حدثني أحد الإخوة العرب، بكثير من المرارة عن الجزائر الطاردة للسياح، رغم ما تتوفر عليه من إمكانات سياحية هائلة، قال: كنت في زيارة سياحية للجزائر، وما أن وطئت قدماي المطار، وكنت أرتدي اللباس التقليدي الخليجي، حتى فوجئت بأحد رجال الجمارك يسألني أسئلة غريبة، تتصل بأمور شخصية، وبدا لي أن زيارتي غير مرغوب فيها، وحينها قررت أن أحتفظ للجزائر بتلك الصورة الجميلة التي يحملها قلبي وذاكرتي وقراءاتي، ومن يومها أصبحت تونس والمغرب وجهتي المفضلة! الوزير الأسبق للسياحة الراحل عبد المجيد علاهم، قال لي متحسرا: ''ماذا عساني أن أفعل، إن الذهنية الجزائرية منفرة للسياح، لا تقبل بما يريده ويبحث عنه السائح الأجنبي، إن السياحة في بلادنا ملف مغلق.".. يجري في بلادنا كلام كثير عن السياحة، لكن الأمر لا يتجاوز حدود الكلام في كثير من الأحيان، وإلا فأين هي السياحة، هل هي في مركبات سيدي فرج وتيبازة وزرالدة التي هي على حالها منذ زمن طويل، هل هي في أفواج السياح الأجانب الذين يتوافدون على تيميمون وطاغيت وتمنراست ووهران والعاصمة والشريعة وتيكجدة، هل هي في أولئك السياح الذين زيحجونس إلى سيدي عقبة، وأخيرا أين هي السياحة في بلادنا، في حين أن الجزائريين يقومون في كل صائفة بعملية زغزوس سلمية إلى تونس الشقيقة، وأخيرا أين هو الحس السياحي، مع أنه يمكن أن ينمى بمزيد من التلقين والتدريب، حتى يشعر الجميع أن الزبون على حق وأن الخدمة المقدمة تحظى برضاه. إن هناك عدة مواقع سياحية موثقة ومعروفة، فلماذا السياحة الثقافية والدينية لا تستثمر في بلادنا، وفي هذا المجال أتذكر أن القيم على مسجد سيدي عقبة بولاية بسكرة حدثني عن 350 صحابي استشهدوا خلال فتوحات عقبة بن نافع، ويمكن أن يكون هذا الموقع مزارا لمئات الأشخاص من المملكة السعودية وما جاورها، هذا زالحجس السياحي يمكن أن يكون مسارا لرحلة سياحية ممتعة في واحات النخيل على امتداد سيدي عقبة وطولفة ومشونش وبوسعادة، وما تتميز به المنطقة من تراث وعادات وواحات النخيل وفضاءات للسياحة العلاجية كالحمامات المعدنية والمياه الكبريتية والرمال الساخنة. لقد كانت بسكرة في سنوات سابقة قبلة السياح، وكان عيد التمور مناسبة مواتية لعرض الأجود منها وتقديم ما تتوفر عليه المدينة وضواحيها من فلكلور وصناعات تقليدية. كانت بسكرة تعيش أياما جميلة في أجواء البهجة وكان السياح يأتون من كل الجهات في العالم، فأين هم اليوم وأين هو ذلك العيد، وأين هي تلك الفنادق التي كانت تعمر بها المدينة؟ .. ذلك أيضا هو شأن بوسعادة مع طابعها السياحي وزوارها من شتى بلدان العالم ومع ''عيد البرنوس'' الذي لم يعد له وجود مع أن البرنوس لا يزال حاضرا ولن يغيب، وكذلك هو الأمر بالنسبة لتيارت مع خيلها وفرسانها. بالتأكيد، لا أحد من المسؤولين، يجهل الإمكانات السياحية في بلادنا، لكن الثقافة السياحية غائبة، وكذلك الدعاية السياحية في الخارج منعدمة أو تكاد، ولنا أن نستحضر تلك المواقع السياحية الرائعة في مختلف ربوع الجزائر، لكنها تعاني الإهمال، وكمثال فقط، شاطئ العقيد عباس بزرالدة الذي أصبح مرتعا للفساد ووكرا للرذيلة، مع أن موقعه وتأهيله سياحيا كفيلان بأن يجعلا منه ''كوت آزير'' الجزائر. هذه التوصيفات وغيرها كثير، تؤكد بأن السياحة في بلادنا منسية أو أنها ضحية غياب الوعي السياحي الرسمي والشعبي، رغم ما منحه الله بلادنا من طبيعة خلابة، وشواطىء ممتدة، وجبال وغابات وصحراء وكنوز من التراث والآثار وتشكيلات رائعة من الصناعات التقليدية. في تونس تتوافر جميع مقومات الجذب السياحي، إذ يجد السائح بغيته مهما تنوعت وتباينت، وفي المغرب تلعب السياحة دورا هاما في اقتصاد هذا البلد، وتعتبر السياحة من أهم مصادر الدخل القومي في مصر، أما في تونس فيتوقع أن تستقطب السياحة هذا العام أكثر من 10 مليون سائح وأن تدر أكثر من 5 مليار دولار، لكن ماذا عن الجزائر؟ إن تونس تتوفر على مجموعة فندقية، ذات صيت عالمي، في حين أن هذه النوعية ببلادنا لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ومنذ سنوات عديدة لم نسمع أن هناك فندقا جديدا قد أضيف إلى القليل الموجود، بل إن الاستثمارات الوطنية والأجنبية في هذا القطاع لا تجد إلا الآذان الصماء، وكأن بلادنا ليست بحاجة إلى سياحة ولا إلى فنادق ولا إلى مرافق سياحية وأنها في غنى عن ذلك كله. إن الحقيقة المؤسفة تقول: إن البترول كان نقمة، حيث أهملنا الفلاحة والصناعة والسياحة، واكتفينا بما يدره علينا الريع البترولي، إلى حين أن نفيق من غيبوبتنا على الكارثة التي ستقع على رؤوسنا. فماذا عساها تفعل وزيرة السياحة، بعد أن فشل كل الذين سبقوها في بعث الحياة في سياحتنا الميتة.إن السؤال ينتظر الجواب، وإن المستقبل لكشاف. [email protected]