناء الدّولة." ومن جهته وصف رئيس تحريرالأنديباندنت تلك الأهداف بالمتناقضة. أمّا بيتر بومون المختص في الشؤون الدولية بالأوبسرفر فوصفها بالغامضة.
وقد كشف سبر للرّأي قامت به البي بي سي، ونشرته أوّل أمس، أنّ 42 في المئة من الجماهير ليس لديهم فهم واضح لهدف الحرب في أفغانستان. ولكنّ الحكومة مصرّة على أنّ الأمر يتعلّق بحماية الأمن الوطنيّ. وقد أكّد وزير الدفاع أنّ الهدف المشترك للقوات المتعدّدة الجنسيات بأفغانستان هو: "وضع أسس دولة أفغانيّة ديمقراطيّة، قادرة على حماية ذاتها وتنعم بالإستقرار." وكان براون أثناء الموعد الأسبوعي لمساءلة البرلمان للحكومة قد عرّف الإنتصار بأنه لحظة عودة القوات البريطانيّة إلى البلد بعد أن تتمكّن القوات الأفغانيّة من التحكّم في الوضع بمفردها.
وفي خطابه لتوضيح رؤياه، أكّد غوردن براون أنّ الصّراع في أفغانستان ضرورة حتميّة لحماية البلاد والعالم من الإرهاب وفي نفس الوقت حذّر الرّئيسَ الأفغانيّ حميد كارزاي أنّه: "ليس مستعدّا أن يزجّ بحياة أبناء بريطانيا إلى الخطر لفائدة حكومة لا تُدين الرّشوةَ والفساد الحكوميّ." وبالتّالي، عليه أن يعمل على تحسين أدائه إذا أراد أن يحافظ على التأييد الدّوليّ.
غير أنّ هذا الشّرط لقي انتقادات واسعة لكونه يرهن الدّور البريطانيّ في أفغانستان بسلوك حكومة يقول عنها رئيس الوزراء نفسه أنّها "موسومة بالإرتشاء". حيث عقّب، ليام فوكس، وزير الدّفاع في حكومة الظلّ بأن التزام بريطانيا لا يمكن أن يكون: "غامضا بسبب خطاب متضارب أو تهديدات خاوية." وقال أنّ: "علينا أن نمارس الضغط على حكومة كارزاي لتحسين أدائها ومحاربة الفساد، ولكنّ إذا كانت مهمّتنا في أفغانستان تهدف خدمة مصلحة الأمن الوطنيّ فإنّه لا يمكن جعلها رهينة لسلوك الآخرين." ولكنّ توضيحات حكوميّة قالت أنّ رئيس الوزراء قصد بحديثه التّأييد السياسي لكارزاي، لا غير. ويبدو أن هذا الضغط على كاوزاي هو جزء من سياسات متّفق بشأنها ما بين دول قوات التحالف.
أمّا الشروط الأخري، من بين خمسة يضعها غوردن براون لحكومة كارزاي ليفوز برضا المجموعة الدّوليّة وتجاوب الشعب الأفغانيّ، فهي ضمان الأمن للمواطنين الأفغان، وضمان المصالحة السيّاسيّة مع المعارضة، وتحقيق التنمية الإقتصاديّة وإقامة علاقة مستقرّة مع الجيران.
وقال براون أنّه لا يمكننا الإنكفاء بدون أن نضمن مستقبل أفغانستان وأمن بلادنا. ولهذا سيواصل الجيش البريطانيّ مهمّة تكوين قوات الجيش والشرطة الأفغانيّة. إلا أن مقتل خمسة جنود بريطانيين هذا الأسبوع من طرف شرطي أفغاني يتدرّب على أيديهم قد عزّز حجّة الراّفضين للتّعاون مع النظام الأفغاني المتّهم بالفساد والتورّط في غض النظر عن بارونات الإتجار بالمخدّرات والسلاح، والذي لا يمكن أيضا الثقة في أعوانه من الشرطة والجيش الذين تمّ انتقاؤهم للإنتساب لقوات الأمن. وفعلا، فقد ذكرت مصادر في الناتو بأنّ 90 في المئة من الشرطة الأفغانيّة أمّيين وثلثهم مدمنين على المخدّرات. ومهدّدين بالإرتشاء بحكم تدنّي أجورهم. كما أنّ هناك تسرّع في ضمّهم لصفوف الشرطة وتساهل في شروط توظيفهم.
وعلى الرغم من تعدّد محاولات أعضاء الحكومة شرح مقاصد السياسة المتّبعة، إلا أنّ اللورد آشدون، الزعيم اليبرالي الأسبق وممثل الأمم المتّحدة في البوسنة والمقتنع بجدوى الحرب، وجد تجاوبا واسعا عندما قال: "أنّ الحكومة عجزت كليّة في تقديم حجج مقنعة لهذه الحرب كما عجزت عن إقناعنا بأن لها استراتيجيّة تستحقّ التضحيات المقدّمة." ومن جهته، أقرّ الجنرال المرشّح، جيم دوتن، نائب قائد القوات العسكريّة بأفغانستان: "أنّنا جميعا لم نُوفّق في القيام بما يلزم لتوضيح الهدف." وقد اعترف وزير الدّفاع أنّ الرأي العام قد تأثّر بحجم الخسائر الأخيرة، وقال أنّه لابد من الثّبات والتّصميم.
وقد صرّح السير جوك ستيروب، رئيس الأركان، أنّ الإتجاه السائد لدى الرأي العام البريطانيّ يعود إلى أنّنا قصّرنا في إبراز الجواب على الأسئلة الثلاثة: 1،هل الحرب تستحق التضحيات المتكبّدة؟ 2، هل يمكن بلوغ الأهداف المسطّرة؟ 3، هل نحن نقوم بالعمل المطلوب لتحقيق تلك الأهداف. وفي رأيه لابد من تكثيف الشرح وتبليغ النتائج الإيجابيّة المحقّقة في الميدان حتّى لا تطغى على الإعلام تلك النتائج السّلبيّة فقط.
أمّا فيما يتعلّق بالإختيارات الإستراتيجيّة المطروحة، فقد كشف سبر للرّأي أنجزته قناة التلفزة الرّابعة بأنّ معارضة الحرب قد ارتفع رصيدها لدى الرّأي العام حيث صعدت نسبة المطالبين بالإنسحاب الفوريّ إلى 35 في المئة بعد أن كانت منذ أسبوعين مضيا عند 25 في المئة. كما أظهر سبر قامت به البي بي سي أنّ 63 في المئة يوافقون على انسحاب كلّ القوات البريطانيّة في أقرب وقت ممكن، وأنّ 64 في المئة يعتقدون أن تحقيق النصر في الحرب بأفغانستان ليس ممكنا، مقابل 58 في المئة تمّ تسجيلها في جويلية الماضي.
ويرى أنصار هذا الحلّ أنّ سحب القوات من أفغانستان سيحلّ المشكل نهائيّا. حيث لن يكون هناك منتحرين بالقنابل، ولا ضحايا من بين المدنيين. كما أنّ استغلال طالبان لغضب الشعب من الوجود الأجنبي سيزول. يُضاف لذلك حفظ حياة البريطانيين وادخار أموال الخزينة العامّة.
ولكنّ السلبيّات المفترضة لهذا الحلّ خطيرة في مجملها في نظر المحلّلين. ذلك أنّ الحكومة الأفغانيّة، بعد الإنسحاب، لن تتمكّن من الصّمود في ظلّ غياب الإسناد من قوات التحالف. وفي حالة انهيار الحكومة، من المرجّح أن تنشأ حرب أهليّة بين المتنافسين الأفغان في الشمال والجنوب، كما ستستفحل سيطرة طالبان. ومن شأن هذا الإنسحاب أيضا تعزيز آمال المتطرّفين، وخاصّة في باكستان. وقد تزداد الهجمات الإرهابيّة عبر العالم. وفي أسوإ الأحوال قد يهدّد المتطرّفون إستقرار الحكومة في باكستان ويتسبّبون في خلخلة الإستقرار في المنطقة ويضعون في خطر تحكّم باكستان في قدراتها النّوويّة.
غبر أنّ الجنرال دافيد ريتشاردز، قائد القوات المسلّحة، قال بأنّ بريطانيا ستبقى لمدّة تتراوح بين 30 و40 سنة. وقد أوضح رسميون من وزارة الدّفاع أنّ تلك المدّة تتعلّق: "بفترة يكون فيها وجود ما" ولا تشتمل على فترة وجود القوات البريطانيّة بأفغانستان التى ستتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات." وهذا ما أكّده كلّ من السير جوك ستيروب، قائد القوات المسلّحة، والسير بيل جيفري، الأمين العام الدائم. كما أنّ غولدن براون قد قال في خطابه يوم الجمعة أنّ بريطانيا: "ليس في إمكانها أن تنسحب من أفغانستان، وليس واردا لديها ذلك لا الآن ولا في المستقبل."
وفي رأي الأنديباندنت فإنّ الإنسجاب سيكون: "قرارا بريطانيّا في مصلحة بريطانيا." وأضاف رئيس تحريرها: "أنّنا مكثنا هناك ثمان سنوات، ولم نحقّق سوى تقدّما محدودا جدّا. ونحن لا نُطالب بانسحاب فوريّ ولكنّنا نطالب بوضع مخطّط لانسحاب تدريجيّ وخوض غمار المحادثات ومحاولة التوصّل لمخرج سياسيّ من هذه الوضعيّة."
وكان الدكتور كيم هاوَلس، الرّئيس الحالي للجنة البرلمانيّة المكلفّة بالمخابرات والأمن ووزير سابق بالخارجيّة، قد دعى إلى انسحاب تدريجيّ للقوات البريطانيّة، لأنّه، كما يقول، من الأفضل صرف تلك الأموال المقدّرة بأكثر من مليارين ونصف جنيه لفائدة إجراءات أمنيّة بالمملكة المتّحدة، سواء فيما يتعلّق بحماية الحدود أو مصالح الإستخبارات.
ولكنّ بوب أنسوورث، وزير الدّفاع، نبذ القول بإمكانيّة أن تحمي بريطانيا أمنها بالإعتماد على إجراءات أمن داخليّة فقط. وقال أنّه لا يمكن حماية أمننا بتحصين الحدود وحدها. فإذا لم تكن أفغانستان آمنة، فإنّ باكستان لن تكون آمنة، وبالتالي لن تكون بريطانيا آمنة. وهذا هو سرّ وجودنا هناك، كما يضيف.
و قد وعد براون بإرسال 500 جنديّ إضافيّ، ليصل عدد القوات البريطانيّة المتواجدة بأفغانستان إلى 9500 نفر، شريطة أن تكون مجهّزة تجهيزا جيّدا، وأن تتحمّل بقيّة دول الناتو مزيدا من العبء العسكريّ وأن تُوفّر الحكومة الأفغانيّة مزيدا من المجنّدين الجدد.
إلا أنّ الوزير الأوّل لم يأمر بعد بإرسال هذه القوات إلى أفغانستان. ويذهب بعض المحلّلين إلى أنّ غياب الفصل الآن في مسألة تعزيز القوات البريطانيّة يعود إلى أن أوباما سيتّخذ قرارره في نفس الشّأن خلال الأسابيع القادمة. وقد طلب قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، الجنرال ستانلاي ماك كريستل، الذي عرض استراتيجيّته في أفغانستان للمصادقة عليها من طرف أعضاء الناتو، إرسال 40 ألف جندي جديد إلى أفغانستان. ويُؤكّد التّقرير الذي يعرض استراتيجيّة الناتو الجديدة على منح الأولويّة إلى حماية المدنيين الأفغان والمساعدة على إقامة حكم رشيد في أفغانستان، مع دعوة كلّ عاصمة إلى أن ترفع من التزاماتها العسكريّة والمدنيّة والمالية لصالح أفغانستان.
وستكون الإستجابة لذلك مؤشّرا على إصرار التّحالف لتحقيق النّصر عبر سياسة: "التنقية، الإحتفاظ ثمّ التّعمير" أيّ تصفية المناطق من عناصر طالبان وإحالتها إلى السلطات الأفغانيّة بعد ضمان استقراراها. ولكنّ سلبياته هي أنّ مزيدا من القوات معناه مزيدا من الضحايا ومزيدا من التكاليف. ومن شأنه أيضا أن يزيد من غضب الأفغان ضد الوجود الأجنبي. كما أنّ النجاح النهائيّ ليس مؤكّدا ويبقى مرهونا بمدى قدرة الحكومة الأفغانيّة على المحافظة على تلك المناطق والحيلولة دون عودتها لسيطرة طالبان.
أمّا إذا لم تتمّ زيادة عدد الجنود الحاليين، فإنّ ذلك من شأنه أن يُبعد الطالبان عن مواقع السلطة ويحول دون انهيار الحكومة الأفغانيّة. أمّا سلبياته فهي أولا ارتفاع تأثير الطالبان في المناطق النائية، حيث 30 في المئة فقط من أراضي أفغانستان هي تحت سيطرة الحكومة. كما أنّ ارتفاع عدد الضحايا من الجنود البريطانيين من شأنه إضعاف تأييد الرّأي العام بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الحرب.
وأخيرا، في حالة تخفيض عدد القوات العسكريّة بأفغانستان قسيتّجه المسعى إلى تعزيز وجود الدولة بالمدن الكبرى فقط حيث يتمّ ضمان مناطق مستقرّة في وسط وشمال البلاد، ومنها يتمّ توسيع رقعة تأثيرها وسيطرتها على باقي أنحاء البلاد. ومن فوائد هذا الخيار ضمان مناطق آمنة وتقليل عدد الضحايا والحصول على نتائج ملموسة. غير أن تأثير طالبان سيتّسع في المناطق الرّيفيّة.
كما ستتواصل سيطرة تجّار الحرب وبارونات المخدّرات ممّا يجعل نشر رقابة المركز وتعميم الإستقرار عمليّة صعبة للغاية. كما أن من شأن هذا الحلّ تعميق الفرقة بين الإثنيات المتواجدة في الشمال والجنوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.