يسرد المجاهد بوالشعير فرحات المدعو )با( حكايته مع الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، كما تحدث عن فترة تجنيده في صفوف الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية، وكذا عن المجازر التي ارتكبها المستعمر في حق الجزائريين يوم 8 ماي بجيجل، وأسرار أخرى تكتشفونها في هذه التصريحات. ولد المجاهد بو الشعير فرحات سنة 1930 بمشتة تانفوشت دوار تابلوط بلدية تاكسنة، بدأت علاقته بالثورة التحريرية في شهر ديسمبر ,1954 حيث كان يجمع الإشتراكات لصالح الثورة بالجزائر العاصمة أين كان يشتغل عند أحد المعمرين الفرنسيين من أصل إيطالي والذي كان طيارا في الجيش الفرنسي، ليلتحق بصفوف الثورة التحريرية في شهر فيفري سنة 1956بجبل بوحنش بعد عودته من الجزائر العاصمة. شارك المجاهد فرحات بوالشعير في العديد من المعارك بولاية جيجل أهمها معركة وادي كسير في شهر جوان من سنة 1958 والتي شارك فيها حوالي 100مجاهد، حيث تمت مهاجمة قافلة للاستعمار الفرنسي. وقد قتل في هذه المعركة أزيد من 10 عساكر فرنسيين وجرح العديد منهم وغنم المجاهدون أسلحة كثيرة، فيما استشهد مجاهد واحد وجرح 8 مجاهدين. كما أصيب خلال هذه المعركة بجروح نتيجة شظايا القنابل المتفجرة وقد دامت هذه المعركة حسب متحدث »صوت الأحرار« من السابعة والنصف صباحا إلى غاية المساء، وواصل المجاهد فرحات بو الشعير جهاده ضد القوات الفرنسية بالمنطقة الثالثة التي كانت تشمل العنصر، الشقفة إلى غاية الاستقلال. مجازر 8 ماي 1945 بجيجل وهمجية فرنسا يروي المجاهد فرحات بوالشعير خلال هذا اللقاء مع »صوت الأحرار« العديد من الحقائق حول مجازر 8 ماي 1945 بولاية جيجل، مؤكدا أنه كان عمره 15 سنة عندما حدثت هذه المجازر بجبال بني عافر وبني ياجيس وغيرها من المناطق وكان المجاهد آنذاك على دراية باستعمال السلاح بحكم أن والده كان يصطحبه مع للصيد، كما كان يملك السلاح، وعند حدوث المجازر صعد إلى الجبل رفقة سكان المشتة، التي كان ينتمي إليها لموجهة القوات الفرنسية بالسلاح وبمختلف الوسائل، مشيرا انه خلال تلك الأحداث قام القايد المكي بالتوجه إلى منطقة واد الرحى من أجل ملاقاة المسؤول العسكري الفرنسي أين طلب منه أن يبعد عساكره عن الدوار وهو سيضمن في السكان، مشيرا أن القايد )المكي( لم يكن يعلم أن اغلب سكان المشتة كانوا مسلحين بالأسلحة النارية والأسلحة البيضاء من سكاكيين وفؤوس وغيرها، كما قام )الشامبيط( بن زغوة بالركوب على حصانه وحمل راية بيضاء دلالة على السلم. وقد قامت القوات الفرنسية خلال أحداث الثامن ماي 1945 بأعمال إجرامية بمختلف مناطق ولاية جيجل، حيث تم وضع رؤوس الجزائريين المفصولة عن أجسادهم ووضعها فوق مقدمة السيارات العسكرية والتجول بها في الدواوير والمشاتي، كما قامت القوات الفرنسية بوضع أيادي وأرجل ورؤوس النساء وتعليقها في الشاحنات العسكرية لترهيب الجزائريين، كما تم إحضار الماشية المملوكة للجزائريين الذين تم إعدامهم وبيعها. وقد قام بهذا العمل المشين »المخازنية« وهم المغاربة المنخرطون في الجيش الفرنسي وأقلية من الجزائريين، وأشار المجاهد بوالشعير فرحات أن مجازر 8 ماي 1945 زعزعت كيان الجزائر برمتها، مؤكدا أن الاستعمار الفرنسي بعد هذه الأحداث الأليمة قام بعزل الجزائريين المجندين في القوات الفرنسية )الاحتياطيين( من بينهم ابن عم له، كما قام الاستعمار الفرنسي بإحضار السنغاليين والمغاربة للقضاء على الشعب الجزائري. جاسوس نمساوي أكد له »قريبا ستقومون بحرب ضد فرنسا وستنتصرون« في سنة 1951 تم استدعاء المجاهد بو الشعير فرحات لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية في القوات الفرنسية، وكان آنذاك عمره 21 سنة ومتواجدا في الجزائر العاصمة، ليتوجه بعدها إلى ولاية قسنطينة، ليتم نقلهم إلى مدينة عنابة، وأشار المجاهد بوالشعير فرحات أنه خلال الفترة الممتدة مابين 1945 و1950 لم يكن أبناء الجزائر يؤدون الخدمة العسكرية الإجبارية في القوات الفرنسية كاحتياطيين باستثناء الذين يريدون التجند نهائيا، وكان المجاهد بوالشعير فرحات في الدفعة الثانية، حيث بقي رفقة رفاقه المجندين الجزائريين بهذه المدينة لمدة 5 أشهر، مشيرا في سياق حديثه أنه خلال هذه الفترة أحست فرنسا أن هناك حركة تحضر في الأوراس، ثم أخذوهم إلى الشريعة حيث كان مختصا في الرسمي بسلاح )الكانو(. ومن الشريعة تم تحويلهم إلى مدينة عنابة ومنحوهم لباس الرماة الأحمر الذي انتصروا به في الحرب العالمية الثانية وهذا اللباس لا يحبه الألمان -حسب تصريحات المجاهد فرحات بوالشعير-، ليتم بعدها تحويلهم إلى مدينة سكيكدة ثم قاموا بجلب المجندين الجزائريين من قسنطينة وباتنة ومن مختلف الثكنات المتواجدة بالجزائر، حيث بلغ عددهم حوالي 1000 جندي جزائري احتياطي، وكان على رأس المجندين الجزائريين قادة فرنسيين وآخرين جزائريين متعاقدين من بينهم الرائد )كنتوش( والملازم الأول )زرقيني(. وقد أشاد المجاهد بوالشعير فرحات بالرائد الجزائري )كنتوش(، معتبرا إياه )فيه رائحة المسلمين وليس حقار(. ومن سكيكدة التي بقوا فيها ليلة واحدة بثكنة القوات الخاصة تم نقلهم على متن باخرة أين التقى بمجند جزائري من )بني ياجيس( والذي منحه هذا الأخير مبلغا ماليا قدره 400 فرنك فرنسي، وبعد الوصول إلى مدينة مرسيليا بفرنسا تم تحويلهم على متن قطار يستعمل في نقل الحيوانات، حيث بقوا مسافرين لمدة 4 أيام عبروا فيها ألمانيا وبعد الوصول إلى النمسا وجدوا قطارات جيدة، حيث تم تقسيمهم على ثلاث فيالق، وتم توجيهه إلى الفيلق المتواجد بمدينة )كوفشتاين(، وأشار المجاهد بوالشعير فرحات أن سكان )كوفشتاين( تلقوا تحذيرات من الفرنسيين قبل وصولهم مفادها أن الجزائريين )آكلوا بشر( لكن بعد مدة اكتشف السكان طيبة وتحضر الجزائريين ليفضلوهم بعد ذلك على الفرنسيين، كما أكد أنه في كل محطة يتوقف القطار الذي كان يحملهم من فرنسا إلى النمسا كان السكان يهربون ويصرخون بلغتهم )ناكس ماروكان( بمعنى )لا للمغاربة( وهذا بسبب الأحداث التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية. ويروي المجاهد بوالشعير فرحات حكاية الجاسوس النمساوي الذي عمل لألمانيا وعاش بمدينة جيجل لمدة 5 سنوات وكان يملك بطاقة تعريف جزائرية وليبية وتونسية ومغربية والأخيرة ألمانية »كنت ذات ليلة رفقة أحد رفاقي الجزائريين من مدينة المشروحة في إحدى المقاهي ليقوم رفاقي بالضرب على الطاولة وسب الفرنسيين، وفي تلك اللحظة وقف عند رأسي أحد الأشخاص وحينا بتحية الإسلام وباللغة العربية، وهذا ما أفرحني ليستأذن بعدها منا الجلوس فوافقن، وبعدها طلب مني أن أطلب من رفيقي المدعو )عمار( العودة إلى الثكنة لأنه سيورطنا بكلامه، وقد استجاب رفيقي لطلبي، ليطلب مني ذلك الشخص التوجه إلى إحدى المقاهي بمحطة نقل المسافرين وكان الجو باردا، لتدخل عليهم إمرأة يتراوح سنها مابين 32 و34 سنة فأشار إلي الرجل النمساوي وأكد لي أن تلك المرأة هي ألمانية كانت خلال الحرب العالمية الثانية قائدة طائرة حربية وهي التي قامت بضرب القوات الإمريكية في الجزائر العاصمة وفي منطقة )مزغيطان( بجيجل، لنتجه بعدها إلى منزله وهناك أخبرني أنه عمل حلال الحرب العالمية الثانية كجاسوس لصالح ألمانيا وعاش في مدينة جيجل لمدة 5 سنوات وكان يتقن اللغة العربية كتابة ونطقا، كما عدد له المقاهي التي كانت في مدينة جيجل خلال تلك الفترة وعدد الأوربيين والعرب، كما كان يضع شاشا ويكحل عينيه حتى لا يتم التعرف عليه، كما كان يكتب )الحروز( للجزائريات في الأحياء العربية وقد أبلغني هذا الجاسوس البالغ من العمر عندما التقيته حوالي 70 سنة أنه لم يتم القبض عليه، حيث بعد انتهاء مهمته عاد إلى بلده بشكل عادي«. ويواصل المجاهد روايته لحكاية هذا الجاسوس »في منزله أخبرني سنة 1951 بضرورة تعلم أي سلاح يمنحوني إياه الفرنسيين وعندما أخبرته عن سبب ذلك أكد لي أننا مقبلون على حرب ضد الفرنسيين وسننتصر فيها«. وبعد انتهاء خدمته العسكرية عاد المجاهد بوالشعير فرحات إلى الجزائر في15 مارس 1953 عبر ولاية سكيكدة وكان يرتدي رفقة باقي الجزائريين ملابس مكتوب عليها عبارة )سجين( وهذا ما جعل المجاهد بوالشعير فرحات يتحيل على الفرنسيين ويقوم بشراء ملابس مدنية جديدة للعودة إلى مدينة جيجل. تأثير صوت عيسى مسعودي في تأجيج حماس الثوار كشف المجاهد فرحات بوالشعير أنه كان ورفاقه يشتركون في مبلغ مالي معين وهذا لشراء جهاز راديو للاستماع إلى »صوت الجزائر« من قلب الجزائر وهو في الحقيقة حسب تصريحات المجاهد ليس من الجزائر بل من )الناظور( بالمغرب، كما كانوا يستمعون إلى »صوت العرب من القاهرة« خصوصا صوت المذيع عيسى مسعودي الذي كان يؤجج حماسهم، مشيرا أن 50 بالمائة من الشعب الجزائري جنده المذيع عيسى مسعودي بفضل قوة صوته وحماسته. التسلح بالعلم رسالته للشباب الجزائري وفي ختام هذا اللقاء الشيق دعا المجاهد فرحات بوالشعير المدعو )با( الشباب الجزائري إلى الاتكال على النفس والتسلح بالعلم والحفاظ على تاريخ أبائهم وأجدادهم ووحدة الوطن مؤكدا أن ما حدث في مصر والعراق وسوريا وتونس وليبيا لن يحدث في الجزائر لأن الشعب الجزائري عانى خلال العشرية السوداء وحفظ الدرس جيدا.