يحيي شعبنا الجزائري في الثامن ماي من كل عام مجازر 8 ماي 1945 التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين العزل ليتذكر وليذكر الغافل والناسي وليجدد العهد مع الشهداء، وليكرر طلبه للمستدمر الفرنسي بأن يعترف بما اقترفت يداه، ويبقى الاعتراف الفرنسي بهذه الجرائم البشعة معلقا بالرغم من أن التاريخ شاهد عليها، ويجمع المؤرخون بما في ذلك الفرنسيون بأن ما وقع من مجازر ضد الإنسانية، ويصفها كبار الساسة المستلهمين للتاريخ في القرن العشرين، ب"الهولوكوست" الفرنسي بالجزائر. الذكرى الأليمة، كانت في البداية عند خروج الجزائريين للاحتفال في 8 ماي 1945 بانتصار الحلفاء على دول المحور، لكن نهايتها كانت مجازر دموية، خلفت أكثر من 45 ألف شهيد، سقطوا برصاص قوات الاحتلال الفرنسي في شوارع سطيف وفي أفران الجير بقالمة وبأعماق أخاديد خراطة وقسنطينة، وزيغود يوسف وقرى عديدة بشرق البلاد وغربها ووسطها. وكانت مناسبة للجزائريين لتوجيه رسالة إلى الاستعمار، مفادها أن استقلال الجزائر أصبح مسألة وقت، كون انتصار الحلفاء كان يعني خروج فرنسا من الأرض التي احتلتها سنة 1830، لكن فرنسا حولت هذه الفرحة إلى جريمة نكراء في حق الجزائريين عندما قابلت الآلة العسكرية الفرنسية تلك المظاهرات السلمية بالتقتيل، حيث وجهت قوات الشرطة وحتى الكولون بنيران أسلحتها المختلفة صوب المواطنين العزل التواقين للحرية فكانت الحصيلة ثقيلة وأليمة بإزهاق الأرواح ظلما وعدوانا. وكانت بذلك مظاهرات 8 ماي منعرجا حاسما للجزائريين ليحرروا بلادهم بإعلان ثورتهم المظفرة العظيمة وينالوا الاستقلال عنوة رغم رفض فرنسا قبول الهزيمة تحت ضربات الثوار الأحرار الذين عايش الكثير منهم مظاهرات 8 ماي والعمليات البطولية لثورة نوفمبر. منظمة المجاهدين تعتزم تقديم مبادرة دولية تدين الاستعمار الفرنسي أكد الامين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السعيد عبادو أن المنظمة ستتقدم بمبادرة الى التنظيمات الدولية لقدامى المحاربين لإدانة الاستعمار الفرنسي في الجزائر. وقال عبادو عشية الاحتفال بالذكرى ال 68 المخلدة لمجازر 8 ماي 1945 ان المنظمة الوطنية للمجاهدين "ستتقدم بمبادرة لمنظمات قدامى المحاربين في العالم من أجل إدانة الاستعمار في الجزائر وغيرها من الدول التي كانت تحت نير الاستعمار"، موضحا أنه "رغم صعوبة المهمة, فإن المنظمة ستواصل عملية تجنيد هذه التنظيمات لإصدار قرار يدين الاستعمار ويطالبه بتقديم الاعتذار للشعوب التي كانت تحت احتلاله وتعويضها ماديا عن المجاز التي ارتكبها والثروات التي استولى عليها خلال حقبة الاستعمار"، وفي هذا الاطار يرى عبادو ان اعتراف بعض المسؤولين الفرنسيين بهذه المجازر "لا بد ان يتبعه الاعتذار والتعويض عن الضرر الذي لحق بالشعب الجزائري عبر مختلف مراحل الاستعمار". وأشار الى ان الظروف الدولية الراهنة "صعبة" لتحقيق هذا الهدف, غير ان هذا لا يمنع منظمة المجاهدين - كما قال- من "مواصلة هذا المسعى على الصعيد الدولي لإدانة الاستعمار بمختلف اشكاله". وذكر المتحدث أن منظمة المجاهدين لديها "مواقف ثابتة فيما يتعلق بتجريم الاستعمار في الجزائر وضرورة تقديمه الاعتذار للشعب الجزائري عن المجازر البشعة التي ارتكبها في حقه والتي تبقى وصمة عار في جبين هذا الاستعمار". وأضاف عبادو أن الاستعمار "لم يكتف بما قام به من مجازر, بل تعداها الى نهب ثروات البلدان التي كانت تحت وطأته وطمس هوياتها الوطنية طيلة فترة الاحتلال" مذكرا في نفس السياق بمحاكمة الحلفاء للقادة الألمان الذين ارتكبوا جرائم خلال الحرب العالمية الثانية. وبخصوص عدم إلمام الاجيال الجديدة ببشاعة مجاز 8 ماي 1945, أوضح المتحدث انه بالرغم من تدريس هذه المجازر في المؤسسات التربوية وقيام العديد من المؤرخين بتناولها, فإن بشاعة هذه المجاز "تتطلب مجهودات اخرى للكشف عن مختلف اشكال القمع الذي مارسه الاستعمار الفرنسي ضد الجزائريين العزل وكذا أهداف هذه المظاهرة والدروس التي استخلصت منها". بن براهم تشدد على ضرورة متابعة فرنسا من منطلق ارتكابها لجريمة دولة أما المحامية فاطمة الزهراء بن براهم فقد شددت على ضرورة متابعة فرنسا على ما اقترفته من جرائم إبادة ضد الشعب الجزائري في 8 ماي 1945 من منطلق "جريمة دولة" وفق ما أقرته معاهدة روما لعام 1998 . واستندت بن براهم في دعوتها هذه إلى تصنيف معاهدة روما في المواد من 3 الى 14 لجريمة الإبادة الجماعية التي تعرض لها الجزائريون في 8 ماي 1945 ضمن إطار الجرائم ضد الإنسانية التي تقتضي معاقبة الدولة المتسببة في ارتكابها، مؤكدة أنها وبالتعاون مع عدد من زملائها وبعض القانونيين الفرنسين تعمل على "التصنيف القانوني الحقيقي" لما تعرض له الشعب الجزائري من مجازر في تلك الحقبة, حيث أشارت إلى أنه "من اللازم استعمال المفهوم القانوني الدولي الصحيح في هذا السياق وهو الإبادة التي تعتبرها معاهدة روما كأكبر جريمة ضد الإنسانية". كما ألحت بن براهم بشدة على أن ما تعرض له الجزائريون في 8 ماي 1945 هو جريمة كبرى ضد الانسانية وإبادة مع سبق الاصرار والترصد وليس مجرد حوادث، كما تصر فرنسا على تسميته, مؤكدة بأن استمرار وصف هذه المجازر بحوادث "خداع للشهداء وللشعب وللجزائر"، وشددت أنه "لا بد اليوم من محاكمة فرنسا الرسمية لارتكابها جرائم ضد الإنسانية في حق مواطنين عزل ومسالمين في سطيفوقالمة وخراطة لأنها سكتت عن الحق ولم تعاقب مرتكبي هذه الجرائم لا في ذلك الوقت ولا في والوقت الحالي"، واسترسلت قائلة في هذا المجال بأن معاهدة روما أدرجت "شيئا جديدا هو في صالحنا ضمن بنودها وهو تأكيدها بأن جريمة من نوع الإبادة لن تتقادم عبر الزمان والمكان"، وذكرت هنا بأن هذا الأمر "يستدعي منا كرجال قانون البحث عن آليات دولية جديدة من أجل إحياء هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها لأننا نحتاج اليوم إلى قانون دولي لمعاقبة الحكومات والدول وليس منفذي الجرائم ضد الانسانية". ولأن القضية "ليست بالهينة وتتطلب تظافر جهود السياسيين والقانونيين " أشارت بن براهم إلى "المفهوم الضيق" لبعض القانونيين الفرنسيين بخصوص معاقبة فرنسا حيال ارتكابها لجرائم 8 ماي 1945 الذي يستند إلى أن منفذي الجرائم "قد ماتوا فكيف لنا إذن من محاكمتهم"، وأكدت بالمقابل أن رد القانونيين الجزائريين في هذا الشأن "بسيط جدا" ويقف على ما تنص عليه معاهدة روما لأن ما يهمنا -حسب قولها- "ليس من نفذ وارتكب المجازر بل من أعطى الأوامر لذلك وهي الدولة الفرنسية"، وتابعت قائلة بان مجموعة من القانونيين الجزائريين والفرنسيين "يعملون حاليا على مقاربة جرائم 8 ماي 1945 وجريمة الدولة التي كرسها قانون 17 جويلية 1998 استكمالا للشق العقابي منه وذلك بغرض اصدار قانون يقر بمعاقبة الدولة الفرنسية لارتكابها جرائم حرب في الجزائر". وبعد أن أشارت الى أن هذا الأمر "يخيف كثيرا فرنسا", ذكرت بأن العمل "جار حاليا على قدم وساق على المستوى الدولي لتقنين جريمة الدولة وتعميمها على كل الدول التي تعتدي على شعوبها أو على شعوب دول اخرى". وخلصت بن براهم الى دعوة السياسيين والمفكرين الجزائريين الى "الاتحاد والعمل من اجل تجسيد فكرة جريمة الدولة من خلال تقديمها كمطلب قانوني أساسي لدى الجهات المعنية دوليا يؤسس لقانون جديد في هذا المجال, مما سيسمح بمعاقبة الدول والحكومات التي ارتكبت وما زالت ترتكب جرائم ضد الانسانية". مجازر 8 ماي 1945 ... مأساة "غيبت طويلا" من جهته أكد المؤرخ الفرنسي بنيامين سطورة أن مجازر 8 ماي 1945 تعد مأساة "غيبت طويلا" في فرنسا، مشيرا إلى أن الامر كان بالنسبة لفرنسا بعد استقلال الجزائر يتعلق "بنسيان خسارة اقليمالجزائر الذي اعتبر لوقت طويل "ملحقا" بفرنسا منذ اكثر من قرن". كما يؤكد ان الخسارة قد "ادت إلى تناسي التاريخ الاستعماري والانتهاكات المرتكبة"، كما ذكر بان الامر قد استدعى "انتظار سنة 2005 لكي تعترف فرنسا على لسان سفيرها أوبار كولين دو فارديار بتلك "المأساة التي لا تغتفر"، ويضيف المؤرخ ذاته انه في فيفري 2005 صوت البرلمان الفرنسي على قانون يشيد بمزايا "المهمة الحضارية" في الجزائر المستعمرة، معتبرا ان ذلك التصويت قد "قوض محاولات التقارب بين البلدين واخر مسار توضيح مسائل الذاكرة". وأشار في هذا السياق إلى ان "لحظات ذلك التشنج ربما يكون وقته معدودا"، معربا عن أمله في ان تمكن الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في نهاية سنة 2012 من بعث المسار وذلك "سيسمح بانتهاج توجه جديد في مسار الاعتراف بآثار الاستعمار"، كما ذكر مؤلف كتاب "الجزائر. ميلاد امة" انه في الوقت الذي انتهت فيه اطوار الحرب العالمية الثانية "تعرض الشعب الجزائري إلى قمع وحشي مخلفا عشرات الالاف من الضحايا في مدينتي سطيف و قالمة و قرى قسنطينة". ومثلما لم تقبل فرنسا الاستعمارية المطالب التي أطلقها أتراب الشهيد سعال بوزيد، شبل الكشافة الإسلامية الجزائرية وبطلها المفدى، عندما طالبوا بالحرية وترديد نشيد من جبالنا، لم تقبل حتى اليوم، الاعتراف رسميا بمجازرها الرهيبة التي اقترفتها في مظاهرات سلمية تنشد الحرية، والسلام، وفي وقت كانت فيه فرنسا نفسها تتغنى بشعار ''حرية أخوة ومساواة''. ولا تريد فرنسا الرسمية حتى اليوم، تحمّل مسؤولية فرنسا الاستعمارية في اقتراف أبشع مجازر في حق الجزائريين الأبرياء، بل أنها أصدرت في 23 فيفري 2005 قانونا يمجد الاستعمار، غير مبالية بشعور الشعوب التي احتلتها ونكلت بها مثلما فعلت مع الشعب الجزائري. ولقد توقع متتبعون لشأن العلاقات الجزائرية - الفرنسية أنا تمهد الطريق لاعتراف رسمي فرنسي بجرائم الدولة الفرنسية في الجزائر، خلال زيارة الدولة التي أداها الرئيسي الفرنسي فرنسوا هولاند للجزائر في ديسمبر 2012 لكن ذلك لم يحدث، حيث تكلم الرئيس الفرنسي عن أهمية النظر إلى المستقبل بدل التوجه إلى الماضي الذي قال إنه لا ينكره. وإلى أن يحدث أن تعترف فرنسا بجرائمها ومجازرها أو لا يحدث، فإن الشعب الجزائري يظل يحيا الذكرى الأليمة لمجازر 8 ماي 1945 ويقف كل سنة في هذه الذكرى عند لحظة تاريخية مشرقة من تاريخ نضال أمتنا من أجل الحرية والانعتاق.