اهتم الباحثون كثيرا بالظروف الاجتماعية للمطلقين أكثر من اهتمامهم بأحوالهم النفسية التي يعيشونها، حيث أن الدراسات التي تناولت مشكلات المطلقين وتوافقهم النفسي والاجتماعي بعد الطلاق قليلة، خاصة في الجزائر. أكد بوعلام قاصب أخصائي نفساني وباحث بجامعة الجزائر2 ل»صوت الأحرار« أن الطلاق خبرة شخصية، من ناحية، يختلف تأثيرها من شخص إلى آخر وخبرة عامة، من ناحية أخرى، يحدث فيها تغيير في عادات كل مطلق، وهويته الاجتماعية والاقتصادية، تقع عليه أعباء وضغوط نفسية واجتماعية تقلقه وتزعجه، مما جعل علماء النفس والاجتماع يعتبرون الطلاق أزمة تؤثر تأثيرا سيئا على الصحة النفسية والجسمية للمطلقين. الطلاق تربة نفسية مؤلمة للمرأة كما أن الطلاق يقول ذات المتحدث-تجربة نفسية مؤلمة تواجه المرأة، حيث تنزل من مكانة متزوجة إلى مكانة مطلقة، والأولى مقبولة اجتماعيا، والثانية غير مقبولة في كثير من المجتمعات الحديثة، وهذا يعني أن الطلاق يقلل من المكانة الاجتماعية للمرأة، حيث تتغير نظرة الناس إلى المطلقة، التي تفقد كثيرا من صديقاتها المتزوجات، وتعاني الوحدة، وتتحمل تعليقات اللوم والشماتة والشفقة من الأهل والأصدقاء والزملاء والجيران، وتقبل القيود التي يضعها المجتمع على علاقاتها الإجتماعية وشكوك الناس في سلوكياتها، فتتهم المطلقة كثيرا بخطف الأزواج من زوجاتهم، ويشك فيها النساء المتزوجات، ويخشون منها على أزواجهن. ونظرة الناس هذه حسب قاصب تجعل علاقات المطلقة بالمجتمع غير مستقرة، لا تطمئن فيها للناس ولا هم يطمئنون لها، وتعيش على هامش الحياة الإجتماعية يضاف إلى هذا ما يترتب على الطلاق من تغيير في نمط الحياة الإجتماعية للمطلقة، فهي إما أن تترك بيت الزوجية وتعيش لوحدها في ظل رفض الأهل استقبالها، أو تعاني الوحدة أو تقوم بدور ثانوي في بيت أهلها، أو تضم أطفالها إليها، وتتحمل مسؤولياتهم لوحدها، أو أحيانا تقبل الانفصال عنهم، وتعاني بذلك من الخوف عليهم، الظلم وعدم الرضا عن النفس وأشار ذات الباحث إلى أن توافق المطلقة مع الطلاق عملية صعبة، تعاني فيها مشاكل اجتماعية واقتصادية، صحية ونفسية عديدة، قد تستمر لعدة سنوات، خاصة إذا لم تتوفر لها فرصة الزواج ثانية، فالدراسات تشير إلى أن المطلقات لا يعدن إلى ممارسة حياتهن الإجتماعية العادية إلا بعد مدة، تمتد من سنة إلى ثلاث سنوات، تواجههن الكثير من العوائق النفسية والإجتماعية، التي تحرمهن من إشباع الكثير من حاجاتهن، وتمنعهن من تحقيق أهدافهن، فيعشن في صراعات ?صريحة أو غير صريحة- مع أنفسهن ومع الناس، ويتعرضن كثيرا للإحباط ويعانين مشاعر الحرمان والظلم والقهر، والتوتر والقلق. وتتسلط عليهن أفكار العداوة والتشاؤم والإنهزامية، وجميعها مشاعر وأفكار سيئة، ترتبط بقائمة طويلة من الأمراض السيكوسوماتية والإضطرابات النفسية والعقلية والإنحرافات السلوكية، حيث تبين من دراسات عديدة أن المطلقات يعانين أكثر من المتزوجات أمراض القلق ، الأرق ،الإكتئاب و الإضطراب العقلي، الإدمان على المخدرات والكحول.يقول محدثنا دائما ولقد اختلف علماء النفس يضيف الباحث، في تفسير ارتفاع معدلات هذه الأمراض والإنحرافات عند المطلقات، فأصحاب نظرية التأزم يفترضون أن حادثة الطلاق في ذاتها حادثة خطيرة تأزم المطلقين نفسيا وتجعلهم متوترين وقلقين لفترات أطول، وتؤدي إلى إصابتهم بالأمراض السيكوسوماتية، والإضطرابات النفسية والذهان. وأما أصحاب نظرية الدور فيرجعون الخلل في الصحة الجسمية والنفسية عند المطلقات إلى فشلهن في أداء الأدوار الزوجية، خاصة فيما يتعلق بالدور الجنسي، الذي يجعلهن مهيئات للأمراض والإنحرافات أكثر من المتزوجات، وذهب علماء النظرية الانتقائية إلى أن الطلاق لا يسبب اعتلال الصحة النفسية والجسمية، ولكن اعتلال الصحة يؤدي إلى الطلاق، فالمطلقات معتلات الصحة قبل الطلاق، واعتلال صحتهن عجل بطلاقهن، لأن البقاء في الزواج للأصحاء جسميا ونفسيا، واحتمالات الزواج ثانية قليلة، وهذا الانتقاء يؤدي إلى تراكم معتلات الصحة في فئة المطلقات، وتراكم الأصحاء في فئة المتزوجات وبالتالي ترتفع معدلات الأمراض والإنحرافات عند الفئة الأولى، وتنخفض عند الفئة الثانية. والرأي الراجح حسب محدثنا عند كثير من الباحثين إرجاع زيادة معدلات الانحرافات النفسية والأمراض السيكوسوماتية عند المطلقات إلى ما عانوه من عدم استقرار في حياتهن الزوجية، وحرمانهن من إشباع حاجاتهن النفسية: الأمن والحب والإنتماء قبل الطلاق وبعده. فهذه الإنحرافات والأمراض موجودة عندهن قبل الطلاق، ثم تأتي خبرة الطلاق المؤلمة لتعجل بظهورها أو تضخمها، وتجعلها أكثر تعقيدا، فمشاعر الحرمان، الظلم العداوة ، الحقد، العجز ، اليأس والتشاؤم التي يعانيها المطلقات قبل وبعد الطلاق، تهبط من مستوى مناعتهن النفسية والجسمية، وتجعلهن عرضة للأمراض الجسمية، والإنهيارات النفسية، وقد تفضي في كثير من الأحيان إلى الإنتحار وارتكاب الجرائم، فمن المعروف أن المطلقات عشن أزمات ومشكلات في زواجهن، ومازلن تعيسات في حياتهن بعد الطلاق، مما جعل علماء الطب والطب النفسي وعلم النفس الإكلينيكي يعتبرون الطلاق منبئاً بالوهن في الصحة النفسية والأمراض الجسمية مساعدة المطلقات على تقبل الأمر الواقع كما أن الآثار السلبية للطلاق على الصحة النفسية والجسمية للمطلقات، من الصعب تجنبها -حسب مصدرنا -، لأن الطلاق تجربة فشل مؤلمة، فيها إحباط وحرمان، ومع هذا يمكن تخفيف آثارها الجانبية على كل من الفرد والأسرة والمجتمع، عندنا نسمو بالطلاق، ونستخدمه عند الضرورة، للتخلص من الشقاء في الحياة الزوجية الفاشلة، فالدراسات أشارت إلى أن الآثار السيئة للطلاق في هذه الحالة أقل من الآثار السيئة للزواج الفاشل، ومن هنا اعتبر الكثير من الباحثين الطلاق الذي يستخدم عند الضرورة طلاقا جيدا، وأسلوبا علاجيا ناجحا في استعادة الصحة النفسية للفاشلين في الزواج وأكد بوعلام قاصب، أن الطلاق الجيد، هو الطلاق الذي دعا إليه الإسلام رحمة بالزوجين المتنافرين في الطباع والأفكار والمعتقدات، وصيانة لحقوقهما في الحياة الإنسانية الكريمة، وتمكينهما من حل علاقة عمها النفور والتباغض، ومنه فإن دور الإرشاد النفسي والأسري للمطلقات والمطلقين على العموم، تخفيف مشاعر القلق والتوتر، التي تشعر بها المطلقة، ومساعدتها على تقبل الأمر الواقع، والتأقلم معه، وتناول صعوبات الطلاق بموضوعية، ومواجهة الحياة الجديدة بواقعية و تخفيف مشاعر العداوة والنفورعندها، ونسيان الخلافات السابقة و مساعدة المطلقة على تحسين الظروف البيئية التي تعيش فيها، وتنمية علاقتها الإجتماعية في أسرتها، وتشجيعها على العمل في البيت وخارج البيت. حتى يتعدل مفهومها عن ذاتها بعد الطلاق. فنجاح المطلقة ?يضيف- في أي شيء يساعدها في إعادة ثقتها بنفسها وفي الناس، ويرفع طموحاتها في الحياة و تشجيعها على تنمية علاقاتها بأطفالها وتبصيرها بمسؤولياتها نحوهم بعد الطلاق وتخفيف أجواء التوتر بين أسرة المطلقة الأصلية وأسرة طليقها، وتنمية العلاقات بينهما، خاصة إذا كان بينهما أطفال.