ألم تقم القيامة في الغرب عندما قصف »مجانين القاعدة« في أفغانستان عام 2001 تمثال بوذا؟ واعتبروا ذلك بمثابة تعدي على البوذية نفسها؟ لماذا لم يعتبروا رسومات شارلي إيبدو وقبلها رسومات الجريدة الدانماركية مثلا تعدي على الإسلام والمسلمين واستهداف لقواعد العيش السلمي ؟ لا يمكن للعقلاء أن يختلفوا على أن الذي حدث في باريس من اعتداء على شارلي إيبدو بأنه إرهاب، سواء أكان إرهابا حقيقيا أو إرهابا اصطناعيا مهما كانت الجهة المنفذة والجهة المستفيدة. ويجب أيضا مقابل ذلك أن لا يختلف العقلاء في أن الأكثر من 50 اعتداء على المساجد مباشرة بعد الإعتداء على شارلي إيبدو هي إرهاب أيضا مهما كانت الجهة المنفذة لذلك. ولا يجب أن يختلف العقلاء في أن الإرهاب واحد لا دين له ولا جنسية، فالذي يقتل باسم أي إيديولوجية كانت ولأي هدف كان باستثناء حالات الدفاع عن النفس والعرض والوطن فهو إرهابي. كشف تناقضات الديمقراطيات الغريبية الغريب في ما حدث في باريس، هو أن الحكومة الفرنسية هبت وجمعت أكثر من 1.5 مليون فرنسي معززين برؤساء حكومات ووزراء من مختلف دول العالم للمشاركة في مسيرات "ضد الإرهاب" رفع خلالها شعار"أنا شارلي"، لكننا لم نسمع تنديدات ومسيرات منددة بالإرهاب الذي يستهدف المسلمين في فرنسا ؟ مسملون فرنسيون حتى لو كانوا من أصول مغاربية أو إفريقية؟ لم نسمع أي تنديد أو توبيخ من الحكومة الفرنسية لجريدة شارلي إيبدو التي تمارس "إرهابا فكريا وإعلاميا" يستهدف دينا سماويا مقدسا يعتنقه أزيد من 1.5 مليار من البشر في كل الدول ومن كل الألون والأعراق واللغات. مقابل ذلك تطبق فرنسا »إرهابا قانونيا« ضد كل من ينتقد ممارسات الصهاينة ويدحض أكاذيبهم التاريخية والإعلامية. فالممثل الفوكاهي الفرنسي من أصول إفريقية "ديودونيه" متهم في فرنسا ومطارد وممنوع من ممارسة المسرح بتهمة »معاداة السامية«، لكن فرنسا لم تمنع جريدة شارلي إيبدو من نشر رسومات مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، رغم أن الإسلام دين سماوي سامي. لقد جرجرت فرنسا المفكر الفرنسي روجي غارودي إلى المحاكم بتهمة معاداة السامية والدعوة إلى "المراجعة" بعد نشره كتبا تاريخيا فكريا استقصائيا ونقديا يشكك، يشكك فقط، في عدد اليهود الذين قتلوا في "اوشفيتز" خلال الحرب العالمية الثانية. كذلك حدث مع الكاتب والصحفي الفرنسي "تيري ميسون" الذي ألف كتابا مثيرا يشكك فيه في الرواية الأمريكية حول أحداث 11 سبتمبر 2001 بعنوان "الخدعة الرهيبة"، فأصبح مهددا في حياته حتى استقر في بلد خارج فرنسا هاربا من التهديدات التي تلاحقه، ولم تعمل فرنسا الرسمية، وهو فرنسي لحما ودما وجنسية وجذورا، على حمايته باسم حرية التعبير المكفولة في القوانين ومختلف الدساتير الفرنسية. والغريب في "الديمقراطية الفرنسية"، في الحكومة الفرنسية، وفي الدولة الفرنسية، أن البحوث الأكاديمية والمقالات الإعلامية والإبداعات الفنية التي تنتقد "الجرائم اليهودية" تعتبر مساسا باليهود ومعاداة السامية، بينما تعتبر التهجمات والسخرية من الإسلام والأنبياء جزءا من حرية التعبير، رغم أن المواثيق الدولية والقوانين الفرنسية نفسها تضع للحرية بعض القيود منها "منع المساس بالأديان". سلمان رشدي تمثال بوذا وشارلي إيبدو: نماذج فقط هكذا تتضح معالم الصليبية الفرنسية، كل ما هو دفاع عن الإسلام والمسلمين إرهاب، وكل نقد مجرد نقد لليهود إرهاب ايضا، وعكس ذلك صحيح، كل نقد للإسلام بطولة وكل تجريح للمسلمين والقرآن إبداع . ألم يدافع الغرب وعلى رأسه فرنسا عن الكتاب والروائيين الذين تعرضوا للإسلام ونبي الإسلام والقرآن الكريم بالتجريح والشتم والسب مثل "سلمان رشدي" و"تسليمة نسرين" على سبيل المثال فقط ؟ ألم تقم القيامة في الغرب عندما قصف "مجانين القاعدة " في أفغانستان عام 2001 تمثال بوذا؟ واعتبروا ذلك بمثابة تعدي على البوذية نفسها؟ لماذا لم يعتبروا رسومات شارلي إيبدو وقبلها رسومات الجريدة الدانماركية وغيرهما تعدي على الإسلام والمسلمين واستهداف لقواعد العيش السلمي ؟ لقد بات في شبه المؤكد أن العديد من الدول الغربية تمارس صليبية واضحة، فباسم محاربة الإرهاب الذي ألصق بالإسلام قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية باعلان الحرب على أفغانستان ووضعت جندها في قلب منطقة مهمة تعرف في الجغرافية السياسية باسم "يوراسيا" أي المنطقة التي تقع بين أوروبا وآسيا والتي تعد واحدة من أهم معابر النفط من جهة، والقريبة من العدو التقليدي روسيا من جهة ثانية. ولم يلحق الأذى بأفغانستان فقط، إنما لحق الأذى ايضا حتى بباكستان حيث بات الجنود الأمريكيون يتعدون جهارا على سيادة الباكستان. من الصليبية الأمريكية إلى الصليبية الأوروبية منذ 2011 إلى يومنا هذا لم تقم لأفغانستان قائمة، فلا هي ديمقراطية على الطريقة الغربية ولا هي مستقرة حتى لو كانت دولة بدائية. وما يلاحظ أنه قبل وبعد 11 سبتمبر 2001، مهد العديد من الإعلاميين والمفكرين الأمريكين الطريق لهذا النوع من العمليات العسكرية الأمريكية بكتابات تنتقد الإسلام وتصف المسلمين بالبرابرة وتنظر لصراع الحضارات. وكان لابد من وجود " تنظيم إرهابي إسمه القاعدة" لكي يتم تجييش العالم الغربي ضده، حينها صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن الله ابتعثه للقيام بالحرب المقدسة، فخاضها خارج رغبة الأممالمتحدة. لذلك ومباشرة بعد أفغانستان، جاء الدور على العراق، حيث اتهم بامتلاك اسلحة كيمائية وإيوائه تنظيم القاعدة، وتم تدمير العراق في حرب انطلقت عام 2003 ولم تنته إلى يوم الناس هذا، وانتهى العراق بدل أن تنتهي الحرب، ولم تتم بناء ديمقراطية على الطريقة الغربية إلى يوم الناس هذا، ولم تعثر القوة الأمريكية العظمى على أي سلاح كيميائي، وبعدها بعشر سنوات وتحديدا في 2014 تم تسليم العراق لجماعة إرهابية جديدة إسمها "داعش". كذلك، وباسم الصليبية الأمريكية، أيضا تم تصنيف السودان وليبيا وسوريا في خانة الدول المارقة والراعية للإرهاب، والنتيجة أن تم القضاء على الدولة الليبية بتدخل عسكري فرنسي أممي غير مبرر، وتم تسليم ليبيا لجماعات إرهابية مدججة بكل أنواع الأسلحة التي لا تصنع في ليبيا إطلاقا بل في الدول الغربية الراعية "لانهيار ليبيا". كذلك تم تقسيم السودان إلى دولتين، ويجري التفكير في إنشاء دولة ثالثة في دارفور، أما الوضع في سوريا فهو حرب أهلية طاحنة، انهارت معها الدولة السورية وتشرد الشعب السوري، بدون أن تتخذ الدول الغربية نفس الموقف الذي اتخذته مع "شارلي إيبدو". وعلى صعيد آخر تشهد العديد من الأقليات المسلمة حرب إبادة واسعة في إفريقيا وآسيا، بدون أن يعتبر الغرب ذلك إرهابا، وشهدت فلسطين حرب إبادة واسعة من قبل الدولة الصهيونية واعتبر الغرب ذلك دفاعا عن النفس. ربما لو لم تكن هناك أحداث 11 سبتمبر 2001 ، لما حدث للعالم العربي والإسلامي ما يحدث حاليا من حروب وفتن وقلاقل، ولما عرفنا حربا صليبية أمريكية خطيرة، سعت لخلق الفوضى التي على اساسها تم بناء واقع جديد تستفيد منه أمريكا دون غيرها. وربما باسم "أنا شارلي" سوف تستنسخ فرنسا التجربة الأمريكية، فتبسط سيطرتها العسكرية على مالي والنيجر وليبيا وتضيق على المسليمن في فرنسا حتى لو كانوا فرنسيين وليسوا مهاجرين، إيذانا بميلاد صليبية فرنسية على غرار الصليبية الأمريكية.