تختلف وجهات نظر الكثيرمن الأولياء في مسألة دخول الطّفل إلى الرّوضة، حيث يبرر المقاطعون لهذه المؤسسات التربوية أنّ الرّوضة لا تخدم بأي شكل من الأشكال الطفل وتتسبب في تشتيّت استقراره و نموه العقلي، بينما يؤكد فريق المدافعين أن مثل هذه الهياكل التربوية تساعد بشكل كبير الطفل على التّنشئة الاجتماعية السّليمة، الأمر الذي أكّده مختصّون في علم النّفس بشكل لا يدع مجالا للشك. تعتبر الرّوضة أو ما يعرف بدار الحضانة الملجأ المن بين الحلول التي تلجا إليها للأمّهات العاملات، بحكم أعمالهنّ خارج البيت، فتضع الأم طفلها بالرّوضة مع أقرانه ليقضي جلّ وقته هناك يتعلم ويقتبس أشياء وممارسات تتنوع بين الحميدة والمذمومة أحيانا، أمر تستحسنه العديد من الأمّهات وتنفر منه أخريات. حياة موظّفة بقطاع التربية وأمّ لطفل في سن الرّابعة، اضطرت بحكم عملها وبعد أسرتها وأسرة زوجها عنها إلى وضع ابنها بالرّوضة منذ سنّ الخمسة أشهر، وهذا الأمر أراحها من جهة وخدم طفلها من جهة أخرى حيث قالت »لم أجد أية مشاكل مع طفلي في الروضة بل على العكس، أكون مرتاحة البال كونه بين أيدي أمينة، إضافة إلى عديد النّشاطات التي تعلّمها وساعدته على الابتكار« وتضيف دليلة طبيبة مختصّة، أنّ الرّوضة ساعدت أطفالها على تنمية قدراتهم على التّعبير سواء عن طريق تعلّم اللّغة أو التمثيل أو الرسم، وأيضا على تنمية قواهم العقلية وتطوير إدراكهم، انتباههم، تخيّلهم وتفكيرهم. الروضة بين مؤيد ومعارض وهيبة أمّ بلقيس مربية سابقة بروضة، كشفت هي الأخرى عن الأهميّة الكبيرة التي تلعبها الرّوضة في حياة الطّفل وذلك من خلال الكشف عن قدراته ومواهبه ومساعدته على التفكير المنظّم والعناية بالصحة الجسمية والنفسيةّ وإزالة الخوف من البعد عن المنزل والتواجد مع الغرباء وبث عامل الشجاعة والجرأة واتّباع النّظام، وأضافت »لم أخرج ابنتي من الرّوضة حتّى حان وقت دخولها إلى المدرسة، والنّتيجة كانت باهرة، حيث استفادت من كلّ ما تعلّمته بالرّوضة واستثمرته في دراستها ما ساعدها على التفوّق وبجدارة«. على صعيد آخر، هناك من الأولياء من لا يحبّذ فكرة وضع الطّفل بالرّوضة، ويرى أنّها لا تقدّم شيئا له، هو حال عبد الرّحمان، تاجر، الذي رفض وضع أطفاله بدار الحضانة الأمر الّذي اضطرّه إلى توقيف زوجته عن العمل حيث قال »لم أتقبّل فكرة أن ينشأ أطفالي بالرّوضة، ممّا قد يؤثّر على سلوكهم خاصّة في السّنوات الخمس الأولى التي يحتاجون فيها إلى أمّهم أكثر من أيّ شيء آخر« وتشاطره الرّأي وردة، مهندسة، التي اعتبرت وضع الأطفال بالرّوضة إهمالا لهم وتهرّب من المسؤوليّة اتّجاههم، إذ تقول »عند ولادة ابني تخلّيت عن عملي لمدّة سنتان، وقد نصحني الكثيرون بأخذه إلى دار حضانة أو روضة لكنّي تخوّفت من المعاملة التي قد يلقاها هناك، فلا شيء يمكن له تعويض حنان الأم وعطفها على طفلها ومهما كان حجم الاهتمام والرّعاية الذي توفّره الرّوضة فهو لا يضاهي أبدا الاهتمام الّذي تقدّمه الأسرة«. و أصبحت دور الحضانة اليوم تستقبل حتّى أطفال الأم الماكثة بالبيت، أين تفضّل هذه الأخيرة وضع ابنها بالرّوضة بين أيدي المربّيات عوض أن تعتني به هي، باعتبار الرّوضة أنسب مكان له، وتقول رقيّة ماكثة بالبيت بهذا الشّأن »بعد تربيتي لأبني الأكبر في البيت أدركت أنّي لم أستطع تقديم الكثير له، وعانيت من انعزاله ورفضه للتّواصل مع الآخرين، فقرّرت وضع ابنتي بعدها في الرّوضة، لتتمكّن من صحبة الزملاء والمشاركة في النشاطات معهم فيكون لها دور وللآخرين دور ولتقبل فكرة التعاون وتبتعد عن الأنانية والفردية وتكشف عن حاجاتها وتستطيع حل مشاكلها« . وهناك من الأمّهات من تتركن أطفالهن في منازل مربّيات يعملن دون اعتماد من الدّولة، وفي شروط غير قانونيّة، الأمر الذي يشكّل خطرا على الطّفل وعلى طريقة نشأته، »فراح« ذات الأربع سنوات هي ضحيّة هذه الظّاهرة، فقد تعرّضت لحروق خطيرة على كامل جسمها في بيت إحدى المربّيات التي تركتها بالمطبخ انشغلت بشؤون البيت ، فكانت صدمة الأم عند عودتها من العمل لاستعادة ابنتها كبيرة، ولم تلم سوى نفسها حينها، على غرار الطّفل إسحاق الذي كبر بتأخّر سبّبه له الضّرب والمعاملة السيّئة التي كان يتعرّض لها من طرف الأسرة التي كان يوضع عندها طوال فترة عمل والديه. الروضة مكمّلة للبيت وليست بديلا في ذات السّياق أطلعتنا »عمّال سهيلة« مديرة روضة الفراشات، أنّ وظيفة الرّوضة لم تعد مثل السّابق تأوي أطفال الأم العاملة فقط، فالآن عديد الرّوضات ودور الحضانة تعمل وفق برامج متنوّعة، الأمر الذي يستحسنه الأولياء كثيرا وأضافت قائلة »عندما يقصدنا الأولياء أوّل شيء يطلبونه هو البرنامج، ونحن نعمل وفق برنامج باللّغتين العربية والفرنسيّة مع أطفال الثلاث، والأربع والخمس سنوات ونحرص على تلقينهم بشكل جيّد« كما أطلعتنا محدّثتنا على أنّ روضتها تستقبل أطفال أمهاتهم ماكثات بالبيت، لان هؤلاء لا تستطيعن أن تقدّم له ما تقدّمه الرّوضة »الطّفل يستفيد عندنا أحسن من بقائه في المنزل، فالكثير من الأمهّات تنشغلن بشؤون البيت وتتركن اطفالهن دون رعاية، لكن بالرّوضة يتعلم ويكتشف بطريقة سريعة خصوصا تحت اشراف مختصّين« ،تضيف، والرّوضة مفيدة للطّفل على جميع الأصعدة فهناك أطفال لا يأكلون جيّدا بمنازلهم لكن هنا يتغيّر الأمر وهم بين أقرانهم. كما أشارت محدّثتنا إلى أنّ المقارنة بين طفل الروضة والأكبر منه سنّا تكون في صالح هذا الأوّل من حيث درجة التقبل والميل للبحث والاستكشاف والإبداع وزيادة على هذا، الرّوضة تخدم حتّى الأولياء إذ تزوّدهم بالخبرة والمعرفة عن أبنائهم . في ذات الشّأن أكّدت الأستاذة الدكتورة »أحسن جاب الله حورية« مختصة في علم النفس العيادي، على الدّور الأساسي الّذي تلعبه الأم في حياة الطّفل وعلى حاجته الكبيرة لها، كون العلاقة بينهما تبدأ من قبل الولادة، وتشتدّ في فترة الرّضاعة وتستمرّ بعدها، »لأنّ الأمّ يصعب تعويضها أو يستحيل ذلك« أمّا فيما يتعلّق بقضية الرّوضة اعتبرتها محدّثتنا مكمّلة لتربية الأسرة وليست بديلا، خاصّة عند بلوغ الطّفل سنة أين يبدأ في المشي واكتشاف المحيط والعلاقات من حوله. وفي هذه المرحلة ذهاب الطّفل إلى الرّوضة يسمح له بتوفير إمكانيات أكبر ممّا يساعده على التّنشئة الاجتماعيّة السّليمة كما يتيح له توطيد علاقات من نوع آخر غير تلك التي شكّلها في أسرته، لكن بشرط تقول محدّثتنا »أن تكون علاقته بأسرته -خاصّة بأمّه- علاقة نوعيّة، مبنيّة على العطاء والثّقة بالدّرجة الأولى، ممّا يجعل علاقاته الأخرى، مع أقرانه والمربّيات، تعطيه المزيد، ولو حدث العكس فإنّه سيستثمر من المربيّة إذا ماكانت كفأة«. هذا وأشارت »أحسن جاب الله حورية« إلى أنّ الطّفل الّذي دخل إلى الرّوضة يكتسب أمورا عديدة مقارنة مع الطّفل الّذي لم يدخلها، وهذا الأخير قد تكون علاقته بأمّه غير متينة رغم قضائه لكامل الوقت معها فعديد الأمّهات ينشغلن بشؤون المنزل على حساب منح الطّفل وقتا يحتاجه مثلا لشرح الرّسوم المتحرّكة أو ما يشاهده، »فهو لا يفرّق بين الواقع والخيال«. و خلصت محدّثتنا على أنّ الرّوضة من جهتها يجب أن تحتوي على مميزات أوّلها الاعتماد الّذي يتطلّب مراجعة و مراقبة منتظمة في كلّ مرّة من طرف مختصّين، وكذلك على مربّيات يشترط أن تكن في المستوى، إضافة إلى برنامج يتبنّى كلّ ما يحتاج إليه الطّفل من طرق تربويّة ملائمة تزوده بالخبرات الجديدة من خلال الاختلاط المنظّم وتنمية الاتّجاهات نحو الذّات ونحو الغير، وتعمل على مساعدته على تنمية فكره وإثارة فضوله للمعرفة .