سوناريم: خارطة الموارد المنجمية ستكون جاهزة بنهاية 2024    دراجات/طواف الجزائر-2024/: عودة نادي مولودية الجزائر للمشاركة في المنافسة بعد غياب طويل    وفاة سيزار مينوتي مدرب الأرجنتين المتوج بكأس العالم 1978    الإصابة تبعد لاعب مانشستر يونايتد ماغواير عن الملاعب لمدة 3 أسابيع    حج 1445/2024ه: بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق وتظافر الجهود لإنجاح الموسم    الصحافة كانت مرافقة للثورة في المقاومة والنضال ضد الاستعمار الفرنسي    كريكو تبرز جهود القطاع في تعزيز المرافقة النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة خلال امتحانات نهاية السنة    المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية    التحضيرات متقدّمة جداً حسب وزير السكن    وهران : افتتاح صالون التجارة الالكترونية والاقتصاد الرقمي    التأكيد على الدور المحوري للجزائر في الاندماج الاقتصادي القاري    500 موقع للترويج لدعاية المخزن    البرلمان العربي يحذر من اجتياح الاحتلال الصهيوني لمدينة رفح وارتكاب جريمة إبادة جديدة بحق المدنيين    قوجيل يستقبل رئيس المجلس الوطني لجمهورية الكونغو    مولى يُنوّه بنتائج الإصلاحات الاقتصادية    إصدار خاص بخطاب الرئيس أمام غرفتي البرلمان    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: ميدالية برونزية للمصارعة الجزائرية أمينة بلقاضي    ربيقة: الذاكرة الوطنية تمثل أحد أساسيات انشغالات الجزائر الجديدة    القشابية .. لباس عريق يقاوم رياح العصرنة    إشادة بلقاء قادة الجزائر وتونس وليبيا    ندوة تاريخية إحياءً لرموز الكفاح الوطني    المنتجات الجزائرية تعرف رواجا كبيرا في موريتانيا    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    الأيام السينمائية الدولية بسطيف : الفيلم الفلسطيني الطويل "معطف حجم كبير" يثير مشاعر الجمهور    وزير الداخلية يبدأ زيارته إلى خنشلة بمعاينة فرع كوسيدار للفلاحة    وسط تحذيرات من مجاعة.. الأمم المتحدة تتهم إسرائيل برفض دخول المساعدات لغزة    قدمها الدكتور جليد قادة بالمكتبة الوطنية..ندوة "سؤال العقل والتاريخ" ضمن منتدى الكتاب    بأوبرا الجزائر بوعلام بسايح..المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية من 16 إلى 22 ماي الجاري    في دورته التاسعة.. "الفن موروث ثقافي حافظ للذاكرة" شعار الرواق الوطني للفنون التشكيلية    الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية    78 قتيلا جراء الأمطار الغزيرة في البرازيل    وزير الداخلية يشرف على مناورة دولية للحماية المدنية    عنابة: استحداث لجنة لمتابعة تهيئة الواجهة البحرية    مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة: تطوير شرائح حيوية تعتبر الأولى من نوعها في العالم    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    البطولة الإفريقية للسباحة والمياه المفتوحة: 25 ميدالية بينها 9 ذهبيات حصيلة المنتخب الوطني    يقرّر التكفل بالوضع الصحي للفنانة بهية راشدي    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي    إشادة وعرفان بنصرة الرئيس تبون للقضية الفلسطينية    الجزائر تدفع إلى تجريم الإسلاموفوبيا    ثبات وقوة موقف الرئيس تبون حيال القضية الفلسطينية    مهنيون في القطاع يطالبون بتوسيع المنشأة البحرية    خبراء جزائريون يناقشون "الهندسة المدنية والتنمية المستدامة"    3 شروط من أجل اتفاق شامل ومترابط المراحل    24 ألف مستثمرة فلاحية معنية بالإحصاء الفلاحيّ    خلاطة إسمنت تقتل عاملا    "الكناري" من أجل مغادرة المنطقة الحمراء    تعريفات حول النقطة.. الألف.. والباء    عمورة في طريقه لمزاملة شايبي في فرانكفورت    دليل جديد على بقاء محرز في الدوري السعودي    غرق طفل بشاطئ النورس    انتشال جثة شاب من داخل بئر    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى السابعة والخمسين لاندلاع ثورة نوفمبر
نشر في النصر يوم 30 - 10 - 2011


ملف
تتذكر مجازر الآخرين وتنسى عارها في الجزائر
فرنسا تريد تاريخا على مقاسها وترفض الاعتراف بجرائم جنرالاتها الدمويين
عندما أقدمت ايطاليا قبل ثلاث سنوات، على الاعتراف بجرائمها في ليبيا، وأعلنت منح تعويضات للحكومة الليبية، كان الجميع ينتظر أن تحذو فرنسا حذو جارتها وتكفر عن خطاياها الاستعمارية في الجزائر، لكن باريس وعكس ذلك اعتبرت أنه لا يوجد ما تعتذر عنه" بل أكثر من ذلك، راحت تعاتب تركيا وتطالبها بالاعتذار عن إبادتها للأرمن.
تحتفل الجزائر غدا بالذكرى السابعة والخمسين لاندلاع حرب التحرير وسط استمرار دعوات رسمية وشعبية مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائم الإبادة المقترفة في حق الشعب الجزائري خلال مدة سبع سنوات من عمر الثورة، وأكثر من مئة سنة من الاحتلال والتدمير، ويقابل هذا المطلب، برفض فرنسي دائم ومتجدد لأي اعتراف بالذنب واعتذار رسمي قد يفتح الباب أمام منح تعويضات للضحايا.
فعندما اعترفت ايطاليا في 2008، بجرائمها في ليبيا بتسديد روما لطرابلس ما قيمته خمسة ملايير دولار كتعويض عن المرحلة الاستعمارية، كان الجميع يتأمل رد فعل السلطات الفرنسية، واحتمال تبييض وجهها الاستعماري القبيح" بإعلان التوبة والاعتذار، إلا أن ساسة باريس اعتبروا أن الحالة الاستعمارية الايطالية في ليبيا لا تنطبق على الحالة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر وبالتالي فهي لا تستدعي ندما.
وعوض أن تعرف عن جرائمها المرتكبة في حق ملايين الجزائريين، خرجت فرنسا "ساركوزي" لتطلب من الأتراك الاعتراف بالجرائم المرتكبة في حق الأرمن وتناست كل الجرائم التي نفذها جنرالاتها في الجزائر، قال السفير الفرنسي، أثناء زيارة قادته إلى بجاية مؤخرا، إن ''فرنسا تعترف بالتجاوزات لكنها ليست مجبرة على تقديم الاعتذار لأية جهة ما''. وحول إصرار الرئيس ساركوزي على مطالبة الحكومة التركية بالاعتراف بالجرائم المرتكبة ضد الأرمن، وعدم المبادرة بنفس الشيء بخصوص جرائم الاستعمار في الجزائر، رد السفير بأن فرنسا ''طلبت من تركيا الاعتراف بجرائمها في حق الأرمن مثل ما فعلت فرنسا مع الجزائريين دون أن يطلب منها الاعتذار للأرمن''. وحول ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها في مجازر 8 ماي 1945 اكتفى السفير بالقول ''أتركوا بعض الأشياء للوقت، الوقت سيتكفل بها''.ولا تزال فرنسا، منذ استقلال الجزائر، ترفض الاعتراف بجرائمها واعتبرت الأمر صفحة تاريخية من سياسة فرنسا الاستعمارية يجب نسيانها من دون الاكتراث بما خلفه استعمارها لهذا البلد لأكثر من مئة وثلاثين سنة من تقتيل وتشريد وتنكيل وتعذيب، بدليل، لم تحاكم جنرالاتها الأموات منهم والأحياء على ما صنعوه في الشعب الجزائري باعتراف البعض منهم في شهادات موثقة، عن قتل لآلاف الجزائريين ولعل الخرجات المتكررة لزعيم اليمين المتطرف جون لوبان تكشف أن الكثير من الساسة الفرنسيين لا يزالون يحملون حقدا دفينا لكل ما هو جزائري.
كل ذلك يحدث بمباركة الحكومات الفرنسية التي تعاقبت على الحكم ورفض جميعها فتح ملف حرب الجزائر على الرغم من أن الجزائر استبشرت خيرا بالرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك الذي أوشك في عهده التوقيع على اتفاقية مشتركة للصداقة والتعاون لولا إقدام البرلمان الفرنسي على تبني مشروع قانون يمجد فيه أعمال الاستعمار والجرائم المرتكبة في حق الجزائريين، وهي الجرائم التي جعلت الفيلسوف الوجودي الفرنسي "جون بول سارتر" يؤلف كتابا سماه (عارنا في الجزائر). وتقول السلطات الفرنسية في كل مرة يطرح هذا المطلب، بأن موقفها قد تغير وتعطى الانطباع بأن مجرد الاعتراف بالذنب يكفي ولا مجال للمطالبة بخطوة أكبر من ذلك. ويشير العديد من المسؤولين في باريس إلى تطور موقف فرنسا من ماضيها الاستعماري في الجزائر، وأول من غير موقفه –حسب زعمهم- الرئيس نيكولا ساركوزي الذي دعا الفرنسيين إلى عدم الخجل من تاريخهم، قال خلال حملته الانتخابية التي أوصلته إلى منصب رئيس الدولة الفرنسية:" إن وجود فرنسا في الجزائر لم يكن بدوافع استعمارية ولكنه كان حلما حضاريا!" قبل أن يعدل الرئيس الفرنسي بعد ذلك قليلا من نظرته أو على الأقل من تصريحاته، إذ اعترف أنه كان هناك نظام استعماري ظالم، ولكنه سوى بين الضحية والجلاد، فعند زيارته لمقبرة المسيحيين ببولوغين (سانت أوجان، سابقا) أثناء زيارته للجزائر في نوفمبر 2006 قال:"لقد عاشت الجزائر آلاما كثيرة، ووجودي الآن في هذه المقبرة يعبر عن وجود معاناة من الجانبين لهذا لابد أن يحترم الموتى سواء أكانوا شهداء جزائريين أو موتى أوروبيين"!. وعندما عاد إلى فرنسا دعا إلى اعتبار من قتلوا من أفراد المنظمة الإجرامية السرية "شهداء من أجل فرنسا"، مدعيا بأنه "إذا كان لفرنسا من دين أخلاقي فهو نحو الفرنسيين العائدين من الجزائر".
ويعتقد الكثير من المحللين أن فرنسا مطالبة اليوم بإعادة حساباتها مع الجزائر، و أن تفتح ملفات الماضي وتناقشها بموضوعية لإيجاد حلول عقلانية لها أولها أرشيف الفترة الاستعمارية التي ترفض فرنسا إعادته إلى الجزائر وملف التعويض للشهداء ومن عانى من التعذيب والسجن القسري فهؤلاء جميعا من حقهم الحصول على حقوقهم بموجب المواثيق الدولية.ويرجع مؤرخون مختصون في العلاقات التاريخية بين الجزائر وفرنسا، وفي مقدمتهم المؤرخ الجزائري المولد والفرنسي الجنسية، بنيامين سطورا، الهروب الفرنسي للأمام فيما يتعلق بهذه القضية، إلى وقوف باريس على أرضية قانونية صلبة تحميها من أي موقف تقدم عليه الجزائر بهذا الخصوص، وذلك استنادا إلى نصوص اتفاقيات إيفيان، التي غلقت الباب أمام مطالبة أي طرف بتبعات الإستعمار الذي استمر لمدة 132 سنة، في حين علق المؤرخ الجزائري محمد حربي على الموقف الفرنسي، بأنه يعبر عن سياسة "الخطوات الصغيرة"، التي لا يمكن أن تصل إلى درجة "الندم"، الذي تطالب به الجزائر.
ويعتبر المؤرخ الفرنسي يوسف جيرار، أن أسباب رفض السلطات الفرنسية الاعتراف بجرائمها، مرتبط بعوامل متعددة، فعلى المستوى السياسي، يري جيرار أن تقريبا "كل التيارات في الساحة السياسية الفرنسية تورطت في لحظة أو أخرى في الجرائم الاستعمارية وعلى هذا كان من الصعب العودة إلى هذه الجرائم لأن منطق الأشياء سيفرض عليهم الاعتراف بجزء من مسؤولياتهم في ذلك، ما عدا اليسار المتطرف سواء منهم التروتسكيين أو الفوضويين الذين لم يسبق لهم أن شاركوا في السلطة وكذا الايكولوجيين الذين لم يكونوا موجودين آنذاك".
ويعتقد الكاتب أن المرحلين من الجزائر وخلفهم يشكلون جماعة قوية تعترض على الاعتراف بالجرائم المرتكبة من قبل فرنسا في الجزائر، والمصادقة على قانون تمجيد الاستعمار كان بطلب من هؤلاء المرحلين من الجزائر غداة الاستقلال وخلفهم، وهؤلاء انتقدوا فيلم "الخارجون على القانون" لمخرجه رشيد بوشارب لأنه يسلط الضوء على مجازر 8 ماي 45 وعليه فهذه الجماعة من المرحلين من الجزائر غداة الاستقلال وخلفهم يؤدون دورا بارزا للحيلولة دون اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية·
أما على المستوى الحكومي، فالمؤسسات كمؤسسة الجيش في فرنسا تعترض هي الأخرى على كل اعتراف بجرائم الاستعمار، لأنها إن فعلت ذلك ستكون في الصفوف الأولى لقفص الاتهام، وبما أن الجيش مؤسسة قوية فتأثيرها حاسم في هذا المجال.
أنيس نواري
حين كانت فرنسا لا تحب الثورات!
استعادت فرنسا شهوتها الاستعمارية، بعد قرابة ستة عقود من الثورة الجزائرية، التي لم تكن تعبيرا عن هزيمة قوة استعمارية كبرى في مستعمرة عملت كل شيء من أجل البقاء فيها، ولكنها كانت بداية النهاية للكولونيالية بكل أشكالها في العالم أجمع.الريح الاستعمارية هبت هذه المرة على نخب سياسية في اليمين الحاكم في فرنسا، لم تكتف بتمجيد ماضي الاستعمار بل أنها انخرطت في الفعل الاستعماري الجديد الذي دشنه المحافظون الجدد في أمريكا وبريطانيا، ونفذ عبر الحلف الأطلسي ذاته الذي استنجدت بها فرنسا لقبر الثورة الجزائرية، مع تغيير في الليفتينغ وفي تسمية الدور، لأن الناتو الذي كان يقمع الثورات، صار يقوم بالثورات في زماننا ويضمن حماية جوية للثوار ويشل قدرات أعدائهم على الأرض، ثم ينسحب طوعا بعد أن ينجز مهمته بنجاح، أي بعد أن يقتل الثوار العدو الأسير!يذكر الجزائريون جيدا ما فعلته قوات الحلف الأطلسي على أرضهم، لذلك لم يصدقوا الدور الجديد الذي ينسبه حلف الاطلنطي إلى نفسه، في العراق وأفغانستان وأخيرا في ليبيا، ونظروا بتوجس إلى هذا الدور وتقاسمت النظرة النخب الحاكمة و الطبقة السياسية والمثقفون والعامة.
و سوف تكشف الأيام القادمة مدى صواب النظرة الجزائرية إلى هذه الآلة الاستعمارية الخطيرة، أي حلف أقوياء الأرض على ضعفائها، بعد أن ينقشع غبار المعارك في ليبيا وتستولي القوى الاستعمارية على مصادر رزق شعبها.
نعم، لم تشف فرنسا من حكاية انفصالها الدموي عن الجزائر، لذلك أخذت في بناء الأحلاف وتطويق هذا البلد من كل مكان، وبعدما كان ساسة فرنسا يخجلون من ماضيهم الاستعماري، كسر ابن المهاجر المجري الذي يتقمص نابوليون القاعدة ، ولم يكتف بتمجيد عار أسلافه بل بدأ يعد الفرنسيين بإيجاد حلول لمشاكلهم الداخلية عبر نشاطات استعمارية جديدة يستولي بموجبها على ثروات أهل الجنوب. وسيجد مناصرين لهذا الخطاب في الأوساط الثقافية والإعلامية والنخب الجنوبية المتعطشة إلى السلطة.
الجزائر قاومت هذا التوجه الاستعماري الجديد بإلحاح على طلب الاعتذار، في معركة سياسية جديدة لا زالت قائمة ولازال اليمين الحاكم في فرنسا يتعامل مع المطلب الجزائري بعدوانية من فهم أن الجزائريين يريدون أن يضعوا فرنسا أمام صورتها الحقيقية وأمام مأزقها الأخلاقي وفعلها الإجرامي الآخذ في العودة. أي أن الأمر يتعلق باعتراف تتبعه توبة وقطيعة مع الميراث الاستعماري، وهو ما لا يريده الفرنسيون الذاهبون في رحلة صيد جديدة.ومثلما يعرف الجزائريون فرنسا، تعرف فرنسا ألا أحد يعرفها أكثر من الجزائريين الذين يعرفون أن ما تقوم به فرنسا اليوم اسمه"استعمار" حتى وإن لبس لباس الثورات في عالم عربي أختار أو أكره على لعب دور الفريسة على مر العقود والأزمنة.وبالطبع فإن هذا السلوك الجزائري يزعج باريس كما اعترف بذلك سفراءها في المنطقة الذين وجدوا الطريق سالكة لدى مستضيفيهم في مختلف البلدان، ما يعني أن المعركة بين البلدين مازالت متواصلة على عدة مستويات واقعية منها ورمزية. وأن الجزائر ستتحمل ، مرة أخرى، عبء مواجهة الموجة النيوكولونيالية بخطابها وأفعالها، كما واجهت قديما الآلة الاستعمارية الفرنسية الأطلسية، حين كان الحلف الأطلسي وفرنسا لا يحبان الثورات.
سليم- ب
السعيد عبادو الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين للنصر
لا يمكن بناء صداقة مع فرنسا على حساب الذاكرة
يوضح السعيد عبادو الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين انه لا يمكن بناء صداقة حميمة مع فرنسا على حساب الذاكرة، ويرى أن مواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي يفر ضان على فرنسا الاعتراف بما اقترفته من جرائم في حق الشعب الجزائري وتعويضه عن ذلك ورد كل ما سلب منه، لكن للأسف القانون الدولي يطبق بمكيالين، كما يقرر عبادو أن ما كتب عن تاريخ الثورة غير كاف أبدا ولا يناسب تضحيات شعب لمدة سبع سنوات ونصف، وهو يدعو في هذا الصدد السلطات للإفراج عن أرشيف هذه المرحلة واستعادة الأرشيف الموجود لدى فرنسا، ويقول انه لا يوجد أي مسكوت عنه في الثورة.
أجرى الحوار: محمد عدنان
النصر:بعد خمسين سنة من الاستقلال مازلنا نتحدث عن نقاط ظل في كتابة تاريخ الثورة كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
السعيد عبادو: هذا أمر طبيعي.. ثورة بحجم ثورة أول نوفمبر ما كتب عن تاريخها جزء قليل من كثير، لم نعط الأهمية اللازمة لكتابة هذا التاريخ، والواجب يفرض علينا أن نتجند كلنا مجاهدين وأساتذة وباحثين بالدرجة الأولى، لأن مراكز الدراسات والمؤسسات والمتاحف هي التي تهتم بالتاريخ وما على المجاهدين سوى تقديم الشهادات لابد أن يكون هناك تكامل، هناك جهود بذلت في هذا الصدد لكنها غير كافية أبدا، والواجب يفرض علينا أن نجند كل الإمكانيات والوسائل في كل الميادين من مسرح وسينما وأشرطة ومتاحف وغيرها، لأن الثورة كانت جبهة وطنية متحركة والشعب الجزائري كان يحارب على كل الجبهات، فكانت هناك الجبهة العسكرية الحربية، و هناك جوانب دبلوماسية وإعلامية ورياضية و فنية، فتنظيم الثورة شمل كل الميادين ومن واجبنا أن نعطي كل ميدان حقه.
ما كتب عن تاريخ الثورة غير كاف أبدا ولا توجد نقاط ظل فيه
المجاهدون لا يستطيعون كتابة التاريخ أما الذين يكتبون التاريخ هم المؤرخين والباحثين، ومن يجمع الوثائق ويحللها هي مراكز الدراسات والبحث وغيرها، وارى انه من واجب الجامعة الجزائرية أن تحتضن كتابة تاريخ الثورة لأنها تملك الوسائل والإمكانات.
حقيقة هناك كتابات في مختلف المجالات ومذكرات لمجاهدين وهناك دراسات لا بأس بها لباحثين ومؤرخين لكن خلاصة ما كتب ليس في مستوى حجم ثورة أول نوفمبر وتضحيات شعب خلال سبع سنوات ونصف، فالتاريخ ملك لكل الأجيال ومن حقها الاطلاع عليه والاستفادة منه من اجل حماية وبناء البلاد، ومنظمة المجاهدين لا يمكنها إلا أن تكون في الطليعة بالنسبة لهذه المسألة.
- هل هناك المسكوت عنه في كتابة تاريخ الثورة لأننا نلاحظ أن المؤرخين والمهتمين لم يتطرقوا لمسائل تشغل الرأي العام؟
ليس هناك نقاط ظل أو أخطار أو تجاوزات كما يقول البعض، هناك اجتهادات في ظروف معينة، وبعد الاستقلال كل واحد قدم تفسيرا للأحداث، لكن لابد أن تكون هذه التفاسير وفق الظروف التي عاشتها الثورة، لأن هذه الأخيرة وقادتها كانت وراءهم أهداف يجب تحقيقها هي الاستقلال، والاستعمار كان شرسا وقيادة الثورة كانت تعمل على وحدتها واستمراريتها واستقلاليتها، فالأمر لم يكن سهلا لذلك لابد أن نفسر ما حدث وفق هذه الظروف، دون أن ننسى أننا بشر وأغلبية الثوار غير متعلمين ومستواهم محدود جدا والقلة القليلة منهم من كان لها مستوى تعليمي، هذا هو تحليلنا لمسار الثورة أما توجيه الاتهامات فغير مقبول.
- ما هي الجهود التي تقومون بها على مستوى منظمة المجاهدين لكتابة تاريخ الثورة؟
المنظمة لا تكتب التاريخ بل تحث المجاهدين والمجاهدات على الإدلاء بشهاداتهم في المتاحف ومقرات المنظمة وغيرها، وتسليم هذه الشهادات والوثائق والصور للمؤرخين الذين يهتمون بكتابة تاريخ الثورة.
- هل كتابة تاريخ الثورة من مسؤولية وزارة المجاهدين إذن؟
حتى وزارة المجاهدين لا تكتب التاريخ هي جهاز حكومي يحضر المعلومات والوثائق والدراسات وتوفر الإمكانيات، والمنظمة تحث المجاهدين ليل نهار للإدلاء بشهاداتهم كما عاشوها وللمؤرخ التحليل والاستنباط ومقارنة الشهادات وكتابة التاريخ على أسس علمية واضحة ومن ثمة تبليغه للأجيال الصاعدة، إذن فكتابة التاريخ من مهام المؤرخين.
- كتابة التاريخ تقودنا للحديث عن الأرشيف يجب الاطلاع على الأرشيف كاملا حتى يتسنى للمؤرخين والمهتمين كتابة التاريخ بدقة وموضوعية؟
نعم كتابة التاريخ تحتاج للاطلاع على الأرشيف سواء الموجود في الجزائر أو الموجود عند فرنسا، فكتابة التاريخ تحتاج للاثنين، في الجزائر ليس هناك اهتمام بموضوع الأرشيف كما يجب، والأرشيف الموجود هنا لابد أن يوضع في مقر الأرشيف الوطني وفي أماكن أخرى حتى يكون بين أيدي المؤرخين.
ونتيجة للمعارك والظروف أخذت فرنسا جزءا كبيرا من أرشيف الثورة، ومن الواجب أن ترده لنا لأنه ملك لنا، وبالمقابل يجب أن نطلع على الأرشيف الفرنسي الذي كتب عن الثورة حتى يستطيع المؤرخون المقارنة بين ما يقوله المجاهدون وما تقوله فرنسا، لكن للأسف الفرنسيين يرفضون تسليم هذا الأرشيف، وحاولوا فقط تسليم أرشيف خاص ب"صوت البلاد"، أي الدعاية التي كانوا يبثونها من اجل تخدير الشعب الجزائري.
- لكن حتى هنا في الجزائر لم تفرج السلطات عن الأرشيف لماذا في اعتقادكم؟
اسأل هذه الجهات عن ذلك لقد قلت في البداية أن هذا الأرشيف لابد أن يوضع في أماكن عمومية يصنف ويبوب، وحتى يتمكن المؤرخون وغيرهم من الاطلاع عليه وهذا هو رأينا ومطلبنا يوميا.
- بعض المشتغلين على كتابة التاريخ يرون أن فرنسا من المستحيل أن تسلمنا الأرشيف الخاص بالثورة لأنه يدينها ويكشف الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الجزائري؟
اعتقد أن الفرنسيين بإمكانهم تسليم أرشيف الثورة لكن يصعب عليهم تسليم الأرشيف الذي يدينهم، الخاص بالجرائم التي ارتكبوها لأنه لا يوجد أي كان يشنق نفسه بنفسه، لكني أرى أن صفحة الاستعمار طويت ومن واجب الفرنسيين أن يطلعوا الأجيال الجديدة على الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية كي تتعظ هذه الأجيال خاصة لما نرى ما يحدث اليوم في بعض البلدان، من واجب الفرنسيين أن يطلعوا الأجيال الفرنسية الجديدة على هذه الجرائم وهذا يعتبر تصحيح للوضع، حقيقة الأمر ليس سهلا عليهم لكني اعتقد انه الطريق السليم.
- برأيكم ماذا يمنع فرنسا من تقديم الاعتذار للشعب الجزائري عما اقترفته في حقه؟
رأينا هو انه كل من قام بجريمة مادية موجودة عليه أن يعترف بها وان يعتذر عنها، وهذا ليس نقصانا من قيمة أي شعب أو أي دولة، وإذا سرقت أي دولة مستعمرة وثائق وأموال من شعب استعمرته من واجبها أن ترجعه ذلك الشيء المسروق كما تنص وثائق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، ومن الحق أن تعوضنا فرنسا عن سنوات الاستعمار وقد حدث هذا قبلنا عندما دفعت ألمانيا ثمنا غاليا لفرنسا ولليهود، لماذا تطلب فرنسا من الآخرين أن يعتذروا وتنسى نفسها،هناك قوانين ملزمة في هذا الشأن لكن هناك سياسة الكيل بمكيالين.
الطريق السليم أن تطلع فرنسا الأجيال الجديدة على جرائمها
تعويض ألمانيا لفرنسا كان على أساس قوانين دولية، ومحاكمة النازيين الألمان كان على أساس قوانين أيضا، وفرنسا كان وراءها دعم دولي لما تحررت ولما فرض على الألمان تعويضها وإعادة بنائها، وبالعكس الجزائر ورثناها مخربة وحتى التعهدات التي جاءت في اتفاقيات ايفيان لم تحترم فلماذا هذا الكيل بمكيالين؟
- قلتم في تصريح سابق لكم لا يمكن الحديث عن شراكة حقيقية بين الجزائر وفرنسا قبل الاعتذار، كيف ونحن نرى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين متقدمة عكس العلاقات السياسية؟
قلت لا يمكن للجزائر أن تؤسس لعلاقة صداقة حميمة، وتعاون حقيقي إذا لم تعتذر فرنسا ولم تعوض، الصداقة لا يمكن أن تبنى على طمس الذاكرة.. لابد من تصفية الجو قبل ذلك، إذا كنا نرغب في تعاون يكون في فائدة الشعبين لا بد أن لا نترك هذا الجو يطغى، فلا يمكن بناء صداقة على حساب الذاكرة، نحن لمن لا يعلم لا نريد خلق مشاكل بل ليس هناك متسامحا مثل المجاهدين ولا نعرف الأحقاد أبدا، لكن هم بعد خمسين سنة من الاستقلال أطلوا علينا بقانون يمجد الاستعمار، هل رأيتم في التاريخ من يمجد الاستعمار والخونة، هذا أمر خطير وراءه مقاصد فهم يريدون بذلك التخلص من كل من يتخذ موقفا من الاستعمار والإرهاب وغيره وكل من له علاقة بالنضال، إذن من حقنا نحن كذلك أن نفكر في قانون يعاقب كل من يسيء للثورة وللآفلان والمجاهدين خلال الثورة، وان نرفع دعوى ضده لأنه هناك من يقول أن الآفلان ارتكب مجازر خلال الثورة، نتأسف ان المستعمرين وأحفادهم ما زالوا يحملون هذه الأفكار الرخيصة التي لا تتناسب مع تطور الشعوب ومع فرنسا الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
- تحدثتم في المدة الأخيرة عن نيتكم إنشاء قناة تلفزيونية خاصة بالمنظمة هل يمكن أن نعرف إلى أين وصل التفكير في المشروع؟
القناة تحتاج لأموال، ونحن في المنظمة ليست لدينا أموال لذلك سنستعين بمجاهدين، نحن نشعر أن القنوات الحالية لم تقم بدورها كما يجب وإلا لما فكرنا في هذا الموضوع أبدا، وكنا قد طلبنا خلال المشاورات أن تؤسس الدولة قناة تلفزيونية وإذاعية تهتم بالتاريخ.
- تعرف العديد من البلدان العربية أحداثا واضطرابات وصلت إلى درجة مأساوية كما حصل في ليبيا كيف تنظرون لهذه الأحداث وما الحل في نظركم؟
يجب على كل الدول والشعوب العربية أن تقضي على الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعيات قبل فوات الأوان لأن هناك أسباب حقيقية وهناك مصالح الدول الكبرى، علينا أن نكون يقظين وان تقام علاقة روحية وطيدة أصيلة بين رجال الحكم والشعب الجزائري والتكفل بالقضايا الحقيقية للمواطن حسب الإمكانيات المتوفرة كي لا نترك الأسباب والظروف التي يمكن أن تفرز الجو للتدخلات الخارجية أو تخدم أجندة خارجية.. لابد أن لا نعطي الفرصة للخارج، وان نتكفل بالقضايا الأساسية للشعوب سواء بالنسبة للجزائر أو في الدول الأخرى.
المشاكل الحقيقية معروفة والمشاكل المختلقة معروفة لذلك لابد أن يكون هناك اتصال وتواصل بين الجماهير والمسؤولين في كل المستويات وتحديد أولويات المواطنين والسهر على راحتهم وإقناعهم بإمكانيات الدولة لأن بعض المواطنين يجهلون بعض الأمور، علينا أن نستفيد مما حدث في بلدان أخرى وان كنا كجزائريين قد سبقنا هذه الشعوب وعشنا أزمة خطيرة كادت أن تذهب بالجزائر، لكن بفضل تجند الجميع تجاوزناها و علينا أن لا ننساها وقد أفادتنا وأخذنا منها التجربة.. أفادت الحكم والمواطنين على السواء، وعلينا اليوم أن نعمل على أن لا يتكرر هذا النوع من الأزمات.
م -ع
سكان الركنية و بوحمدان بقالمة يتذكرون مجازره الرهيبة
لومان كان يراهن جنوده على جنس الجنين فيبقر بطون الحوامل
يسترجع سكان الركنية و بوحمدان بقالمة شريط المآسي و المجازر الفظيعة التي ارتكبها القائد الفرنسي لومان الذي تطوع رفقة العقيد جون بيار لتطهير القلعة الحصينة من الثوار و الأهالي الواقفين الى جانبهم.
كانت المهمة صعبة أمام لومان و كتيبة الموت التي كان يقودها و كان للتحدي الذي رفعه قادة الثورة بالمنطقة المحرمة ثمنا باهظا: مشات أحرقت بالكامل ، مئات الضحايا منهم من سقط في جبهات القتال و منهم من أعدم، نهب للممتلكات و تهجير قسري لبقايا السكان الذين فروا إلى مناطق أخرى بعيدة هروبا من حرب الإبادة التي وصلت الى حد التطهير العرقي عندما قرر لومان بقر بطون النساء الحوامل لتسلية جنوده و إقامة الرهان بينهم حول جنس الجنين ذكر هو أم أنثى.
بين هذه الجبال و الأودية و الكهوف السحيقة دارت أشرس المعارك مع كتيبة المجرم لومان و بين هذه الجبال أيضا كانت نهايته على يدي جندي من جنوده في يوم من أيام الثورة العظيمة. يقول شهود عيان عايشوا وقائع الثورة بأن ما كان يعرف بالمنطقة الثانية بالولاية التاريخية الثانية التي تقع اليوم على الشريط الفاصل بين بلديتي الركنية و بوحمدان كانت من بين المعاقل الحصينة للثورة فيها تعقد الاجتماعات و توضع الخطط و يعالج الجرحى و منها تنطلق المعارك الكبرى و قد كانت الجغرافيا المعقدة الى جانب قادة الثورة بالمنطقة مما صعب من مهمة القوات الاستعمارية التي عجزت عن بسط سيطرتها على جبال مرمورة، الشعايرية، القرار ، دباغ ، عيون القصب و بوعربيد فقررت تسليم المهمة الى كتيبة لومان التي انتهجت أسلوب الصدمة و الرهبة.
إبادة شاملة للإنسان و الحيوان
بقايا سكان المنطقة المحرمة مازالوا يتذكرون الجرائم البشعة التي ارتكبها لومان و التي طالت الإنسان و الحيوان حتى وصل الأمر الى حد إقامة الرهان بين جنود لومان حول ما إذا كان الجنين في بطن أمه ذكرا أم أنثى تفتح بطون النساء الحوامل و هن أحياء و تستخرج الأجنة و يحتفل الجندي الفائز بكسب الرهان ثم يذبح الجنين و تعدم أمه رميا بالرصاص بأمر من لومان الذي يقوم أيضا بتدريب جنوده على فنيات الرمي و القنص من مسافات بعيدة حيث تتخذ البغال كأهداف للقنص أما الأبقار و الأغنام فكانت تساق الى أسواق مدينة عزابة المجاورة لبيعها هناك و اقتسام أموالها بين جنود لومان الذين تتشكل غالبيتهم من الحركى الذين خانوا الدين و الوطن و تحولوا الى مصدر رعب و أداة قتل رهيبة بالإقليم الغربي لولاية قالمة. و كانت نساء المنطقة المحرمة يرددن أناشيد ثورية خالدة أعطت دعما كبيرا للثوار و ضربت حركى لومان في الصميم يقول مطلع الأنشودة الخالدة
الحركي طويل طويل.. متحزم على القشابية
خوتوا يضربوا على الدين ..و هو يضرب على الشهرية
كانت الأنشودة تردد بالمنطقة المحرمة في عز الثورة تردد في الأعراس و في تجمعات المجاهدين و انتشرت كلماتها المدوية عبر العديد من مناطق الولاية فكانت الكلمة سلاحا آخر لثني عزيمة كتيبة الموت التي انتقلت الى أسلوب الحرق الذي طال المشاتي و حقول القمح و المواشي لكن الثورة لم تتوقف بالمنطقة المحرمة و طورت أساليب أخرى لمواجهة لومان حيث تم وضع نظام مراقبة لتحركات المجرم خلال ساعات الليل يعرف بنظام العسة الذي يراقب المنطقة من عيون القصب الى بوعربيد و يرسل نداء الهروب الى السكان مباشرة عند تحرك أول آلية للعدو و عند وصول لومان يجد المنطقة خالية من السكان و الحيوان و أمام هذا التحول طلب لومان من القيادة الفرنسية بقالمة السماح له بتخطي الحدود الجغرافية للمنطقة المحرمة و ملاحقة السكان الفارين. و يقول الشهود الذين عايشوا الوقائع الجهنمية بان لومان قام بسلسلة إعدامات جماعية بمشاتي بوغدير ، القرار ، مليلة، الملعب و عين براهم و سلب و نهب ممتلكات السكان و أحرق المنازل لكنه لم يتمكن من إنجاز مهمته و القضاء على الثورة و كانت نهايته على يدي جندي من جنوده بجبل الشعايرية في يوم تاريخي سقط فيه العديد من الشهداء و أعلنت فيه فرنسا الحداد على لومان الذي نقل جثمانه على متن مروحية حطت أمام الكهف الذي قتل فيه بينما كان يطارد المجاهدين حيث أجبر جنوده على دخول الكهف المظلم لكنهم رفضوا أوامره خوفا من الموت فقرر الدخول بمفرده عبر بوابة ضيقة بينما بقي جنوده خارج الكهف ينتظرون خروج الثوار من البوابة الثانية لكن لومان تاه في ظلمة الكهف و أخطا الطريق و خرج من البوابة الثانية التي كانت تحت مرمى النيران فأطلق عليه أحد جنوده النار و سقط صريعا على الفور فانتقمت له كتيبته و قتلت العديد من سكان المنطقة الذين وقعوا في الأسر قبل المعركة.
سكان المنطقة المحرمة يطالبون بتسليط الضوء على مجازر لومان
يقول سكان المنطقة المحرمة بان المجازر التي ارتكبها لومان لا تقل فضاعة و بشاعة عن تلك التي قام بها السفاح أندري آشياري بمدينة قالمة في 8 ماي 45 لكنهم تأسفوا لتغييب المنطقة طيلة هذه السنوات و طالبوا الباحثين و المؤرخين بتسليط الضوء على حرب الإبادة بالمنطقة المحرمة و استرجاع الأرشيف الخاص بها و إقامة نصب تذكاري بقلب المنطقة يخلد ضحايا تلك المجازر الذين يضافون الى قوافل الشهداء الذين سقطوا بجبال طاية ، مرمورة ، دباغ ، عيون القصب ، القرار ، بوعربيد و الشعايرية و هي المعارك التي طالها النسيان و أغفلها المؤرخون.
فريد.غ
محتشدات التعذيب تحت الأرض بسيدي قنبر
في رواق الإعدام تنتهك حقوق الإنسان وتداس الكرامة الإنسانية
بأعالي منطقة سيدي قنبر وعلى مرمى بضع كيلومترات من ضريحه شيد الاستعمار محتشدا جهويا للتعذيب والتنكيل بالمجاهدين وأبناء عامة الشعب المتعاونين معهم بشكل يوحي أن هذا العدو اعدم الكرامة الإنسانية وانتحر بها من أعالي تلك الجبال واقبر شعارات حقوق الإنسان في سهولها لان المبنى الجهنمي لا يمكن لعاقل أن يسوق إليه حيوانا أليفا ناهيك عن بني البشر.
قبل أن يخبرني بعض المجاهدين بحقيقة وجود هذا المحتشد عبرت مئات المرات ذاك المكان مند الصغر ولم أتصور لحظة أن يكون مسلخا للبشر ومذبحا للكرامة لان المحيط الطبيعي به رومانسي جدا غارق في الخضرة والحسن والجمال تختلج سهوله الوديان الرقراقة التي تتلاقى بسد القنيطرة وكثيرا ما تمنعت جباله عن الاحتراق لتبقي على خضرتها على مدار العام .لكن الحقيقة المخفية غير ذلك فخلف مساكن المعمرين الذين زينوها بحدائق الأزهار والورود والأشجار المثمرة شقت أخاديد للمضطهدين والمنافحين من اجل الحرية والانعتاق على غرار الشعوب الحية الثائرة فساقوا إليها ليل نهار من كل حدب الرجال والنساء للتعذيب والقتل والترهيب في رواق الإعدام من طرف من قال جئت لنشر الحضارة فمجد الاستعمار .
رافقني المجاهد رابح بولقرون رئيس جمعية أبطال أول نوفمبر ومجموعة من السكان وأهالي المنطقة فوقفنا وإياهم على أطلال مخيفة ومغارات رهيبة ففي أعلى التل بنيت غرف التعذيب التي ما تزال قائمة تلعن المستعمر وتشهد على بشاعته لمن يريد كتابة تاريخه الأسود وتقدم أدلة الإثبات لمن يريد أن يحاكمه في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية دخلنا إحداها فوجدنا جدرانها حجرية مخيفة وقد لصقت بها حلقات سلاسل كبيرة لتقييد المساجين وتعذيبهم وأعمدة حديدية تفصل بين كل سجين وآخر وبالكاد يتدفق بصيص النور الخافت من الخارج هذا إن فتحت الأبواب وبمحاذاة هذا بنيت غرف أخرى متداخلة الواحدة تقود إلى الأخرى وسط ظلام دامس والأمر ذاته يتكرر هنا حيث السلاسل التي لا تصلح حتى لتقييد الحيوان ناهيك عن الإنسان فهنا استنطق الكثيرون من مختلف المناطق في حدود ولايات جيجل وسكيكدة وقسنطينة تحت أعين الاستعمار ومن هذا السجن الحجري تمكن المجاهد الكبير إبراهيم شريط من الفرار والنجاة بأعجوبة في حين لقي من بقي من رفاقه حتفهم إعداما هناك وفي هذا المكان عذب الشهيد عمار فكراش الذي نهشته الكلاب .
نظرت أسفل هذا المكان فترائ لي غاران قال مرافقي إنهما سجنان أسوأ مما رأيناه الآن عزمنا على الهبوط للمعاينة حتى وصلنا فوهة الغارين لكننا لم نستطع الدخول لان الأتربة سدت المداخل وهنا تساءلت كيف تترك هذا المكان التاريخي بهذا الشكل وكان حريا بالسلطات المحلية أن تعيد تأهيله وتحوله إلى متحف للزوار والباحثين والمؤرخين قبل أن يشرع المجاهد والحضور الذين دخلوا المغارة خلال السنوات الأولى للاستقلال وبعدها لوصف ما بداخله فالمغارة الواحدة بداخلها غرف كثيرة على شكل زنزانات بنيت خصيصا للتعذيب وهي لا تختلف كثيرا عما شاهدناه سابقا سوى في شساعتها وكثرتها وقالوا إن هذا المكان لايدخله إلا الذين سيعدمون حتما فهو رواق للموت والإعدام وفي لحظة تأمل استحضرت آلاف الصرخات الليلية من رجال ثائرين ومسبلين وفدائيين قبل أن أفاجئ بان النساء أيضا عذبن وللعار في هذا الغار!
وليست الشهيدة زينب بوطلبة ببعيدة عن هذا المشهد المأساوي فالمرأة نكل بها وعذبت وماتت هناك تحت التعذيب وظلت جثتها تتآكل ولم يعثر على هيكلها العظمي إلا بعد سنوات من الاستعمار لان فرنسا أغلقته قبل رحيلها ولم تكلف نفسها عناء إخراج الجثث ولم يتعرف عليها ذووها إلا بالخاتم والسوار الذي ظل يقاوم الزمن وغير بعيد عن هذا الغار شق غار آخر ليكون أخدودا يعذب فيه المظلومون وما نقم منهم الاستعمار إلا أنهم امنوا بالله العزيز الحميد وبعدالة ما يجاهدون من اجله وحبهم للجزائر واستعدادهم التضحية بأموالهم وأنفسهم في سبيل تحريرها .
منطقة سيدي قنبر التي يتواجد فيها محتشد التعذيب ما تزال مساكن المعمرين العسكريين بها تحتفظ ببعض معالم جمالها وكثرة بساتينها ما دفع مرافقي عبد الحق وعيسو لإبداء تعجب وحسرة كيف بنى هؤلاء سجونا تحت السراديب للتعذيب على مرمى حجر من مساكنهم وأي نفسية هذه التي تجمع بين المتناقضات وكيف نشأ أبناؤهم بقرب السجون ولم تسمع نساؤهم ليلا صراخ المعذبين والمضطهدين ؟ .
ربما هي نفسية العربي الذي لا يرى الإنسانية إلا في بني قومه من الإفرنج .
ع/خلفة
شهادة تاريخية بكل التفاصيل الصغيرة عن ثورة نوفمبر
المجاهد رأس العين يؤرخ للثورة بمنطقته فرجيوة
يقدم كتاب المجاهد إبراهيم راس العين عن ذكرياته من مقاعد الدراسة بتونس إلى ملحمة الثورة التحريرية بالناحية الثالثة من الولاية التاريخية الثانية التي هي تقريبا حدود ولاية ميلة الحالية المنشور عن دار الهدى منذ أيام، صورا بسيطة عن قادة كبار للولاية الثانية، و من ذلك يستمد الكتاب الصغير أهميته.
يصف المؤلف العربي برجم المعروف باسمه الثوري العربي الميلي "أنه كان رجلا هادئا لكنه قوي الشخصية لا يعرف الهزل إلا نادرا" و قد كان الموصوف نائبا للقائد لخضر بن طوبال بالولاية الثانية و قد صنع جزءا من تاريخ الولاية خاصة في السنوات الأخيرة من حرب التحرير بمنطقة قسنطينة.
كان ابراهيم راس العين بمسقط رأسه فج مزالة و قد قرر عدم العودة إلى تونس أين كان يتابع دراسته حينما قرر الالتحاق بالثورة، و كان المجاهدون قد زاروا بيتهم في المنطقة المسمات عين بن شريط حيث توجد مزرعة للعائلة حاليا، و قد تحمس للقاء بالثوار بعد سماع الكثير من الروايات عنهم و خاصة ما كانت والدته تحكيه له عن أساطيرهم و تحولهم إلى كباش و نعاج حينما يمرون بحواجز للجيش الفرنسي.
في منتصف نوفمبر 1955 سمع كاتب المذكرات من أحريش علي أن الذين كان يريد لقاءهم سيحلون ببيتهم ليلا و قد جاء بهم لطرش الحناشي المدعو السعيد بوالشلاغم و في اللقاء تعرف صاحبنا على مبادىء وأهداف الثورة التحريرية و لما تلمس فيه الزوار مقدرة ثقافية و بعضا من الوعي حسب تعبيره عن نفسه بخجل و حياء في الصفحات الأولى من الكتاب كلفوه بجمع الإشتراكات و نشر مبادىء الثورة في المشاتي المجاورة لمدينة فرجيوة.بعد أيام التحق جامع الاشتراكات بمشتة مزهود و منها إلى دوار آراس الذي حصل فيه على لباس عسكري و بندقية حربية من نوع ماص 36 و تقلد مسؤولية تمثيل جبهة التحرير في المنطقة التي تمتد من دوار زارزة – لمنار شمالا إلى العلمة جنوبا بمهمة إرشاد المواطنين و إعدادهم للثورة و جمع الاشتراكات التي تقدم نهاية كل شهر إلى المسؤول الأعلى العربي بالرجم.
يروي صاحب المذكرات كيف صار صالح بو بنيدر و هو من قادة الولاية الثانية معروفا باسم صوت العرب فيقول أنه حينما إجتمع إطارات الولاية بمنطقة الجازية في نواحي القل لتلقي قرارات مؤتمر الصومام كان بوبنيدر يجلس بجانبه تحت شجرة بلوط يحكي وقائع هجومات 20 اوت 1955 بمنطقة الخروب بولايية قسنطينة و قال انه شاهد طائرتين تحلقان فوق رؤوسهما و الرواية لبوبنيدر كما نقلها راس العين و احدة كشفية و الأخرى صفراء فقال بوبنيدر لرفاقه أنها طائرتنا و أخبر إذاعة صوت العرب من القاهرة بذلك و منها صار بوبنيدر معروفا بصوت العرب.
في أواخر نوفمبر 1956 التقى المؤلف بالمجاهدتين مريم بوعتورة و مسيكة بن زيزة في جبال الحلفا بمركز عبد الرحمان امروج و قد جاء بهما إلى المركز السعيد ديلمي و قال أنهما فتاتان من قسنطينة التحقتا بالثورة عن طريق مدينة العلمة بولاية سطيف. و تكفلت بهما المرشدتان بالمركز حد مسعود عربية و بولفخار عائشة و طلبت بوعتورة لاحقا دخول قسنطينة كفدائية، بينما تولت بن زيزة مهاما في الميدان الصحي في مستشفى لجيش التحرير الوطني بالقرب من الميلية.
يصف المؤلف القرارات التي صدرت عن مؤتمر الصومام بأنها منحت الهيكلة و القواعد المتينة للثورة و قد طلب بالرجم منهم تنفيذها و الالتزام بها و خاصة تقسيم البلاد إلى ولايات و الولايات إلى مناطق و المناطق إلى نواحي و النواحي إلى أقسام.و يسير كل هيئة مجلسا يتألف من أربعة أشخاص واحد مسؤول عام و الثلاثة بين المهام العسكرية و السياسية و مهمة الإتصالات و الأخبار. كما تم تنظيم جيش التحريرو تقسيمه و إنشاء الكتائب و قوات الكومندوس.
كانت المنطقة موضوع المذكرات هي الناحية الثالثة من الولاية الثانية و التي يحدها خط السكة الحديدية بين العلمة بسطيف و التلاغمة من جهة الجنوب، و قد تولى راس العين مهمة كتابة التقارير الخاصة بجمع الإشتراكات بدلا من المسؤول عن ذلك لكونه حسب الراوي ضعيف البصرو و ذو ثقافة محدودة و كثير الهزل محبا للنكت و لا يتحاشى المسؤولين الكبار في هزله، لكنه كان محترما نظرا لماضيه القويم و لا يلتزم بكيفية كتابة التقارير المصاحبة لمبالغ الإشتراكات التي يتم جمعها من السكان و كان ابراهيم راس العين يقوم بكتابتها مكانه حسب ما يرد في صفحات الكتاب.يسرد المؤلف تفاصيل التنظيم في الولاية الثانية و يذكر أسماء المسؤولين عن كل هيئة و يقول أن إضراب جانفي 1957 لمدة ثمانية أيام منعت الثورة خلاله الناس من الخروج تعبيرا عن تمثيلها للشعب الجزائري مع بدء تناول المسألة الجزائرية في هيئة الأمم المتحدة و لم يخرج أوامر الثورة سوى شخص واحد بمدينة التلاغمة خرج في سيارته و عند مغادرته المدينة اصابته رصاصات المجاهدين بجروح و تبين للعالم أن "الفلاقة" يمثلون الشعب الجزائري و ليس أنفسهم كما قال مندوب فرنسا في الهيئة الأممية.
من المعلومات التي يوفرها الكتاب أن قيادة الثورة أفتت بجواز تقليص نصيب الزكاة في الحبوب إلى الخمس بدل العشر المفروض شرعا و ذلك تقديرا لظروف الحرب، و قد تحدث صاحب المذكرات عن تموين الثورة و طرق القوافل التي تنقل الحبوب من جنوب الولاية حيث الحقول إلى شمالها الجبلي. و تحدث عن مصادر السلاح و كانت البداية بجمع ما لدى السكان من أسلحة، و منها أسلحة حربية احتفظ بها الجزائريون من أيام الحرب العالمية الثانية، و أسلحة يتم غنمها من المستعمر الفرنسي، و أخرى يمدهم بها جزائريون مجندون في القوات الفرنسية و التحاق بعضهم بالثورة من داخل ثكنات العدو الفرنسي مثل التلاغمة، و يقول أن بعض السلاح تم الحصول عليه بفضل جهود الكتائب السبع التي اتجهت إلى تونس في أوقات مختلفة لجلبه.
يروي المجاهد ابراهيم رأس العين في مذكراته العديد من القصص التي لا توجد في كتب التاريخ الكلاسيكية و منها قصة تمرد فرقة من جيش التحرير بالقسم الثاني في صيف 1958 بسبب ما كان عناصرها يرونه ظلما و تمييزا في إسناد المسؤوليات لمن هم أقل كفاءة، و لم ينتظر المتمردون عودة المبعوث عنهم إلى تونس المسمى سي خالد و هو شاب مثقف باللغة الفرنسية لتقرير موقفهم كما لم يتأخر الموالون لقيادة جيش التحرير بالقسم عمن مهاجمة المنشقين بقمم جبال دوار بوصلاح نهارا و كان المتمردون قد تحصنوا بغار الظلام، و اشار كاتب المذكرات أن قوات فرنسا لم تتدخل في ذلك لاغقتتال بين الإخوة و بقيت تراقب المعركة و قد فر بعض المتمردين الى جبال بوطالب فلحقهم خصومهم و أتوا بهم منهين حالة التمرد و تم توزيعهم فيما بعد على عدة نواحي بعيدة و تمت محاكمة المسؤولين عن " الإنزلاق" و تم تنفيذ الحكم فيهم جميعا إلا واحدا قام بتسليم نفسه و عفي عنه بمناسبة ذكرى أول نوفمبر 1958.و قد حضر الحفل الخاص بتلك المناسبة بدشرة بوداود بدوار تسالة و كان فرحا حاملا لشهادة تخرج من جامع الزيتونة و لكن فرحته لم تدم طويلا فقد تعرض لتنفيذ الحكم الصادر ضده من قيادة الثورة لاحقا، و اما مبعوث الفريق إلى تونس فقد ألقي عليه القبض هناك و تم أسره و عاش حتى الاستقلال و قيل أنه صار تاجرا بالحراش شرق العاصمة فيما بعد.في قسم من الكتاب يسرد المجاهد بقية نضاله في صفوف حزب جبهة التحرير بعد الاستقلال بميلة ثم بقسنطينة و كيف تشكك فيه محمد خيضر رفقة آخرين من مناضلي فيدرالية قسنطينة بانه يوالي العربي برجم ضده كمسؤول عن الحزب سنة 1964 و يشرح كيف أن خيضر كان يعتقد أن كل مناضلي الأفلان بقسنطينة مناصرون لخصمه بالرجم. و الحقيقة أن برجم أدلى بتصريحات صحفية سنة 1962 ضد محمد خيضر و بقي هذا الأخير يحملها ضغينة لكل المناضلين من جهة قسنطينة، خاصة الذين إعتمد عليهم برجم في بناء هياكل الحزب بالمدينة غداة نهاية أزمة صيف 1962 بين الولايات، كما تناول فوزعه على بشير منتوري في إنتخابات المجلس الشعبي الوطني لعهدة 1977/1982 ممثلا لدائرة فرجيوة التي كانت تابعة لولاية جيجل وقتها و قد حضر حفل التنصيب الزعيم الكوبي فيدال كاسترو يوم 05 مارس 1977 إلى جانب الرئيس هواري بومدين مثلما يروي صاحب المذكرات. كما تطرق لفشله في الحفاظ على مقعده النيابي للعهدة التالية و عاد مديرا لمدرسة الإدريسي بحي بوذراع صالح بقسنطينة قبل أن يستعيد مقعده النيابي في العهدة 87/92 و هي الأخيرة قبل التعددية الحزبية.
كتاب مذكرات المجاهد راس العين ابراهيم جدير بالمطالعة لكونه يختلف عن كتب التاريخ التي تحمل سياقا سياسيا و تسقط في فخ تمجيد و تقديس الثورة و لا تكون كتبا للتاريخ بقدر ما هي كتابات "بروباغوندا" و دعاية صارت الأجيال الجديدة على حذر منها.
عرض : ع.شابي
عبد الله مرداسي شاهد على مجازر بجبال الطارف
قيادات الجيش الفرنسي كانت تخدر الجنود قبل ارتكاب المجازر
قال المجاهد عبد الله مرداسي بأن جنود المستعمر الفرنسي كانوا يقدمون على إحتساء مشروب يعرف بتسمية " الشمشم " قبل خوضهم مختلف الهجمات التي كانوا قد شنوها على قرى و مداشر ضاحيتي عنابة و الطارف، مضيفا بأن هذا المشروب يجعل الإنسان يفقد كامل وعيه، و قد استعمله مسؤولو القوات الفرنسية لدفع جنود جيشهم إلى المواجهات المسلحة المباشرة مع عناصر الجيش الجزائري، و كأن القوات الفرنسية لجأت إلى هذا المشروب، لإزالة الخوف عن جيشها، و إلزامه على مقاومة العزيمة الكبيرة التي أظهرها الجزائريون من أجل تحرير وطنهم.
و أشار عضو المكتب الولائي لمنظمة المجاهدين بولاية عنابة إلى أن جنود جيش جبهة التحرير الوطني تفطنوا لمفعول هذا المشروب إثر بعض المعارك التي دارت بين الطرفين بضواحي منطقة الشافية، لأن الجنود الفرنسيين و الذين كانوا يخشون المواجهة المباشرة مع الجيش الجزائري أصبحوا يتجرأون على الوقوف في الطريق، و عدم الهروب من الأماكن التي كان الجزائريون يختبأون فيها، ليستطرد محدثنا بأن مشروب " الشمشم " كان موجها فقط لجنود المستعمر الفرنسي، و ليس للقادة، و قد علم أفراد جيش جبهة التحرير الوطني بهذا الأمر عن طريق معلومات تحصلوا عليها من طرف بعض المخبرين، الأمر الذي دفعهم إلى أخذ احتياطاتهم في المواجهات المسلحة المباشرة مع الجيش الفرنسي، كون هذا المشروب عبارة عن مخدر يفقد متناوله الوعي مباشرة بعد إحتساء كمية منه، و السلطات الإستعمارية الفرنسية كانت قد عمدت إلى إدراجه ضمن ذخيرة جنودها في محاولة لدفعهم إلى الصمود أمام الإرادة الجزائرية.
و بخصوص نشاطه النضالي أوضح عبد الله مرداسي بأنه ينحدر من عائلة ثورية كانت تقيم بمنطقة بوثلجة بولاية الطارف، و أن الثورة زحفت إلى هذه الضاحية في بداية سنة 1955، لما نزل أول فوج يتشكل من ثلاثة مجاهدين ضيفا على سكان القرية، و قد إختار منزل عائلة مرداسي كمقر مؤقت للإقامة، حيث كانت البداية بإلقاء خطاب على مجموعة من الشبان للتعريف بأهداف ثورة التحرير المجيدة، قبل أن يتم إختيار ثلاثة أشخاص كمنسقين لجيش التحرير الوطني بمنطقة بوثلجة، رغم أن تحمس الشبان للمساهمة في تحرير الوطن دفع يضيف محدثنا " بالعشرات من سكان بوثلجة إلى الإلتحاق بالجبال، لأن المستعمر تلقى معلومات عن الإجتماع السري الذي عقده ثلاثة مجاهدين بمنزلنا، مما أجبر والدي على الإنضمام بصفة علنية إلى صفوف جيش التحرير، برفقة شقيقين لي، بعدما أصبحوا مستهدفين من طرف المستعمر الفرنسي، لكن الوالد إستشهد في سنة 1957، لألتحق إثرها بالجيش، رغم أن مسؤولي مجموعة التي كانت تنشط على مستوى المنطقة حاول منعي من الإنضمام إليهم، بحجة وجود ثلاثة أفراد من عائلتي ضمن المجاهدين، فضلا عن كوني لم أكن أتجاوز 16 سنة من العمر، لكنني نجحت في إقناعهم، سيما و أنني كنت مستهدفا من طرف الجيش الفرنسي، و قد كلفت في البداية بتحرير الرسائل الموجهة للمجاهدين في باقي المناطق ".
و عن المعارك التي شارك فيها و يبقى يحتفظ بها لم يتردد عمي عبد الله في التأكيد على أن معركة سوق أهراس الكبرى دامت قرابة أسبوع دون إنقطاع، و خلفت أزيد من 600 شهيد في صفوف عناصر جيش جبهة التحرير الوطني، كما أن هناك بعض المجاهدين ممن تعرضوا لإصابات خطيرة، إستدعت وضعهم في " مغارات صغيرة " هروبا من ملاحقة الجيش الفرنسي، لكن حالتهم الخطيرة جعلت جروحهم تتأثرأكثر، إلى درجة أن " الديدان " ظهرت على أجسام المعطوبين من الجنود، خاصة و أن المعركة إستغرقت وقتا طويلا، و الوقت لم يكن متوفرا لتقديم العلاج للجرحى.
هذا و تبقى معركة جبل بوعباد بمنطقة الشافية من أهم المحطات التي لا تزال راسخة في ذاكرة المجاهد عبد الله مرداسي، لأن عناصر الجيش الوطني الشعبي كانت بصدد إقتياد مجموعة من الشبان القاطنين بضواحي سيدي سالم و الذرعان من أجل تجنيدهم، إلا أن المعلومات التي بلغت المستعمر الفرنسي جعلت قواته تنصب كمينا لإفراد الجيش على مستوى قرية الشافية، لتندلع مواجهات دامت ثلاثة أيام، و كانت حصيلتها إستشهاد 15 شخصا.
على صعيد آخر أشار ذات المتحدث إلى ان نصب خط موريس صعب نسبيا من مهمة الجماعة التي كانت تنشط على مستوى المنطقة الممتدة بين جبال عنابة و الطارف، غير أن الأمور تعقدت أكثر بوضع خط شال، الذي كان حسبه بمثابة حصار على عناصر جيش جبهة التحرير الوطني، لأنه قلص دائرة نشاطهم إلى ضواحي القالة، الطارف، أم الطبول و الزيتونة، و لو أنه أكد بأن هذين الخطين أجبرا عناصر الجيش الجزائري على إتباع طرق أخرى للقيام بالمهام الموكلة لهم، مستشهدا في هذا الشأن بحادثة كان قد شارك فيها، لما أقدم المجاهدون الجزائريون على تركيب قوارب من الخشب و " الديس " و إستعمالها في نقل أسلحة و جماعة من عناصر الجيش، و كانت الإنطلاقة من شاطئ البطاح بالطارف، غير ان العدو الفرنسي تلقى معلومات بخصوص هذه الخطة، مما جعله يقوم بعملية مطاردة للزوارق الخشبية، لتندلع إثرها معارك ساخنة أسفرت عن سقوط 10 شهداء، لأن المجموعة التي كان ينشط معها كانت مكلفة بتحويل أفراد الجيش من المناطق الحدودية مع تونس إلى الولاية الثانية، مرورا بجبال الإيدوغ. صالح فرطاس
المجاهد لحوار مسعود أحد قدماء المحكوم عليهم بالإعدام
تخصصت في القضاء على الخونة وحكمت علي السلطات الفرنسية بالإعدام بسببهم
بن بلة كان يرفع معنوياتنا برسائله إلينا في السجن ويطمئننا بأن بزوغ شمس الاستقلال وشيك
كشف المجاهد مسعود لحوار المنحدر من ولاية المسيلة وهو أحد قدماء المحكوم عليهم بالإعدام خلال لقائنا به في العاصمة أمس أن مجاهدي جبهة التحرير الوطني الذين نقلوا الثورة إلى الأراضي الفرنسية واجهوا تحديات كبيرة بسبب العدد المعتبر من الخونة الذين عملت السلطات الفرنسية على زرعهم في كل مكان في محاولة منها لإجهاض الثورة والقبض على صناعها، ما دفع بجبهة التحرير إلى اتخاذ قرارات حاسمة تجاههم.
حاوره عبد الحكيم أسابع
وقال في شهادته أن الخونة وأعوان الاستعمار قد تسببوا في اقتياد الكثير من المجاهدين إلى السجن والحكم عليهم بمختلف العقوبات وروى كيف أن الخونة هم الذين كانوا وراء انكشاف أمر انضمامه إلى الثورة في باريس ووهم أيضا الذين كانوا وراء دخوله السجن في ناحية ليون وإدانته بعقوبة الإعدام.
المجاهد مسعود لحوار البالغ من العمر 83 سنة ورغم ثقل السنين عليه والتي أثرت على حبل ذكرياته وجعلته ينسى الكثير من أحداث الثورة إلي عايشها، قال للنصر أنه عندما التحق بصفوف جبهة التحرير في باريس عام 1956 واضطلاعه بمسؤولية رئيس خلية ثم رئيس فوج قبل أن يتقلد مسؤولية رئيس قسمة أدرك حقيقة الخطر الذي يشكله الخونة على الثورة ما جعله يتخذ رفقة أعضاء مجموعته قرارا بالحرص أكثر على تصفية كل من تثبت خيانته في باريس كما في جنوب فرنسا التي اضطر للانتقال للإقامة ومواصلة عمله الثوري به بعد أن كثفت السلطات الفرنسية من حملات البحث عنه في باريس.
وأشار أيضا إلى أنه في عز المواجهات التي كانت تحدث بين عناصر جبهة التحرير الوطني والمصاليين استطاع أن يقنع الكثير من هؤلاء المصاليين الانضمام إلى الجبهة.
كما عدد الكثير من العمليات التي شارك فيها واستهدفت تصفية كل رجل شرطة أو ضابط يوقف مجاهدا جزائريا ويرفض إطلاق سراحه.
و روى المجاهد مسعود لحوار كيف قضى على أحد عملاء فرنسا الذي كان يقض مضاجع الثوار في باريس لما يتمتع به من حماية من طرف الشرطة الفرنسية ويدعى '' طارزان '' حيث ظل يتعقبه كما قال إلى غاية القضاء عليه داخل إحدى المقاهي في ضاحية '' تري ''، إلى جانب قضائه على خائن آخر كان يزود زوجته الفرنسية بمعلومات عن الثوار لتتكفل هي بتسريبها للشرطة في سرية تامة.
أما أخطر خائن قضى عليه محدثنا فتم كما قال في منطقة ''بينا'' التابعة لناحية ليون وهنا يتأسف المجاهد مسعود لحوار بأن القبض عليه بتهمة قتل هذا الخائن ما كان ليكون لولا أن خائنا آخر قام بإبلاغ الشرطة عنه.
وأشار بهذا الخصوص إلى أن محاكمته تمت في مدينة ليون التي أدانته بحكم الإعدام إلى جانب إدانة شريكاه في العملية المجاهد مقمون علي ب 20 سنة سجنا والمجاهد شرفاوي ب 10 سنوات.
وأشار في نفس السياق إلى أن عدد الثوار المحكوم عليهم بالإعدام في سجن '' بينا '' الذي كان ينزل به بلغ 24 محكوما، وذكر بأن رئيس جمعية قدماء المحكوم عليهم بالإعدام الحالي مصطفى بودينة ( عضو مجلس الأمة ) هو الذي كان ينسق مع جبهة التحرير من السجن ويتولى توزيع المساعدات التي كانت الجبهة ترسلها للمحكوم عليهم، ملفتا إلى أن هذه المساعدات كانت تتمثل في 30 إلى 40 ألف فرنك قديم لكل سجين مدان بالإعدام.
المجاهد مسعود لحوار الذي مازال يتذكر فحوى الرسائل التي كان يرسلها إليهم بن بلة إلى السجن يبشرهم فيها بأن شمس الحرية قريب، تمكن من الخروج من السجن والتمتع بالحرية بمعية رفاقه وعدد آخر من الفرنسيين أصدقاء الثورة الجزائرية الذين أدينوا هم أيضا بالإعدام، مع بزوغ شمس الاستقلال حيث أقلتهم السلطات الفرنسية إلى سجن لامبيز في باتنة وهناك منحوا الحرية وذكر بهذا الصدد بأن المجاهد عبد الرحمان فارس هو من أشرف على عملية تسليمهم من طرف السلطات الاستعمارية وإطلاق سراحهم بناء على الاتفاقيات التي تمت بين البلدين.
ع.أسابع
المجاهد علي بدوحان
صلبني أعوان بيجار وعذبوني بالكهرباء وقيدوني بالحبل وألقوا بي في البحر في عز الشتاء
يقدم المجاهد محمد بدوحان وهو أحد المتقاعدين حاليا في قطاع التربية في هذه الشهادة الحية للنصر ظروف التحاقه بالنضال في صفوف الحركة الوطنية منذ أن كان كشافا أواخر الثلاثينيات قبل أن يلبي نداء الثورة عندما كان طالبا ثانويا سنة 1956، وكذا ظروف إلقاء القبض عليه وسجنه وتعرضه لشتى صنوف التعذيب على أيدي الجلاد أعوان السفاح الفرنسي مارسيل بيجار.
حاوره عبد الحكيم أسابع
يقول المجاهد محمد بدوحان المولود في الثامن ماي 1933 بجيجل أنه تشبع بالقيم الروحية والوطنية في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية التي التحق بها قبل أن يدرك السن السادسة في مسقط رأسه وتعلم في صفوفها المبادئ العسكرية والجندية الأولى، وذكر بأن قادة الحركة الوطنية في حزب الشعب ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية كانوا يستخدمون الكشافة كقاعدة خلفية للثورة، مشيرا إلى أن 18 شخصا من مجموعة ال 22 الشهيرة التي أعلنت عن انطلاق ثورة التحرير كلهم تكونوا في صفوف الكشافة.
وعن ظروف التحاقه بصفوف الثورة ذكر المجاهد بدوحان في شهادته بأنه عندما كان يدرس في ثانوية حيحي المكي بقسنطينة كان على اتصال بالثوار الذين كانوا ينشطون في منطقة جبل الوحش من خلال بعض الزملاء من بينهم الشهيد بشير بورغود ومصطفى بونميرة الذين كانا يتكفلان كما ذكر بإحضار المناشير التي تحض على الانضمام لصفوف الثورة.
وذكر في هذا السياق بأن الطلبة كانوا على استعداد للمشاركة في إضراب 19 ماي 1956 الذي قال أنه كان من بين نشطائه وروى كيف بدأ الاستعداد للالتحاق بصفوف المجاهدين في الجبل قبل أن تستدعيه الشرطة الاستعمارية في جيجل للاستفسار عن خلفية مشاركته في الإضراب هو المعروف بحسن سيرته وسلوكه ونتائجه الدراسية الجيدة.
وأشار محدثنا إلى أن أول اتصال له بالثورة سنة 1956 كان من خلال مجاهد من أصدقاء والده يسمى ريشان وهو صاحب معصرة زيتون، في ناحية منطقة تاكسانة ومجاهد آخر يدعى نايتالو فرحات '' تاجر متجول ''، واللذين كانا يتكفلان حسب روايته بالاتصال إلى جانب تكفلهما بتموين المجاهدين بكل ما يحتاجونه لا سيما بالأحذية والملابس. وذكر بأنه عندما اكتشفت السلطات الاستعمارية أمرهما ألقي القبض عليه هو الآخر وتعرض للضرب والتعذيب في سجن مدينة جيجل قبل أن يطلق سراحه لثباته على إنكار أي صلة له بالثورة ولا بالمقبوض عليهما الآخرين. ومضى المجاهد بدوحان في روايته بأنه مباشرة بعد حصوله على الإفراج المؤقت في انتظار محاكمته بمحكمة جيجل، تمكن من الحصول على بعض السلاح من إحدى الثكنات بجيجل قرر تغيير وجهته نحو العاصمة واستقر به المطاف في حي حسين داي وذكر بأنه بدأ العمل في مخبر فرنسي للأشغال العمومية قبل أن يتم طرده منه بسبب مشاركته في إضراب السبعة أيام الذي دعت إليه جبهة التحرير وتلقيه تهديدات من رئيسه الفرنسي في العمل بالتصفية بعد أن اشتبه فيه لعلاقته بالثورة.
وفي أعقاب ذلك روى المجاهد بدوحان كيف انضم إلى الحركة الثورية الجديدة المسماة مجموعة 81 عن طريق المجاهد محمد العيد دبزي، والتي جاءت كما ذكر لتعوض المنطقة الحرة التي تم تفكيكها من طرف السلطات الاستعمارية، موضحا في ذات السياق بأن المنظمة الجديدة المتكونة من 81 شخصا يوجد من بين أعضائها محمد ديدوش شقيق الشهيد ديدوش مراد، والشيخ عبد اللطيف القنطري والشيخ الربيع بوشامة مدير المدرسة الحرة بالحراش إلى جانب برادعي محمود وعبد الكريم العقون ومحمد الطاهر فضلاء الذي كان يشتغل في الإذاعة إلى جانب صوت إذاعي آخر من القسم القبائلي و هو كيسوري محمد السعيد الذي كان يترأس المجموعة فضلا عن سعادنة عبد النور الذي استشهد فيما بعد رفقة 18 عنصرا آخرا في المجموعة التي كانت تشكل شبكة اتصال وإسناد ودعم الثورة بمختلف احتياجاتها. وقال محدثنا أنه كان ينتمي في المجموعة إلى فوج سعادنة عبد النور '' الحاصل على مستوى السنة أولى علوم طبية'' وهو الفوج الذي قال أنه كان يتكفل بشراء الأدوية وتوجيهها إلى المجاهدين في مختلف المناطق.
ألقي القبض على المجاهد علي بدوحان أواخر سنة 1957 في ديار المحصول بالعاصمة من طرف الجيش الاستعماري ليقتاد في البداية كما ذكر إلى سجن الطاحونتين بناحية السانتوجان ( بولوغين حاليا ) قبل أن ينقله أعوان السفاح مارسيل بيجار إلى فيلا الزهور القريبة من شارع الشهداء حاليا والمعروفة بفيلا التعذيب أين تعرض لمختلف صنوف التعذيب.
وذكر بهذا الصدد أن أعوان بيجار تفننوا في تعذيبه بالكي بالكهرباء وغطس الرأس في حوض الاستحمام لمدد طويلة إلى جانب وضع أنبوب الماء في فمه وفتح الحنفية حتى تمتلئ بطنه وتتحول إلى أشبه ما تكون بالبالون أو الكيس المنفوخ وقال أن مدد تعذيبه التي استمرت حوالي 15 شهرا، كانت تدوم كل مرة فترة طويلة.
كما ذكر بأن الجلادين الذين كانوا يشرفون على تعذيبه لم يكن يهدئ لهم بال كل مرة حتى يجعلون كل مناطق جسده تسيل دما ويفقد وعيه من جراء مختلف أساليب التعذيب الوحشية المختلفة.كما أشار في ذات السياق إلى أنهم طالما قاموا بصلبه وتعذيبه وهو مجرد تماما من ملابسه حتى يكاد يهلك ثم يلقوا به فوق البلاط بغرفة مظلمة وتحت درجة برودة شديدة، وكان السؤال المتكرر الذي يداوم الجلادون على طرحه عليه يتعلق بعلاقته بأفراد مجموعة ال 81 ودوره فيها وهل هو المسؤول عن جمع السلاح الموجه للمجاهدين أم عبد النور سعادنة ومن ينسق أعمال المنظمة التي ينتمي إليها ومن هو رئيسها...وأضاف أنه أعيد إلى سجن الطاحونتين ذات يوم من شهر جانفي 1958 ومنه اقتيد إلى الشاطئ المحاذي أين جردوه مرة أخرى من ملابسه في وقت كانت درجة البرودة شديدة وقاموا بربطه قبل أن يلقوا به في البحر وكل ذلك من أجل حمله على الإدلاء بالاعترافات المطلوبة منه إلا أنه ورغم الآلام وابتلاعه كميات كبيرة من المياه والجروح التي تنزف باستمرار وحدوث نزيف من أنفه ومن فمه إلا أنه ظل ثابتا على موقفه رافضا الإدلاء بأي تصريح وقال أن ما ساعده على الثبات على موقفه يعود إلى التعليمات التي تم تزويده بها إلى جانب قراءته لكتاب هنري علاق سنة 1956 '' المسألة'' الذي ينصح فيه كل من يعتقل أن يحاول عدم الاعتراف منذ المرة الأولى لتوقيفه.المجاهد علي بدوحان وبعد خروجه من السجن انتقل إلى فرنسا أين التحق بفدرالية جبهة التحرير الوطني ليواصل مساره الثوري لمدة سنة قبل أن يعود إلى أرض الوطن لنفس الهدف والمهمة بعد سنة من مكوثه في فرنسا.
وبعد الاستقلال زاول دراسته الجامعية في معهد العلوم السياسية بالعاصمة أين تحصل على دبلومه في هذا التخصص في أول دفعة متخرجة.
ع.أسابع
شهادة المجاهد زغدود سبتي
عذبوني في زنزانة أكثر من شهر واقتلعوا 13 سنا من أسناني
واحد من الشاهدين على التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان من قبل حملة فلسفة التنوير ورعاة أول قانون عالمي لحقوق الإنسان في العصر الحديث من أكثر من قرن انه المجاهد سبتي زغدود مبارك (قبو) الذي يقدم شهادته عن مأساته مع جلادي الاستعمار.
ففي 10 افريل من سنة 1956 ألقي عليه القبض من قبل الاستعمار بعد استعلامات عنه بأنه مسلح ببندقية ومسدس وأنه يقاتل في صفوف المجاهدين ليلا ويقضي نهاره متجولا بالقرية فزج به داخل المعتقل (السيلون ) وتعرض لتحقيق عنيف واستنطاق بشع لحمله على الإدلاء بمعلومات عن سلاحه ورفاقه ولان هذه الوسائل لم تجد نفعا فقد لجا السجانون حسب المجاهد إلى جديد للترهيب حيث بدأوا في اقتلاع أسنانه بالكلاب بطريقة عنيفة لم تراع الأحاسيس البشرية والمعاناة اذ أكد المجاهد أن السجان وبعد أن قيد يديه وطرحه أرضا صعد وجثم بركبتيه على صدره ليشرع بعدها في قلع الأسنان دون تخدير كل يوم سنا وما عسر قلعه يكسره في حين يغمى على المجاهد وقد امتلأ فمه دما وآلاما وقد اقتلع منه خلال سجنه 13 سنا علاوة على تلقيه ضربة بالة حديدية على الرأس ما تزال آثارها بادية إلى اليوم وكسر لإحدى أضلعه قبل أن يتمن في 19 ماي 1956 من الفرار بعد شهر وعشرة ايام من العذاب ولم يدل لجلاده بأي معلومة ليلتحق مباشرة ويستقر مجاهدا بالجبل تحت إمرة المجاهد العربي الخروبي ويقي هنالك إلى الاستقلال
.ع/خلفة
عمار فكراش
الشهيد الذي رماه جلادوه حيا للكلاب لتنهش جسمه
هو شهيد لا ككل الشهداء ابتلي بقدر الإيمان الذي يحمله والمسؤوليات التاريخية التي ساقته الأقدار لتحملها مند أن كان عضوا في حزب الشعب وعضوا في مجلس شورى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن الأوائل الذين حضروا ليلة الفاتح نوفمبر وشاركوا قبلها في نشر البيانات وتوزيع السلاح والتنسيق علاوة على نشاطاته في التوعية الدينية والقومية والوطنية خاصة وانه شارك في الحرب العالمية الثانية وسجن 09 أشهر بعد عقب أحداث 08 ماي 1945 .
انه الشهيد بوجمعة فكراش الموعو عمار فكراش أحد السياسيين الأوائل بمنطقة أم الطوب وضواحيها رفقة ابراهيم شريط وجامع بوصبع ومحمد لحمر والعبزة محمد وغيرهم فنظرا لكثرة نشاطاته السياسية إبان الثورة انكشف أمره فقررت الآفلان إرساله الى مرسيليا لكن القي عليه القبض قبل السفر فسيق الى محتشد التعذيب بسيدي قنبر وبعد محاولات يائسة لاستنطاقه ودفعه للبوح بما يحمله من أسرار الثورة بالمنطقة لجأ الجلادون الى فنون جديدة قاسية للتعذيب داخل الزنزانة (السيلون) الذي ما يزال شاهدا على انتهاك الكرامة الإنسانية قبل أن يخرجوه من سجن التعذيب إلى تعذيب آخر علني هذه المرة حيث أطلقوه واشلو عليه كلبا لينهش لحمه ويقول البعض هنا انه تمكن من ضرب الكلب برأسه القوي فأسقطه ما دفع الجلاد المستعمر إلى تكبيل يديه وإطلاق كلبين من كلابه لتنهش لحمه على مرأى منه ولم تكفيه لذة التعذيب هذه بل جره خلفه والكلاب تواصل نهش اللحم وطاف به بعض المشاتي ومنها مشتة الشرايع مسقط رأسه بغرض الترويع والانتقام وهي مع مشتة سيسنة والشعبة من أوائل المشاتي التي دخلها زيغود يوسف رفقة 12 من قيادته حسب شهادة المجاهد زغدود سبتي وقد دخلوا في هذه الأثناء إلى مسكنه بحثا عن وثائق ولكنهم لم يجدوا شيئا لان زوجته أحرقت ما ببيته فور اعتقاله ما زاد المستعمر غيضا فأعاده إلى السجن فبل أن يحاكم في المحكمة الاستعمارية ويحكم عليه بالإعدام حيث نفد فيه رميا بالرصاص في 22/05/1957 بمنطقة مجانة بسيدي قنبر .
منزلته السياسية والدينية بالمنطقة وتضحياته وصبره وجلده لم يذهب سدى فقد كرمته الجزائر المستقلة بتحقيق حلمه ببناء مسجد بالبلدية وتسميته باسمه . ع/خلفة
بومنجل سباغ
الشهيد الحي الذي حفر قبره بيده
الأجال بيد الله تعالى وأنا الشهيد الحي الذي لم يمت بعد بهذه الكلمات فضل المجاهد بومنجل سباغ عرض شهادته عما عاشه من كوابيس إبان الثورة التحريرية .
ففي شهر ماي من سنة 1957 كان حارسا بالجبل فالقي عليه القبض من قبل جنود الاستعمار وهو يحمل مسدسا فسلب منه وزج به بمحتشد بني غسدون رفقة 14 اخرين وفي هذه الاثناء تلقى جيش العدو ضربة قاصمة في الكمين الذي نصبه له القائد عبد الوهاب ببوغلام وكان حاضرا معه رفيقه الحاج محمد بوبريم حيث قتل المجاهدون 13 عسكريا وغنموا 13 قطعة سلاح ما دفع الاستعمار إلى الانتقام من السجناء والأسرى على عادة الجبناء فاخرج 14 سجينا إلى ارض غابية أعلى المحتشد وطلب من كل واحد منهم أن يحفر قبره بيده وينتظر الأوامر والإجراءات وبعد أن أنهى المجاهد بومنجل حفر قبره قال سمعت قائدهم يخاطب جنوده بالفرنسية أن تفدوا فيهم الإعدام رميا بالرصاص بعد ربع ساعة هنا يقول تأكدت أن الأمر قد حسم فبلغت رفاقي الذين كانوا مصطفين بجانبي وطلبت منهم الفرار لأنهم ميتون لا محالة ومن شأن الفرار الجماعي الفجائي أن ينقذ الكثيرين لكنهم رفضوا فنظرت إلى حارسي العسكري المقابل فوجدته قصيرا جدا وخفيف الوزن (نص بونثة ) فارتميت إليه وطوقته بيدي ثم تترست به حتى لا أرمى بالرصاص وهو يصرخ بين يدي وسرت به 200 م حتى تواريت قليلا داخل الغابة وهنا وجه نحوي وابل من الرصاص أصابني ب15 رصاصة لحسن الحظ كانت في أطرافي وذراعي مما مكنني من مواصلة الجري والاختفاء نهائيا وهنا التحق بي مجاهد آخر نجى معي من الإعدام قبل أن يعدم بعين المكان ال12 سجينا الذين بقوا بأماكنهم ودفنوا بقبورهم التي حفروها بأيديهم على شكل مقبرة جماعية وما تزال رفاتهم اليوم بأماكنها الأولى إلى اليوم حسب شهادة المجاهد 10 من عائلة سباغ و1 قويسم و01 بريغت .
ع/خلفة
المجاهد بوبريم اليزيد
وثيقة سرية أدانت سي اسماعيل بتهمة المصالية وهذه قصتي مع بركة الماء
كشف المجاهد اليزيد بوبريم الذي كان من الأعوان المكلفين بنقل المراسلات التابعين لزيغود يوسف وبعده علي كافي ا ن قيادة الولاية ضبطت مراسلة من سي إسماعيل زيغد أكدت انتمائه للمصالية ما دفع بها إلى إعدامه رفقة الساسي بخوش وشريف زاغي بملتقى تايراو .
المجاهد وفي تصريح للنصر أكد أن هذه هي التهمة التي قتلوا بسببها وزيغود على علم بإعدامهم مفندا ربط قتلهم بسعة ثقافتهم والغيرة بين القادة كما ذكرت مؤخرا شهادة المجاهد شيدخ .ويعد رأي المجاهد بوبريم متساوقا والرأي الرسمي الذي يسوق مند مدة عن سبب قتلهم .
من جهة ثانية كشف اليزيد عن حادثة شخصية بعد هذا الملتقى اضطر فيها للقيام بمعركة لوحده ضد 13 جنديا فرنسيا حيث وبعد أن نقل رسائل من تايراو إلى برقون وفي طريق عودته صادف الجنود داخل الجبل فطلب من مرافقه الذي كان يحمل 11 مليون فرنك ان ينجو بنفسه ومال الثورة فتبادلا الاشتباك ولم يكن المستعمر يظن انه وحيد ما دفعه لمواجهة الأمر على انه معركة وفيها تمكن اليزيد من قتل 04 جنود فرنسيين قبل أن يختقي ربع ساعة كاملة داخل بركة مائية كبيرة حتى تحرك جنود الاستعمار في اتجاه آخر وانتقموا من بعض المدنيين من عانة الشعب .
ع/خلفة
معركة استشهاد ديدوش مراد في الأدب الشعبي
تعد موقعة جبل بوكركر قرب بلدية زيغود يوسف من أشهر المواقع في تاريخ الثورة فقد استشهد فيها القائد ديدوش مراد وخلفه زيغود يوسف لذلك لم تغفلها الآداب الشعبية الشفهية فقد تولت امرأة من دوار قريب من بلدية زيغود يوسف وصف المعركة ويبدو أنها كانت تشاهد بعض مراحلها وعلى الرغم من بساطة الأسلوب المستعمل وعفوية الكلمات وظهور المخيال الشعبي في سرد الأحداث إلا أنها تنم عن حضور ذهني قوي وتفاعل صادق مع الأحداث واعتزاز بالبطولة والمواجهة وتوق إلى النصر وقائلة هذه الكلمات مجهولة وقد أملاها علينا المجاهد زغدود مبارك السبتي وأكد أن قائلتها امرأة من تلك المنطقة كانت ترقب تحركات المجاهدين بجوار مسكنها وشاهدت المعركة فقالت :
ياسادات يا رجال واش صار في بوكركر
أصحاب الجهاد أحبابي هادوك ما ندم ونشكر
ساير من الايام ثلاثة كي دارت بهم العسكر
نطقوا بالجهاد أحبابي قالوا يارب عين وانصر
ناط الاول متحزم خليفة السيد جعفر
والثاني ارفع الرشاش وقال هذي اللي تخف وتشطر
المجاهدون في تسعة واللي يضرب من جهته مقنطر
يحصدوا فيهم مثل الحصيدة ويركبوا فيهم كيف المشكر
سي بلقاسم وليدي ارفد الراديو اطلع للردفة وغمس يهدر
سمعوا الغاه من كل مدينة سمعوه في تونس ومصر
المجاهدون في تسعة وسي الرشيد قعد مكسر
أداوه لمدينة قسنطينة دارت به الجيوش والعسكر
فيليكس قايار في فرنسا يخطب
قال لهم اللي يضرب غير يضرب واللي يهرب غير يهرب
المجاهدون في تسعة قتلوا منا ماية وأكثر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.