تكشف أروقة المحاكم تنامي حالات الطلاق قبل الدخول في المجتمع الجزائري، فبعد أن كان الزواج رابطة مقدسة تجمع بين ثنائي عقدا العزم على إنشاء مؤسسة حياتية أصبح هذا الأخير سببا وجيها في بروز أخطر المشاكل الإجتماعية التي تتخبط فيها الأسرة الجزائرية، حيث أضحى لقب مطلقة قبل الدخول أكبر مشكلة تواجهها الفتاة الجزائرية في حال فشل زواجها وهي بداية لمشاكل أخرى أقلها تأثيرا نظرة المجتمع الدونية للمطلقة الفتاة سيما وأن المحاكم ذاتها عجزت عن إصلاح ذات البين، وأصبح بذلك الطلاق أبغض الحلال عند الله وسيلة مثلى لنقض العهد والوفاء بالوعد نتيجة أسباب عديدة ساهمت في إنتشار الطلاق وسط العائلات الجزائرية المحافظة التي كانت في وقت قريب رافضة لكل أشكال الطلاق حفاظا على الأسرة الجزائرية. السياسي طرحت الظاهرة على مختصين في المجال للوقوف على الدوافع الحقيقية لإنتشار الطلاق قبل الدخول وسط العائلات الجزائرية خاصة وأن هذا الأخير أصبح أرضية خصبة لإحتضان مشاكل إجتماعية وأخلاقية الكل في غنى عنها. انتشار واسع لحالات الطلاق أصبحت ظاهرة الطلاق منتشرة بصورة كبيرة داخل الأسرة الجزائرية بأشكال مختلفة وصلت لدرجة الانفصال قبل الدخول الشرعي وفسخ العقد المدني المتعارف عليه عند أغلب العائلات ألحّت عليه تلك التجاوزات القديمة التي حتمت قراءة الفاتحة الشرعية قبل العقد المدني الذي يبقى في حقيقة الأمر صمام الأمان الذي يحفظ للزوجة حقوقها كاملة، غير أن هذه الإجراءات الاحترازية لم تمنع من بروز بعض الحالات وتفشيها وسط أزواج بعقود مدنية قبل أي دخول شرعي، ويبقى الجدل الحقيقي في قانون الأسرة في هذه النقطة بالذات نتيجة استفحال هذه الظواهر بصفة غير مسبوقة في المجتمع الجزائري. اكتشاف عيوب الآخر من أسباب الظاهرة كثيرا ما تصل العلاقة بين الشاب والفتاة إذا تطورت العلاقة بينهما مع مرور الزمن إلى طريق الزواج في أغلب الأحيان، غير أن طول مدة العقد قد يصل إلى الفشل والانهيار في حالة اكتشاف أحدهما خصوصا الفتيات خيانة الزوج أو عيوب لم تعد تروق لهما نتيجة لظروف اجتماعية وخلافات بين العائلتين، خاصة إذا تم العقد المدني بين الفتاة والشاب وأصبحا زوجين شرعيين في نظر القانون، فتتوطدد العلاقة قبل اقامة مراسيم الزفاف والاشهار العائلي لتلك الرابطة، هذا ما حدث لعبير ذات 30 ربيعا حيث فسخت عقد قرانها مع زوجها بسبب عدم توفر الامكانات المادية لشراء السكن رغم انهما متزوجين على الورق لاكثر من عامين، ومازاد الطين بلة هو توقف الزوج عن العمل، ماادى بها لطلب الطلاق قبل أن يدخلا قفص الزوجية، وهي حالات كثيرة عرفها المجتمع الجزائري مؤخرا. الفتاة تدفع ثمن الإدانة الاجتماعية يخلف الطلاق قبل الدخول انعكاسات وأضرارا نفسية وبسيكولوجية على الفتيات خصوصا، باعتبارهن الضحية والخاسرة الأولى والأخيرة نتيجة هذا الانفصال، وفي أغلب الأحيان تصاب الفتيات بانهيارات عصبية حادة وتحاول الكثيرات الانتحار بسبب صدمات نفسية حادة تفقدها السيطرة على تصرفاتها وسلوكياتها وفي ذات الإطار تروي إحدى السيدات قصتها حول هذا الموضوع بعد أن انفصلت ابنتها عن شريكها بعقد مدني، بسبب عدم موافقة أهله للعيش معهم، وحاولت اقناعها بانتظاره مدة زمنية إلى حين إيجاد سكن لائق يجمعهما، هذا ما لم تقبل به فأصيبت بإنهيار عصبي نتيجة الإنفصال في حين يرى بعض المواطنين الذين التقينا هم أن ظاهرة طلاق العقود اصبحت موضة للكثير من شباب اليوم لأنهم لا يقدرون قيمة هذا الارتباط الروحي وحقيقته. قانوني: انتشار مخيف للطلاق قبل الدخول أكد رشيد مرسلي الاخصائي القانوني ومحامي لدى المجلس ل السياسي أن الكثير من حالات الطلاق قبل البناء وإقامة العرس العائلي من المنظور الاجتماعي أصبحت قضايا متداولة بصفة شبه يومية على مكاتب المحامين والقضاة، بحيث أن القانون يكفل حق الزوج في طلب نصف المهر من الطرف الثاني في حالة رفع دعوة متفق عليها في الطلاق، وفي هذه الحالة لا وجود لحق تطلبه الزوجة من الناحية القانونية، باستثناء الهدايا المقدمة لها خلال فترة العلاقة القائمة، وهو ماتنص عليه المادة 32 من قانون الاسرة الجزائري المتعلق برد نصف المهر ما لم يتم البناء والخلوة الشرعية، ومن جهة ثانية بين مرسلي بان للزوجة المتضررة الحق في رفع دعوة قضائية في حالة اثباتها لممارسات الزوج في هذه الحالة، ويجب التفريق بين التطليق والطلاق لأن الأول يكون من طرف جهة واحدة من احد الطرفيين، كما حلل المحامي بعض الحالات التي يكون اغلب أسباب الطلاق فيها ناتج عن حجة السكن وعدم توفر الزوج على ضمانات مادية تكفل للزوجة إقامة أسرة طبيعية، إضافة لبعض الحالات الهادفة للحصول شقة بصيغة الإيجار. قسنطيني: قانون العقود الزوجية يحتاج إلى تعديل وضح فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان العوامل الخفية لحالات الطلاق قبل الدخول في تصريح خص به السياسي ، وأرجعها بدوره إلى عدم توضح المادة القانونية في حالة الطلاق قبل البناء، خصوصا وأن المتضرر الأول يكون في أغلب الأحيان من النساء اللواتي يفقدن حقوقهن المعنوية قبل المادية نتيجة النظرة الاجتماعية الدونية التي يترتب عليها هذا الانفصال، كما دعا قسنطيني في هذا الجانب المختصين القانونين إلى الاجتهاد لإيجاد صيغة قانونية خاصة بجميع الاطراف في حالة الطلاق العادي تكوم منصفة للجانبين، وكشف المتحدث بأن حالات الطلاق قبل الدخول أصبحت منتشرة على نطاق واسع ويعود سببها إلى الحصول على سكن أو تأشيرة سفر، ما يستوجب حسب رئيس اللجنة الإستشارية لحقوق الإنسان تدخل جميع الاطراف لحماية التفكك الكبير الذي يشهده المجتمع الجزائري نتيجة لظواهر شاذة عن تاريخه وأصالته. نفسانية: شبح الطلاق يهدد مستقبل الفتيات فسرت الدكتورة عائشة شباكي الاخصائية النفسانية الاعراض المرضية التي تنجم عن فك الرابطة الزوجية الناجمة عن طلاق العقود بالنسبة للفتاة بالخوف الاجتماعي والانطواء النفسي الذي يصاحب الفتاة بعد طلاقها كأول الأعراض بما أن البنت تعتبره انهيارا لعتبة رئيسية في حياتها، كما يرتب في ذهنها الافكار السلبية والقلق والتوتر الزائد، وتبقى النظرة التشاؤمية وكرهها لجميع الرجال شبح يطاردها، كما اكدت شباكي أن الكثير من الحالات تدخل عالم الاكتئاب المصاحب للانهيار العاطفي الحاد، وإستشهدت الأخصائية بحالة فتاة تقدمت إلى المصلحة وهي تعاني من انهيار عصبي شديد، سببه أن شريكها طلقها وهي لازالت عازبة فقررت الفتاة الانتحار وقطع شرايينها، ما اضطرنا الى تزويدها بالمهدئات لتسكين الامها وتضيف النفسانية أن هذه الحالات تعتبر جزء من الخلل الاجتماعي الذي طرأ في اسلوب العلاقات العاطفية في مجتمعنا، بما أنه يرى دائما أن البنت المطلقة المتهمة الرئيسية في الطلاق لتبقى الفتاة المظلومة تدفع العواقب، كما دعت مباركي لتسريع الزواج والدخول تجنبا لمثل هذه التجاوزات الاجتماعية التي لحقت بالكثير من الأسر. باحث اجتماعي: الأسباب المادية دافع حقيقي لفسخ الزواج أكد الأستاذ يوسف حنطابلي مختص اجتماعي في تصريح ل السياسي أن الحالات الاجتماعية الناجمة عن طلاق قبل البناء الزوجي، تكون في الغالب نتيجة لأسباب تأخر موعد الزفاف لدوافع وعوامل في الغالب إدارية مرتبطة بأزمة السن التي فرضت على الكثير من شبابنا برم عقد الزواج ليتسنى لهم الحصول على سكن والذي اصبح هاجسا اجتماعيا يؤرق شباب اليوم، مايتسبب في تأخير يوم الدخلة وبالتالي تقع المرأة في وضعية اجتماعية مشبوهة، على الرغم من عقد الزواج المبرم الشرعي والقانوني، واعتبر حنطابلي أن الاسباب المادية تعد الدافع الحقيقي وراء الطلاق قبل الدخول ويبقى العقد المدني شكلي عكس يوم الدخلة المعترف بها اجتماعيا، وتبقى العلاقة ما بين الرجل والمرأة محصورة في الباب الضيق الذي يرسمه المجتمع بالرغم من ادعائه للتحضر والحداثة حسب الباحث في علم الإجتماع. إمام: الابتعاد عن الدين من أسباب الظاهرة استغرب الشيخ يوسف بن حليمة في اتصال ل السياسي للأسباب غير المبررة في فسخ عقد الزواج قبل بداية الحياة الزوجية، مشيرا في نفس الصدد إلى أن المجتمع اليوم والكثير من الشباب إبتعدوا عن حقيقة الاسلام السمحة التي اعطت لكل ذي حق حقه، وضمت للزوجة المطلقة حقوقها في حالة فسخ عقد قرانها مع شريكها في حالة الضرر أم غير ذلك فترعى نصف المهر باستثناء الهدايا المقدمة، لكن التبعات الاجتماعية وراء هذا النوع من الطلاق بحسب نفس الإمام ويقول المرأة اليوم تبقى تحت مجهر المجتمع الذي لا يرحم بكلامه واتهاماته ، وكشف بن حليمة عن حالة سبق وإن مرت عليه بخصوص فتاة طلقت وهي لازالت متزوجة مدنيا، ولكنها تجاوزت محنتها وكبوتها وتزوجت من أحد الفاضلين ودعا بن حليمة العائلات الجزائرية لتخفيف غلاء المهور وكثرة المطالب لتسهيل بناء العلاقة الزوجية بين الشباب وبدوره يساهم في تجنبهم الوقوع في المحظور والمعاصي. خبيرة في التنمية البشرية: الحالات تختلف في خصوصياتها لكنها تتفق في نسبة الضرر من جهتها كشفت الأستاذة زهرة فاسي خبيرة في التنمية البشرية أن حالات الطلاق قبل الدخول في الجزائر قد عرفت إنتشار رهيبا في الآونة الأخيرة، حيث سجلت هذه الأخيرة 11 ألف قضية على المستوى الوطني يتم الفصل فيها في جلسة واحدة وبموافقة الطرفين وبتغريم البادىء بطلب الطلاق، وأرجعت الخبيرة الإرتفاع القياسي لهذا النوع من الطلاق إلى قرار الزواج الناتج عن أتفه الأسباب على غرار العلاقات العابرة التافهة وعلاقات الانترنت إضافة إلى تزويج الام لولدها دون معرفة هذا الأخير جيدا للفتاة. وعن أسباب فك الرابطة الزوجية قبل الدخول فقد أكدت الأستاذة أن كل حالة تختلف في خصوصياتها عن الاخرى اختلافا جوهريا لكن الضرر المعنوي والاجتماعي ينعكس على المرأة فقط كون أنه يتم التشهير بها كمتزوجة ثم كمطلقة قبل الدخول بها ما يضعها قي رواق المطلقات وهي لم تتزوج اساسا موضحة أن المطلقة قبل البناء قد تشوب سمعتها شوائبا وتأويلات عديدة في وسطها الاجتماعي ما يسبب لها العنوسة وحصرت الخبيرة الدوافع المؤدية الى هذا الزواج الابيض في تسجيل الزواج بعقد شرعي مدني بهدف تكوين ملف يتطلب عقد الزواج كالسكن للمخطوبين والسّلفية وغيرها، إلى جانب التغطية الرسمية للسفر والمبيت خارج المنزل بما أن ادارة الفنادق تطلب عقد الزواج لإستئجار غرفة لاثنين، إضافة إلى السرعة في استكمال شروط الزواج وخوف المرأة من تغيير الرأي وكلام الناس في الاتصال بالطرف الآخر والعكس صحيح، وتدرج الأخصائية عامل الخطوبة غير المؤسسة على قواعد ومشروع زواج متين والعمل بمقولة الزواج الذي يحدث لاتفه الأسباب يحصل بعده الطلاق لأتفه الاسباب، كذلك استخفاف المخطوبين بأهمية الاسرة المقبلة وأهمية العشرة الزوجية وتدخل أطراف أخرى في شؤون المخطوبين الخاصة والنصيحة الخاطئة قبل الزواج حيث تكثر النصائح المغلوطة من الاسرتين. لابد من التفكير الجيد في الزواج كمشروع حياة وليس كعلاقة وبشأن عواقب الطلاق قبل الدخول فتصفها الخبيرة فاسي بالوخيمة خاصة بعد استصدار وثيقة الطلاق دون الدخول وهذا ما يشوه وضعية الفتاة في مستقبلها مع الزوج الآخر أين ستكون معرضة للاجابة عن أسئلة هي بريئة منها مثلا يسألها زوجها المقبل لماذا طلقك الزوج الأول دون الدخول بك، وهنا تكثر عليها الظنون ويفضل الشباب المطلقة الحقيقية على المطلقة بعدم الدخول بها، وتشير الأستاذة إلى أن كتابة عبارة مطلقة على شهادة الميلاد يعوق بعض الجهات في السيرة الذاتية إلى جانب تشهير الفتاة بعبارة مطلقة، وهي لم تتزوج أصلا، مما يحجب عنها الخطاب. وتوجه الخبيرة في التنمية البشرية رسالة مفادها لابد من التفكير الجيد في الزواج كمشروع حياتي وأسري وليس كعلاقة بين عشيقين فقط.