نصف قرن من الزمن مر على ذكرى بسط السيادة الوطنية على الإذاعة والتلفزة الجزائرية نصف قرن من العطاء والجدل ! لمسيرة حافلة بالتحديات والإنجازات وبالعقبات أيضاً . هزات ارتدادية شهدتها مؤسسات إعلامنا العمومي الثقيل في العديد من المناسبات فمن بوق مفتوح للدعاية المجانية لنظام الحزب الواحد إلى مؤسسات تعمل على فتح المجال الإعلامي لمختلف الحساسيات والتوجهات الفكرية والثقافية بعد الانفتاح السياسي الذي أقره دستور سنة 1989 الذي منح حق الاختلاف للمواطن وحرية التعبير عنه علنا . لكن ومنذ تلك الفترة ورغم الإنجازات الكبرى والمجهودات المستمرة لتحقيق غاية (لا تدرك) إرضاء المشاهدين والمستمعين إلا أن سهام الانتقادات اللاذعة لازالت متواصلة لمؤسسات إعلامنا العمومي وخاصة للإذاعة والتلفزيون بسبب انفتاح محتشم على حد تعبير العديد من المواطنين انفتاح لم يرق إلى آمال وتطلعات غالبية الجزائريين في رؤية مناقشة قضاياهم الجوهرية الاجتماعية منها والسياسية والفكرية من على منابر مؤسساتهم العمومية عوض اللجوء مرغمين إلى فضائيات أجنبية غير بريئة تخدم مصالح وأجندات خاصة ناهيك عن الصعوبات التي يعرفها البث الأثيري للكثير من المحطات الإذاعية الجهوية بسبب تداخل قنوات أجنبية على نفس موجاتها الهرتزية . ظاهرة التشويش على البث الإذاعي لا يجب أن ننظر إليها من زاوية لعبة مراهقين متفوّقين في خبايا إنجاز راديو الهواة ولا أيضا من بوابة العوائق الطبيعية وتأثيرها على بثنا الإذاعي ولكن يجب أن تكون لدينا زاوية نظر ثاقبة وأن نتعامل معها كحدث مهم وفعل غير معزول، أو بدون قصد بل ضمن إستراتيجية مدروسة تهدف إلى نشر الدعاية المغرضة التي تخدم أنظمة أجنبية عربية أو غيرها فالاهتمام بالمواطنين القاطنين خاصة بالمناطق الحدودية أمر ضروري ومجابهة السموم الوافدة عبر أثير الإذاعات الأجنبية (الجارة) لا تكون لها فائدة إلا من خلال إنجاز هياكل كبيرة واقتناء أجهزة متطورة للبث و لاستقبال هذه المحطات ومراعاة خصوصيات الإذاعات المحلية هناك من خلال تسطير برامج متنوعة تخدم المواطن وتزيده اعتزازا بوطنه وبشعبه وقيادته. إنها قضية سيادة وطنية وعلى سلطاتنا المعنية أن تعجل في الشروع في اتخاذ قرار صارم والبدء في تطبيق مخطط استعجالي مضبوط لإعادة الروح إلى إذاعاتنا الجهوية الوسيلة المثلى للحفاظ على الهوية الوطنية والتصدي للغزو الأجنبي سواء كان ثقافيا أو سياسيا وأن تنزع النظرة الخاطئة فالإذاعة سلاح دعائي فتاك يمكنه تحقيق الأهداف والرغبات وليست صندوقا لبث الأغاني و الاحتفالات وفقط. في الألفية الثالثة وفي عصر الانترنت وسرعة المعلومة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بات من الضروري على مؤسساتنا الإعلامية العمومية المرئية والمسموعة أن تتكيف مع هذه المعطيات الجديدة وأن تعمل على رفع تحد ثان والمتعلق بإعادة استرجاع المشاهد و المستمع الجزائري التائه والباحث عن نفسه في وسط زحمة فضائيات لا تتقيد بأخلاقيات المهنة وأن تحضر نفسها لمنافسة داخلية من قبل فضائيات وإذاعات جزائرية ستولد حتما بعد إصدار القانون السمعي البصري الجديد عن قريب