ما الذي يمكن أن نسميه وضعا نقديا ؟.. وهل نملك في الجزائر ما يمكن أن نصطلح عليه مدرسة جزائرية نقدية ؟ولماذا و برغم الأسماء التي ملكناها لم نبني خيارا نقديا واضحا ،وبقي النقد مقولة صحفية باهتة معزولة عن المجتمع ،بل مجرد ترف بحثي تمارسه بعض الدراسات الأكاديمية ، وهل هناك فرق بين النقد الاجتماعي و الأكاديمي ،بين النقد التخصصي و النقد الجذري للحياة أو لأشكال الممارسات ؟ إننا بهذا الفصل الانطباعي نجعل النظر و العمل على حدِّين منفصلين تضيع معهما الرؤية الكلية لمفهوم النقد بعامة .وحين نقول النقد بوجهيه التخصصي و الحضاري/الجذري فإننا نتدرج فقط من الصغير إلى الكبير نتحدث عن مفاتيح من خلالها نؤسس رؤية بانية لشكل المدرسة التي نريدها ،و هنا فقط يمكن للمدرسة إن تتوزع داخلها اتجاهات مختلفة انطلاقا من قانون الحذف و الإضافة ،لماذا مثلا نعزل بين النقد الحضاري عند بن نبي عن النقد الاجتماعي عند عمار بلحسن عن النقد الانثربولوجي عند عمار طوالبي عن النقد الأدبي عند بورايو مثلا أليس هناك رابط يجمع هؤلاء فيما يشبه الحلقة الواحدة و إن تفرقت الأسس و لكن الموضوع واحد هو الواقع الذي ننطلق منه سواء كان واقعا أرضيا أو متخيلا . لماذا لم نستطع إلى الآن أن نجمع كوادرنا الثقافية ونؤسس مدرسة نقدية تضطلع بمهمة دراسة تخلفنا المنهجي في كل المشارب و الاتجاهات، على غرار ما فعلته مدرسة فرانكفورت، أو مدرسة باريس التي عملتا على تعديل الأطر الاجتماعية في هرميتها من نقد أسس الدولة إلى نقد النص ،تم وضع المساءلة النقدية ضمن حيز التاريخ للفاعلية العلمية و المنهجية التي انجرت عنها . إننا إلى الآن نمارس النقد وكأنه كائن مُهدِّدٌ لقيم المجتمع ،و التصور السائد يجعل الرأي العام يعتقد أن الناقد كائن شَكَّاكٌ فوضوي و زنديق، خارج عن قيم المجتمع الرَّاسخة، ومثل هذا التصور متغلغل للأسف في قلب السلطة الرسمية، لأنها سلطة تاريخيا مرضيٌّ عنها لا تخطيء، لا يأتيها الباطل ،هذا التصور المغشوش أدي إلى سقوطها في حضن الفساد بكل أشكاله، و النقد وحده من يمكنه أن يصوب تعاملاتها و مسيرتها نوع من المراجعة الجذرية والقاسية ،وهذا يجعل النقد قيمة حياتية إضافية تُحَجِّمُ من أشكال الغلو و تضع أطرا عاما لأشكال الحلول النوعية سوء كانت في مجال المواطنة أو في مجال نقد النصوص تتداخل إشكاليات الفضاء النقدي في الجزائر على عدة أوجه تمثيلية للصراع بين النخب، ليس حصرا على مستوى سؤال الإبداع، ولا شكلا على مستوى الأجهزة البانية للحداثة الشكلية، بل معضلة التكلس في تصوري تعود إلى عدة أسباب أهمها : -عدم وجود مجايلة حقيقية في الجزائر خلقت تأزما انطولوجيا بين الأفق السبيعيني و الأفق الآخر المتسم بالشتات و الهشاشة النظرية و الايديولوجية أدي في تصوري إلى انهيار المرجعيات النقدية الكبرى. -احتباس الدور الحضاري عموما لتعطل دولة ما بعد الاستقلال على تنمية فضاء سياسي تندفع فيه الأسئلة الجوهرية و بقاء المعجم النقدي تقليدي يلوك فقط أبجديات الممارسة التقليدية ،أو السكون على الأجوبة أدي إلى انهيار التدافع الحيوي للسؤال النقدي في محاولة تخطيه الحدود الحمراء . -الاستيلاب الذي تعرضت له المدرسة الجزائرية بعد الاستقلال عموما و اندماجها في أسئلة غيرها و اختزانها ضمن الفضاء الامبراطوري الكولونيالي حال دون تشكيل وعي عميق بالعالم لذلك تولد عندنا نقد مغشوش من الداخل مهزوز ومهزوم من جهة البناء متعثر من جهة استنطاق النصوص . -عدم الحسم في الخيارات الكبرى لدولة ما بعد الاستقلال و القطع الجوهري بين الأسئلة الجذرية للحضارة والمجتمع و النقد وعدم تأسيس فضاء للنقاش حول ضعفنا الكلياني على مستوى الهوية خاصة لنلج حالة من التعمية أو الكاوس لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء في منطقة وسطي بات صعبا معه تبني رؤية واضحة . -غلبة المشرقي على المغاربي أبعد الأسئلة الحقيقية في تواجدنا الإقليمي أفقدنا المناعة النقدية من الحفاظ على خزيننا المرجعي وتنميته فسيادة النموذج الناصري و الاستراتيجية الهشة التي جرها النموذج الكاريزماتي للشخص المعصوم غير معرض للنقد جعل المد رسة الجزائرية تعيس عليف قهيات التمجيد أو الولاء بدل تكوين العقل النقدي وهذا جعلنا نكون فردا مغشوشا في جانب وظيفي ومرحلي . -تقديسنا للثقافة الاحتفالية جعلنا في منأى عن تأسيس وضع نقدي حقيقي من خلال تضخم الذات وتورم الجينات وعلو الشعارات عن الشعب العظيم و التاريخ العظيم تلك الشعارات حالت دون تأسيس لرؤية عميقة لراهننا بقينا كائنات معزولة في التاريخ تعيش على فتات وموائد الانتصار القديم.