عندما عين عبد المجيد تبون وزيرا للسكن والعمران، أصبح الحصول على مسكن أمرا ممكنا بعدما كان حلما مستحيلا، وإذا كان من حق جميع الناس أن ينتقدوا سياسة السكن، والنقائص الموجودة فيه، إلا أنه لا ينبغي على أحد تحطيم مكتسبات الجزائريين بسبب معركة الرئاسيات. قبل عام 2000 كانت رحلة البحث عن مسكن رحلة شاقة ومتعبة ويائسة، وكان كثير من الناس يرحلون عن هذه الدنيا ولا يحصلون على سكن، رغم إيداعهم طلبات الحصول على سكن على مستوى البلدية. بعد عام 2000 وبوصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لسدة الحكم ، جاءت أفكار جديدة لقطاع السكن، وكان عبد المجيد تبون المجسّد والمنفذ لتلك الأفكار، خاصة من خلال صيغة وكالة عدل، حيث أصبح الحصول على مسكن بالنسبة للفقراء والمساكين والطبقة الوسطى تحديدا أمرا ممكنا، وكان قبلها مستحيلا. هذه الاستحالة هي التي ولدت هجرة الأدمغة الجزائرية لما وراء البحار، وكانت السبب في عديد المشاكل الاجتماعية والنفسية، وفي انتشار الأحياء القصديرية المغذية للانحراف الاجتماعي والجماعات المتطرفة مكتسبات للشعب لقد حدث إقلاع لا مثيل له في قطاع السكن، ولا يصعب على أحد أن يشاهد بأم عينيه الأحياء السكنية الجديدة التي تنمو كالفطريات في كل مدن وقرى الجزائر، كما لا يصعب على أحد أن يشاهد أهله وأقاربه وجيرانه يرحلون إلى سكنات جديدة، وهم فرحون والنساء تزغرد وتحمل الرايات الوطنية. لقد أعادت سياسة الإسكان الجديدة الروح الوطنية إلى القلوب، فهل يعقل أن تشن حملة إعلامية ضد منجزات الدولة في قطاع السكن بسبب رئاسيات 2014 ؟ من حق جميع الناس أن ينتقدوا سياسة الدولة في هذا القطاع أو ذاك، وأن يعبروا عن عدم رضاهم بالنسبة لسياسة السكن والنقائص الموجودة فيها، لكن لا ينبغي تحطيم مكتسبات الأمة بسبب الحملة الانتخابية أو غيرها من المعارك السياسية، ولا ينبغي الإساءة أو الانتقاص من مجهودات وزير القطاع بهدف التأثير على مجرى الانتخابات الرئاسية القادمة، فعندما ينجح قطاع معين يستفيد منه الشعب وليس مرشحا معينا، وعندما ينجح أي مسؤول في أداء مهامه، فإنه من حق المجتمع بل من واجبه أن يشيد به ويثمن مجهوداته، ذلك أنه عندما يرحل الوزير أو الرئيس فإن المنجزات لا ترحل معه، إنها تبقى للشعب وتبقى شاهدة عل منجزات الرجال. لا توجد أي دولة جارة أو أي دولة لها دخل قومي في مستوى الناتج المحلي الإجمالي (220 مليار دولار تقريبا) تنجز 250 ألف سكن سنويا، بإنفاق فاق 814 مليار دينار أي ما يقارب 60 مليار دولار خلال المخطط الخماسي 2010 2014. خلال العام الجاري انطلقت عملية إنجاز 547 ألف مسكن من أصل 650 ألف مسكن مبر مبرمج، كما تم تقديم المساعدات لبناء نحو 950 ألف سكن ريفي لتشجيع السكان على البقاء في الريف أو العودة إليه بالنسبة للذين هاجروه خلال عشرية الإرهاب 62 بالمئة من الشركات الوطنية في قطاع اليناء من بين مآخذ بعض وسائل الإعلام على وزارة السكن والعمران والمدينة هو اعتمادها على الشركات الأجنبية، والحقيقة أن هذه القضية يجب أن ننظر لها كما يلي: إذا كانت هناك أزمة سكن خانقة فعلا، فإن المسؤول يجب عليه حلها ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأناس من كواكب أخرى، فإذا كانت هناك أزمة خانقة فعلا، فإن الاستعانة بالشركات الأجنبية تصبح فرضا وليس واجبا، ولو لم يفعل لتعرض للنقد. لكنه فعل ذلك وتعرض للنقد، ما يعني أن النقد غير مؤسس، بدليل أنه عندما ألغت وزارة السكن العقد المبرم مع شركات برتغالية لعدم التزامها ببنود العقد تعرضت للنقد من قبل عدة صحف رغم أن عدد السكنات التي كانت مكلفة بإنجازها لم تتعد 2000 مسكن!. والأكثر من ذلك، أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن نسبة الشركات الأجنبية العاملة في قطاع السكن في الجزائر تقدر ب 38 بالمئة، أما 62 بالمئة فهي شركات جزائرية، منها 4 بالمئة فقط شركات عمومية و58 بالمئة شركات خاصة، وهي الشركات التي عصرنت طرق عملها وتخلت »عن البيدون والبرويطة«. اتركوا الرجال يعملون أما بالنسبة للوزير تبون شخصيا، فإنه غادر الوزارة عام 2002 بعد أن أطلق مشاريع سكنية هامة، وبعد مغادرته توقفت الحيوية التي شهدها القطاع، ولما عاد إلى الوزارة أواخر 2012 كان معدل الإنجاز 80 ألف سكن سنويا، ارتفع في أقل من سنة إلى 250 ألف سكن سنويا، ألا ينبغي الإشادة بمجهودات الرجل؟ ومن أجل تفعيل الأداء، شهدت وزارة السكن إعادة الهيكلة حيث تم القضاء على المركزية، فاليوم هناك 5 مديريات عامة، و5 مديريات للسكن على مستوى كل ولاية، إضافة إلى إنشاء مديرية عامة للمدن، وهو ما يرتقب أن يأتي بثماره لأنه يخفف إجراءات التعامل ويحرك عملية الإنجاز. كذلك تم إقرار حق التملك من خلال قرار التنازل على السكنات الاجتماعية المنجزة قبل 2004 بتسهيلات وأسعار مغرية، حيث تقدر قيمة شقة في العاصمة ب 900 ألف دينار، في حين تتجاوز قيمتها في سوق العقار مليار سنتيم ! وهذا بدون طلب شهادة السلبية حيث أخذت الوزارة بعين الإعتبار توسع العائلة الجزائرية. وهناك الآن توجه نحو عصرنة البناء بإنجاز أحياء سكنية مدمجة تتوفر على كل شروط الحياة، من المدرسة إلى العيادة إلى المسجد إلى المحلات والمساحات. كم تم ضبط بطاقية لطلبات السكن في كل بلدية، ما يعني أنه مستقبلا سيتم توزيع برامج السكن حسب الاحتياجات الحقيقية، بمعنى لا يتم تقديم برامج فوق الحاجة لأي ولاية، وهو ما يساعد في فرص حصول المواطنين على سكنات. والأكثر من ذلك كانت الشجاعة لوزير السكن أن يعلن التزام الحكومة بأن كل مكتتب في وكالة عدل يستوفي الشروط فهو مستفيد حتى وإن اقتضى الأمر إقرار برنامج إضافي ل 230 ألف مسكن مسطر. التزام لم تقم به أي دولة في العالم. الحملة.. دوافع وأبعاد عندما ننظر للظروف المحيطة بالحملة التي تعرض لها قطاع السكن، نلاحظ ثلاثة معطيات بارزة، تفسر في مجموعها التحامل غير المؤسس على قطاع السكن رغم النقائص الموجودة فيه: 1 لم يعد بمقدور سماسرة العقار تحقيق الثراء الفاحش، كما كان في وقت سابق بسبب تنامي أمل الجزائريين في الحصول على سكن من الدولة، وهو ما يفسر الجمود الحاصل في قطاع العقار. 2 تراجع مبيعات السيارات سواء في السوق المحلي بالنسبة للسيارات القديمة أو لدى الوكالات بالنسبة للسيارات الجديدة، بسبب توجه الناس نحو الحصول على سكنات من الدولة. 3 لم يعد بمقدور المقاولين »أصحاب البرويطة والبيدون« الحصول على مشاريع سكنية، بعد ما أكد وزير القطاع أكثر من مرة أن »عهد البرويطة والبيدون قد ولى«. وليس مستبعدا أن هؤلاء سيدفعون ثمن أي حملة لتشويه سياسة السكن ومكتسباتها ومنجزاتها التي أصبحت حقيقة مرئية وملموسة بعد أن كانت مجرد أحلام.