أكدت مصادر عليمة أن مسودة الدستور التي أعدّتها لجنة الخبراء برئاسة الدكتور عزوز كردون سترسل إلى الأحزاب السياسية بداية من اليوم أو بعد غد الخميس على أقصى تقدير، للإطلاع عليها تحسبا للجولة الجديدة للمشاورات السياسية التي أعلنها الرئيس بوتفليقة والتي سيشرف عليها رئيس ديوانه أحمد أويحيى جوان المقبل قبل الذهاب إلى مراجعة الدستور سواء عن طريق الاستفتاء أو بجمع غرفتي البرلمان، وفي هذه الأثناء أعلنت أغلبية الأحزاب السياسية التزامها بالمشاركة في إثراء هذه المسودة، فيما بدا الإرباك واضحا على أحزاب المعارضة. حسب المصدر الآنف الذكر فإن مسودة الدستور التي اشتغلت عليها لجنة الخبراء بعد تنصيبها في أفريل 2013 انطلاقا من أرضية مقترحات رفعتها إليها رئاسة الجمهورية تعكس مواقف الطبقة السياسية مثلما عبّرت عنها في الجولة الأولى للمشاورات السياسية التي أشرف عليها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح في صائفة ,2011 ستكون بداية من اليوم بين أيدي قيادات الأحزاب السياسية بكل توجهاتها وتياراتها حتى يكونوا على اطلاع بما تقترحه لجنة عزوز كردون وإبداء الرأي حول حصيلة عملها خلال الجولة الجديدة للمشاورات السياسية التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة خلال مراسيم تأديته اليمين الدستوري وحدّد شهر جوان المقبل موعدا لها. وكان رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد الأربعاء الفارط وعند تكليفها رئيس ديوانه أحمد أويحيى بالإشراف على المشاورات السياسية حول تعديل الدستور أكد أن مقترحات الطبقة السياسية ستعود مجددا إلى لجنة الخبراء لاستغلالها في صياغة المسودة النهائية للدستور الذي سيعرض سواء لاستفتاء الشعب أو على نواب البرلمان بغرفتيه .وبما أن مرحلة التعديلات الدستورية تكون قد دخلت أولى محطاتها العملية بإرسال المسودة التي أعدتها لجنة الخبراء إلى كل الأطراف المعنية بعملية الإصلاح السياسي تبدو أغلب أحزاب المعارضة في وضع مرتبك وتائه، بين حقيقة سياسية تتكرس كل يوم وهي أن مرحلة الانتخابات الرئاسية وما صاحبها من ضجيج وزخم قد انتهت وبين حسابات الربح والخسارة التي فرضتها خطوة رئيس الجمهورية بالذهاب إلى تعديلات دستورية معمقة. والأخطر من الارتباك والتململ الذي تعاني منه المعارضة بشقيها المشارك والمقاطع لرئاسيات 17 أفريل المنصرم هو حالة الانقسام والتشظي التي تعرفها أغلب التحالفات والتنسيقيات التي تشكلت عشية الرئاسيات، وآخر مظاهر هذه الانقسام هو خرجة رئيس حزب العدل والبيان نعيمة صالحي منذ يومين والتي أعلنت فيها قبولها المشاركة في المشاورات التي سيديرها مستشار رئيس الجمهورية ومدير ديوانه أحمد أويحيى جوان القادم، وتأتي خطوة صالحي لتعمق أكثر جراح ما يسمى القطب الوطني من أجل التغيير. وفي الجهة الأخرى من المعارضة والتي تضم الأحزاب التي قاطعت الرئاسيات الأخيرة، فالمشهد أكثر تعقيدا وذلك على خلفية إصرار تنسيقية التغيير على الذهاب قدما في تنظيم ندوة التغيير الديمقراطي يوم 17 ماي الجاري، وآخر ضربة تلقاها أصحاب هذا المسعى هو عدم نجاحهم في إقناع كل الشخصيات التاريخية الهامة التي اتصلوا بها؛ الرئيس ليامين زروال لا يزال وفيا لتحفظه وعدم انخراطه في النشاط السياسي تحت أي قبعة كانت، في حين عدم وصول كل من الدكتور طالب الإبراهيمي وقائد الولاية التاريخية الرابعة العقيد يوسف الخطيب إلى أرض الوطن إشارة واضحة على عدم موافقتهما على المشاركة في ندوة 17 ماي . ومن الإشارات الدالة على عمق الانقسام والصراع داخل صفوف المعارضة هو ما أطلقه زعيم حمس عبد الرزاق مقري من توصيفات في حق بعض قادة المعارضة، حين اعتبر أن هناك شخصيات وأحزاب هي أخطر على المعارضة من السلطة في حد ذاتها، وتعكس هذه التهم التي ساقها مقري تردي مستوى الثقة والتنسيق الذي يطبع صفوف المعارضة. ويعتقد بعض المتابعين للشأن السياسي والحزبي في الجزائر أن الأيام القليلة القادمة قد تعرف بعض التحولات والانعطافات في مواقف أحزاب المعارضة، خاصة بعد توضح الخطوط العريضة لمسودة التعديلات الدستورية، والتي يتوقع أن تحتوي على مقترحات »نوعية« و»مفصلية«، سواء في الشق المتعلق بالفصل بين السلطات وطبيعة النظام السياسي وتعزيز رقابة وسلطة البرلمان، أو في الجانب المتعلق بالحريات وحقوق الإنسان. وهذا العامل قد يدفع ببعض المترددين والمشككين من أحزاب المعارضة في جدية مسعى السلطة في الذهاب إلى إصلاحات سياسية عميقة إلى مراجعة مواقفها.