يثير الفيلم الجديد «وطن« للمخرج الجزائري محمد حميدي ، أسئلة عديدة في مقدّمتها سؤال الهوية والانتماء، الوطن والغربة، خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة من المهاجرين المُقيمين في فرنسا، حيث تجمع أحداث الفيلم، بطريقة تجمع بين الجد والهزل، الكوميديا والمأزق، عابراً الأجيال المتتالية، في مسعى لتقديم صورة عن المجتمع الجزائري في لحظة راهنة. في فرنسا، حيث عاش عمره كاملاً، لم يجد الشاب فريد ويؤدي دوره توفيق جلاب، إلا الخضوع لرغبة والده المريض، بالعودة إلى الجزائر، حيث البيت الذي أفنى الوالد عمره في بنائه، وبات يحتاج لحضور من يساهم في حمايته من الهدم، وفق قرار السلطات الجزائرية فريد الذي لم يزر الجزائر من قبل، والذي لا يتقن اللغة العربية، سيجد نفسه في رحلة اكتشاف مزدوجة، تبدو على المستوى الظاهري اكتشاف المجتمع الجزائري الذي بات غريباً عنه، رغم أنه أصله، حيث أقاربه وأهله، ولكن أحداث الفيلم سوف تفضي إلى ما هو أعمق باكتشاف فريد لنفسه. منذ البداية يقع فريد في قبضة ابن عمه يؤديه ببراعة جمال دبوز، الذي سيقوده في مغامرات عديدة، قبل أن يسرق جواز سفره، وينتحل شخصيته، ويسافر بدلاً منه إلى فرنسا فريد العالق في الجزائر، لم يعد بمستطاعه العودة إلى فرنسا، دون أوراقه الرسمية، وبات عليه العمل على تحقيق حلم والده بحماية البيت، في الوقت نفسه الذي يجتهد للحصول على الأوراق، التي يُمكن لها أن تعيده إلى فرنسا المُفارقة هنا تخلق شكلاً من الكوميديا السوداء، ليس فقط باضطراره للتحوّل إلى مهاجر غير شرعي كي يعود إلى أسرته ومنزله وحبيبته، بل مع المزيد من انغماس فريد في المجتمع الجزائري، سواء في مقهى قرية الذي يأخذ صيغة مكان التجمّع الأثير لأهالي القرية، ونقطة التواصل الوحيدة الممكنة مع العالم، أو من خلال الحوارات المتتالية مع عمه الذي تقاسم الوظيفة مع والده بين من يبقى في الجزائر ومن يغادر إلى فرنسا، وصولاً إلى الجلسات الفريدة مع الجار العجوز، وحفيدته الجميلة، وأحاديثه عن تاريخ الجزائر، منذ الاستقلال حتى اليوم، وعن أحلام الشباب الجزائري بعبور البحر صوب فرنسا، بحثاً عن حياة أفضل. يتعامل المخرج محمد حميدي، أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال، في أول أفلامه الروائية الطويلة، مع مجتمعه الجزائري برفق وعناية، وإن وجّه له بعض الانتقادات، فإنما أتت مُغلّفة بروح المحبة، دونما إيغال بالانتقاد، أو إبداء أيّ نزعة ثأرية، أو رغبة في الحطّ من قدره، على ما فيه من بؤس ومرارة، وعلى رغم التناقضات التي تعتمل تحت السطح.