وصل عدد المصابين بالأمراض النادرة في الجزائر إلى أكثر من 10 ألف مصاب، 50 بالمائة منهم تابعوا علاجهم على مستوى المؤسسات الاستشفائية بالوطن. وتشير إحصائيات وزارة الصحة إلى تسجيل 41 نوع من الأمراض اليتيمة أو النادرة، ترتكز بصفة خاصة في الأوساط التي تنتشر فيها زيجات الأقارب، فيما يرجعها بعض الأخصائيين إلى تأخر سن الزواج والإنجاب ببلادنا. تفطنت السلطات الصحية بالجزائر إلى تفشي أنواع جديدة من الأمراض اليتيمة في المجتمع الجزائري، ترتبط 80 بالمائة منها بزواج الأقارب الذي ما يزال يسيطر على المناطق الداخلية من الوطن رغم تحذيرات الأخصائيين. وقد حددت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات قائمة ب 41 مرض نادر ينتشر بين الجزائريين، كما أوضحت أن 28 نوع منها تهدد حياة المصابين بها، خصصت لها 34 منتج صيدلاني لمعالجتها وفق أشكال ومقادير متنوعة وغلاف مالي قدر ب18 مليار دينار لتوفير الأدوية لفئة المصابين بالأمراض النادرة بغرض التخفيف من معاناتهم. ومن أكثر الأمراض النادرة التي أحصتها الوزارة الوصية انتشارا متلازمة ويلسون، وبشتاين، وتصلب الجلد، ومتلازمة سجوجرن وفرط تيروزين ومرض الدم الوراثي، وتريزومي 21 ومتلازمة ويليامز بيرن. وقد سميت هذه الأمراض بالنادرة أو اليتيمة لقلة انتشارها في العالم، مقارنة بالأمراض المعدية والمزمنة، حيث لا تمثل إلا نسبة 0,2 بالمائة من مجموع الأمراض المنتشرة عبر المعمورة. خياطي يؤكد ''علاج الأمراض النادرة مكلف جدا'' كشف البروفيسور مصطفى خياطي عن تسجل حوالي 30 مرضا نادرا في أوساط الأطفال بالجزائر،على رأسها مرض »الفينيسيتونوريا«، معتبرا بأن هذا الأخير من الأمراض الأكثر حضورا ، حيث نراه بمعدل حالة إلى 3 حالات في السنة، وهو في الغالب وراثي يظهر في نفس العائلة، إضافة إلى مرض »ميكوسيدوز« وهو مرض يستهدف إفراز القصبات الهوائية مما يؤدي إلى التصاق القصبات الهوائية ببعضها، وانغلاق المسالك التنفسية ومن تم الوفاة. وأضاف خياطي أن الأطفال المصابين بأمراض نادرة في الجزائر يعانون من مشكل ندرة وغلاء الأدوية. حيث يضطر أغلب الأولياء إلى جلبها من الخارج. مشيرا إلى أن أدوية الأمراض النادرة تباع بكميات قليلة من طرف المخابر العالمية المصنعة، ومن ثمة تبيعها بأسعار باهظة لضمان هامش الربح.وأردف قائلا أن التكفل بعلاج حالة واحدة من الأمراض المزمنة قد يعادل تكلفة علاج ألف مريض. أولياء عاجزون عن تقبل مرض أطفالهم تفتقر الجزائر إلى أخصائيين قادرين على تشخيص هذا النوع من الأمراض اليتيمة مما يوقع أولياء الأطفال المرضى في حيرة من أمرهم ويدخلهم دوامة قبل أن تشخص حالة الطفل، وكثيرا ما تبقى هذه الأمراض لغزا كبيرا لا يقدر على فك شفرته الأطباء عندنا إلا بعد فوات الأوان، مع أن التشخيص المجدي للأمراض النادرة يجب أن يتم بمجرد تشكل الجنين.حيث غالبا ما يخير الأولياء بين المحافظة عليه وبين إجهاضه إذا كان سيأتي مشوها. فيما تظهر أغلب الأعراض مباشرة بعد الولادة أو في مرحلة الطفولة المبكرة. وهنا يحتاج الأمر إلى استعداد نفسي واجتماعي للأولياء لتقبل الطفل والتأقلم مع ظروفه الصحية وبالتالي مساعدته على الاندماج في المجتمع. وهنا يواجه الكثير من الأولياء بعجزهم عن تقبل الطفل المعاق أو المشوه رغم أنه فلذة من أكبادهم. وقد يهملونه حتى الوفاة للأسف مثلما تشير إلى ذلك الكثير من الأمثلة في الواقع. »أكثر ما يثير حقدي على هذا المجتمع هو نظرات الاستغراب والشفقة التي يرمقني بها الناس حينما أكون رفقة ابنتي المصابة بمرض ويليامز بيرن وهو مرض نادر أًصاب ابنتي عن طرق الوراثة فقد علمت بأن عمة زوجي كانت تعاني من نفس المرض وماتت وهي شابة«. هذا ما قالته لنا أم الطفلة سرور المتزوجة من ابن خالتها، مضيفة أنها الطفلة الرابعة في تعداد أفراد عائلتها الصغيرة، ورغم أن الأطفال الثلاثة أسوياء وبصحة جيدة إلا أن مرض هذه الطفلة كان صدمة لكل الأسرة ذكرهم بما سلف.التقينا بسرور صاحبة ال6 سنوات وكانت ملامحها تظهر أنها غير طبيعية فأنفها مرتفع إلى الأعلى وذقنها صغير بشكل لا يلائم مع ملامح وجهها وحتى نظرات عينيها وابتسامتها الدائمة تظهر جليا بأنها تعاني من تخلف عقلي. هذا بالإضافة إلى معاناتها من مشاكل في القلب حسبما روته لنا والدتها التي تابعت قولها: »لم أتقبل مرض ابنتي وبقيت فترة طويلة أرفضها حتى زجرني أهلي وأهل زوجي، أنا أمها وأحبها بطبيعة الحال لكن أسئلة الناس ونظراتهم تقتلني. وأمر ما في الأمر هو والدها الذي يستثنيها عن أبنائه فهو لا يخرجها معهم ويطلب مني دائما البقاء معها بالبيت. هو يرفضها تماما وهذا ما يزيد من معاناتي فلو أنه كان متعاونا لخفف علي العبء ولو معنويا«. أما أم فوزية البالغة من العمر 15 سنة و المصابة بمرض »تريزومي 21« فحالتها أسوء بكثير لأن زوجها ظل طوال الوقت يطلب منها إخفاءها عن الأعين إلى درجة أن العائلة والمقربين فقط من كانوا يعلمون عن وجودها وعوض أن يساعدوها على تطوير بعض المهارات كما يفعل أغلب الأولياء على الأقل لتعتمد على نفسها، وهكذا ظلت فوزية حبيسة البيت كل من يراها ويلاحظ تصرفاتها يعتقد أنها في سن الخامسة. ورغم أنها ثالثة إخوتها الأسوياء الذين يذهبون إلى المدرسة وينعمون بحب والديهم، تتلقى فوزية الزجر والنهر طيلة اليوم، بل والضرب أحيانا حتى لا تزعج إخوتها وهم يقومون بواجباتهم المدرسية ...هذا هو حالها وحال الكثير من الأطفال أمثالها الذين يعيشون في كنف أولياء يخجلون بمرضهم ويخفونهم عن أعين الناس وكأنهم جريمة أو عار لا ينبغي أن يتراءى للناس. أخصائيون يحذرون من زواج الأقارب أكد الدكتور محمد محاجنة الأخصائي بأمراض الأعصاب أن الأمراض الوراثية النادرة باتت غير نادرة في مجتمعنا، حيث تصل نسبتها إلى حوالي 2 بالمائة من مجمل الأمراض لدى الأطفال، مؤكدا على ضرورة إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج لتقليل حدوث الأمراض الوراثية التي تعتبر السبب الرئيسي في الإصابة بالأمراض النادرة، مشيرا إلى أن هذه الأمراض تعتبر من الأمراض الصعبة والتي لم يجد الطب لأغلبها أي علاج، مضيفا أن معظمها يظهر في سن الطفولة المبكرة وتزداد علامات المرض كلما تقدم الطفل في السن إلى أن تؤدي إلى الإعاقة أو حتى الوفاة. للإشارة فقد سنت الجزائر على غرار بعض الدول العربية نظام تطبيق الفحص الطبي قبل الزواج بشكل إجباري،لكن الكثير من الأزواج الجدد للأسف لا يأخذون الأمر على محمل الجد، بل يكتفون غالبا بشراء الشهادات الطبية وكأن سن هذه الفحوصات هو مجرد إجراء بيروقراطي. يتطلب التكفل بالأطفال من ذوي الأمراض النادرة رعاية نفسية خاصة يتحملها الأولياء بالدرجة الأولى على عاتقهم، وفي الجزائر تعيش الكثير من الأسر تجارب مريرة مع الأبناء ذوي الاحتياجات الخاصة والرعاية الخاصة حسبما أكدته الأخصائية النفسانية بديعة بن محمد،حيث يتأثر الوالدين وهم يشاهدونهم يكبرون في ظروف صحية غير عادية. وقد لا يبقى لدى بعض الأسر سوى العواطف التي لا تكفي رغم دفئها أضافت الأخصائية لرعاية أبنائها الرعاية اللائقة، حيث أن الأمر بحاجة إلى التعليم والتدريب النفسي البيداغوجي لإدماجهم اجتماعيا، مضيفة أن جهل بعض الأولياء لطبيعة هذه الأمراض قد يسبب لهم الإرهاق النفسي الذي قد يصل إلى الانهيار العصبي، لذا لا بد على الأولياء تعلم كل شيء عن أمراض أبنائهم حتى يدركوا الطرق الصحيحة للتعامل مع الطفل المصاب.