وقد بذل كثير من الرجالات والنساء جهودا معتبرة منذ فجر الاستقلال لتطوير الإذاعة والتلفزيون لجعل هذه المؤسسة في خدمة الأهداف الوطنية المرسومة من قبل القيادات التي تولت زمام الأمور منذ فجر الاستقلال عام .1962 كان الجزائريون قد عرفوا الإذاعة منذ عشرينيات القرن الماضي وذلك اعتبارا من العام 1924 ، وظلت هذه الوسيلة تتطور من حيث المحتوى والتوجه والتقنيات بما يخدم السياسة الاستعمارية في الجزائر إلى غاية ,1954 إذ بدأ الراهن الجديد الذي جاءت به ثورة أول نوفمبر يغير هذا الواقع بفعل الخطاب الذي استحدثته جبهة التحرير الوطني ضمن أدبياتها الجديدة وعبر الفلسفة العامة التي احتواها بيان أول نوفمبر التاريخي ومن خلال التعليقات والتحليلات السياسية والأخبار التي كانت تبثها قيادة الثورة عن الكفاح المسلح وكذا البرامج التي تم استحداثها في مختلف الإذاعات العربية مغربا ومشرقا لصالح الثورة إلى غاية تأسيس أول إذاعة ناطقة باسم الجزائر الحرة المكافحة في ال 19 ديسمبر 1956 التي أسست لحرب دعائية ناجحة استطاعت في ظرف قصير إلى جانب وسائل الدعاية الأخرى للثورة وخصوصا عبر المحافظين السياسيين وجريدتي المقاومة ثم المجاهد وكذا المنشورات المختلفة من الحد من تأثيرات الدعاية الاستعمارية بل ومواجهة هذه الدعاية التي كانت تتفنن في استحداث مختلف ألوان وفنون الدعاية والحرب النفسية ضد الشعب الجزائري. وبالنسبة للتلفزيون فإنه لم يظهر بالجزائر إلا في عام ,1956 إذ كان بثه محدودا من حيث رقعة البث وظل موجها في الأساس لخدمة الأهداف الاستعمارية البغيضة. وفي أعقاب استرداد السيادة الوطنية في 1962بذل المسئولون في هذه المؤسسة التي كانت مؤسسة واحدة إلى غاية 1986جهودا معتبرة لتتماشى البرامج المختلفة المنتجة والتعليقات والتحاليل السياسية مع التوجهات الجديدة للجزائر المستقلة ، كما بُذلت جهود معتبرة في مجالات تكوين العنصر البشري في شتى التخصصات وفي السعي لتصل الاذاعة والتلفزيون عبر التغطية التقنية إلى مختلف جهات الوطن وإذا كانت الإذاعة قد عرفت خصوصا بعد عملية إعادة الهيكلة اعتبارا من صائفة 1986 تغيرات كبيرة عبر انطلاق عشرات المحطات الإذاعية الجهوية والمحلية لتشمل مختلف ولايات الوطن ال 48 ،إلى جانب استحداث أربع إذاعات متخصصة والتي تضاف الى الإذاعات الثلاث السابقة حيث بلغ عدد القنوات الإذاعية مجتمعة 55 إذاعة مثلما جرى تكييف الشبكات البرامجية مع الواقع الجديد ومع خصوصيات كل منطقة وكل إذاعة ، غير أن هذا التطور في الكم والكيف في حقل الإذاعة العمومية لم يصاحبه انفتاح في حقل الإذاعات الخاصة . أما التلفزيون فإنه لم يساير هذا الواقع ، بحيث يلاحظ أن المحطات الجهوية التي كانت تنتج في السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات برامج عديدة وتساهم في الشبكة البرامجية للإنتاج التلفزيوني صارت لا تختصر في عمومها سوى على التغطية الإخبارية العادية لنشاطات الوزراء والمسئولين أوالقيام بتغطيات وروبورتاجات محتشمة ،تماما مثلما اختفت الروبورتاجات الكبرى التي كان التلفزيون الجزائري ينتجها في الستينيات والسبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات،إذ كان التلفزيون الجزائري يصل إلى مختلف النقاط الساخنة في العالم، إذ قدم للمشاهد روبورتاجات شيقة وهامة عن بلدان عدة ومواضيع متنوعة مثلما جرت تغطية أحداث ساخنة في العالم من بينها حرب جوان 1967 وحرب أكتوبر 1973 وحرب الخليج الثانية في 1990 رغم الإمكانيات التقنية البسيطة أنذاك بل إن التفكير قد جرى في فترة سابقة خاصة خلال التسعينيات في تحويل بعض المحطات الجهوية إلى قنوات موضوعاتية . وقد حاول بعض المسئولين عقب أحداث أكتوبر 1988 أن يدفعوا بالتلفزيون ليكون وسيلة جديدة لحرية التعبير وأن لا تقتصر المسألة على الصحافة المكتوبة المستقلة وحدها والتي عرفت بفضل قانون أفريل 1990 حول الإعلام قفزة كبيرة في مجال الكم وحرية التعبير صاحبت ظهور تعددية سياسية جعلت من الجزائر بلدا متميزا في العالم العربي من حيث حرية الصحافة المكتوبة الخاصة دون أن يصاحب ذلك في تقديري ظهور المهنية والموضوعية اللازمتين التي تكسب الصحافة المستقلة المصداقية المطلوبة في هذا المجال . ورغم ذلك فقد كان كل ما في الأمر باستثناء البرامج التلفزيونية الجريئة التي ظهرت في بداية التسعينات إذ جعلت من جيراننا في المغرب وتونس خصوصا أنذاك يتسمرون كل مساء حول التلفزيون الجزائري لمتابعة تلك البرامج السياسية التي بدت جريئة في نظر العديد من المتابعين للشأن الجزائري هوظهور قناة عام 1994 قبيل الانتخابات الرئاسية لعام 1995 حملت تسمية canal algerie حيث كانت جل برامجها مستنسخة من القناة الأم ،وظلت هذه القناة تعمل ضمن قانون وميزانية المؤسسة، وأضيفت لها لاحقا قناة القرآن والقناة الأمازيغية في 2009 والقناة الثالثة في .2001 وبذلك بلغ عددها مجتمعة أربع قنوات تابعة في مجال التمويل خصوصا للمؤسسة الأم التي مازال البعض يطلق عليها باليتيمة. وقد ظلت العديد من الأصوات لإعلاميين وبرلمانيين وسياسيين ومثقفين ترتفع في أكثر من مرة لفتح قطاع السمعي البصري لما يشكله هذا العنصر من أهمية سواء بالنسبة للممارسة السياسية وحقل الاتصال البصري وكذا تفعيل الديمقراطية أوفي مجال ترقية الثقافة الوطنية وتحسين أداء الترفيه لصالح مختلف شرائح وفئات المجتمع ولما يشكله هذا الانفتاح إنْ تم وفق أسس قانونية ومهنية مضبوطة من فاعلية لخدمة المجتمع في شتى المجالات وخصوصا في مجالي الثقافة والاتصال وفي تنشيط الحياة ككل وفي دعم حرية الصحافة والتعبير التي العنصر المشجع في عامل المنافسة الشريفة . وفي هذا الصدد جاء انعقاد مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر 2011 ، إذ أقر مشروع قانون حول الإعلام صادق عليه لاحقا البرلمان مطلع 2012 كما قرر المجلس العمل في إطار مشروع قانون حول السمعي البصري سيتم إقراره لاحقا من قبل البرلمان لتجسيد عملية فتح المجال في قطاع السمعي البصري . والواقع أن القانون القادم إذا افترضنا أنه سيجسد الممارسة الفعلية للسمعي البصري في الجزائر بعد أكثر من خمسين عاما على استعادة السيادة الوطنية فإن ما يلاحظ أن بعض القنوات التلفزيونية الخاصة الممولة من طرف جزائريين قد شرعت في البث حتى قبل الشروع في مناقشة مشروع هذا القانون ، واتخذت لها بثا من خارج الوطن حتى لا تكون تحت طائلة قانون العقوبات . صحيح أن المقرات الإدارية لهذه القنوات وكذا معظم البرامج ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية وحتى الأخبار فيها تُسَجَلُ من داخل الوطن ولكن بثها يجري خارجه خصوصا بالأردن. وقد بلغ عدد هذه القنوات لحد الآن عشر قنوات هي كالتالي: النهار tv، الشروق tv، الهقار tv، الجزائرية، نوميديا نيوز، الاطلس tv، دزاير tv، جرجرة للأطفال، دزاير شوب، الأجواء. وهذا إذا استثنينا قناة المغاربية التي تتمركز خارج الوطن من حيث المقر والبث ، وتكاد هذه القناة تكون الناطق باسم الحزب المحل إذ لا تجد لها من مادة تبثها عن الجزائر سوى الحديث والبحث عن السلبيات وربما افتعالها في كثير من الأحيان والعمل على التأجيج بدل المعالجة الإعلامية الموضوعية الهادفة . ومن المرجح أن هذه القنوات التي تتواجد مقراتها بالجزائر ستتكيف مع القانون وتشكيل هيئة الضبط التي يرجح أن ترى النور مطلع العام القادم ، مع الملاحظ أن المجلس الأعلى للإعلام والذي كان مقررا أن يرى النور بعد صدور قانون الإعلام في مطلع العام الماضي لم يتشكل لحد الآن بسبب عدم اتفاق الصحافيين على انتخاب ممثليهم في هذه الهيئة ، وهي الإشكالية التي قد لا تعترض مستقبلا عملية تشكيل هيئة الضبط للسمعي البصري لكون أن جميع أعضائها التسعة سيتم تعيينهم من طرف رئيس الجمهورية ورئيسي البرلمان . ومن المرجح أن قنوات أخرى ينتظر أن تنطلق في البث بمجرد صدور القانون الخاص بالسمعي البصري ومن بينها قنواتٌ تابعة لرجال أعمال ولمؤسسات إعلامية مكتوبة أواقتصادية خاصة أولتشكيلات سياسية، وبعض هذه القنوات التي لم تنطلق بعد تقوم منذ فترة بعمليات تدريب لطواقمها الصحفية والإنتاجية والإدارية والتقنية لدى مؤسسات متخصصة في التكوين حتى خارج الوطن . والملاحظ هنا أنه إذا كانت القنوات الإذاعية التابعة للقطاع العمومي قد عرفت تمددا وانتشارا سريعا، بحيث بلغ العدد الإجمالي 55 إذاعة ، فإن الأمر بقي في هذا المجال جامدا بالنسبة للقطاع الخاص، بحيث أنه لم تظهر أية إذاعة كيفما كان شكلها، وهذا عكس القنوات التلفزيونية الخاصة التي وُلدت قبل صدور القانون بوقت مبكر . لقد ظلت العديد من الأسئلة مطروحة بشأن فتح السمعي البصري في الجزائر، فبين تفاؤل وتشاؤم يبرز تعارض كبير في المواقف بين المؤيدين لعمليات الفتح وبين المعارضين له. ويَكْمُنُ مصدر التفاؤل في النقاط التالية: 1 اعتبار أن الانفتاح سيفتح المجال لمنافسة كبيرة من شأنها أن تضع حدا للرداءة التي عششت في هذا القطاع. 2 سيعزز المسار الديمقراطي ويفعله ويكون إضافة نوعية لحرية التعبير منذ التعددية الإعلامية والسياسية التي كرسها دستور 1989 وقانون الإعلام الصادر في أفريل .1990 3/ سيضع حدا للاحتكار في مجال الإشهار الذي حاول البعض أن يجعل منه ريعا حقيقيا. 4 سيكون عامل تشجيع لروح الإبداع في شتى المجالات وسيعمل على تشجيع الإبداع ونشر وتشجيع الثقافة الوطنية بكل روافدها. 5 سيؤدي إلى إبراز كثير من الطاقات التي لم تجد لها موقعا في السمعي البصري وخصوصا في التلفزيون العمومي . 6 سينهي احتكار التغطية الإعلامية التي كانت تكتفي في الغالب بنشاطات المسئولين إخباريا وتلميع صورتهم بدل الاهتمام بالموضوع ، وهوما كان ينادي به جل الإعلاميين الذين كانوا يرغبون في تكريس مهنية تلفزيونية ويرفضون في المقابل أن يتحول التلفزيون إلى مجرد وسيلة وآلة لتلميع صورة المسؤولين كيفما كان موقعهم . 7 تحويل قطاع الاتصال السمعي البصري إلى عنصر فعال في دعم الإنتاج الوطني وجعل المؤسسات البصرية خصوصا مؤسسات صناعية منتجة تساهم في رفع الدخل الوطني ومن ثمة في رفع نسبة مشاهدة الجزائريين لقنواتهم ، عمومية كانت أومستقلة ، مثلما وقع في تونس وليبيا رغم تباين التجربتين ، حيث أن التقديرات وبعض الدراسات التقريبية في تونس خصوصا تشير إلى تقلص نسبة مشاهدة التونسيين للقنوات الأجنبية بما فيها بعض القنوات العربية التي كانت تحظى بمشاهدة عالية ، حيث أن عددا كبيرا من التونسيين تحولوا من مشاهدة تلك القنوات إلى القنوات التونسية وخصوصا قناتي الوطنية وحنبعل بفعل هامش الحرية الكبير الذي أحس به التونسيون في هذه القنوات من جهة وكذا تحول القناتين من الترفيه إلى الأخبار ¯ يتبع