شهد التعاون الاقتصادي بين بلدان الجنوب تطورا محتشما منذ مؤتمر باندونغ في سنة 1955، غير أنه مع الظهور القوي للبلدان الناشئة خلال السنوات الأخيرة يحاول هذا التعاون إعادة التوازن في العلاقات التقليدية مع بلدان الشمال حسب الملاحظين. و بعد اعتبار البلدان النامية لمدة طويلة أضعف البلدان المساهمة في التبادلات العالمية، لاسيما البلدان الناشئة فقد أصبحت هذه البلدان بمثابة فاعلين أساسيين في الاقتصاد العالمي. في هذا الصدد، أشار خبراء من مكتب شمال إفريقيا التابع للجنة الاقتصادية للأمم المتحدة المكلفة بإفريقيا أن وزن البلدان الغنية الذي كان يقدر ب 60 بالمئة في الناتج الداخلي الخام مطلع القرن قد لا يقدر بأكثر من 43 بالمئة من الثروة العالمية في سنة 2030. و عليه فان البلدان النامية أو بلدان الجنوب تمثل من الآن فصاعدا أكثر من نصف الناتج الداخلي الخام العالمي. و في سنة 2010 و لأول مرة تداركت حصة الاقتصادات النامية في الاستثمارات المباشرة الأجنبية حصة الاقتصادات المتطورة. في هذا الخصوص أكدت اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة المكلفة بإفريقيا بأنه " بإمكان الوعي المتزايد للبلدان الفقيرة إيجاد حلول مناسبة و بتكلفة أقل و مستدامة لمشاكلها ببلدان نامية أخرى بدلا عن بلدان الشمال الغنية". و ترى بلدان الجنوب أن التعاون مع الشمال يحافظ على قاعدة تخصص تقليدي يبقى على استخلاص القيمة المضافة من تحويل المواد الأولية للشمال. و يسمح التعاون جنوب-جنوب أيضا لبلدان الجنوب منها إفريقيا بالتأثير على المفاوضات العالمية، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي و هذا من خلال مجموعات مفاوضات قوية بعض الشيء استنادا إلى ذات اللجنة الأممية. البرازيل و روسيا و الهند و الصين و جنوب إفريقيا: بلدان يقتدى بها و من جهتها سجلت التجارة جنوب-جنوب انتعاشا بمعدل 12 بالمئة سنويا ما بين 1996 و 2009 اي بنسبة تفوق 50 بالمئة مقارنة بالتبادلات شمال-جنوب. و حسب دراسة لنفس اللجنة نشرت في سنة 2013، فان المكانة الاقتصادية و السياسية و الإستراتيجية التي تحتلها كل من البرازيل و روسيا و الهند و الصين و جنوب افريقيا على الصعيد العالمي على سبيل المثال تعد مؤشرا عن فرص التعاون جنوب-جنوب. و تمثل هذه البلدان لوحدها 40 بالمئة من سكان العالم و أكثر من خمس الإنتاج العالمي و خمس حجم التبادلات التجارية و تدفقات الاستثمارات المباشرة الأجنبية في العالم. و قد ارتفعت التبادلات التجارية لإفريقيا مع هذا التكتل بخمسة أضعاف في ظرف خمس سنوات لتقدر ب 340 مليار دولار في سنة 2012 و من المرتقب أن تصل إلى 500 مليار دولار في سنة 2015 . و بالنسبة للجزائر فان الصين التي تقدر صادرتها ب 82ر6 مليار دولار في سنة 2013 تقدمت لأول مرة على فرنسا التي تحتل المركز الأول ضمن تصنيف الممونين الأساسيين للبلد طيلة سنوات. غير أن المسألة الإستراتيجية تبقى تتمثل في معرفة ما إذا كانت الاقتصادات الناشئة ستلعب أم لا دورا مناوبا في النمو بهذه البلدان حسب بعض الخبراء. التكامل الاقتصادي جنوب-جنوب: الكثير من العراقيل لا تزال قائمة... لاحظ فيليب هوغون المختص في الاقتصاد بمعهد العلاقات الدولية و الإستراتيجية (فرنسا) وجود اتجاهات متناقضة. ففي قطاع الخشب و المناجم حيث تعتبر الصين بلدا مستوردا ينسحب المستثمرون بهذا البد النامي علما أن الصادرات نحو الصين تشهد تباطئا على حد قوله. و يرى المختصون في الاقتصاد أن نموا برقمين للصين قد يضمن نموا إفريقيا بنسبة 6 بالمئة نظرا لوزن الطلب الصيني على المواد الأولية. و في المقابل تظهر في قطاع البترول و البناء و الأشغال العمومية استراتيجيات هجومية فيما يسعى المتعاملون بالبلدان الناشئة إلى حلول مكان الغربيين الذين تخلوا عنه حسب قولهم. غير أن تفادي "الخلط" بين نجاح الصين و الهند و ازدهار بلدان الجنوب أمرا غير معقول حسب دراسة أعدها مركز التجارة الدولية بجنيف. و يقوم النمو الاقتصادي المسجل بالعديد من البلدان الأقل نموا خلال السنوات الأخيرة على الارتفاع البسيط للمواد الاساسية و ليس على نمو قدرات الإنتاج تضيف نفس الدراسة. و تنتج البلدان النامية خاصة المنتوجات المماثلة و المواد الاولية و المنتوجات القاعدية و بالتالي فانه ليس لديها ما تقدمه حسب ذات المركز. و إضافة إلى ذلك، فان المصدرين ببلدان الجنوب لا زالوا يفضلون الأسواق التقليدية ببلدان الشمال التي تتميز بتنافسية أكبر أين يمكن أيضا للتجارة جنوب-جنوب أن تمنح فرصا مباشرة للتصدير على صعيد سهل التسيير. بيدا أن العراقيل التجارية العديدة مقارنة بالبلدان المتطورة، إضافة إلى ضعف المنشآت القاعدية المادية و المؤسساتية لا تزال تمثل مشاكل جدية لتطوير التعاون جنوب-جنوب حسب ذات المصدر. و عشية انعقاد الندوة الوزارية ال17 لحركة عدم الانحياز بالجزائر من 26 الى 29 مايو الجاري فان رفع كل العراقيل التي قد تحول دون تحقيق تكامل اقتصادي جنوب-جنوب يكون ملموسا و يعود بالفائدة على الجميع يعتبر أهم تحد يجب رفعه من طرف هذه البلدان.