تواجه الكثير من المطلقات بعد فشلهن في الزواج العديد من العراقيل والصعوبات في مواصلة الحياة بشكل طبيعي، خاصة على مستوى محيطهن العائلي، وذلك بسبب نظرات التأنيب والاحتقار أحيانا، وحتى على المستوى المهني تصبح المطلقة في نظر أصحاب النفوس الضعيفة فريسة سهلة المنال. حالات كثيرة لنساء كان لهن نفس المصير وإن اختلفت أسباب طلاق كل واحدة منهن، ولكن أغلبهن عبّرن عن استيائهن من التجربة التي مررن بها بعد طلاقهن فكانت بالنسبة لبعضهن جحيما لا يقل عما كن يعشنه خلال مرحلة الزواج. مطلقات رغبن في الانتحار وأخريات صرن وصمة عار على العائلة "نسيمة" سيدة في ريعان شبابها تطلقت بعد ستة أشهر من الزواج، تقول عن نظرة المجتمع للمطلقة "المرأة المطلقة تصبح مطمع بعض الرجال الذين يفكرون في ممارسة الرذيلة، ولهذا السبب وغيره من الأسباب تصبح منبوذة من قبل الكثيرين وينظرون إليها نظرة احتقار، حتى من طرف عائلتها التي من المفروض أن يكون لهم دور في التخفيف عن ابنتهم لتتعظ من تجربتها القاسية، ويعملون على مساعدتها من أجل الخروج من الحالة النفسية التي تمر بها، وتضيف "صحيح أن بعض العائلات تقوم بهذا الدور كما يجب، ولكن نجد عائلات أخرى تتميز بالقسوة عند التعامل مع ابنتها المطلقة، فتجدهم يمنعونها من الخروج لممارسة أي نشاط يفيدها في تنمية قدراتها الذهنية والعملية، وكأنها عار على العائلة"، هذا وترجع المتحدثة تلك التصرفات إلى نقص الوازع الديني بالدرجة الأولى، وتضيف بهذا الخصوص "إن مثل تلك التصرفات راجعة بصورة أصح إلى عدم الإيمان بالقضاء والقدر ،وكأن المطلقة هي من اختارت قدرها وتتحول بذلك من مظلومة إلى ظالمة ومن مجني عليها إلى جانية، فالمجتمع يحاسب المرأة على الطلاق ولا يحاسب الرجل، والدليل أن الكثير من المطلقين عندما يتقدمون لخطبة فتاة عزباء يلقون الترحاب والقبول من طرف بعض العائلات ولا يسألونهم حتى عن أسباب الطلاق،ولكن الفتاة المطلقة يرفض الكثير من الرجال الارتباط بها سواء من تلقاء أنفسهم أو تحت ضغط الأهل". السيدة "ر.ع" هي الأخرى وصفت لنا شعورها بعد انفصالها عن زوجها، وهي تؤكد أن الطلاق أسوأ ما قد يحدث للمرأة خلال حياتها رغم أنها وجدت الدعم الكافي من طرف والديها بعد الحالة النفسية السيئة التي كانت تمر بها مع العلم أنها متخرجة من الجامعة، حيث تقول "اكتشفت أن أصعب شيء في الحياة عندما لا أرتبط بالزوج الصالح، صدقوني كنت أتمنى لو أن الله سبحانه وتعالى حرمني من الدراسة ومن الجمال وأعطاني رجلا يحبني ويحترمني"، تضيف عن تجربتها "مرارة الطلاق لا يمكن وصفها، خاصة في تلك اللحظة التي يصدر فيها لفظ الطلاق، لقد تمنيت الموت حينها، حيث راودتني في الكثير من الأحيان الرغبة في الانتحار، لكن إيماني بالله عز وجل جعلني أتقبل قدري فعدت إلى حياتي الطبيعية بعد ما تقدم لخطبتي أستاذ جامعي أعجب بأخلاقي وجمالي، ومع أنني ابنة عائلة محترمة جدا، ولكن فرحتي لم تكتمل، لأن طلاقي من الرجل الأول كان حجر عثرة أمام زواجي مرة أخرى". حالة أخرى لامرأة تطلقت بسبب عدم إنجابها للأولاد فلم يجد أهلها من حل سوى تزويجها بمن تقول أنه تخلى عنها بمجرد أن علم أنها مطلقة، تروي عن هذا قائلة "أهلي لم يتقبلوا طلاقي فزوجوني للمرة الثانية بشخص مجهول النسب، ووفروا له كل الإمكانيات المادية، ولكنه وبعد اكتشاف الحقيقة طلقني، ولكن أهلي لازالوا يفكرون في تزويجي مرة أخرى.. إنهم يتلاعبون بحياتي كما يريدون، لا لشيء سوى أن لا تكون في البيت مطلقة خوفا من أن تجلب لهم العار". هذا وتجمع بعض المطلقات ممن تحدثنا إليهن أن نصيب المطلقة في الزواج مرة أخرى يقل وهو ما أكدته "مونية" التي روت لنا عن أخيها عندما أعجب بفتاة مطلقة وأراد أن يتزوجها، لكنه من كثرة استنكار أصدقائه وعائلته تراجع عن قراره. إن نظرة الكثير من أفراد المجتمع القاسية للمرأة المطلقة جعلت بعض النسوة يتحملن ما يصدر من أزواجهن لكي لا يحملن لقب "مطلقة"، منهم المدعوة "س.ي" التي تؤكد أن العنف الجسدي واللفظي هو أكثر ما يميز حياتها الزوجية، ولكنها ومع ذلك تبقى صابرة خوفا من الطلاق على حد تعبيرها. الطلاق لم يمنع الكثيرات من الزواج مرة أخرى وبمقابل تلك الحالات السابقة الذكر،وجدنا آراء أخرى أكثر إيجابية تعطي المرأة الأمل في تجديد حياتها الزوجية، خاصة لما نجد من يؤكدن أن نظرة المجتمع بدأت تتغير للمرأة المطلقة مقارنة بما كانت عليه من قبل، وهو رأي "سارة" التي تقول أنها تطلقت بعد شهر من الزواج لسبب تافه، لكن مشيئة الله قدرت لها الزواج مرة أخرى بعد مدة قصيرة من طلاقها برجل أعزب لتجد كل الترحاب من طرف أفراد عائلته. "رانيا" هي الأخرى كانت أوفر حظا وظفرت بزوج رغم أنها مطلقة وأم لولد، تقول "أنا مطلقة ولديّ إبن ولكنني تزوجت من رجل أعزب ولم أواجه معه إلى حد الآن مشكلا لكوني مطلقة". شباب لا يمتنعون عن الزواج بمطلقات شريطة أن تكّن خلوقات وعن مدى قبول ارتباط الرجل بالمرأة المطلقة، اقتربنا من بعض الشباب لمعرفة رأيهم في الموضوع فكان "حليم" أول المتحدثين والذي أكد لنا أنه لو وجد امرأة مطلقة تكون خلوقة وتناسبه فلن يعارض الزواج بها. "سفيان" هو الآخر عبر لنا عن وجهة نظره قائلا "لو لديّ أخت تعيسة في زواجها لن أدعها تموت من الحسرة أو تصاب بمرض لعين من شدة القهر، لذا أتحمل مسؤولية طلاقها ولن تتغير نظرتي إليها، فبالعكس ستعود معززة مكرمة إلى بيت أهلها"، وعندما سألناه في حالة ما إذا وجد امرأة تناسبه، ولكنها مطلقة، أكد لنا أن طلاقها لن يكون عائقا أمام الارتباط بها، وكان ل"يوسف" و"يحي" نفس وجهة نظر سفيان. أساتذة علم الاجتماع بدورهم يرجعون سبب نبذ المجتمع للمرأة المطلقة لكون المجتمع ذكوري بالدرجة الأولى وهو ما أكدته "جويدة عسولات" أستاذة في علم الاجتماع بجامعة البليدة، حيث قالت خلال حديثها عن الموضوع "إننا نعيش في مجتمع ذكوري، وهذا نابع من الأسرة التي تفضّل الولد على البنت، ففهم الكثير من الأشخاص لما جاء في القرآن الكريم خاطئ من حيث تفضيل الرجل، لهذا أجحف المجتمع في حق المرأة، ولو عدنا إلى سيرة الرسول صلى لله عليه وسلم فسنجد أنه تزوج من مطلقات". أما الأستاذ "أحمد طيفوري" فقد أكد أن نظرة المجتمع للمطلقات هي نظرة دونية،يضيف في نفس السياق "بعض أفراد المجتمع يصغّرون المرأة ويقدسّون الرجل، حيث يكون هذا الأخير دائما في القمة ولو كانت أفعاله خاطئة، ولكنه يبقى ذكرا وهي أنثى، وتعود أسباب تلك النظرة الدونية إلى الخلفية التاريخية للمجتمع العربي عموما والمجتمع الجزائري خصوصا، حيث أن تلك المعاملات العرفية للمرأة المطلقة منتشرة في عدة أوساط اجتماعية تمتزج فيها مشاعر العار والفشل، ويغيب الوعي الديني عند من يفكرون بتلك الطريقة، والمرأة المطلقة في نظر المجتمع القبلي تجلب العار وكأنها جريمة اجتماعية، لكنها في الحقيقة مجرد حالة فشلت في الزواج ليس إلا". نظرة المجتمع تسبّب عقدا نفسية للمطلقة تقول "فتيحة مهدي بلعسلة" أخصائية في علم النفس "إن المجتمع يعتبر المرأة المطلقة متمردة وغير قادرة على تحمل المسؤولية والأعباء الزوجية، والمجتمع عادة ما يحمل المرأة وحدها المسؤولية دون الرجل، حيث تصبح منبوذة من طرف العائلة وتلقى نفورا من بعض المحيطين بها، ويعزف الكثير من الشباب عن الزواج بها، وحتى لو أراد أحدهم ذلك فإنه يلقى الرفض من أهله، ومن هنا تدخل المرأة المطلقة في حالة اكتئاب وتؤنب نفسها وأحيانا تعاني من الخوف والشك ومختلف الظروف النفسية بسبب خيبة الأمل والخوف من تكرار التجربة واتهامها بعدم الصبر". نصائح الأخصائية النفسانية للمطلقات أما عن النصيحة التي تقدمها الأخصائية النفسية للمطلقة فتقول "على المرأة التي مرت بتجربة زواج فاشلة أن تكون مقتنعة بسبب طلاقها وتسعى لتعزيز ثقتها في نفسها، كما عليها أن تبدد الخوف، والأهّم من ذلك تقوية ثقتها في الله سبحانه وتعالى، فالطلاق لا هو عيب ولا حرام، ضف إلا أن الطلاق هو بداية لحياة جديدة، والأهم هو تحقيق الاستقلال المادي والمعنوي، فحتى لو كان لديها مستوى علمي ضعيف تستطيع أن تمارس أي حرفة تنفق بها على نفسها وتشغل وقتها بما يفيد".