جددت دول جنوب - جنوب عبر حركة عدم الانحياز ومجموعة 77 و الفروع الأخرى للمجموعة بالأممالمتحدة مؤخرا بالجزائر التزامها بمواصلة وتكثيف النضال من أجل نظام اقتصادي دولي منصف وعادل يستجيب لأولوياتها والدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بتعزيز قوتها التفاوضية المشتركة حيال المسائل الدولية ذات الصلة بالتنمية المستدامة ضمن منظومة الاممالمتحدة وتقوية التعاون فيما بينها . الموقف الإفريقي الموحد حول أجندة التنمية لما بعد 2015 سيكون هو الاخر في قلب موقف دول العالم الثالث باعتراف دول عدم الانحياز و مجموعة ال77 زائد الصين بان القضايا الافريقية الاقتصادية والتنموية يجب ان تحظى بأولوية مطلقة وتكون محل دعم في مفاوضات افريقيا مع شركائها الدوليين في 2025 بالجمعية العامة للأمم المتحدة . وفق ذلك يضربان موعدان لتقييم المسار :الاول عبر دعوة رؤساء دول وحكومات البلدان 133 الأعضاء في مجموعة 77 للمشاركة بفعالية في القمة التاريخية لمجموعة 77 التي ستنعقد يومي 14 و 15 جوان 2015 بسانتا كرو(بوليفيا)..والثاني يتحدد في عقد اجتماع وزاري للجنة التنسيق المشتركة لحركة عدم الانحياز ومجموعة 77 بنيويورك في سبتمبر 2015 بمناسبة احياء الذكرى 60 لإعلان باندونغ و الذكرى 70 لانشاء منظمة الاممالمتحدة . وقد شهد التعاون الاقتصادي بين بلدان الجنوب تطورا محتشما منذ مؤتمر باندونغ في سنة ,1955 غير أنه مع الظهور القوي للبلدان الناشئة خلال السنوات الأخيرة يحاول هذا التعاون إعادة التوازن في العلاقات التقليدية مع بلدان الشمال حسب الملاحظين . بعد اعتبار البلدان النامية لمدة طويلة أضعف البلدان المساهمة في التبادلات العالمية ،لاسيما البلدان الناشئة، فقد أصبحت الان بمثابة فاعلين أساسيين في الاقتصاد العالمي حيث يشير خبراء من مكتب شمال إفريقيا التابع للجنة الاقتصادية للأمم المتحدة المكلفة بإفريقيا أن وزن البلدان الغنية الذي كان يقدر ب 60 بالمائة في الناتج الداخلي الخام مطلع القرن قد لا يقدر بأكثر من 43 بالمائة من الثروة العالمية في سنة 2030 ؛و عليه فان البلدان النامية أو بلدان الجنوب تمثل من الآن فصاعدا أكثر من نصف الناتج الداخلي الخام العالمي . في سنة 2010 و لأول مرة تداركت حصة الاقتصاديات النامية في الاستثمارات المباشرة الأجنبية حصة الاقتصاديات المتطورة و أكدت في هذا الخصوص اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة المكلفة بإفريقيا بأنه بإمكان الوعي المتزايد للبلدان الفقيرة إيجاد حلول مناسبة و بتكلفة أقل و مستدامة لمشاكلها ببلدان نامية أخرى بدلا عن بلدان الشمال الغنية. ترى بلدان الجنوب أن التعاون مع الشمال يحافظ على قاعدة تخصص تقليدي يبقي على استخلاص القيمة المضافة من تحويل المواد الأولية للشمال مثلما يسمح التعاون جنوب - جنوب أيضا لبلدان الجنوب منها إفريقيا بالتأثير على المفاوضات العالمية سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي و هذا من خلال مجموعات مفاوضات قوية بعض الشيء استنادا إلى ذات اللجنة الأممية . من جهتها سجلت التجارة جنوب- جنوب انتعاشا بمعدل 12 بالمائة سنويا ما بين 1996 و 2009 اي بنسبة تفوق 50 بالمائة مقارنة بالتبادلات شمال- جنوب. حسب دراسة نشرت في سنة 2013فان المكانة الاقتصادية و السياسية و الإستراتيجية التي تحتلها كل من البرازيل و روسيا و الهند و الصين و جنوب افريقيا على الصعيد العالمي على سبيل المثال تعد مؤشرا عن فرص التعاون جنوب-جنوب ،و تمثل هذه البلدان لوحدها 40 بالمائة من سكان العالم و أكثر من خمس الإنتاج العالمي و خمس حجم التبادلات التجارية و تدفقات الاستثمارات المباشرة الأجنبية في العالم. وارتفعت التبادلات التجارية لإفريقيا مع هذا التكتل بخمسة أضعاف في ظرف خمس سنوات لتقدر ب 340 مليار دولار سنة 2012 و من المرتقب أن تصل إلى 500 مليار دولار سنة 2015 . بالنسبة للجزائر فان الصين التي تقدر صادرتها ب 82ر6 مليار دولار في سنة 2013 تقدمت لأول مرة على فرنسا التي تحتل المركز الأول ضمن تصنيف الممونين الأساسيين للبلد طيلة سنوات غير أن المسألة الإستراتيجية تبقى تتمثل في معرفة ما إذا كانت الاقتصاديات الناشئة ستلعب أم لا دورا مناوبا في النمو بهذه البلدان حسب بعض الخبراء. لاحظ البروفيسور فيليب هوغون المختص في الاقتصاد بمعهد العلاقات الدولية و الإستراتيجية (فرنسا) وجود اتجاهات متناقضة ، ففي قطاع الخشب و المناجم حيث تعتبر الصين بلدا مستوردا ينسحب المستثمرون بهذا البلد النامي علما أن الصادرات نحو الصين تشهد تباطؤا على حد قوله. برأي المختصين في الاقتصاد أن نموا برقمين للصين قد يضمن نموا إفريقيا بنسبة 6 بالمائة نظرا لوزن الطلب الصيني على المواد الأولية ،و في المقابل تظهر في قطاع البترول و البناء و الأشغال العمومية استراتيجيات هجومية فيما يسعى المتعاملون بالبلدان الناشئة إلى حلول مكان الغربيين الذين تخلوا عنه حسب قولهم. غير أن تفادي الخلط بين نجاح الصين و الهند و ازدهار بلدان الجنوب أمرا غير معقول حسب دراسة أعدها مركز التجارة الدولية بجنيف حيث يقوم النمو الاقتصادي المسجل بالعديد من البلدان الأقل نموا خلال السنوات الأخيرة على الارتفاع البسيط للمواد الاساسية و ليس على نمو قدرات الإنتاج تضيف نفس الدراسة. و تنتج البلدان النامية خاصة المنتوجات المماثلة و المواد الاولية و المنتوجات القاعدية و بالتالي فانه ليس لديها ما تقدمه حسب ذات المركز ؛ إضافة إلى ذلك فان المصدرين ببلدان الجنوب لا زالوا يفضلون الأسواق التقليدية ببلدان الشمال التي تتميز بتنافسية أكبر أين يمكن أيضا للتجارة جنوب-جنوب أن تمنح فرصا مباشرة للتصدير على صعيد سهل التسيير. لكن العراقيل التجارية العديدة مقارنة بالبلدان المتطورة إضافة إلى ضعف المنشآت القاعدية المادية و المؤسساتية لا تزال تمثل مشاكل جدية لتطوير التعاون جنوب- جنوب حسب ذات المصدر. يرى الرئيس البوليفي ايفو موراليس الذي تخوض بلاده تجربة منذ أكثر من عقد سياسة اقتصادية تقوم على التأميم وتتمحور حول استرجاع الدولة سيطرتها على الثروات الطبيعية واستغلالها ان هذه الاخيرة ساهمت بشكل كبير في تحسين الظروف المعيشية للشعب البوليفي مشيرا إلى أن الثروة البترولية للبلاد قد تجاوزت ستة ملايير دولار سنة 2013 مقابل 300 مليون دولار فقط سنة 2005 مضيفا أن 82 بالمائة من تلك الايرادات تعود للدولة البوليفية مقابل 18 بالمائة بالنسبة للشركات النفطية الأجنبية. وأشار إلى أن هذه الشركات كانت تستحوذ في السابق على 82 بالمائة من إيرادات تصدير البترول ، وسمحت هذه الزيادة الهامة في الإيرادات للحكومة البوليفية برفع الاستثمارات العمومية التي انتقلت من 600 مليون دولار إلى حوالي 7 ملايير دولار في نفس الفترة ، و شهدت الاستثمارات المباشرة الأجنبية هي أيضا نموا ملحوظا بحيث انتقلت من 200 مليون دولار سنة 2005 إلى حوالي 3 ملايير دولار حاليا. موراليس قال أن سياسة الثورة الديمقراطية هذه سمحت لبوليفيا بالانتقال من بلد فقير إلى دولة ناشئة داعيا البلدان الأعضاء في حركة عدم الانحياز ومجموعة ال77 إلى تقاسم هذه التجربة الناجحة . لكن البلدان النامية تواجه اليوم كما يقول وزير الخارجية الايراني نظاما عالميا تفرضه القوى الكبرى التي تحاول وقف كل مبادرة لاظفاء المزيد من الانصاف في العلاقات الاقتصادية و التجارية الدولية . مثلما تحاول هذه الدول حسب وزير الخارجية الجزائري ان تستفيد من التغيرات الحاصلة على مستوى العالم والتوتر السائد بين الغرب عامة والاتحاد الروسي بشكل يوحي بأهمية أن يرفع صوت بلدان الجنوب والمطالبة بإحلال الوئام وعلاقات دولية تسودها المبادئ المكرسة في ميثاق الأممالمتحدة . في ظل هذا الوضع يتم تبادل الاتهامات ، دول الجنوب تقر بأن التأخر المسجل في تحقيق اهداف الالفية من اجل التنمية تسببت فيه البلدان المتطورة والتي غالبا ما حاولت وقف تحقيق اهداف الالفية من اجل التنمية و لم تحترم جميع التزاماتها في مجال المساعدات العمومية المخصصة للتنمية وسلوكها الاستعماري لا يزال موجودا لكن تحت شكل آخر لاسيما على مستوى هياكل الهيئات الاقتصادية و المالية الدولية لاسيما صندوق النقد الدولي. العالم وإن شهد تحولات عميقة في العقود الأخيرة وأحرز تقدما في عديد المجالات الهامة من التنمية الا انه لازال يواجه تحديات حقبقية للقضاء على الفقر ؛ وأبرزت أزمات السنوات الأخيرة نقائص وفشل هذه المؤسسات في الوقت الذي يرتفع فيه عدد الأشخاص الذين يعيشون في الفقر المدقع في عدة بلدان مع أن القضاء على الفقر يبقى أكبر تحدي شامل يواجهه العالم اليوم ويعد ضروريا لتحقيق التنمية المستدامة . كما تجمع مختلف مداولات حركة بلدان حركة عدم الانحياز ومجموعة ال77 على أن البنية الاقتصادية والمالية والبيئية الحالية فشلت في رفع التحديات العالمية الحالية متأسفة لكون عدة مناطق من العالم لاسيما البلدان الإفريقية مقصية من تسيير هيكل الحكامة الدولية. ويعكس مطالبة الدول النامية بإصلاح المؤسسات المالية العالمية القوة الاقتصادية المتنامية لها بعد نجاح بعض الدول منها وسير اخرى على دربها ، ويقف صندوق النقد الدولي الذي يمثل 185عضوا وأنشئ طبقا لاتفاقية بريتون وودز في أعقاب الحرب العالمية الثانية على رأس هذه المؤسسات . ويخلق تعارض المصالح تحديات لهيكل إدارة الصندوق حيث تنقسم الدول الاعضاء الى معسكرين : الاول الدول الغنية التي تحظى بنصيب الاسد من الحصص وتقدم الجزء الاكبر من رأسمال الصندوق وهي الدول الدائنة ، والدول الفقيرة التي تمثل غالبية الاعضاء وهي الدول المدينة . يثير هذا الفرق في التصنيف نزاعا حول كيفية إدارة الصندوق وقوة التصويت فيه لان للدول الدائنة مصالح مختلفة بالنسبة لشروط إقراض الصندوق، كما تنظر بعين الريبة للدول النامية كدول متلقية للقروض. وتريد الدول النامية حصصا أكبر وشروطا أقل بسبب اعتمادها كثيرا على قروض الصندوق وضعف قدرتها في مواجهة الازمات المالية وتقول ان الوضع الحالي يقوض شرعية الصندوق وبرامجه المشروطة للاقتراض لان مصالح الدول النامية غير ممثلة بشكل صحيح في صنع القرار . لكن الدول الغنية التي تستطيع الوصول بنفسها الى أسواق الائتمان لتمويل عجوزاتها ولا تلجأ الى صندوق النقد الدولي تعارض إعطاء دور أكبر للدول النامية وتفضل زيادة الشروط والمراقبة على القروض الممنوحة ، وتفيد الاحصاءات بأن الدول الغنية لم تعد تلجأ في السنوات الاخيرة للاقتراض من أموال الصندوق كما كان الامر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لكن الوضع بدأ يتغير حاليا بعد الازمة المالية العالمية بحيث قدم الصندوق عدة قروض لدول اوروبية الى جانب برز دور أكبر في الازمة للاقتصادت الناشئة تمثل في امكانية زيادة مساهمتها في الصندوق مقابل دور أكبر في صنع القرار فيه . الظاهر أن معركة اصلاح صندوق النقد الدولي ماتزال في مرحلة المطلبية رغم لجوئه الى الاقتراض لدى من يرفعون تلك المطالب عاليا ويتواجدون في الصفوف الاولى لدول الجنوب التي تحاول ان تكون قوية في ظل الازمة التي تمر بها بعض الدول الغنية المؤثرة في البنك الدولي ، كل ذلك بشرط ظلت تبحث عنه وتعمل من أجله يتمثل في توحيد كلماتها ومواقفها واقتراحاتها على المجموعة الدولية وأساليب عمل ومناهج وخطط تعمل لمصلحة البشرية ككل وليس فقط لمصلحة دول الجنوب التي تبقى الان الاكثر تضررا من العلاقات الدولية الحالية .